صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته». والحديث النبوي الشريف يشير إلى أن على المسلمين أينما كانوا أن يتحروا هلال الشهر العربي بكل السُبل فإن رأوه صاموا. الرؤية كانت مقصورة في البداية على العين المجردة فقط، وكانت لجميع الناس ثم تطورت لتصبح من اختصاص القضاة والفقهاء، ثم تطورت في عصرنا الحاضر ليجتمع معهم خبراء الرصد الفلكي والحسابات الفلكية لحساب ميلاد وبدء الهلال. ثم أخيراً اجتمع رأى علماء الدين وعلماء الفلك والفضاء بعدد من الدول العربية والإسلامية على تصنيع قمر صناعي صغير مهمته الأساسية رصد وتتبع مطالع الشهور العربية لمنع التضارب بين الدول في استطلاع الهلال أو الصوم والإفطار بالعيد. يروى أن القاضي عبد الله بن لهيعة، كان أول قاض في مصر يحضر مع العلماء لرؤية هلال رمضان ومن بعده كان يخرج القضاة لرؤية الهلال والجلوس على «دكة» عرفت فيما بعد ب «دكة القضاة»، وبُني محلها مسجد في العصر الفاطمي وأصبح القضاة في ذلك العصر يرصدون الهلال من فوق منارات المساجد الكبرى ومآذنها. ويُقال أن أحمد بن طولون زار مسجده المعروف باسمه وقت بنائه وأمر قضاة مصر أن يطوفوا بالمساجد حتى يتأكدوا من إصلاحها وفرشها وتعليق القناديل بها ابتهاجاً برمضان. وكان الخلفاء والأمراء يقدسون هذا الشهر الكريم ويغلظون العقوبات على من يفطرون في نهار رمضان. جرياً على العادة نفسها كانت المساجد تتزين في هذا الشهر والأسواق والشوارع بالقناديل والفوانيس وحتى يومنا هذا مازال أطفال مصر يغنون ويزينون الشوارع في مطلع الشهر الكريم أغنية تراثية متناقلة حفظها جيل من بعد جيل يقول مطلعها: «وحوي يا وحوي / إيوحه / رحت ياشعبان / وحوي غدار / جيت يا رمضان / وحوي يا وحوي»، وأصل الأغنية: «أحوي أحوي إياها بنت السلطان إياها لابسة خلخال إياها..». وتأخذ دار الإفتاء المصرية حالياً بالرؤية الشرعية المبنية على الرؤية بالعين المجردة والحسابات الفلكية يقول بذلك د. صلاح محمود، رئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية والمسؤول الأول عن مراصد مصر الفلكية، ويضيف: مع نهاية شهر شعبان وتحديداً في 29 منه تنتشر اللجان الشرعية والفلكية على أرض مصر من «مرصد حلوان» الذي مضى على إنشائه أكثر من مائة عام إلى (مرصد القطامية) ومحافظة السادس من أكتوبر وأعلى جبل المقطم وفي مدينة برج العرب غرب الإسكندرية وفي أسوانجنوب مصر. وتتألف كل لجنة من اللجان من خمسة أفراد على الأقل منهم ثلاثة فقهاء واثنان من الفلكيين لإرشاد الفقهاء للأماكن التي يركزون فيها نظرهم لاستطلاع الهلال. وباستخدام الرؤية الشرعية مع الحسابات الفلكية تحدد اللجان هل الغد هو المتمم للثلاثين من شعبان أم أول شهر رمضان، وغالباً ما تتفق الحسابات الفلكية السليمة مع الرؤية الشرعية الصحيحة. وبعد أن يتم رصد الهلال من أي من المناطق بالقاهرة أو أسوان أو قنا أو مطروح أو الوادي الجديد أو جنوبسيناء أو الإسكندرية نقوم كمرصد وكمعهد فلكي بتبليغ النتائج لدار الافتاء المصرية لأنه جرت العادة من قديم الزمان أن يعلن المفتي أو قاضي القضاة (قديماً) بدء أول يوم صيام وأول يوم عيد، ولا نعلن نحن النتائج بأنفسنا. الهلال واستطلاعه يحتاج لأماكن خالية بعيدة عن التلوث وعالية عن سطح الأرض، وكلما كانت السماء صافية كانت الرؤية أدق. وعادة لا يمكث الهلال لحظة ولادته بالسماء غير دقائق معدودة تبدأ من أربع دقائق وقد تطول لعشرين دقيقة وبواسطة التلسكوبات المحمولة على كتف الفلكيين نتأكد من ولادته ومكانه واتجاهه وكلها أمور صارت الآن معروفة فلكياً بدقة ولسنوات والحسابات الفلكية لم يثبت فشلها في أي مرة لأن الدورات مسجلة وموثقة. وكان نصر فريد واصل مفتي مصر السابق قد اقترح عام 1997 تصنيع قمر صناعي إسلامي لاستطلاع أهلة الشهور العربية. ومنعاً للتضارب بين الدول العربية والإسلامية وبالفعل أعدت دراسة وعُرضت على لجنة عُليا ضمت ممثلين من: «مصر والسعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين وسلطنة عمان». واتفق على أن يقوم مركز بحوث ودراسات الفضاء بجامعة القاهرة بتبني المشروع برئاسة د. ميرفت عوض مديرة المركز. وكانت الفكرة بسيطة في بدايتها وتقوم على تصنيع «تلسكوب جوال» في الفضاء لرؤية الهلال بعد أن صارت رؤيته بالعين المجردة صعبة وسط انتشار التلوث وغبار الحروب وتغير الغلاف الجوي، بعكس زمان حيث كانت الرؤية سهلة وبسيطة ومن دون مشاكل. وهذا التلسكوب يشبه النوع الذي يدور في كل الاتجاهات لرصد الهلال الجديد وتحديد موقعه بخطوط الطول والعرض. واتفق على أن يكون قمراً تجريبياً تكلفته لا تتعدى مليون دولار ووزنه 40 كيلو غراماً وسيرصد الهلال وحركة الأجسام والظواهر الفلكية. وحال نجاح المشروع والانتهاء منه سيقضي هذا القمر على ظاهرة اختلاف بين الشعوب العربية الإسلامية في تحديد يوم بدء صوم رمضان وتحديد عيد الفطر، لأن اختلاف مطالع الهلال ورد فيها رأيان اجتهد فيهما الفقهاء من عصر الصحابة حتى الآن. الرأي الأول يقول إنه إذا ثبت رؤية الهلال في بلد أو في مكان وجب الصوم على أهلها وأهل البلاد القريبة منها التي تتفق معها في خط طولي معين أو في جزء من الليل، وعلى جميع المسلمين في جميع مشارق الأرض ومغاربها. وهذا الرأي يحقق وحدة الأمة ويذهب الفقهاء إلى أن الأعمى لا يستطيع رؤية الهلال لكنه يصوم بالإخبار عنه فلا عبرة باختلاف المطالع كما يقول ابن عابدين خاصة أن جميع البلاد العربية تتفق في ليل واحد وفروق التوقيت محدودة. في حين يذهب الرأي الثاني إلى أن لكل بلد أن ترى الهلال بذاتها ويستشهدون في ذلك بصوم (معاوية) وأهل الشام في سنة ما عندما رأوا الهلال ليلة الجمعة، في حين صام أهل المدينة والحجاز بعدهم بيوم لأنهم رأوا الهلال ليلة السبت وكان بينهم «ابن عباس». فاشترطوا الرؤية النظرية لا مجرد الإخبار. ولعل الرأي الأول أصوب وأجمع للمسلمين على عبادة واحدة سنوية وعلى عيد واحد خاصة في ظل تطور رسائل الحساب الفلكي ووسائل الإعلام والاتصال.