«الأفيش» في عرف السينمائيين من نقاد وفنانين وأيضا في عرف الجمهور يعني الملصق الذي يعلق في واجهة دار العرض أو في الشوارع بهدف التعريف البصري بالفيلم، كانت بدايته نوعاً من الاجتهاد الشخصي والرؤية الفنية الذاتية لأشهر الرسامين في وقتها وغالبا ما كانوا من الإيطاليين والأرمن والعرب الشوام مثل حسن جسور أحد أشهر مصممي الأفيش في تاريخ السينما المصرية مصمم أفيشات الأفلام الثلاثية لنجيب محفوظ «السكرية قصر الشوق بين القصرين». وكانت شهرة الفنان تتحكم في تصنيف الأفيش بدءاً من الدرجة الأولى أو الدرجة الثانية أو الثالثة، فكان الرسامون يختلفون، ولكن الأفيش هو نفسه. فقد كان يتم رسمه يدوياً، رسما توضيحيا أو رسما كاريكاتوريا، أو لصور الأبطال، وغالباً ما يظهر فيه البطل والبطلة الرئيسيان في الفيلم، بعد ذلك أدخلت فنون الجرافيك البدائية عليه، حيث تداخلت الصور مع لمسات الخطاطين لصناعة أروع الأفيشات. حيث كانوا يضيفون بعض الجمل التوضيحية التي تروج للفيلم وتشوق المشاهدين لأحداثه مما كان يجعلها مميزة وتعلق بالأذهان مثل فيلم فاتن حمامة «الأستاذة فاطمة» الذي تتصدره جملة «مشكلة اليوم.. قضية المرأة» أو فيلم «المعلم بلبل» الذي كتب عليه «كوميديا استعراضية راقصة كتبت لترضي جميع الطبقات». وفيلم «أنا بنت مين» الذي تصدرته عدة جمل مثل «جدي من كبار رجال الإقطاع ووالدي استغل النفوذ وسطا على الأعراض وأمي فقيرة المال غنية الشرف» أو فيلم «حياة أو موت» الذي تصدرته عدة جمل مثل الفيلم الذي ينقل واقع الحياة في عنفه وقوته، هذا فضلا عن جمل تمتدح المخرج أو البطل أو الشركة المنتجة، ثم كان دخول الكمبيوتر ببرامجه عالية التقنية كالفوتوشوب والصورة الفوتوغرافية وغيرها، والاتجاه نحو قوة صورة البطل بديلا عن قوة ودلالة العنوان. اللمسة الرومانسية أيام زمان : فبينما كانت تسيطر على «أفيش» زمان رؤية فنية لأحداث الفيلم أو أبطاله أو دلالاته وحتى عنوانه الذي كان يكتبه خطاط فنان، تحول الأمر الآن إلي صورة للبطل أو لقطة من الفيلم أو مجموعة صور للأبطال لا يحكمها رابط اللهم إلا أن جميعهم مشتركون في الفيلم، وخلا الأفيش من الرؤية الفنية نتيجة لسيطرة برامج الفوتوشوب وخطوط الكمبيوتر. بل وصل الأمر بالأفيش المصري إلي الإفلاس ولجوء مصمميه إلى استلهام أفيشات الأفلام الغربية وأحيانا سرقتها فمثلا فيلم أحمد السقا «حرب أطاليا» الذي تدور أحداثه في إيطاليا يشبه كثيرا أفيش فيلم Ocean's Twelve الذي صور أيضا في إيطاليا رغم اختلاف الأحداث بالطبع، كذلك فيلم أحمد عز «ملاكي إسكندرية» يشبه أفيش فيلم Sword Fish Operation وأفلام أخرى كثيرة تكشف عنها نهضة مصر في عددها اليوم. لكن الكاتب محمود قاسم يرى أن هذه الظاهرة قديمة مستشهدا على ذلك بفيلم «بئر الحرمان» الذي أخرجه كمال الشيخ عام 1969 وفيه يبدو وجه بطلته سعاد حسني وقد تدلى شعرها بطول الملصق الذي حمل جانبه صورا لأبطاله والأفيش هو صورة طبق الأصل من أفيش الفيلم الأميركي البريطاني «هروب من القدر» إخراج جون شيلزنجر عام 1967 وبطولة جولي كريستي. وكل ما فعله المصمم أن وضع ملامح وجه سعاد حسني مكان جولي كريستي ووضع رسوم الممثلين المصريين مكان أبطال الفيلم الأجنبي. «أفيش زمان» كان يراعي المجتمع الذي يخاطبه فابتعد عن فجاجة الإغراء والعري والإثارة سواء في عنوان الفيلم أو صور أبطاله مكتفيا بالدلالة الرومانسية أو العاطفية الرقيقة. في حين تخاطب أغلب الأفيشات الآن الغريزة الجنسية بشكل مباشر، عبر العناوين «خيانة مشروعة» و«منتهي اللذة» و«سهر الليالي» و«النوم في العسل» و«راندفو» و«أوقات فراغ»، صور ولقطات ومشاهد مثيرة جنسيا حتى أن محاميا مصريا تقدم ببلاغ إلى النائب العام يطالب فيه بسرعة تغيير أفيش فيلم «عمر وسلمى» لمي عز الدين وتامر حسني، واصفا الأفيش بأنه «إباحي وتعدى كل الحدود». مفاتيح النجاح يقول المصمم يسري حسن : السينما ليست مجرد سيناريو وحوار وإخراج ومونتاج وغيرها من المكونات الرئيسة للشريط السينمائي إنما هناك عوامل أخرى لا تقل أهمية خاصة في مجال الدعاية للعمل الجديد وابرز هذه العوامل هو الأفيش السينمائي الذي يحمل عبء القدرة على جذب المشاهد لهذا العمل، مما يجعله مفاتيح نجاح أو فشل أي فيلم، ومن هنا تبرز أهميته خاصة انه خلع جلبابه القديم وارتدى جلباب الأفلام الجديدة وبدأ يأخذ أشكالا غير مألوفة وبدأ يستقل كفن متميز له رواده بعد أن كان مجرد ورق لوجوه النجوم. أصبح «الأفيش» اليوم يمتلك فكرة تكشف روح الفيلم دون أن تحرق موضوعه، فما أصعب أن تنتقي أو تصمم صورة ثابتة لكي تكون عامل جذب ومرآه تعبر تعبيرا دقيقا وموجزا في نفس الوقت عن ما يحتويه الفيلم من أفكار، بل وإبراز أهم تلك الأفكار في شكل جميل، جديد وجذاب. وقد مرت السينما المصرية بمرحلة ركود بسبب انصراف المشاهد إلى الفيلم الأجنبي الذي يتعامل مع الأفيش بشكل مختلف، ف «الأفيش» في الفيلم الأجنبي يحمل فكرة جديدة تماما مثل أفلامهم التي تعتمد بشكل أساسي على الأفكار المبتكرة، ولذلك لجأ هؤلاء إلى تقديم «أفيشات» أفلامهم بهذا الشكل الجديد لكن هناك نقطة هامة لابد من الإشارة إليها وهي أن الأفيش المحكوم بفكرة لابد أن يكون مناسبا لفكر وسيكولوجية المشاهد المصري حتى يفهمه ويتواصل معه ولابد أن يناسب كل الفئات والمستويات. وفي تجربة للمصممة سارة عبد المنعم مع فيلم «ابن عز» كان الأفيش عبارة عن «بانيو» وبداخله علاء ولي الدين ولأن الفيلم كان سيعرض في الصيف وجدت أن يكون التصميم بشكل يجذب المشاهد وذلك عن طريق الخلفية الصفراء وشكل الماء المتساقط والبانيو والناس في هذا الوقت ستكون في حالة ضيق من العرق والحر فتنجذب للفيلم. ولذلك أثناء التعامل مع أفيش الفيلم يجب مراعاة سيكولوجية الجمهور وفهم اختلاف وسائل وأماكن الإعلان وغير ذلك من المتغيرات العديدة التي يجب وضعها في الاعتبار أثناء وضع التصميم للأفيش. ولعل أهم ما يلفت النظر أن هناك بعض المهرجانات السينمائية بدأت تلتفت إلى أهمية دور الأفيش كأحد عناصر نجاح الفيلم السينمائي، بل وهناك مهرجان مثل مهرجان جمعية الفيلم السينمائي وضع جائزة أحسن تصميم أفيش، مما يدل على بدء الإحساس بمدى ما يقدمه الأفيش للفيلم السينمائي كأحد أهم وسائل الجذب والدعاية. وقد عانت صناعة الأفيش من مشكلات عدة منها الاتفاق على ترتيب أسماء الأبطال وأسماء المخرج والفنيين والكاتب وأيضا الصور، وأفرز صراعات تصل إلى حد وصفها بالعنف ما بين الفنانين والمنتجين والمخرجين ويؤكد تامر ناجي مصمم الأفيشات أن التواصل بين المنتج والمصمم يتم عبر مواصفات محددة مكتوبة بين الطرفين مثل شروط حجم الصور وحجم الأسماء. وللآسف الشديد هناك منتجون لا يهتمون بفن الأفيش، فتجدهم يطلبون مطالب غريبة مثل لون مختلف لاسم نجم أو نجمة على حساب نجم آخر، وهذه الأشياء أحيانا تضر بشكل الأفيش، وفي النهاية المصمم هو المتهم بأنه السبب في كل مصائب الأفيش، رغم انه، أي المصمم، ليس حرا في تقرير الأسماء ومكانها. وتؤكد المصممة سارة عبد المنعم، التي نفذت أكثر من 10 أفيشات لأفلام منها «خالتي فرنسا» و«تيتو» و«اسكندرية نيويورك» و«فول الصين العظيم» وغيرها، أن لكل فيلم قصة وأحداثا يشاهدها المصمم كلها، وبناء على ذلك يعقد عدة جلسات مع المخرج والمنتج والبطل لاختيار احد التصميمات التي قد يكون المصمم قد فرغ منها. وعن ظروف اختيارها لأفيش «خالتي فرنسا»، تقول سارة عبد المنعم: صممت أفيش الفيلم على أساس أن بطلتيه من النساء عبلة كامل ومنى زكي، وكان عبارة عن امرأتين تلعبان «رست» مما أثار فضول المشاهدين، خاصة أن عبلة كامل ومنى زكي ظهرتا كأنهما «ريا وسكينة» وبينهما الطفلة مها عواد في موقف الحكم، واستعنت بألوان الصيف الجميلة الأحمر والأصفر والأزرق والأخضر. وعن كيفية اختيار ألوان الأفيش تؤكد المصممة سارة عبد المنعم أن ألوان الأفيش يتم اختيارها على أساس طبيعة الموضوع، فألوان الرومانسي تختلف عن الاكشن والغنائي وهكذا. إن فيلم «تيتو» لأحمد السقا، تم تصميم أفيشه على أساس انه دراما اجتماعية به جزء من الاكشن، وكانت فكرته أنني بحثت عن الإعلانات التي ظهر بها احمد السقا من قبل في السوق ومدى إقبال الجمهور عليها. فقمت بتصوير عدد من الأماكن المختلفة بأشكال تناسب علاقتها بالفيلم مع احتفاظي بمقاييس الإعلان والأفيش الذي يلخص فكرة الفيلم، وكانت ألوان الأفيش ما بين الأسود والأحمر لما يحمله الفيلم من طابع درامي، فحاولت أن يكون الأفيش به اكشن مما سيجعله قريبا إلى الأسلوب الأميركي في التصميم، بالإضافة إلى استخدام الإضاءة والظلام في الفيلم. وتضيف المصممة سارة: إن التعامل مع يوسف شاهين، مخرج الفيلم، متعة كبيرة لأنه يعطي الحق للفنان في الإبداع ولا يفرض عليه أي رأي، وهو ما فعله معها عندما أعطاها الحرية في صنع الأفيش وعندما قدمت له الفكرة وافق عليها على الفور.أما فكرتها في تنفيذ أفيش فيلم «حالة حب» للمخرج سعد هنداوي، فحملت اتجاها آخر، حيث استعانت في ألوان الأفيش بدرجات قريبة إلى طبيعة الموضوع الرومانسي الغنائي فيحمل ويناقش قضية مهمة يطرحها وهي الغربة والهجرة. تاريخ صناعة الملصقات أول من اعتمد البوستر (الملصق الإعلاني) كان شركات المسرح ودور النشر في لندن وباريس. ولم يتم الإعلان عن الأطعمة والأدوات المنزلية حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر حيث تعددت منتجات ذات السلعة وبالتالي بدأ التنافس لترويجها. والملصق السياسي الذي يعتبر ثالث أكبر مجموعة بعد الملصق الثقافي والمنتج، تطور مع بعض الاستثناءات بعد الحرب العالمية الأولى. والملصق الذي نعرفه في يومنا هذا بدأ بالتطور عام 1860. وكانت الملصقات قبل اكتشاف طباعة الليثوغرافي عام 1798 تعتمد على حفر الخشب ونقش المعدن بالمونوكروم. وكانت الألوان نادرا ما تستخدم ولم يكن هناك خلط بين الرسم والنص. تم التغير مع الفنان جولز شيريه الذي لقب بعراف الملصق الحديث، حيث قدم تصاميم حية مباشرة تجمع بين النص والرسم بعض الألوان. كانت باريس مركز فن الملصق. ومن هناك ازدهر هذا الفن وانتشر في مختلف أنحاء أوروبا والولايات المتحدة. وعلى نهج شيريه بدأ العديد من الفنانين يختصون في صناعة الملصقات. وكان يتم تقدير مصممي الملصقات من المعارض العامة ورحب بهم كفنانين من مرحلة جديدة. لجذب الشباب إن اللقطة في أفيش فيلم «عمر وسلمى» لمي عز الدين وتامر حسني غير موجودة بالفيلم أساساً وبالتالي هناك تعمد لجذب الشباب بوسائل رخيصة من أجل دخول الفيلم الذي من المفترض أن يقدم مضمونا مفيدا للشباب المعجب بهؤلاء النجوم، بدلاً من الأحضان والقبلات الساخنة كتلك التي تظهر في الأفيش الذي وصفه المحامي الذي رفع دعوى ضد الفيلم بالخادش للحياء العام. المصمم محمود قاسم تجربة ناجحة اخترت لأفيش فيلم »إسكندرية نيويورك« ألوان الأزرق والأسود بالإضافة لصورة رومانسية لأبطاله الشباب احمد يحيى ويسرا إلى جانب صورتين ليسرا ومحمود حميدة وعدد من رموز شواطئ الإسكندرية وبعض المعالم المشهورة في نيويورك سبب نجاح التجربة وبالتالي نجاح الفيلم.