في الوقت الذي تواصل فيه المعاملات البنكية الاسلامية نموها في الأسواق المحلية والدولية، تعزز عملياتها في الأسواق الغربية المتضررة من تبعات أزمة الرهن العقاري، يري خبراء أن التمويل الاسلامي مازال يعاني العديد من العقبات سواء في المجتمعات العربية والاسلامية أو في الخارج. وبالرغم من امتداد التعاملات البنكية الاسلامية لعشرات السنيين إلا أن رؤية البعض لها مازلت غير واضحة، يغلب النظر لهذه البنوك علي انها غير هادفة للربح والواقع إنها تسعي ايه كغيرها من المؤسسات المصرية بما يمكنها من تحسين أدائها لذلك انساق بعضها الى أساليب تختلف عن رسالتها التقليدية لكنها "مرغمة على ذلك" وذلك بحسب ما يرى محللون. ويصف خبراء اقتصاديين قطاع التمويل الاسلامي بأنه عملاق نائم على وشك الاستيقاظ بعد تسجيل معاملاته مستويات قياسية تخطت مليارات الدولارات. ويتسارع نمو أصول البنوك الاسلامية لتبلغ 300 مليار دولار وهناك نحو 270 مؤسسة مالية اسلامية حول العالم تعمل فى 70 دولة ومن المتوقع ان تتخطى اصولها تريليون دولار فى 2010، وتتصدر الصكوك الاسلامية القطاعات من حيث نسب النمو، بمعدل سنوي بلغ 20%، بعد أن لقيت دعما جزئيا من تدفق ايرادات النفط الناتجة عن ارتفاع اسعار الطاقة. ويرتبط التمويل الاسلامي علي نحو كبير بالعقارات، وتستحوذ الاصدارات العقارية علي 25% منه، وتتوقع وكالة التصنيف الائتماني موديز نمو حجم تلك الاصدارات بنسب تتراوح بين 30-35% خلال 2008، مستندة علي نمو الثروات الاجمالية الخاصة في الخليج وحدها بأكثر من 1.3 تريليون دولار. كما تتوقع الوكالة، أن تقود صناديق الاستثمار الاسلامية خاصة العقارية النمو في مناطق متفرقة من العالم في ظل الازدهار العقاري في الشرق الاوسط وآسيا، حيث تعد دول مجلس التعاون الخليجي ومنطقة آسيا -الباسيفيك القوة المحركة لقطاع التمويل الاسلامي. ولعل صعود نجم شركات تعتمد علي هذا النوع من التمويل منها "نخيل" ومقرها دبي و"الدار العقارية" في ابوظبي لتصبح من أهم مصدري الصكوك في العالم، دليل علي اقبال المستثمرين وثقتهم في هذا النوع من التمويل، وهو ما يتضح علي الجانب الاخر من ادراج كثير من تلك الصكوك في البورصات ففي فبراير/ شباط 2008، ادرجت شركة دار الاركان العقارية السعودية صكوك اسلامية بقيمة مليار دولار في بورصة البحرين، وهو حدث في العديد من البورصات مثل بورصة دبي العالمية وبورصة لابوان المالية الدولية في ماليزيا. التمويل الاسلامي .. وإنذار مبكر للديون واستطاع التمويل الاسلامي اجتذاب مستثمرين تضرروا من أزمة الرهون العقارية عالية المخاطر لما يتطلبه من شفافية وتنظيم هيكلي يعطي انذارات مبكرة عن مشكلات ديون وشيكة. فقد أدت أزمة الرهون العقارية إلي خروج جماعي من الأصول الخطرة فيما يرجع جزئيا إلي إبتعاد المستثمرين عن الادوات المعقدة التي تكاد ان تلقي بأكبر اقتصاديات العالم في براثن الكساد. فيقول مستثمرون إن أدوات التمويل الاسلامي تتطلب قدرا أكبر من الشفافية والرقابة من جانب ادارة الشركة لذلك يكون واضحا متى تتعرض الشركات لمشكلات ديون. ويضيف مصرفيون، انه بما أن المقرض بموجب التمويل الاسلامي هو نفسه مستثمر فانه يظل مشاركا فاعلا خلال فترة الصفقة وفي وضع يؤهله لتصحيح الاخطاء قبل أن يسوء الوضع، وهو ما عزز نمو هذا النوع من التمويل. وفي منحي آخر، تنص مباديء التمويل الاسلامي علي أن الصفقات يجب ان تستند إلي أصول ملموسة وتتطلب قيود مشددة علي مستويات الدين وهي عوامل يقول المحللون انها توفر بعض الحماية للمستثمرين وتضمن محاسبة الشركات. وقال راشد اسماعيل مسؤول الصكوك في اتش.اس.بي.سي امانة في دبي، إن جوهر الأزمة العالمية هو توريق الرهون العقارية عالية المخاطر أو الديون وهو مفهوم غير مقبول عادة في الشريعة الاسلامية، كما يتجنب التمويل الاسلامي التعاملات التي تنطوي علي عنصر المضاربة وغير المضمونة بأصول مما يوفر للمستثمر شبكة حماية ذاتية، بما يوفر عوامل انذارا مبكرا للمستثمرين قبيل وقوع المشكلات. ويقول ازنان حسان مستشار بنك برهاد ماليزيا، ان التمويل الاسلامي يوفر مزيدا من الرقابة الائتمانية فبموجبه لا يمكن اعطاء قرض لعميل وتركه يفعل ما يريد. وعلي الجانب الآخر، يري هومان سابيتي المتخصص في التمويل الاسلامي في شركة الاين أند اوفري، أن ادوات التمويل الاسلامي لا تعطي المستثمر بالضرورة درجة أعلى من الحماية، وتابع أن السبب وراء تحول التمويل الاسلامي إلي سوق جاذبة هو ان السيولة كبيرة في الشرق الاوسط، بالإضافة الي أن المستثمرين لم يتضرروا كما حدث في الولاياتالمتحدة واوروبا وبالتالي لم يتأثروا بتلك العوامل السلبية. وبما أن بعض مشتري هذه الاصول التقليدية-وفقا لهومان سابيتي- قد لا يرغبون في الاستثمار في أسواقهم المحلية فانهم ينجذبون إلي التمويل الاسلامي وهي خطوة تفيد مصدري الادوات الاسلامية. التمويل الاسلامي والتحديات الكبري مع النمو الكبير للتمويل الاسلامي، يري مصرفيون عرب إن البنوك الاسلامية تواجه تحديات كبري خارج البلدان العربية فضلا عن معوقات تشريعية في بعض الدول العربية مما قد يحد من نشاطها، ويستلزم تطوير أدوات تلك المصارف حتي تسطيع المنافسة. قال جمال زيدى الرئيس التنفيذى للوكالة الاسلامية الدولية للتصنيف فى البحرين - فى ندوة بعنوان الصيرفة الاسلامية ودورها فى التنمية الاستثمار ضمن أعمال المؤتمر المصرفى العربي بالقاهرة - أن هذه المصارف تواجه تحديات من البنوك التقليدية لذلك عليها تطوير سوق رأس المال الاسلامي حتى يتوافر لها فرص استثمار وسيولة تمكنها من جذب المستثمرين . ومن جانبه لفت الدكتور فؤاد مطرجي المدير العام وعضو مجلس ادارة ببيت التمويل العربي، أن تلك المصارف تنطوي علي قدر من تحمل المخاطر فهي لا تقدم القروض لتنظر عودة الاموال مضافا اليها سعر الفائدة، انما تقوم بدارسة جدوى المشروعات وتبدأ فى تمويلها مما يلقي علي عاتقها بتبعات نجاح أو فشل المشروعات. أما موسى شحادة نائب رئيس مجلس ادارة والمدير العام للبنك الاسلامي الاردني، قال إن هذه المصارف تواجه تحديات في طريقها نحو التوسع منها التعقيدات الاقتصادية فى بعض الدول العربية مثل إخضاعها لبعض النشريعات الملزمة للبنوك التقليدية رغم اختلاف طبيعتها. وأضاف شحادة، أن بعض البنوك المركزية العربية ترى أن البنوك الاسلامية جزءا من جهازها المصرفي وهي حقيقة لكن طبيعة عملها تختلف عن نظيراتها التقليدية، ولهذا تكون بعض التشريعات غير متوائمة مع أدوات البنوك الاسلامية كما أن بعض الحكومات لا تتيح التسهيلات اللازمة للبنوك الاسلامية مثل التقليدية، ويتم اخضاعها لكافة القوانين المتعلقة يالاستثمار والضرائب بما يرفع التكلفة علي المصرف والعميل. وقال إن وضع البنوك الاسلامية غير متكافىء مع البنوك التقليدية فالناس عادة ينظرون الى هذه البنوك علي انها لا تسعي للربح والواقع إن هذه المصارف تهدف الى الربح ايضا لذلك انساقت بعض المصارف الاسلامية الى أساليب تختلف عن رسالتها التقليدية لكنها "مرغمة على ذلك" . وتتحمل المصارف الاسلامية - يستكمل شحادة- كذلك مسؤولية اجتماعية، حيث تسعي إلي تحقيق عنصر التكافل الاجتماعى بين إفراد المجتمع ليس من حيث الاشراف على صناديق الزكاة فحسب بل تتعدي ذلك إلي تعبئة الموارد وتوجيهها لطالبي التمويل بهدف تحقيق مصلحة مشتركة، فضلا عن أن هذه المصارف تقوم أساسا على الاستثمار فى مشروعات حقيقة تؤدى الى توليد الدخول ثم زيادة الانتاج.