الأهرام 12/8/2008 لم يحتج العالم إلي التفاهم المتبادل والتسامح المتبادل والتعاون المتبادل قدر ما يحتاج اليه اليوم؟. بهذه الكلمات القلائل في الجوهر افتتح رئيس الصين هوجين تاو دورة الألعاب الأوليمبية, التي انطلقت تضيء سماء بكين وقلوب شعوب العالم مساء يوم الجمعة8 اغسطس2008. الألعاب الاوليمبية تحدد مراحل مهمة في تاريخ الألعاب الرياضية وكذا في العلاقات بين الشعوب والأمم, وما كانت هذه الدورة الكبري في بكين ثالث الدورات علي ارض الشرق في عصر نهضته بعد طوكيو 1963, ثم سيول عاصمة كوريا الجنوبية عام1988 لتتخلف عن المشكلات بعد أن ضرب الزلزال والفيضانات في ميتشوان قلب القارة الصينية بشكل لم يشهده التاريخ منذ ستين عاما هذا بينما ارتفعت لهجة الحملات وحدتها, وبعد فشل حملة التبت, تكالبت الدول الغربية في اتهام الصين, ومن بعدها الهند بأنها المسئولة عن ارتفاع اسعار الطاقة وازمة الغذاء, وغير ذلك من النكبات التي انهالت علي عالمنا في عصر الحروب الاجرامية منذ2003 المهم ان نركز هنا علي افكار وتساؤلات طرحها العديد من المعنيين بتغيير العالم في مطلع مرحلة صياغة العالم الجديد, وكلهم من انصار وشركاء الصين الطالعة, وفي مقدمة هذه التساؤلات: ماذا تعني الصين بشعار عالم واحد حلم واحد؟ القطاع الأول اي عالم واحد لا غبار عليه فهو مفهوم بمعني انه لا اقصاء في العالم الجديد لقطاعات تسمي مبدأ من اطلقوا عليها, كما فعل ويفعل أصحاب منطق الاحتقار بأنها عالم ثان أو عالم ثالث أو جنوب وكانها ع لي هامش التاريخ أو بضاعة وضعها فوق البيعه, أو خارج دائرة الفعل, شعار العالم الواحد يعني: أن جميع الشعوب والثقافات والدول شريكة في ابقاء هذا الكوكب وتطويره وجني ثمار التنمية في عالم يسوده السلام. ولكن السؤال ينصب علي القطاع الثاني: حلم واحد كيف يمكن ان نفهم هذا الحلم الواحد؟ الصين بطبيعة الامر ترفض علي الدوام مفهوم دولة الهيمنة وترفض كل ما يهمش الشخصية الثقافية الوطنية, وتشدد علي الاستقلال والسيادة والخصوصية الثقافية في كل مكان ومناسبة. كيف اذن يمكن ان نفهم هذا الشعار؟ وعندنا أن نقطة البدءهي الرؤية, او التوجه السياسي العام الذي تنادي به الصين, ومعها العديد من الدول النامية في القارات الثلاث في نداء يواجه صمت دول المركز, أي دول حلف الاطلطني حول دولة الهيمنة الأمريكية المنحدرة, إنما هي: عالم جديد متعدد الاقطاب والمراكز والثقافات. ان العالم الجديد الذي يمر الآن بعملية الصياغة التاريخية سوف يشمل عددا من الدول العظمي اي الاقطاب بشكل لا يمكن التنكر له, ومن الأرجح حسب الدارسين ان هذه المراكز الكبري الجديدة هي كما يلي: الولاياتالمتحدة, الصين, روسيا علي وجه التأكيد, وقد يلحق بها حسب ترتيب الأمور عدد محدود من الدول الكبري الصاعدة. والمراكز هنا تعني الدول الكبري التي تتمتع بنفوذ عالمي واضح, وان كان غير حاسم في صياغة المعادلات السياسية, ومن بينها: اليابان, والهند, والبرازيل, وربما الاتحاد الأوروبي لو استطاع أن يحقق وحدته, وإلا فإن ألمانيا تتطلع بوضوح إلي اللحاق ببريطانيا وفرنسا في هذا المقام, وهناك عدد من المراكز الإقليمية المهمة ذات التأثير العالمي, ومن بينها: علي سبيل المثال لا الحصر إيران, وتركيا, وفيتنام, وفنزويلا, والمكسيك. اما عبارة الثقافات فلا تعني ما اطلقنا عليه المناطق الجيو ثقافية المعروفة: الدائرة الكنفوشية( تسمي دائرة ثقافة كانجي) الدائرة البوذية والدائرة المسيحية الكاثوليكية, البروتستانتية الارثوذكسية ودائرة الحضارة الاسلامية الكبري ودائرة الثقافة العربية ودائرة النيل, ودائرة المغرب, ودائرة جنوب إفريقيا, ودائرة أمريكا الجنوبية حول ميركوسور وامتدادها إلي أمريكا اللاتينية الوسطي حول محور كوبا فنزويلا.. وأن الذي يحدد هذه الدوائر, نوعيتها وخصوصيتها. وكذا الانتماء اليها هو البعد الثقافي الذي لا يتضمن بالضرورة القوة السياسية, وان كان ولاشك علي علاقة مع البعد السياسي مادامت الثقافة تجمع الرؤي والوجدان وبالتالي تؤثر علي تشكل الارادة. وعلي هذا النحو نستطيع أن ندرك معني فكرة حلم واحد بأنها تعني أو تستطيع ان تعني الجمع بين مجموعة من الافكار والتطورات والرؤي التي كلها تندرج في دائرة التعايش السلمي والتمسك بالامن والنظام العالمي ومباديء حقوق الإنسان والشعوب والأمم. صاحبي يدخل فجأة يتململ: يا أخي دعنا من هذا الحديث السياسي المنمق؟ اريد ان افهم: لماذا اتجهت القيادة الصينية إلي رفع واختيار هذا الشعار الحنون اللطيف شعارا للدورة الاوليمبية كلها؟ ثم كيف يمكن الجمع بين هذا الشعار وبين الشعار الذي بدأ ينتشر في أرجاء الصين كلها منذ سنوات الا وهو شعار التناغم؟ صاحبي يتحدث في المليان كعادته عندما يتجلي كيف يمكن, نعم, أن نجمع بين الفلسفة الاجتماعية السائدة الآن في الصين بفضل الرئيس هو جينتاو, ألا وهي فلسفة التناغم وبين الشعار الذي ترفعه الصين علي مستوي العالم بمناسبة دورة الألعاب الأوليمبية؟ يدل البحث قليلا عن الاصول ان الانتقال من مرحلة الثورة التحريرية بقيادة الرئيس ماو تسيتونج إلي مرحلة الانفتاح بقيادة دنج هسياو بنج منذ ربيع1978 أحدث فراغا واهتزازا من الناحية الايدلوجية وبوجه عام علي الساحة الفكرية والمعنوية دون جدال إن شعار اقتصاد السوق الاشتراكي أو اقتصاد السوق بخصوصية صينية ربما يصلح لوصف العملية الاقتصادية, ولكنه لا يقدم بديلا عن حلم الاشتراكية خاصة بعد ان طبعه الرئيس ماو بطابع حضاري ايذانا بمرحلة جديدة في تاريخ العالم.. وكان طبيعيا أن يتجه الجيل الثالث من القيادة حول زيانج زيمين إلي التنقيب عن هذا وقد تأكد هذا البحث مع الجيل الرابع حول الرئيس الحالي للدولة والحزب هو جين تاو. يري الباحثون ان الاتجاه تأثر في احياء فلسفة كونفوشيوس, المعلم الأول وهي فلسفة تكوينية في حضارة الصين منذ ثلاثين قرنا تجمع في رحابها ثقافات اليابان وكوريا وفيتنام ومنغوليا أي آسيا الشرقية كلها نحو45% أكثر من40% من المعمورة كان للرئيس الحالي الفضل في الجمع بين هذا التراث الحضاري العظيم, وبين المفهوم الذي قدمه في فبراير2005 عندما كتب العبارة التوجيهية الحاسمة: قال ان التناغم هو أمر يجب أن نعتز به. ثم بعد شهور أصدر تعليماته لكوادر الحزب الشيوعي لبناء ما اطلق عليه المجتمع المتناغم هو مجتمع يجب ان يقدم الي الصف الأول معاني الأمانة والوحدة, وكذا التضامن بين الشعب والحكومة. التوجه العام للعديد من المفكرين والدارسين والمعلقين الذين تناولوا فلسفة الكنفوشيوسية في عصرنا هو ان هناك اختلافا جذريا بين التوجه الي الديمقراطية الليبرالية من الطراز الغربي التي تعم دول المركز الغربي حتي الآن وبين العالم الجديد الصاعد خاصة الشرق الحضاري. هذا مثلا المفكر الكنفوشي الكبير جيانج كينج, صاحب كتاب الكونفوشية السياسية, يقدم دعوة الي الأخذ بما يسميه الكنفوشية السياسة التي اقرها طيله حروب الصين الدائرة المحيطة من الفكر الغربي. ماذا يقول الدكتور؟. يقترح مثلا, في بحث نشره في تايوان انشاء مجلس نيابي يتكون من طلائع الفكر الكنفوشي يمثلون مسئولية الاستمرارية الصينية الثقافية والربط بين الطلائع والشعب وفي مقال آخر, يري ان الكونفوشية هي بمثابة دين الدولة انصار الكونفوشية السياسية ينتقدون بشدة غزو امريكا للعراق. ومعني التقدم الي دولة من نوع جديد, دولة التناغم المجتمعي بين جماهير الشعب والقيادة السياسية, بدءا من تجديد الفلسفة الحضارية الكنفوشية, ان تحديد الكونفوشية وصياغتها في قالب الفلسفة السياسية يعني ان الشرق الحضاري في قطاعه الاوسع, اي دائرة شرق آسيا, يتجة بشكل اكيد ليس فقط الي الطفرة الاقتصادية الخارقة والتي لم يعرفها التاريخ من قبل, وإنما الي مقام الدائرة العظمي المركزية الصاعدة في النظام العالمي, ومن هنا فإن جوهر صعود الصين السلمي يكمن في أنها تقدم نمطا من التنظيم السياسي والمجتمع, وكذا الفلسفة المواكبة التي تختلف في الجوهر عن الفلسفة الليبرالية الديمقراطية الغربية والتي قادت العرب الي مأزق التبعية والتهميش باسم اللحاق بنموذج الغرب المهيمن. قال صاحبي يعني ان اشراقة سماء بكين يوم الجمعة8 أغسطس إيذانا بافتتاح دورة الالعاب الاوليمبية تفتح الطريق امام توجيه جديد بالنسبة لغالبية المعمورة, توجه التناغم المجتمعي توجه تعايش العالم الجديد في سلام يجمع بين الاقطاب والمركز والثقافات علي تنوعها, هل تعني حقيقة أننا أمام مشارف عالم جديد يمكن أن تعرف فيه الشعوب مذاق حياة جديدة؟ أم انها مجرد شعارات؟... ماذا, ماذا تقول؟ ان الشعارات يا صديقي العزيز, يا رفيق العمر والسلاح والدرب, والفكر, والشعارات والاحلام لا تتحقق إلا بكفاح الشعوب, بالتصميم والارادة والبذل والتضحية, الجديد في الامر: اننا لسنا وحدنا, اللهم الا اذا اختار البعض تجاهل اشراقة السماء ورسالة التضامن التي تأتينا من الشرق الشقيقة.. المزيد من الأقلام والآراء