استقرار سعر الذهب اليوم وعيار 21 يسجل 3170 جنيها    تعرف على سعر الدولار اليوم في البنوك    بأسعار مخفضة.. طرح سلع غذائية جديدة على البطاقات التموينية    ارتفاع جديد.. أسعار الفراخ والبيض في الشرقية الأحد 19 مايو 2024    إعلام فلسطيني: 6 شهداء بقصف على حي الدرج شرقي مدينة غزة    الكرملين: الإستعدادات جارية لزيارة بوتين إلى كوريا الشمالية    ولي العهد السعودي يبحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي ملف غزة    هجمات الحوثي في البحر الأحمر.. كيف تنسف سبل السلام؟    ميدو يوجه نصائح للاعبي الزمالك في نهائي الكونفدرالية    الأقوى منذ الصيف الماضي.. "مركز تغير المناخ" يٌحذر من طقس الساعات المقبلة    ظاهرة عالمية فنية اسمها ..عادل إمام    زعيمة حزب العمال الجزائري لويزة حنون تعلن ترشحها للانتخابات الرئاسية    خبير اقتصادي: صفقة رأس الحكمة غيرت مسار الاقتصاد المصري    8 مصادر لتمويل الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات وفقًا للقانون (تعرف عليهم)    إصابة 10 أشخاص في انقلاب ميكروباص بطريق "قنا- سفاجا"    تعليم النواب: السنة التمهيدية تحقق حلم الطلاب.. وآليات قانونية تحكمها    حملات لإلغاء متابعة مشاهير صمتوا عن حرب غزة، أبرزهم تايلور سويفت وبيونسيه وعائلة كارداشيان    رامي جمال يتصدر تريند "يوتيوب" لهذا السبب    البنك المركزي يطرح أذون خزانة بقيمة 55 مليار جنيه في هذا الموعد    الاحتلال الإسرائيلي يخوض اشتباكات في حي البرازيل برفح الفلسطينية    الخارجية الروسية: مستقبل العالم بأسرة تحدده زيارة بوتين للصين    حظك اليوم برج العقرب الأحد 18-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    عاجل.. موجة كورونا صيفية تثير الذعر في العالم.. هل تصمد اللقاحات أمامها؟    القومي للبحوث يوجه 9 نصائح للحماية من الموجة الحارة.. تجنب التدخين    نصائح لمواجهة الرهبة والخوف من الامتحانات في نهاية العام الدراسي    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    بن حمودة: أشجع الأهلي دائما إلا ضد الترجي.. والشحات الأفضل في النادي    خاص- تفاصيل إصابة علي معلول في مباراة الأهلي والترجي    "التنظيم والإدارة" يكشف عدد المتقدمين لمسابقة وظائف معلم مساعد مادة    بوجه شاحب وصوت يملأه الانهيار. من كانت تقصد بسمة وهبة في البث المباشر عبر صفحتها الشخصية؟    عاجل.. إصابة البلوجر كنزي مدبولي في حادث سير    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    ظهر بعكازين، الخطيب يطمئن على سلامة معلول بعد إصابته ( فيديو)    الداخلية تكشف حقيقة فيديو الاستعراض في زفاف "صحراوي الإسماعيلية"    مع استمرار موجة الحر.. الصحة تنبه من مخاطر الإجهاد الحراري وتحذر هذه الفئات    باقي كام يوم على الإجازة؟.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    شافها في مقطع إباحي.. تفاصيل اتهام سائق لزوجته بالزنا مع عاطل بكرداسة    باسم سمرة يكشف عن صور من كواليس شخصيته في فيلم «اللعب مع العيال»    تعزيزات عسكرية مصرية تزامنا مع اجتياح الاحتلال لمدينة رفح    رضا حجازي: التعليم قضية أمن قومي وخط الدفاع الأول عن الوطن    نشرة منتصف الليل| الحكومة تسعى لخفض التضخم.. وموعد إعلان نتيجة الصف الخامس الابتدائي    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    "التصنيع الدوائي" تكشف سبب أزمة اختفاء الأدوية في مصر    وظائف خالية ب وزارة المالية (المستندات والشروط)    اليوم السابع يحتفى بفيلم رفعت عينى للسما وصناعه المشارك فى مهرجان كان    نقيب الصحفيين: قرار الأوقاف بمنع تصوير الجنازات يعتدي على الدستور والقانون    أخذتُ ابني الصبي معي في الحج فهل يصح حجُّه؟.. الإفتاء تُجيب    أوكرانيا تُسقط طائرة هجومية روسية من طراز "سوخوى - 25"    جريمة في شارع ربيع الجيزي.. شاب بين الحياة والموت ومتهمين هاربين.. ما القصة؟    رامي ربيعة: البطولة لم تحسم بعد.. ولدينا طموح مختلف للتتويج بدوري الأبطال    دييجو إلياس يتوج ببطولة العالم للاسكواش بعد الفوز على مصطفى عسل    هل يعني قرار محكمة النقض براءة «أبوتريكة» من دعم الإرهاب؟ (فيديو)    حريق بالمحور المركزي في 6 أكتوبر    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    تعرف علي حكم وشروط الأضحية 2024.. تفاصيل    نقص أوميغا 6 و3 يعرضك لخطر الوفاة    وزير التعليم: التكنولوجيا يجب أن تساعد وتتكامل مع البرنامج التعليمي    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يا أقباط المهجر مصر هي المهجر
نشر في أخبار مصر يوم 26 - 07 - 2009

في مصر الآن من الحريات العامة القدر الواسع الذي يحتمل الجميع‏,‏ قدر كبير من حرية التعبير‏,‏ يسمح لكل مصري‏,‏ بما في ذلك الأقباط أن يرفع صوته عاليا‏,‏ وأن يعلن مطالبه بكل صراحة‏,‏ وأن يطلب حقوقه الوطنية‏,‏ وأن يتمتع بحقوق المساواة الكاملة‏,‏ وأن ينال مزايا المواطنة دون انتقاص‏..‏ يستطيع ذلك كل أشقائنا الأقباط‏.‏ ولا أظن أن قبطيا يحتاج أن يهاجر حتي يتمكن من إعلان مطالبه‏,‏ ولا أظن أن مصريا واحدا يرضي بذلك‏,‏ نقولها بصوت عال لكل الأقباط‏:‏ مصر لكم وكل ما فيها لكم‏,‏ مثلما هي لكل مواطنيها‏,‏ ومثلما هي لكل أبنائها‏.‏
لست في حاجة إلي مقدمات طويلة أو قصيرة عن سماحة التعايش بين المسلمين والأقباط‏.‏ ربما نتفق أو نختلف علي بعض القضايا والأحداث والأشخاص‏.‏
ولكن بشرط أن يتم ذلك علي أرض الوطن‏,‏ وعلي أرضية المواطنة‏,‏ وعلي قاعدة المساواة‏,‏ وفي إطار الدولة ومؤسساتها‏,‏ وفي إطار المجتمع ومنظماته وجمعياته ومبادراته التطوعية‏.‏
أما أن يتم تسييس بناء دور العبادة‏,‏ وتحويلها إلي قضية سياسية‏,‏ ثم إلي صراع سياسي‏,‏ ثم نخرج بها عن إطار المؤسسات‏,‏ ثم نهاجر بها إلي خارج الحدود‏,‏ ثم نزج بها في تعقيدات السياسات الدولية‏...‏ فهذا كله أمر محفوف بالخطر‏,‏ مزروع بالمخاطر‏.‏
تسييس مسألة بناء دور العبادة‏,‏ يخرج بها عن نطاق الدين‏,‏ وعن نطاق المجتمع‏,‏ وعن نطاق الدولة‏.‏
بل يراد منها ولها أن تتحول إلي مصيدة‏,‏ إلي شرك‏,‏ إلي فخ‏,‏ إلي حفرة‏,‏ يهوي فيها الدين‏,‏ ويسقط فيها المجتمع‏,‏ وتتورط فيها الدولة‏.‏
وأخطر من ذلك‏,‏ أن تتحول ممارسة العبادات الدينية‏,‏ من وقوف خاشع بين يدي المعبود الواحد‏,‏ إلي لون مقصود من التحدي‏,‏ والاستفزاز‏,‏ واستثارة الآخرين‏.‏
باختصار‏:‏ يبدو في الأفق خطة منهجية‏,‏ لتحويل الأنشطة الدينية إلي أداة لاختلاق التوتر الاجتماعي‏,‏ وبدوره فإن هذا التوتر الاجتماعي يترجم نفسه في حالة من الاضطراب السياسي‏,‏ وهذه أيضا بدورها تترجم عن نفسها في حالة أزمة سياسية مكتملة الأركان‏.‏ يتم اصطناعها‏,‏ اختلاقها‏,‏ فرضها علي الأجندة الداخلية‏,‏ ثم تصديرها المتزامن إلي الأجندات الخارجية‏,‏ التي تتلقفها‏,‏ وترحب بها‏.‏
أقول هذا‏,‏ علي هامش‏,‏ ما بثته الوكالات‏,‏ من مشاغبات‏,‏ وقعت من بعض المصريين‏,‏ من أقباط المهجر‏,‏ لدي زيارة الدكتور مصطفي الفقي علي رأس وفد من أعضاء مجلسي الشعب والشوري إلي أمريكا‏,‏ حيث التقوا بأعضاء من الكونجرس‏,‏ وبتجمعات من أقباط المهجر‏.‏
هذه المشاغبات لم تعد جديدة‏,‏ فهي مألوفة‏,‏ وأصبحت لها مواسم سياسية تظهر فيها بصورة دورية متكررة‏.‏ ولكن الجديد في هذه المشاغبات أنها تمت في وجه الدكتور مصطفي الفقي نفسه‏,‏ وهو واحد من كثيرين من المسلمين‏,‏ لديهم قراءة جديدة للملف القبطي‏,‏ ويكن احتراما شديدا للكنيسة المصرية‏,‏ ويبدي تعاطفا واضحا مع الكثير من قضايا الأقباط‏,‏ ويلتمس الأعذار والمبررات لشطط وتجاوزات الكثير منهم‏.‏
الدكتور مصطفي الفقي هو صوت قبطي‏,‏ هو صوت الأقباط في كثير من المحافل‏,‏ ولديه شبكة قوية ومتشعبة من الروابط والاتصالات الحميمة والوثيقة مع كل أطياف الأقباط في مصر‏,‏ من رموز الكنائس‏,‏ إلي رموز الحياة السياسية‏,‏ إلي رموز البيزنس‏,‏ إلي الناس العاديين جدا‏.‏
إقدام بعض من أقباط المهجر للصدام مع الدكتور مصطفي الفقي‏,‏ مؤشر خطر‏.‏
لأنه صدام يتجاوز كل حدود العقلانية‏,‏ لأن الفقي هو باتفاق الجميع نصير للمواطنة والمساواة ودولة القانون‏.‏ وهو تجسيد واقعي لنموذج العلمانية السياسية الليبرالية‏,‏ التي تفصل الدين عن الدولة‏,‏ وتحتفظ من الدين بأصله وجذوره الحضارية والثقافية والعقائدية‏,‏ وتوفر لأتباع جميع الديانات أقصي قدر مستطاع من حرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية‏.‏
أخطر ما في هذا الصدام‏,‏ ليس كونه وقع في وجه الفقي‏,‏ ولكن أخطر ما فيه أنه مؤشر علي أن أقباط المهجر قد انقلبوا انقلابا كاملا علي تراث الكنيسة القبطية المصرية في عهود وعصور الاعتدال والتعايش‏.‏
أقباط المهجر طبعة جديدة‏,‏ طبعة تتجاوز الأصل‏,‏ نسخة طارئة‏,‏ نسخة بلا جذور في الأعراق التاريخية للكنيسة المصرية‏.‏
بعض أقباط المهجر‏,‏ هم أبناء المهجر‏,‏ وفكرهم تأسس مهجريا‏,‏ تأسس علي البعد‏,‏ تأسس علي الجفاء‏,‏ تأسس علي القطيعة‏.‏ الحبال مقطوعة بينه وبين جذوره القبطية المصرية‏.‏
من الناحية السوسيولوجية‏,‏ يبدو أننا الآن أمام مجتمعين قبطيين‏,‏ مجتمع الداخل‏,‏ ومجتمع الخارج‏.‏
المجتمع القبطي في الخارج‏,‏ أو ما يسمي أقباط المهجر‏,‏ هو مجتمع مضاد‏,‏ مجتمع معاكس‏,‏ مجتمع مختلف‏,‏ الهوية المصرية عنده لها مكونات مختلفة‏,‏ وهو لا يتورع أن يبادر بالعداوة‏,‏ وأن يجاهر بالخصومة‏,‏ وألا يخفي ما يرتكبه من حرابة‏,‏ إنه يتجاوز كل سقوف المعارضة‏,‏ وينتقل إلي أرضية الشقاق والانشقاق‏,‏ ويخبط رأسه في جدار الانعزال والانفصال‏.‏ ويقطع الطريق علي المحاولات المخلصة من أجل التلاقي والاتصال‏.‏
نحن علي يقين من أن عموم الأقباط في مصر لا علاقة ولا شأن لهم بهذا الذي يجري هناك ويدبر هناك ويطبخ هناك‏.‏
أقباط المهجر ظاهرة سياسية تتستر وراء المسيحية‏.‏ وظاهرة طائفية متعصبة لا تعرف أن التسامح والتعايش المشترك معناهما الحلول الوسط‏,‏ ومعناهما إدراك مطالب الآخر ومراعاته بالقدر الذي تدرك به مطالبك وتسعي إليها‏.‏
لو أنصف أقباط المهجر أنفسهم‏,‏ ولو أنصفوا وطنهم‏,‏ ولو قرأوا أناجيلهم‏,‏ ولو وقفوا علي سيرة السيد المسيح عليه السلام‏,‏ لعلموا أن‏:‏
مصر هي المهجر‏.‏
أمريكا ليست المهجر‏.‏
مصر هي مهجر المسيح عليه السلام‏.‏
بأمر الله وكلمته جاءت العذراء تحمل المسيح الرضيع مهاجرة إلي مصر‏.‏
نقرأ في إنجيل متي‏:‏
فإذا ملاك الرب قد ظهر ليوسف‏(‏ خطيب مريم عليها السلام‏)‏ في حلم قائلا‏:‏
قم‏,‏ وخذ الصبي‏,‏ وأمه‏,‏ واهرب إلي مصر‏,‏ وكن هناك حتي أقول لك‏,‏ لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليقتله‏.‏
قبل أن يتأهب الدكتور مصطفي الفقي للسفر في مهمته والوفد المرافق له إلي أمريكا‏,‏ كان قد نشر مقالة في الأهرام‏2009/7/14‏ تحت عنوان حوار العصر‏;‏ الأغلبية والشأن القبطي‏.‏
جاء المقال في سبع نقاط جوهرية‏:‏
الأولي‏:‏ أن مكان إقامة الشعائر الدينية هو دور العبادة‏,‏ ونسبة كبيرة من الكنائس لا تملك ترخيصا حتي الآن‏,‏ لذلك فإن البداية يجب أن تكون بتقنين أوضاعها في إطار قانون دور العبادة الموحد‏.‏ ومثل هذا القانون إذا صدر سوف يرفع عن كاهل الدولة عبئا كبيرا‏,‏ وسوف يرضي جميع الأطراف‏,‏ علي اعتبار أن عدد الكنائس سوف يكون بنسبة واحد إلي عشرة من عدد المساجد المسجلة لدي الدولة‏.‏
الثانية‏:‏ أن الأقباط يتميزون بشيء من السلبية‏,‏ وهذه نقطة تحتاج إلي علاج حقيقي‏,‏ لأن ثقة الأقباط المفقودة في سيادة القانون وتطبيق العدالة وإعمال مبدأ المواطنة هي التي تقف وراء هذا الشعور السلبي‏.‏
الثالثة‏:‏ أن كثيرا من الأقباط الذين يتحدثون عن الاضطهاد‏,‏ يستخدمون ذلك ذريعة أحيانا للحصول علي ما لا يستحقون عندما يتحدث بعضهم عن فرص ضائعة في التعيين أو الترقي‏,‏ مفسرين ذلك بانتمائهم الديني دون النظر إلي كفاءتهم‏,‏ وهذه عملية ابتزاز تتكرر أحيانا‏.‏
الرابعة‏:‏ هناك مبالغة لدي كثير من الأقباط في الحديث عما يسمي بخطف الإناث وإجبارهن علي اعتناق الإسلام بضغوط الزواج وغيره من أسباب الإغراء‏,‏ وهذه نقطة تستحق المعالجة الحكيمة‏,‏ لأن الأمر يحدث علي الجانبين‏.‏ ولكن العائلات المسلمة تتكتم علي هذه الموضوعات‏.‏
الخامسة‏:‏ أشعر بانزعاج عندما يلجأ الأقباط إلي الكنيسة‏,‏ وعندما يتجمهر المسلمون في الجامع الأزهر‏,‏ وأقول لهؤلاء وأولئك‏:‏ مصر ليست دولة دينية‏,‏ ولكنها دولة مدنية يحكمها دستور وقانون‏.‏
السادسة‏:‏ أن صورة ما يجري في الوطن مغلوطة أحيانا ومبالغ فيها دائما أمام الأقباط والمسلمين في الخارج علي السواء‏.‏ فهناك قصص وهمية وأخبار كاذبة وعمليات شحن‏,‏ أري أن الجهات الأجنبية ليست بعيدة عنها‏.‏
الأخيرة‏:‏ لا أزعم أن الصورة وردية‏,‏ أو أن الوحدة الوطنية بخير‏,‏ ولكنني أذكر أشقاءنا الأقباط‏,‏ بأن بعض مشكلاتهم قد جري حلها‏.‏
هذا هو البرنامج الذي سافر به الدكتور الفقي‏,‏ والذي مثل جوهر خطابه في الحديث مع أقباط المهجر‏.‏
وأعتقد أن هذه الرؤية تمثل المشترك العام الذي يلتقي عليه المصريون‏.‏
وقد بادرت بالاتصال بالدكتور مصطفي الفقي‏,‏ وهنأته عليها‏,‏ وعلي أنه أخذ المبادرة وكتب في هذا الموضوع الشائك‏.‏
وكنت علي يقين تبين أنه خطأ بأن أيا من أقباط المهجر مهما كان تطرفه ومغالاته لابد أن يجد فيما يقوله الدكتور الفقي ما يدعو للتعقل والاستجابة‏.‏
‏(3)‏
الكلمة الآن هي لأقباط الوطن‏.‏
هي لأشقائنا وأهلنا وشركائنا في القرار والمصير‏.‏
قضايا الدين يتم حلها بمنطق الدين
السياسة إذا دخلت في قضايا العبادة فإنها تفسدها مشاكل الأقباط تحل هنا في وطن الأقباط‏.‏
لن يقبل مصري واحد مسلما كان أم مسيحيا أن يشكل بعض من أقباط المهجر تنظيما دوليا‏,‏ للأقباط‏,‏ يكون أداة للضغط الموسمي المتكرر‏,‏ الذي لايزعج إلا أصحابه‏,‏ ولايؤذي إلا من ينتسب إليه‏.‏
فالكنيسة المصرية أكبر من أن يتم اختطافها علي أيدي نفر قليل ممن يجوبون الآفاق ويطرقون الأبواب ويلعبون مع الجهات الخارجية‏.‏
الكنيسة المصرية بهذا المعني هي شأن عام‏,‏ هي شأن وطني‏,‏ هي ملك للمصريين جميعا‏,‏ وتشكل جزءا من الوجدان الجماعي‏,‏ ومن التاريخ العام لكل المصريين‏,‏ منذ جاءت المسيحية إلي هذا البلد الكريم‏.‏
وفي مصر الآن من الحريات العامة القدر الواسع الذي يحتمل الجميع‏,‏ قدر كبير من حرية التعبير‏,‏ يسمح لكل مصري‏,‏ بما في ذلك الأقباط أن يرفع صوته عاليا‏,‏ وأن يعلن مطالبه بكل صراحة‏,‏ وأن يطلب حقوقه الوطنية‏,‏ وأن يتمتع بحقوق المساواة الكاملة‏,‏ وأن ينال مزايا المواطنة دون انتقاص‏..‏ يستطيع ذلك كل أشقائنا الأقباط‏.‏ ولا أظن أن قبطيا يحتاج أن يهاجر حتي يتمكن من إعلان مطالبه‏,‏ ولا أظن أن مصريا واحدا يرضي بذلك‏,‏ نقولها بصوت عال لكل الأقباط‏:‏ مصر لكم وكل ما فيها لكم‏,‏ مثلما هي لكل مواطنيها‏,‏ ومثلما هي لكل أبنائها‏.‏
أقباط المهجر يختطفون قضايا الأقباط‏,‏ ويهربون بها إلي الأمام‏.‏
والمطلوب والمرجو هو استعادة الحوار الوطني‏,‏ هو استعادة الثقة بين كل الأطراف‏,‏ هو استعادة روح التعايش التي جمعتنا وسوف تظل تجمعنا فليس أمامنا من خيار إلا أن نكون مصريين‏,‏ وليس أمام مصر من خيار إلا أن تكون كما كانت دائما وطنا للجميع‏,‏ وهذا شعار مصري خالد سبقت به مصر كل من حولها‏:‏ الدين لله والوطن للجميع‏.‏
نرجو ألا يتحول أقباط المهجر إلي نار تشعل الفتنة‏,‏ إلي وقود يشعل الغضب‏,‏ إلي احتقان يفسد ولايصلح‏,‏ نرجو الاحتكام إلي صوت العقل‏.‏
وصوت العقل يجب أن ينطلق من هنا‏.‏
ومن المسلمين قبل الأقباط‏.‏
وقد تكررت حوادث الاحتقان الطائفي‏,‏ في كثير من مراحل تاريخنا المعاصر ودائما كان الكبار والحكماء يتصدون للفتنة‏,‏ وكان الصغار والسفهاء يرتدعون‏.‏
اليوم نخشي أن يسكت الكبار فينطق الصغار‏,‏ نخشي أن يتواري العقلاء والحكماء‏,‏ فيتقدم الحمقي والسفهاء‏,‏ نخشي أن ينطوي المخلصون فيتصدر أصحاب المصالح والأغراض‏,‏ في‏1910‏ وقعت الفتنة الكبري مع اغتيال بطرس باشا غالي رئيس الوزراء‏.‏ وتشاحنت النفوس‏.‏ وظهرت البغضاء‏..‏ يومها تقدم أمير الشعراء بقصيدة عظيمة في رثاء بطرس باشا غالي رئيس الوزراء
جاء فيها‏:‏
أعهدتنا والقبط إلا أمة
للأرض واحدة تروم مراما؟
فعلي تعاليم المسيح لأجلهم
ويوقرون لأجلنا الاسلاما
الدين للديان جل جلاله
لو شاء ربك وحد الأقواما
ياقوم بان الرشد فاقصوا ماجري
وخذوا الحقيقة وانبذوا الأوهاما
هذي ربوعكم وتلك ربوعنا
متجاورين جماجما وعظاما
فبحرمة الموتي وواجد حقهم
عيشوا كما يقضي الجوار كراما
يؤسفني أن أقول‏,‏ أنه لو ازداد الدور الذي يلعب به أقباط المهجر‏,‏ فإن أشقاءنا الأقباط سوف يخسرون الكثير من الأصدقاء هنا في الداخل‏.‏
لا أحب أن أذكر أسماء بعينها‏,‏ ولكنني أجزم أنني أعرف رموزا مسلمة لها باع طويل في الدفاع عن قضايا الأقباط‏,‏ أصبحت الآن تميل إلي ما يشبه الصمت‏,‏ حتي لايكون دفاعهم جزءا من النغمة النشاز التي يعزفها أقباط المهجر‏.‏
والقاعدة بسيطة جدا‏:‏ إذا تغلب المتطرفون‏,‏ انسحب المعتدلون‏.‏
وبصراحة شديدة‏,‏ أنا واحد من الناس اعتبر نفسي قبطيا بقدر ما أنا مسلم‏,‏ أحمل اعتزازا شديدا للمسيحية المصرية‏,‏ واعتبر تاريخها جزءا من تاريخ الوطنية المصرية‏,‏ وأؤمن أن المسيح عليه السلام هو واحد من أنبياء الاسلام العظام‏,‏ وأعتبر أن مصر ازدادت شرفا بهجرته إليها هو والصديقة أمه مريم عليها السلام‏.‏
وكنت ولازال أتمس الأعذار والمبررات لمن يسمون أنفسهم أقباط المهجر‏.‏
ولكنني رغم ذلك كله لم استوعب ولم أتفهم صدامهم مع رجل اعتبره أستاذي وأنا تلميذه‏,‏ في مدرسة المواطنة وفي مدرسة التعاطف الوطني مع الشأن القبطي كله‏,‏ ليس اعترافا بوجود اضطهاد منظم‏,‏ وليس اعترافا بوجود مظالم مقننة‏,‏ ولكن إيمانا بأن قاعدة المواطنة تحتاج إلي ترسيخ وتطور‏,‏ يتكافأ ويتساوي علي أساسها كل المواطنين‏,‏ بنص الدستور‏,‏ وبحكم القانون‏,‏ دون النظر إلي الدين أو المذهب أو النشأة الاجتماعية‏,‏ وأي من الاعتبارات التي تفرق بين الناس‏.‏

(4)‏
وفي الختام‏,‏ أود التركيز علي عدة نقاط‏:‏ أولا‏:‏ المبالغة في المطالب هي اعتساف للزمن‏,‏ واستباق للتمرات قبل نضوجها‏.‏
ثانيا‏:‏ المبالغة في تصوير المشاكل علي أنها اضطهاد‏,‏ يقتل المصداقية ويضخم المشكلة ولايحلها‏.‏
ثالثا‏:‏ وضع الكنيسة في مواجهة الدولة استراتيجية خاسرة‏,‏ وقاصرة فالدولة للجميع وحكم بين الجميع وليست طرفا مباشرا‏.‏
رابعا‏:‏ استعداء المجتمع وتجاهله والانعزال عنه حل فاشل‏.‏
خامسا‏:‏ فرض المطالب بالقوة والتهديد والابتزاز يخلق الحساسات والإحن والمرارات‏.‏
سادسا‏:‏ السعي للتمييز الطائفي يؤدي إلي الاستعلاء‏,‏ ثم إلي مزيد من الانفصال من المجموع الانساني العام‏.‏
سابعا‏:‏ كل ما سبق لاينفي حقيقة‏,‏ أن الساحة القبطية مليئة برموز وطنية‏,‏ رموز للتسامح يتسامون فوق جراح الطائفية‏,‏ مصريون حقيقيين‏,‏ نتعلم منهم‏,‏ ونعمل معهم‏,‏ ونقتدي بهم‏,‏ ونحبهم‏,‏ ونشاركهم ويشاركوننا الحياة بكل ما فيها‏,‏ يعملون في صمت‏,‏ ويكافحون في هدوء‏,‏ ويشاركون في بناء الوطن‏.‏
طوبي لهم جميعا‏.‏
وطوبي لأبناء مصر كلهم
وسلمت مصر من كل مكروه وسوء‏.‏
*الأهرام المسائي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.