وسط ظروف بالغة الدقة تتطلب وقفة حاسمة لمواجهة التحديات المحدقة بالعالم الاسلامى وتحقيق طموحاته فى عصر العولمة ، يأتى انطلاق فعاليات الدورة الحادية عشرة لمؤتمر القمة الإسلامي تحت شعار"الإسلام في القرن الحادي و العشرين" بالعاصمة السنغالية" داكار" يومي13 و 14 مارس، وذلك لمناقشة أربعة قضايا أساسية ،هي: التقييم المرحلي لتنفيذ برنامج العمل العشري الذي أقرته القمة الاستثنائية بمكةالمكرمة في ديسمبر 2005 ،واعتماد الميثاق المعدل للمنظمة حيث يعود الميثاق الحالي إلى سنة 1972 ،إلا أن التطورات التي حدثت في السنوات الأخيرة أكدت ضرورة تعديله ليكون مواكباً للتحديات التي تواجهها المنظمة، فضلا عن موضوعين يتعلقان بسبل دعم التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء وتقاسم المعرفة في العالم الإسلامي. وتعد هذه القمة الثانية التى تستضيفها السنغال لمنظمة المؤتمر الإسلامى بعد تلك التى عقدت بالبلاد فى عام 1991.ويتم عقد القمة بصفة دورية كل ثلاث سنوات. بينما يجتمع وزراء خارجية الدول الأعضاء في المنظمة مرتين سنويا لوضع الخطوط العريضة للسياسة العامة للمنظمة واعتمادها الى جانب اجتماعات طارئة تفرضها الظروف. منظمة المؤتمر الإسلامي.. فى سطور تعتبر منظمة المؤتمر الإسلامي ثاني أكبر منظمة حكومية دولية بعد الأممالمتحدة، وتضم في عضويتها سبعا وخمسين (57) دولة عضواً من أربع قارات ،وهي دول ذات غالبية مسلمة من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وغربها وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا وشبه القارة الهندية ، وهناك دول تتمتع بصفة مراقب مثل جمهورية البوسنة والهرسك وتايلاند وساحل العاج وجمهورية افريقيا الوسطى، وعدد من الجماعات والمؤسسات الإسلامية و المنظمات الإقليمية والدولية. ويتمثل الهدف الأساسى لهذه المنظمة فى"تعزيز التضامن بين الدول الاسلامية"، إلا انها تسعى حاليا الى مواجهة التحديات الكبرى التي يعيشها المسلمون حول العالم ومنها الخوف من الاسلام و التطرف وما يعرف بالحرب على الارهاب وتحقيق التنمية الاقتصادية . وقد عقدت المنظمة حتى الآن عشر دورات لمؤتمر القمة الإسلامي وأربع وثلاثون دورة للمؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية. وقد انتخبت ماليزيا للرئاسة الحالية للمنظمة. ومنذ توليها رئاسة المنظمة، شاركت بنشاط في اجتماعات عديدة تحت مظلة المنظمة ودشنت برنامج بناء القدرات للتخفيف من حدة الفقر في أقل الدول نموا والدول منخفضة الدخل الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي. ويستهدف هذا البرنامج صياغة المشاريع الملائمة لتعزيز بناء القدرات من أجل دعم تنمية الموارد البشرية والمهارات المؤسسية والإدارية والتنظيمية . تأسيس المنظمة : تعتبر منظمة المؤتمر الاسلامى الصوت الجماعي للعالم الإسلامي وتسعى لصون مصالحه والتعبير عنها تعزيزاً للسلم والتناغم الدوليين بين مختلف شعوب العالم. وقد أنشئت المنظمة بقرار صدرعن القمة التاريخية التي عقدت في الرباط بالمملكة المغربية يوم 25 سبتمبر 1969 رداً على جريمة إحراق المسجد الأقصى بالقدسالمحتلة فى أغسطس من العام نفسه حيث طرحت وقتها مبادئ الدفاع عن شرف وكرامة المسلمين فى محاولة لإيجاد قاسم مشترك بين جميع فئات المسلمين. وقد عقد في عام 1970 أول مؤتمر إسلامي لوزراء الخارجية في جدة ،وقرر إنشاء أمانة عامة يكون مقرها في جدة مؤقتاً ويرأسها أمين عام للمنظمة. ويعتبر أكمل الدين إحسان أوغلى تاسع أمين عام، وقد تولى هذا المنصب في يناير 2005 بعد أن انتخبه المؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية في دورته الحادية والثلاثين. وتم اعتماد ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي في الدورة الثالثة للمؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية في 1972، ويعتبر بمثابة دستور المنظمة، الذي يهدف الى تقوية التضامن والتعاون بين الدول الإسلامية في الميادين الإجتماعية والعلمية والثقافية والإقتصادية والسياسية. وطبقا لهذا الميثاق ، تحددت أهداف ومبادىء المنظمة : أهم أهداف المنظمة : 1- تعزيز التضامن والتعاون فيما بين الدول الأعضاء في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية ودعم كفاح جميع الشعوب الإسلامية من أجل الكرامة والاستقلال والحقوق الوطنية. 2 - التنسيق في مساعى حماية الأماكن المقدسة، و دعم كفاح الشعب الفلسطيني ومساعدته على استرداد حقوقه وتحرير أراضيه. 3 – الدفاع عن القضاء على التمييز العنصري والاستعمار بجميع أشكاله،وتوفير المناخ الملائم لتنمية التعاون والتفاهم بين الدول الأعضاء في المنظمة وبقية دول العالم. أهم مبادئ منظمة المؤتمر الإسلامي: • مراعاة المساواة التامة بين الدول الأعضاء. • احترام حق تقرير المصير وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأعضاء. • احترام سيادة كل دولة واستقلالها وسلامة أراضيها. • تسوية أي نزاع قد ينشأ بين الدول الأعضاء بالطرق السلمية كالمفاوضات والوساطة والتوفيق والتحكيم. • التزام الدول الأعضاء في العلاقات بينها بالامتناع عن اللجوء إلى القوة أو التهديد باستخدامها ضد وحدة أية دولة عضو أو سلامة أراضيها أو استقلالها السياسي . *وتتألف منظمة المؤتمر الإسلامي من عدة أجهزة رئيسية تتولى تحقيق أهدافها ،هى : 1-مؤتمر ملوك ورؤساء الدول والحكومات الذى يعرف بمؤتمر القمة الإسلامي: هو أعلى هيئة في المنظمة، ويجتمع مرة كل ثلاث سنوات لرسم سياسة المنظمة، وينتخب رئيس المنظمة الذي يتولى هذا المنصب إلى حين عقد الدورة التالية. 2-المؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية: يجتمع مرة كل سنة لدراسة تقريرمرحلي بشأن تنفيذ قراراته التي اتخذت في إطار السياسات التي وضعتها القمة الإسلامية. 3-الأمانة العامة: تعتبرالجهاز التنفيذي للمنظمة ،وتتولى تنفيذ القرارات الصادرة عن الجهازين السابقين . وتتشكل الأمانة العامة من أمين عام يعين من مؤتمر وزراء الخارجية لمدة أربع سنوات غير قابلة للتجديد، ويعاونه أربعة أمناء مساعدين يعينهم المؤتمر بترشيح من الأمين العام من بينهم أمين مساعد للقدس وفلسطين.وتقوم الأمانة العامة بالوظائف الفنية والإدارية التي تمارسها أمانات المنظمات المختلفة، و لها حصانات ومزايا مقررة للقيام بالوظائف. 4 محكمة العدل الإسلامية الدولية: تشكل جهازا مستحدثا بواسطة مؤتمر القمة الخامسة الذي عقد بالكويت عام 1987، وتمثل الجهاز القضائي للمنظمة وتعمل بشكل مستقل عن أي جهاز أو دولة عضو، وقد ساهمت الكويت مساهمة قوية في إنشائها، وبالتالى جعلها النظام الأساسي للمحكمة مقراً لها. ويتفق النظام الأساسي لمحكمة العدل الإسلامية مع نظيره بمحكمة العدل الدولية، مع مراعاة الفروق الملائمة لمحكمة العدل الإسلامية الدولية ومنها : -القانون الواجب التطبيق: تعتبر الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي الذي تستند إليه محكمة العدل الاسلامية في أحكامها وتسترشد بالقانون الدولي والاتفاقات الدولية الثنائية أو المتعددة الأطراف والعرف الدولي المعمول به وكذا المبادئ العامة للقانون أو الأحكام الصادرة من المحاكم الدولية او مذاهب كبار فقهاء القانون الدولي في مختلف الدول. -اختيار القضاة: تقوم كل من الجمعية العامة ومجلس الأمن معاً باختيار قضاة محكمة العدل الدولية، أما قضاة محكمة العدل الإسلامية، فيختارهم المؤتمر العام لوزراء الخارجية لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة. لجان المنظمة : أنشأت المنظمة لجانا متعددة معظمهاعلى مستوى الوزراء. وهناك لجان يرأسها رؤساء دول، وهي لجنة القدس، واللجنة الدائمة للإعلام والشئون الثقافية (كومياك)، واللجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري (الكومسيك)، واللجنة الدائمة للتعاون العلمي والتكنولوجي (الكومستيك) و ذلك كي تتمكن المنظمة من تنسيق عملها، وتوحيد وجهات نظرها ومواقفها،. وتنفرد المنظمة بشرف توحيد كلمة الأمة الإسلامية والتعبيرعن قضايا ما يزيد على مليار ونصف المليار مسلم في مختلف أنحاء العالم. وترتبط المنظمة بعلاقات تعاون مع الأممالمتحدة وغيرها من المنظمات الدولية الحكومية بهدف حماية المصالح الحيوية للمسلمين والعمل على تسوية النزاعات التي تعتبر الدول الأعضاء طرفا فيها. وقد اتخذت المنظمة خطوات عديدة لصون القيم الحقيقية للإسلام والمسلمين وتصحيح التصورات الخاطئة عنه فى أذهان الغرب . تحديات عصر العولمة : وتواجه الدول الأعضاء في المنظمة تحديات متعددة في القرن الحادي والعشرين. ومن أجل مواجهة هذه التحديات، وضعت الدورة الاستثنائية الثالثة لمؤتمر القمة الإسلامي التي عقدت في مكةالمكرمة في ديسمبر 2005 خطة في شكل برنامج عمل عشري يهدف إلى تعزيز العمل المشترك بين الدول الأعضاء ودعم التسامح والاعتدال والحداثة وإدخال إصلاحات كبرى في جميع مجالات النشاط، بما في ذلك العلوم والتكنولوجيا، والتعليم، وتحسين مستوى التبادل التجارى بين دولها . وفيما يتعلق باعادة هيكلة المنظمة وتغييراسمها ،فسبق أن صدرت قرارات بهذا الشأن من مؤتمر وزراء الخارجية في صنعاء، تقضي بتشكيل لجان للبحث والنظر في تغيير الاسم والميثاق والأنظمة . وحول تنامى ظاهرة الخوف من الإسلام بالإساءة إلى الأنبياء والمقدسات ،أعلن أمين عام المنظمة " أوغلو" أن المنظمة قامت بجهود ملموسة في هذا الشأن ،فمنذ بروزهذه القضية لأول مرة عام 2005 أجرت المنظمة العديد من الاتصالات مع الحكومة الدنماركية والمفوضية الأوروبية والأممالمتحدة ونتج عنها عدد من القرارات الصادرة عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة والمنظمة العالمية لحقوق الأنسان والتي شجبت جميعها إساءات الصحف الدنماركية. وتم في الأشهر القليلة الماضية إنشاء صندوق لمكافحة الفقر فى مايو 2007برأس مال يصل 10مليار دولار،واعلن الامين العام ان المبالغ التي توفرت له حتى الان تزيد عن 2مليار ونصف دولار و يجري العمل مع البنك الاسلامي للتنمية لرفعه الى المستوى المستهدف.كما تم تخصيص برنامج خاص للتنمية في القارة الإفريقية إضافة إلى إقرار أهمية زيادة التبادل التجاري بين الدول الأعضاء إلى 20 في المائة في أفق 2015 مقابل 13 في المائة سنة 2005. وقد انبثقت عن هذه المنظمة عدة هيئات أبرزها البنك الاسلامي للتنمية الذي أسس في 20نوفمبر1975،ويمنح الدول الأعضاء قروضا ميسرة، وتأسس مؤخرا مرصد ضمن الامانة العامة للمنظمة لمراقبة ظاهرة الخوف من الاسلام في العالم حيث يقدم اول تقرير عن هذه القضية خلال قمة داكار 2008. الميثاق الجديد: قامت مصر بدور كبير فى سياق الجهود المكثفة لتعديل مشروع ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامى الذى يتم إعتماده خلال الدورة الحادية عشرة للقمة الإسلامية فى داكار 2008من أجل تفعيل دورالمنظمة، ودعم حضورها على الساحة العالمية ،وذلك بعد 36 عاما من العمل بموجب الميثاق القديم مما يمثل انجازا تاريخيا حيث أصبح الميثاق القديم الذي وضع عام 1972 لا يفي باحتياجات الأمة الإسلامية ولا يعبر عن آمالها. كما أن النصوص التي تتناول التعاون الاقتصادي في ميثاق المنظمة تعد فى نظر المحللين والخبراء ضعيفة، ولا تصنع الآليات المطلوبة لتعاون قوى يؤدي إلى الوحدة، ومن ثم يجب تعديلها لتحقيق هذا الهدف . ويؤكد مشروع الميثاق المعدل على محورية القضية الفلسطينية، وأهمية القدس الشريف مع دعم كفاح الشعب الفلسطينى الذى يعانى من الإحتلال، وتمكينه من نيل حقوقه الثابتة بما فيها حقه فى تقرير المصير، واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وضرورة التصدى للحملات الرامية لتشويه صورة الإسلام . وبموجب مشروع الميثاق المعدل ،فإن منظمة المؤتمر الإسلامى ملتزمة بمساندة القضايا العادلة للمسلمين فى مختلف بقاع العالم والدفاع عنها وإقرار حق تقرير المصير لكل الشعوب الخاضعة للاحتلال الأجنبى.وتضمنت ملامح مشروع الميثاق المعدل لمنظمة المؤتمر الإسلامى عدة بنود هامة : من بينها تعديل قرارات المجلس الوزارى للمنظمة بحيث تتخذ بأغلبية الثلثين فى حالة تعذر التوصل للاجماع .. فيما تناول تشكيل هيئات المنظمة ومؤسساتها وعلى رأسها القمة والمجلس الوزارى و الأمانة العامة ومحكمة العدل الإسلامية الدولية. ويستهدف تعديل الميثاق فى رأى بعض المراقبين بلورة منظمة جديدة تواكب القرن الجديد حتى يمكنها مواجهة التحديات الكبيرة التى تواجه الامة الاسلامية وضرورة اتخاذ قرارات المنظمة بتوافق تام بين الدول الاعضاء وسط ظروف اقليمية ودولية دقيقة فى ظل تصاعد العدوان الاسرائيلى على قطاع غزة والوضع في العراق وقضية الجولان السورية والقضايا الاقتصادية المتعلقة بتعزيز التعاون الاقتصادى بين دول المنظمة. 13/3/2008