كانت ملامح العبقرية والذكاء تبدو علي قسمات وجه هذه الطفلة الوليدة والتي تشير إلي أنها سوف تصبح طفلة مختلفة عن أقرانها من الاطفال, فقد بدأت عالية صبور( وهذا اسمها وهي أمريكية المولد, وربما يكون لها جذور عائلية في باكستان) في الكلام والقراءة وعمرها لم يتجاوز بعد الثمانية أشهر بعد, وعندما لاحظ أبواها حدة ذكائها وارتفاع معامل ذكائها عن كل أقرانها, قررا ان يلحقاها بنظام تعليم غير تقليدي بعيدا عن المدارس الحكومية فينورث بورث بولاية نيويورك التي ولدت بها, وانطلقت الطفلة العبقرية بسرعة الصاروخ لتنهي دراستها الابتدائية في سن الخامسة, ثم انتهت من دراستها الثانوية وهي لاتزال في العاشرة من عمرها, حيث التحقت بالجامعة حتي حصلت علي درجة البكالوريوس في العلوم والرياضيات من جامعة ستوني بروك وهي في الرابعة عشرة من عمرها, وبالتأكيد فان الطموح داخل شخصية بهذه العقلية الفذة لا يمكن أن يكتفي بهذا فقط واستطاعت عالية أن تحصل علي منحة تفوق من جامعة دريكسيل لدراسة الماجيستير ثم الدكتوراه, والتي استطاعت الحصول عليها قبل ان تنهي عامها الثامن عشر, بعد ان بهرت أصدقاءها وأساتذتها, ويبدو أن لكل انسان نصيبا من اسمه , وكنت قد سمعت هذه الجملة لأول مرة من المرحوم المستشار عبدالحميد يونس, فالدكتورة عالية التي لاتزال في سن المراهقة تم تعيينها بناء علي ما أجرته وقامت به من أبحاث كأستاذ في جامعة سول بكوريا الجنوبية, وهي جامعة من الجامعات العريقة والمتقدمة في العلوم الحديثة وتقنياتها, لذا فقد تم اختيارها وكتابة اسمها في موسوعة جينيس للأرقام القياسية كأصغر أستاذ جامعي في تاريخ التعليم الجامعي, وبذلك تكون قد حطمت الرقم القياسي الذي كان مدونا في الموسوعة من قبل منذ300 عام باسم كولين ماكلورين الذي كان أحد تلاميذ العالم إسحاق نيوتن والذي عين للتدريس بالجامعة وعمره لم يتجاوز العشرين بعد, وذلك في عام1717. والحقيقة أن فضولي دفعني إلي ان ابحث عن الجوانب الشخصية الاخري الموجودة في هذه العبقرية المراهقة الموهوبة, فكثير من أبنائنا يعتقدون ان التفوق والنبوغ الدراسي والبحث العلمي, إنما هو نوع من التعقيد الذي قد يخفي وراءه بعض النقص في جوانب أخري مثل الشكل والجمال والقدرات والملكات الاجتماعية والثقافية, والغريب أنني لم أجد أيا من هذا علي الاطلاق في عالية, فقد رأيت أمامي شابة ذات وجه طفولي جميل صبوح يتمتع بملامح شرقية, وكاريزما تشعرك بأنك تعرفها من قبل وتحمل لها الكثير من المحبة والمودة والفخر بها, ثم سمعتها تتكلم في حديث علي النت لمحطات التليفزيون الامريكية الشهيرة, وأدركت ان ذكاءها ليس علميا أو أكاديميا فقط, ولكنها تتمتع بذكاء اجتماعي حاد, وتواضع لايخلو من الثقة بنفسها وقدراتها دون غرور, وتحدثت عن أحلامها وأبحاثها التي تجريها لعلاج كل من مرض السكر الذي يعاني منه والداها وكذلك أبحاث عن مرض السرطان. وأخذت أبحث أكثر عن هواياتها التي تمارسها وتجيدها إلي جانب تفوقها العلمي المبهر, فوجدت أن هذه الأستاذة الجامعية المراهقة كانت تعشق الموسيقي في صغرها, وقد ألحقها والداها بأحد المعاهد الموسيقية أثناء دراستها لتتعلم العزف علي آلة الكلارينيت فأجادتها لدرجة الاحتراف حتي أصبحت تقدم حفلات منفردة, ومع الاوركسترا السيمفوني وعمرها لم يتجاوز الحادية عشرة ليس هذا فحسب ولينتبه الاهالي إلي ذلك بل انها كانت تمارس رياضة التايكوندو باقتدار حتي حصلت علي الحزام الاسود والعديد من البطولات وهي في الثانية عشرة من عمرها, اذن التفوق يمكن ان يسير في شتي المجالات والهوايات وليس في الدراسة فقط. وبقدر فرحتي بهذا النموذج المتألق بقدر ما فكرت وحزنت لانني تذكرت أن لدينا الكثير من العباقرة من الاطفال الذين تم وأد عبقريتهم في مهدها, وربما في مرحلة لاحقة, وكان آخر من رأيت منهم في العديد من وسائل الاعلام الطفل محمود وائل محمود, ذلك الطفل المعجزة المصري الصغير الذي لم يتجاوز عمره ال9 أعوام, والذي قيل ان موسوعة جينس سوف تدرجه خلال الأشهر القادمة كأذكي طفل في العالم في هذه السن الصغيرة حيث انه عبقري في الرياضيات, وموهبته تمكنه من الالتحاق بالجامعة بعد خمس سنوات من عمره, ونتائج اختبار الذكاءIQ التي حصل عليها لم يبلغها شخص في مثل سنه من قبل, ولقد قابل الطفل العبقري وزير التعليم في أحد البرامج التليفزيونية بالفعل, ووعد بإدراجه في نظام تعليمي يساعده علي مواكبة عبقريته وذكائه, ولكن ماذا لو ذهب الوزير أو ترك موقعه؟ أين النظام الذي يكفل الاهتمام بهذه النوعية الفذة من العقول والمواهب؟ فان لم يجد محمود وأمثاله البيئة الابداعية التي تحتضن مواهبهم وتكتشفها بدءا بوالده ووالدته في المنزل ثم المدارس والمدرسين والتعليم غير التقليدي والتلقيني, فسوف تدفن عبقرية هؤلاء العباقرة في مهدها. والحقيقة أن هناك دورا مهما جدا للاعلام والدراما التي توصل رسائل غير مباشرة لهؤلاء الاطفال والشباب عن أشخاص قد يصبحون بالنسبة لهم القدوة والمثل الاعلي, وقد تكون هذه القدوة ممتازة علما وخلقا وموهبة أحيانا, وقد تكون العكس تماما بحيث يصبح الرعاع هم القدوة والمثل الاعلي الذي يملك المال والشهرة والنفوذ, وأنا لا اعترض علي المواهب والفن والانواع المختلفة من الابداع, ولكن ان نقرأ ان الراقصة الفلانية ذاهبة إلي الولاياتالمتحدة لتعطي محاضرات وتشرف علي ورشتي عملWorkshop في الرقص الشرقي مثلما فعلت من قبل راقصتان سابقتان, والساعة بمائتي دولار والحسابة بتحسب علي رأي زعيم الموهوبين عادل امام, في الوقت الذي لاتهتم فيه وسائل الاعلام بعلماء حقيقيين داخل مصر وخارجها لاينالون عشر هذا الاهتمام, مع انهم يحققون انجازات مبهرة ويمثلون مصر كأفضل مايكون في شتي المحافل الدولية, لكنهم مع الأسف لايعرفون هز الوسط, ولايملكون شبكة العلاقات الاعلامية التي تسمح لهم بذلك, ذلك في الوقت الذي يضرب فيه الاطباء وأساتذة الجامعات لضعف مرتباتهم التي لاتعينهم علي الحد الأدني من العيش بكرامة بعد ان أفنوا عمرهم في العلم والتعليم, فأي من النموذجين يمكن ان يتخذه الشباب نموذجا وقدوة؟ ثم تحول الريموت فتجد أحاديث في أكثر من محطة فضائية عن الجن السفلي والعلوي والعفاريت, والضيوف تقريبا مكررون ويسعون لإقناع ضعاف النفوس لشراء بضاعتهم المجهولة, ومنهم من يدعي أنه صيدلي وعضو مجلس شعب تكرر ظهورهما بشكل مستفز علي كل المحطات الفضائية, ويدعي هذا الصيدلي قدرته علي شفاء99% من الامراض عن طريق علاقاته بالجن السفلي, ولايعترف بالطب لان الاطباء يعالجون العرض وليس المرض, ويدعي قدرته علي فك الاعمال السفلية عن البنات اللاتي تأخرن في سن الزواج, وفي برنامج آخر يعترف بأن ابنته قد وصلت لسن الثلاثين دون ان تتزوج, ولم يستطع بجنه السفلي ان يستلقط لها عريسا لقطة من خدام سيدنا سليمان! وأعتقد ان الحوار الذي نراه بكثرة علي الشاشات المختلفة للفضائيات في نفس الموضوع, واللجوء للغيبيات والنصابين والدجالين من أجل العلاج أو حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والأسرية, إنما يعبر عن أننا لانقف في مكاننا فقط, بل يعني أننا نتخلف ونعود للوراء عشرات السنين, بينما الآخرون مثل د. عالية ذات الثمانية عشرة ربيعا التي حصلت علي الدكتوراة في هذا السن, تطير إلي المستقبل, وتحاول الوصول من خلال تقنية النانوتكنولوجي لتصل إلي علاجات لمرض السكر والسرطان فلماذا لايرينا هذا الشخص الذي كان يتحدث بأسلوب غير محترم قدراته الفذة ويسلط جنه السفلي علي أولمرت في إسرائيل, أو كوندوليزا رايس وبوش في أمريكا, أو علي الاقل يجعلهم ينقلون السلاح والغذاء للمحاصرين في غزة؟ وهل يستطيع جن أخينا السفلي أن يأتي لنا بما يسميKnowHow من أجل تصنيع الكثير من الاختراعات والاسلحة الحديثة والادوية لعلاج الامراض المستعصية مثل الإيدز والسرطان؟ ولماذا يتخصص هذا الجن السفلي في السكن داخل عقول وأجساد المصريين والاخوة العرب؟ هذا هو الفرق بيننا وبينهم, وبين بضاعتنا وبضاعتهم, وبين عقولنا وعقولهم, فهل هذا هو ما يأمرنا به ديننا؟