تلعب السياسة دوراً كبيراً فى مهرجان "كان" السينمائى، حيث إنه لا يمكن فصل الثقافة عن السياسة ولا يمكن فصل الفن عن السياسة، وهناك الكثير من المخرجين الذين يقدمون رؤى سياسية فى أفلامهم، منهم على سبيل المثال "سميرة مخملباف" و"أمير كوستاريتسا"و "بهمن كوبادى"، ويأتي ذلك مع موازاة اهتمام مهرجان "كان" بالبعد الفني وبالجانب التجارى، إلا أن هناك العديد من الدوافع التى تحرك نوع العمل الدرامى فى المهرجانات بشكل عام وليس فقط فى "كان" ومنها الدافع السياسى. كان وواجهة فرنسا السياسية: لقد استطاع المهرجان خلال تاريخه أن يطور فن السينما واقتصادها معا.. بل وأن يُصبح منصة لإطلاق أفكار العالم الغربى على العالم والترويج لها، ونشر مفردات الثقافة الفرنسية فى مختلف أنحاء العالم بعد تجميلها بكل الألوان التى تشتهر بها فرنسا، وتجاوز ذلك ليُستخدم كواجهة فرنسا البراقة للإعلان على أفكارها السياسية.. لكن إنجاز المهرجان الأكبر أنه أوجد حالة حراك سينمائى مُتجددة بتقديم أعظم الأفلام ومناقشتها وتنفيذها، من خلال أهم نقاد السينما ومنظروها.. وبسبب حالة التنوع فى تقديم الأساليب السينمائية تضاعف عُشاق السينما والمدافعون عنها بسبب متابعتهم للمهرجان. وهناك العديد من الأفلام التى تعرض على هامش فعاليات المهرجان، وتوظف موضوعاتها خصيصاً للفت أنظار العالم إلى قضايا مهمة، مثل القضية الفلسطينية، والوضع فى العراق، والشيشان والسودان ومشكلة الشمال والجنوب وإقليم دارفور .. إلخ. فعلى سبيل المثال ما يؤكد حضور السياسة فى مهرجان "كان" السينمائى كما حدث فى دورته الستين عام 2007، من خلال مواقف بعض كبار نجوم هوليود، ويبرز ذلك فى الدعوى التى أطلقها النجم السينمائى الأميركى "جورج كلونى"، لتكريس مزيد من الوقت والجُهد لحل الأزمة الإنسانية فى دارفور، حيث قال كلونى فى ندوة صحفية إنه يجب أن "نكرس الكثير من الوقت لدارفور"، وأشار كلونى إلى أنه بعد زيارته للمنطقة، توجه إليها عدد من النجوم الكبار مثل "براد بيت" و"مات ديمون"، وأوضح كلونى الذى وصف التعبئة الدولية ضد هذه المأساة الإنسانية ب"المعركة"، أنه يجب الاستمرار فى "جلب الأنظار" و"جمع التبرعات" لسُكان الإقليم الجريح، بالإضافة إلى "القيام بأشياء أخرى" لم يحددها الممثل السينمائى. وإذا كان كلونى خص إقليم دارفور باهتمام خلال ندوة صحفية للفيلم المُشارك "خارج المسابقة"، فإن الشيشان حضر أيضاً فى فيلم روسى داخل المسابقة واسمه "أليساندرا" للمخرج الروسى "أليساندر سوكوروف"، ويمثل "أليساندرا" رؤية نقدية للموقف الروسى من الحرب فى الشيشان، حيث تزور البطلة "أليساندرا" حفيدها الضابط الروسى فى إحدى قلاع روسيا فى الشيشان، والجدة المُتعبة تجر قدميها فى القاعدة العسكرية لتنقل النفسيات المهزوزة للجنود التائهين حينا والجائعين أحيانا، وتزداد الصورة سواداً حين تقرر الجدة زيارة السوق، ثم الانتقال مع امرأة شيشانية اسمها مليكة إلى منزلها، فالفيلم يُجسد مدى عُمق جراح الشيشانيين وحجم حقدهم على الروس، ويدين المخرج هذه الحرب التى يخسر فيها الشيشان وكذلك الروس. ومن الأفلام التى أثارت ضجة واسعة على المستويين السينمائى والسياسى، فيلم "فهرنهايت 11/9" للمخرج "مايكل مور"، والتى فاز ب "السعفة الذهبية" فى دورة المهرجان ال 57 عام 2004، وأثار عاصفة من النقد والتساؤلات ما بين مؤيد ومعارض لمنهج "مايكل مور" فى انتقاد المجتمع الأمريكى والسياسة الأمريكية، فالمخرج الأمريكى مايكل مور الذى دائما يثير الجدل حوله آرائه السياسية المناهضة للرئيس الأمريكى جورج بوش، فتدور أحداث فيلمه الوثائقى حول علاقة بوش وعائلته بعائلة بن لادن، يصف "مايكل مور" الرئيس الأمريكى بوش بأنه وصل إلى الرئاسة عن طريق التزوير، كما يفضح النواب الأمريكيين الذين يزجون بأبناء الشعب فى الحرب ويرفضون إرسال أبنائهم كجنود فى الجيش الأمريكى فى العراق. وظهرت السياسة من خلال عدد من الأفلام سواء بطريق مباشر أو غير مباشر، من بينها فيلم المخرج "آدم كرتيس" باسم "قوة الكوابيس" أو Power of Nightmares فى دورة المهرجان ال 58 عام 2005، والذى يُهاجم بشدة رد فعل السياسين الأمريكين والبريطانيين على الهجمات الإرهابية، ويرى أنهم بالغوا فى حجم التهديد الإرهابى، كما فسر النقاد والمُشاهدين إحدى جُمل حوار فيلم "حرب النجوم .. الجزء السادس" أو"Star Wars " بأنها اعتراض على أسلوب الرئيس الأمريكى "بوش" فى إدارة حربه ضد الإرهاب، بقوله "معنا أو ضدنا"، إذ تقول شخصية فى الفيلم : "إما أنك معى أو عدوى". كما شهد المهرجان فى نفس الدورة أول حضور عراقى من خلال فيلم "الكيلومتر صفر" أو" Kilo Meter Zero " للمخرج العراقى "هينر سالم"، والذى يحكى عن علاقة الأكراد والعرب العراقيين، فى ظل نظام الرئيس العراقى المخلوع صدام حسين. وهناك العديد من الأفلام التى كانت مُرشحة لجائزة "السعفة الذهبية" من قبل العديد من النقاد ولم تفز كفيلم (نادى القتال) 1999 فى دورة المهرجان الستين عام 2007، لأن السياسة وعُقدة الدول الرأسمالية من الشيوعية تدخلت، فلم يفز من الأفلام المُرشحة فى تلك الدورة إلا فيلم متواضع الإنتاج لأنه يتناول (واقعاً) فى دولة اشتراكية سابقاً، فعدم الفوز يؤكد عدم التقليل من قيمة العمل الفنى، ولكن الدافع وراء منح الجائزة واضح أو هو من بين دوافع عديدة. المخرج الإسرائيلى إيفى مغربى: فى أحداث فيلم "من أجل إحدى عينى" للمخرج الإسرائيلى "إيفى مغربى" والذى فاق التوقعات فى نقده للأوضاع الاجتماعية والسياسية داخل إسرائيل، وقدم المبرر الكافى لاختياره فى قسم خارج المسابقة، الذى رغم كونه مفتوحاً لكل الأفلام الطويلة، إلا أن اشتراك أفلام وثائقية به غير معتاد، ولا متوقع بالمرة.. حيث غالباً ما يقتصر الاشتراك فيه على الأفلام الروائية الطويلة فقط.. وكان اختيار هذا الفيلم قد أثار الكثير من الدهشة والتساؤل من جانب المتابعين للسينما ولمهرجان "كان"، وقيل حينذاك إن مُشاركة بعض المنتجين الفرنسيين فى إنتاجه قد يكون وراء اختياره وقيل غير ذلك مما دعا الجميع للتطلع لمُشاهدة الفيلم والتطلع للأسباب بأنفسهم. وهنا أراد "إيفى مغربى" أن يتعرض لأوضاع كلا الجانبين العربى والإسرائيلى، ويعرض لكيفية تكون الصراع فى الجانب الإسرائيلى، حيث يُربى الأطفال الإسرائيليين على التحيز ضد العرب، وكيف يتكون فى الجانب العربى، حيث الضغط المستمر يُولد الانفجار .. حتى إن كلمة "هذه ليست حياة والموت أفضل" تظل تتردد على ألسنة أكثر من عربى طوال الفيلم... وقد أكد مغربى ذكاءه حينما قال إن هذا الفيلم ليس موجهاً للجمهور الدولى، لكنه موجه للمجتمع الإسرائيلى .. ليؤكد أن الفيلم فى تصوره موجه للعالم الغربى وخاصة الولاياتالمتحده، ولكل من يُدعم سياسة إسرائيل ويصدق أكاذيبها بقدر ما هو موجه لإسرائيل من الداخل، وهنا أراد إيفى الإسرائيلى أن يؤكد عدم رغبته فى إثارة المزيد من الأحقاد عليه داخل إسرائيل، خاصة وأن الفيلم لم يتم عرضه بالداخل بعد.. وعموماً فإن الفيلم يؤكد أن الذى يستطيع أن يُدين أكثر.. هو الأقرب.. هو من يعيش داخل إسرائيل.