صدر مؤخرا للباحث اللبناني نادر سراج كتاب يحمل عنوان "خطاب الرشوة - دراسة لغوية اجتماعية" يتناول شأنا يجرى دراسته لغويا للمرة الأولى في العربية.. كما يتناول شأنا مخجلا أضحى حقيقة راسخة في عالمنا العربى وفي كثير من أنحاء العالم. كتاب الدكتور سراج صدر عن دار رياض الريس للكتب والنشر ويحمل عنوان "خطاب الرشوة - دراسة لغوية اجتماعية" وقد توزع على 13 فصلا سبقتها عناوين ثلاثة هي "لماذا هذا الكتاب.." و" تمهيد" و"مقدمة". مكونات هذا الخطاب تدرس للمرة الاولى في لغة الضاد عبر اضاءة لسانية اجتماعية ومن خلال معاينة منظومة متكاملة من الكنايات والتوصيفات لعناصر عملية الرشوة الثلاثة.. الراشي والمرتشي والرائش (اي المحرض او المتدخل او الوسيط) فضلا عن باقة منتقاة من مأثوراتنا الشعبية التي بحثت في الرشوة وأخواتها. "وقد رفد المؤلف هذه المعطيات اللغوية بمقتطفات صحافية عربية مشفوعة بمسموعات عفوية جرت على الالسن وعبرت عن معاناة العوام والخواص وأدرجت كشهادات حية في متن الكتاب." ويقول سراج "خطاب الرشوة هو في محصلة الأمر خطاب فضائحي تحولت تعابيره اليوم الى شبه خطاب متكامل بعد ان كان يمثل او يتوازى سابقا مع توصيفات تتصل بموضوع السرقة والتزوير ونهب المال العام والدعارة وسواها من الموبقات الاجتماعية. كان الكلام بخصوصه يتم همسا وفي الصالونات وخلال الدردشات و"تحت الطاولة" لذا ادرج في السابق ضمن المحظورات او المسكوت عنه. لكنه اليوم خرج الى دائرة الضوء. سقطت عنه او تكاد سمات المال الحرام وكبائر الذنوب والصغائر وباتت توصيفاته تتصل بمفاهيم الشطارة وحسن التخلص و"الفهلوية" او "تدبير الحال" و"التزبيط" كما يقول اللبنانيون ويشاركهم اشقاؤهم العرب في اضفاء توصيفات قطرية من "العيار" نفسه." ورأى أن "رصد مختلف هذه التوصيفات الرائجة وتحليلها يشكل برأينا خطوة اساسية في مجال الدراسة اللسانية لهذه الظاهرة الاجتماعية... وسنعاين في مختلف فصول الكتاب كيف واكبت اللغة التطور المفهومي الذي لحق بمسألة الرشوة وخطابها المعلن..." وتناول الكاتب مفردة الرشوة تاريخيا فقال "لم ترد مفردة الرشوة في ألفاظ القرآن الكريم ولكننا تتبعناها في الحديث وفي المصادر والمراجع قديمها وحديثها لنستوفي جملة معانيها ودلالاتها." وتحدث عن ورود المفردة في احاديث نبوية وفي كتب ومعاجم مختلفة لاحقا. ويذكر هنا في هذا المجال ان بعض من درسوا على عالم اللغة الراحل الدكتور محمود الغول انه بناء على ابحاث لغوية واجتماعية له عن اليمن قبل الاسلام تحدث في محاضرات لم تنشر كان يلقيها في الجامعة الامريكية في بيروت عن هذه المفردة وقد وردت في نصوص يمنية قديمة ووصفت في احدى هذه النصوص بالقول "الرشوة حلوان الكاهن." ولعل العناوين الرئيسية لفصول كتاب سراج تلقي ضوءا على محتوياته الكثيرة في وجوههاالمختلفة. العناوين التي اندرجت تحتها عناوين فرعية كثيرة جاءت على الشكل التالي.. "كنايات الرشوة وتوصيفاتها وأشكالها. خطاب الراشي. خطاب المرتشي. خطاب الرائش. كنايات المرتشي او الفاسد وتوصيفاته. نوعيات وقيمة الرشاوى والهدايا. تعليقات وحوارات شفهية او مدونة. امثال شعبية وأقوال سائرة. تحليل لدينامية استخدام الضمائر في البنى اللغوية. وسائل الاعلام في تقصيها لانماط الفساد واخبار الفضائح وتبعت ذلك عناوين هي "خلاصة القول. خاتمة. ثبت المصادر والمراجع." وفي "خلاصة القول" قال المؤلف "لا ندعي اننا رصدنا هنا مصطلحات معجم الفساد بمجملها -المقومس منها او غير المقومس في المجال اللبناني تحديدا وفي بيئاتنا العربية الثقافية عموما- وأننا انتهينا الى خلاصات ونتائج قاطعة او بحثنا في موضوع غير مطروق لتاريخه... بيد ان مقاربتنا اللسانية لدراسة هذه الظاهرة الاجتماعية بتمظهراتها الكلامية لم تتوقف عند المنحى التزامني للبحث أي الاهتمام بالمعطيات اللغوية الراهنة التي تجري على الالسن فحسب وهي أساسية في هذا المجال.. بل تقصدنا العودة الى ثنايا موروثنا الثقافي الذي راكم الكثير من التجليات اللغوية عنها وفي ظل هذه المنهجية لم نغفل الراهن المتحرك بتداعياته..." اضاف "لذا يمكن القول ان هذه الدراسة اتسعت لمجمل ما يتردد ويكتب في البيئة الثقافية اللبنانية.. وسائل اعلام وكواليس.. مجالس بالامانات -او بدونها-.. منتديات وصالونات. ولم تغب عن استشهاداتنا البيئات الثقافية العربية الشقيقة التي نتشارك واياها عوارض هذا الداء "القومي ومفاعيله..." وتساءل سراج "ترى هل يمكن القول ان القيام بدراسة لغوية مثيلة من شأنه الاسهام في نقد ومعالجة هذه الظاهرة السلبية وتشكيل حائل دون استشرائها اكثر فأكثر.. وهل تفضي النتائج التي يتوصل اليها الباحث المتابع لمعضلة اجتماعية مماثلة الى تعريتها امام الرأي العام او التخفيف من وطأتها ومفاعيلها وتأثيراتها على السلوك المجتمعي عموما.."