علامات الدهشة والاستغراب تبدو واضحة وجلية على وجوه العراقيين وتثيرهم الى حد كبير عندما يصادفهم بعض المتسولين الذين بدأوا يحترفون طرقا جديدة وغريبة نوعا ما عن عادات وتقاليد المهنة التي يجد فيها ممتهنوها اسهل وايسر طريق للحصول على لقمة العيش من دون عناء او مجهودات كبيرة تبذل كتلك التي تتطلبها الاعمال الاخرى. احيانا يحصل المتسولون على مبتاغهم بمجرد الايحاء للناس، بالملابس الممزقة والرثة التي يرتدونها، واظهار حالة التمسكن والعوز عندما يتقدمون لطلب حاجاتهم من الناس، او اظهار بعض الاصابات والعوق الجسدي الذي يعانون منها كدليل على عوزهم، لكن وصل الحد بالبعض من المتسولين الى ابتكار طرق جديدة لكسب عطف الناس عليهم، ومنها اتكاء المتسول على حمالة طبية مربوط فيها كيس دم او ماء مغذ، في محاولة منه لايهام الناس بانه خارج لتوه من المستشفى وبحاجة للمال لتكملة علاجه بعدما يطلب منهم ذلك، او قيام بعض الاطفال بالبكاء والجلوس على قارعة الطريق والى جانبهم طبق كبير من الحلويات المبعثرة على الارض، وهم بذلك يحاولون كسب عطف المارة الذين يقومون بدورهم بمنح اولئك الصبية، مبالغ مالية تعويضا عن بضاعتهم المرمية على الارض. كذلك هناك طرق اخرى للتسول ك«الطريقة الورقية»، وتتلخص بقدوم شخص يدعي انه يعاني من صعوبات في النطق يحمل ورقة بيده يقدمها للمارة واصحاب المحلات، تحضهم الكلمات المكتوبة فيها على تقديم المساعدة لحاملها الذي قد يكون في بعض الاحيان من الشباب والرجال الاصحاء. تفاقم هذه الظاهرة وتزايد اعداد المتسولين، دفع بالسلطات الحكومية الى اطلاق حملات موسعة لجمع المتسولين والمختلين عقليا من الشوارع لمنع استغلاهم من الجماعات المسلحة لتنفيذ اعمال عنف. ويقول مدير مركز القيادة الوطنية في وزارة الداخلية اللواء عبدالكريم خلف، ان هذه الحملة ستتم بالتعاون مع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية من خلال توفير المأوى لهؤلاء المتسولين والمختلين عقليا وتأهيلهم ليكونوا نافعين في المجتمع. واوضح ان وزارته اصدرت الاوامر في وقت سابق، لتنفيذ حملة كبرى في كل انحاء البلاد لانتشال المتسولين والتعاطي معهم وفق القوانين، خوفا من استغلالهم في تنفيذ عمليات انتحارية، مشيرا الى ان القانون يحظر عملية التسول التي بدأت تشكل قلقا امنيا في الوقت الحاضر. وتكشف البحوث والدراسات الميدانية التي اصدرتها منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق المرأة والطفل في العراق، عن تزايد ظاهرة التسول خلال الفترة التي يزداد فيها الوضع الأمني سوءا، فضلا عن وقوف بعض الجهات وراء تنامي هذه الظاهرة التي تفاقمت خلال الخمس سنوات الماضية نتيجة للاثار التي خلفتها الحرب واعمال العنف. وتشير تلك الدراسات، التي تم الاعلان عنها في ندوات ومحاضرات أقيمت للتحذير من مخاطر هذه الظاهرة على المجتمع، الى اكتشاف جهات منظمة، رؤساؤها موظفين في مراكز رعاية الايتام او مجرمين سابقين، تقف وراء هذه العملية التي تزداد بازدياد الوضع الأمني سوءا. وفي هذا الصدد، تقول خمائل الكيلاني، الباحثة الاجتماعية والناشطة في مجال حقوق المرأة والطفل، «ان اعمال العنف وما رافقها من عمليات تهجير ونزوح قسري، وانتشار الفقر وما آلت اليه حال الساكنين في مخيمات النازحين من بطالة وعدم القدرة على سد رمق العائلة، ساعد على تزايد اعداد المتسولين في الشارع العراقي واستفحال هذه الظاهرة الخطيرة على المجتمع». وتضيف ل «الراي»، «ان تقاعس الدولة في الوقت السابق والحاضر على حدٍ سواء، في ميدان محو الامية والجهل المتسلطين، والترنح في تطبيق اسس هذا المضمار، اثرا في شكل كبير على تعاظم هذه المشكلة ونظرة المجتمع للذين يمارسونها»، مؤكدة ان «المجتمع المتعلم اكثر مناعة امام اعصار التخلف والجهل والفقر، من المجتمع الجاهل الذي يسهل اختراقه بأمكان عدوى التشرذم ان تدخل الى مسامات هذا المجتمع». وتوضح ان استمرار معاناة العوائل المهجرة التي سكنت على أطراف المدن، وبعضها لجأ الى مناطق شعبية وسكن في قطع الأراضي المتروكة او بنايات الدولة المدمرة، ساعد على تفاقم ظاهرة التسول، مشيرة الى ان البعض منهم بدأ يطلب مواد تموينية من المنازل المجاورة في الحي الذي يسكنونه بحجة صعوبة الحصول على المواد التموينية المخصصة لهم من مناطقهم التي اخرجوا منها قسرا، وفي بعض الاحيان يشارك الاطفال الذين لم يلتحقوا بمدارسهم ذووهم في ممارسة مهنة التسول. وترى الباحثة الاجتماعية ان ظاهرة التسول ليست محددة بزمن أو مكان، فهي مهنة يبرع في ممارستها الكثيرون، خصوصا في المجتمعات الشرقية التي تعاني من الفقر الذي لا ينتهي، والأفكار التي تحض الناس على دفع الصدقة للمتسولين كوسيلة لتجنب الأذى. وتقول عبد المحسن، «ربما تكون هذه الظاهرة انتشرت الان بصورة غير مسبوقة، لكن علينا ان نعترف بان الاوضاع السيئة ليست هي السبب الوحيد، هناك اسباب تتعلق بصلب تفكير المجتمع، هناك اناس استسهلوا الامر كما حصل حين وجد الكثيرون مبررا لسرقة المال العام بعد أبريل عام 2003». وتحمل الباحثة، الحكومة العبء الأكبر في تنامي هذه الظاهرة، وتقول، «البراهين دامغة، اولها ان الحكومة اهملت رعاية الايتام الذين فقدوا اباءهم في خضم الحروب المنصرمة على مدى 25 عاماً، اضافة الى انها اهملت رعاية المسنين الذين عجزوا من خدمة الوطن فمن يرد دين شبابهم». الى ذلك، اكدت مسؤولة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ان المرحلة الثالثة من حملة مكافحة التسول والتشرد اسفرت عن ضبط 66 متسولاً ومشرداً من الاطفال في الشوارع والتقاطعات المرورية في مدينة بغداد. ولم تحدد ليلى كاظم عزيز، نطاقا عمريا للمجموعة، لكنها قالت ان الباحثين الاجتماعيين توصلوا الى ان 22 من هذه المجموعة كانوا ضحية التفكك الأسري، بينما خرج 44 منهم الى الشوارع نتيجة ظروف طبيعية كوفاة آبائهم، وبالنسبة الى امهات الاطفال، فقد بلغ عدد الاميات منهن 55 وعدد المتوفيات، 10.