ان توقف البث التلفزيوني لمدة شهر كامل ليس كذبة ابريل، كما يعتقد البعض، لكنه سؤال افتراضي طرحناه على فئة مختلفة من المواطنين، بعد ان قرأنا عن تجربة كوريا التي اوقفت البث التلفزيوني لمدة ثلاثة اسابيع، واثمرت هذه التجربة عن ايجابيات عديدة اهمها انها اغنت حياتهم على الصعيد الاجتماعي والديني الثقافي والاسري. وحتى نكون اكثر قرباً من ردود الافعال كان سؤالنا للبعض كالتالي: «ما رأيك في خبر توقف البث التلفازي لمدة شهر؟ وماذا يغير في حياتك؟» لنلمس ردود الافعال بشكل اكثر واقعية على الوجوه والانفعالات ثم بابتسامة يعقبها اعتذار نوضح السؤال ونخبرهم ان الخبر افتراضي وليس حقيقيا. في دولنا العربية، يعد التلفزيون بما توفره من فضائيات عديدة ومتنوعة الوسيلة الاكثر انتشاراً للترفيه عند الغالبية العظمى من الناس، خصوصاً الذين يقضون نصف نهارهم امام التلفاز، حيث لا يمكن ان يتخيل البعض حياته من دون هذا الجهاز الذي آلف صوته وكأنه صوت شخص عزيز من الاسرة، مدللين على ذلك بأنه اول ما يفعلونه عند دخولهم البيت هو الاتجاه بشكل لاشعوري لفتح هذا الجهاز وتقليب قنواته، ومن ثم يفعلون اي امر آخر. فكيف اذاً يمكن لهؤلاء الاستغناء عنه؟ وهل غلقه يعني تغيير حياتهم للايجابية كما حدث في التجربة الكورية؟ ام اننا نحن العرب لا نعرف كيف نستفيد من تجاربنا؟ استطلاعنا التالي يرصد ويسجل ردود الافعال المتنوعة بين معارض بشدّة ومؤيد فتابعونا. كانت ردود الافعال متنوعة ومتباينة لكن اطرفها كان ردة فعل فهد الغنام الذي علت ضحكاته قائلاً لي: «هذا برنامج صادوه»؟. ثم اكمل متسائلا: من الذي سيوقف البث؟ وهل تقصدين البث التلفزيوني المحلي، ام البث الفضائي بالمطلق؟ وبتردد اجبته: الخبر بالمطلق. فأجاب: اذا كان توقف البث قاصرا على الفضائيات الحكومية فمع الف الف سلامة، و«بالناقص» لانه يبث ما لا يسمن ولا يغني من جوع، اما اذا كان التوقف للفضائيات بالمطلق، فان الخبر ليس صحيحاً لان البث لن يتوقف في الفضاء الذي هو ليس ملكا لاحد. قاطعته.. قصدت ماذا تفعل لو توقف البث الفضائي نهائياً؟ اجابني ضاحكاً: اتوقع انخفاض اسهم البورصة، وتدهورا حادا في العلاقات الزوجية.. (وانتهى الحوار ولا تعليق). أطلق زوجتي ولكن، هل بات التلفاز الشغل الشاغل لإلهاء الزوجين عن الخلافات الزوجية! سألت ذلك لان اجابة عبدالله المعروف اكدت هذه الحقيقة التي لم اتوقعها، حيث قال: - توقف البث يعني «اما قاتل او مقتول». • كيف؟ - يعني ان خيبر (يقصد زوجته) ستتفرغ لي تماما في «الروحة والجية» لان المسلسلات «الله يسلّمها» التي تتابعها زوجتي وتشغلها عن «المشاجرة» معي ستتوقف وهذا يعني «نجرة ومشاكل» على طول، «وحنّة طوال الوقت». اذا كنت مستاء من وجود الاعلانات الطويلة اثناء عرض المسلسل، التي تستغلها زوجتي في اثارة المشاكل ، فكيف هو الحال لو توقف التلفاز نهائيا عن البث «الله يستر» «يا معودة غيري هالكلام». واذا حصل ذلك سأذهب الى المحكمة وأطلق زوجتي على الفور ثم اعيدها بعد هذا الشهر المشؤوم وعند بداية البث. ثم اخبرته من جديد بفرضية السؤال، فاجابني على الفور: «اشوه.. خرعتيني» انا فهمت غير سالفة. ولم اعلق وغادرته الى مشاركة اخرى. مسيرات احتجاج ولكن، هل يمكن ان نتوقع خروج الناس عبر مسيرات احتجاج على مثل هذا القرار؟ ايمان القطان اعتبرت ان توقف البث لمدة شهر كامل مشكلة، متساءلة: - ماذا سيفعل الناس عندما يعودون الى بيوتهم من دون وجود تلك الوسيلة؟ الاغلبية العظمى يقضون وقتا طويلا امام هذا الجهاز، واتوقع ان المجتمع سيتحرك ولن يصمت على مثل هذا القرار. وعندما اخبرت اختها فاطمة القطان عن مزايا التجربة الكورية، وكيف اثمرت في حياتهم بالايجابية بعد توقف البث التلفازي، واهمها القراءة المنوعة، علقت قائلة: - بعض القنوات التثقيفية التي لا تقل في الاهمية عن قراءة الكتب بل قد تفوقها احيانا لما للصورة والصوت من جاذبية اكبر تفوق غيرها من الوسائل. «نفتك» من نانسي وهيفاء وابتسمت ام فهد مرحبة بالخبر قائلة بشكل تلقائي: - «ياليت»، وأتمنى تطبيقه ليس شهرا بل على الدوام حتى «تفتك» النساء من المقارنات كل حين بينهن وبين الجميلات عبر الشاشة. يكفي اننا سنأكل براحة بدلا من الرجيم القاسي غير المجدي لنصبح مثل نجمات التلفاز. هذا الجهاز ظلم المرأة كثيراً فأصبح زوجها يقارن بين ما لديه وما يراه على الشاشة مردداً تلك الاسطوانة باستمرار «الحين هذه حرمة وانت حرمة»، لعلّ وعسى ننتهي من سيرة هيفاء ونانسي وغيرهما من اللواتي قلبن حياتنا الى جحيم. ثم تسألني: متى سيتوقف البث؟ فأخبرها بسؤالي الافتراضي.. لتصاب بالاحباط.. وتتركني وتمضي. أخيرا سيعمل العقل وأقف امام مؤيدة اخرى لمثل هذه التجربة، انها انس الطفيلي التي قالت: أخيراً سيعمل العقل المتوقف بسبب هذا الجهاز. فالتلفاز يحد من عمل العقل ويجعله لا يفكر الا فيما يراه عبر الشاشة، والدليل على ذلك انه عندما يذهب الانسان الى سريره للنوم يبدأ بالتفكير في مشاكله وامور حياته التي شغله عنها التلفزيون، حتى انه يؤجل كثيراً من الاعمال بسبب ما يتابعه فيعرقل عمله ويعيق تفكيره. وهذا الجهاز فرق ايضاً بين الاسرة ومنع التواصل والحوار بينهم لانهم حتى ولو اجتمعوا امامه لمتابعة المسلسلات فان الحوارات غالباً ما تنصب على توافه ما يرونه عبر الشاشة ليتهربوا من مشاكلهم الحقيقية والتزاماتهم وامورهم المؤجلة بسببه. كارثة على الفتيات اما ميسون فاعترضت بشدّة على تطبيق مثل هذا الامر الذي وصفته بأنه كارثة، خصوصاً بالنسبة للفتيات امثالها اللواتي يجدن في هذه الوسيلة السبيل الترفيهي الوحيد المتاح في كل وقت وبسهولة ويسر، واضافت: - هذا الجهاز لا يمكن الاستغناء عنه يوماً وليس شهراً، فيكفي انه سبب في تجمع افراد الاسرة امامه وفتح مواضيع كثيرة للنقاش بناء على ما يشاهدونه، فماذا نفعل لو عدنا الى البيت بعد عناء عمل، ولم نجد هذا الجهاز المسلي والممتع! لا اتخيل اننا يمكن ان نستغني عن انس صوته الذي الفناه حتى بات من الاصوات المرغوبة التي تعودنا سماعها على الدوام. ثم افصح لها عن حقيقة سؤالي.. وبتلقائية تقول: الحمد لله.. ان السؤال افتراضي. تخف عمليات التجميل وافصحنا عن التجربة الكورية مباشرة لاحمد الدخيل لمعرفة رأيه في خوض مثلها في دولنا العربية فقال: - أؤيد مثل هذه التجربة لانها مهمة في اتاحة التواصل بين الناس، وتوقع عند تطبيقها التالي: • تحسن العلاقات الزوجية بعد غياب هيفاء عن الشاشة وشبيهاتها لان ذلك سيقلل من المقارنات بين الزوجة وما يراه الزوج عبر الشاشة • انخفاض عمليات التجميل وعمليات «التنحيف» • سيقل معدل الجريمة والعنف.. لان البحوث اثبتت أن التلفاز له دور كبير في ارتفاع معدل الجريمة والعنف.. خصوصا لدى المراهقين • سنقضي على كثير من العادات الدخيلة السيئة في المجتمع التي مصدرها آفة بعض الفضائيات المنحلة. • ستزول «التقليعات» الغربية الشاذة في الموضة، وخصوصا موضة الملابس الغربية بين الشباب. • سيعود الناس إلى القيم والأخلاق والدين والتي نساها البعض وسط معمعة الفضائيات. • سيتحسن مستوى الدراسة وبالتالي نتائج الطلبة. الديوانات ستتحسن ولكن ما علاقة خروج المواطن الى الديوانيات بكثرة والتلفاز؟ هذا ما أفصح عنه فيصل عبدالله الشمري.. بعد ان تلقى الخبر بردة فعل كالتالي: - إذا اغلق التلفاز سوف يهيم الناس بالشوارع لأن نصف اليوم أو أكثر أقضيه كغيري من الشباب امام التلفاز. حتى التجمع في الديوانيات غالبا ما يكون امام التلفاز، حيث ان السوالف بين الرجال لا تتجاوز مدتها الخمس دقائق ثم يتابع الجميع ما يبث عبر التلفاز بصمت. خبر «يضيق الخلق» شعرت بسماجتي عندما أجابني مشعل العنزي عن سؤالي قائلا: «خبر يضيق الخلق». سوف ننقطع عن اخبار العالم وما يجري حولنا بالصوت وبالصور. وبعد ان اخبرته عن فرضية السؤال اجابني: - لا يوجد بديل عن التلفاز لأهميته في البث المباشر وتأثيره بشكل سريع على نقل ما يجري من احداث. ان نجاح تجربة كوريا، لا يعني مطلقا نجاح هذه التجربة في بلادنا العربية المحفوفة بالمشاكل والصراعات، فكوريا ليس لديها مشاكل كمشاكلنا تستحق المتابعة، وإذا كان أهل كوريا اتجهوا الى القراءة في ظل توقف البث، فإن من لا يقرأ في دولنا العربية ولم يتعود على ذلك لن يلجأ الى القراءة في ظل شهر لانه لم يعتد الامر. وأيضا لم يتوقع العنزي تحسن العلاقات الزوجية خلال انقطاع البث، لان طبيعة العلاقة بين الزوجين هي التي تحدد مسارها، والتلفاز ليس شماعة نعلق عليه مشاكلنا وليس سببا في تدمير العلاقة او اصلاحها. وعن اهمية التلفاز لديه يخبرنا بأنه من ضرورات الحياة المهمة اليوم، وهو يتجه الى فتحه بشكل لا شعوري عند دخوله البيت وقبل فعل اي امر آخر. واعترض فيصل العنزي بشدة ايضا على توقف البث، لان ذلك يعني زيادة العراك والمشاكل لزيادة وقت الفراغ والملل. وعندما سألناه.. هل هذا يعني زيادة الخلافات بين الزوجين؟ قال: - ليس للتلفاز علاقة بالمشاكل الزوجية ودليل ذلك وجود كثير من الملتزمين دينيا والذين لا يشاهدون التلفاز ويتمتعون بعلاقات زوجية ممتازة. سنلجأ للكمبيوتر والنت ورأت دينا العصفور ان هذا القرار سيؤثر على فئة الكبار في العمر المتابعين بشغف لبرامج التلفاز وخصوصا المسلسلات فهم لا يكادون يفارقونه طوال اليوم، اما فئة الاطفال والمراهقين فانهم من الاساس يفضلون اليوم العاب الكمبيوتر والنت على مشاهدة التلفاز، واستطردت قائلة: - ان فئة كبار العمر هم اكثر المتضررين من توقف هذا الجهار.. والذي سيسبب لهم زيادة في الاكتئاب والملل. لكن توقف البث من جهة اخرى فرصة لتحسين العلاقات الزوجية، لانه سيتيح للزوجين وقتا كافيا للتواصل وتبادل الحديث. وايدت ذلك ايضا نسيبة حبيب مضيفة: - ان وجود النت اليوم حجّم كثيرا من دور التلفاز في استقطاب الناس، خصوصا بين الفئات متوسطة الاعمار، ان التواصل وصلة الرحم ستكون افضل بكثير عند انقطاع البث لتحسين العلاقات الاجتماعية بين الناس. مروة السميط لم تتوقع ان تجني هذه التجربة ايجابيات في الكويت كما جنتها كوريا، وقالت: - في حالة تطبيقها سيخرج الناس الى التنزه، ولن يستفيدوا من هذا الوقت، لن اتوقع تحسنا كبيرا على مستوى العلاقات الاجتماعية. تجربة الأولى من نوعها خلصت دراسة اجريت في كوريا الجنوبية الى ان توقف الناس عن مشاهدة التلفاز يجعل حياتهم اغنى على الصعيد الاجتماعي وعلى صعيد القراءة والدين، وتمت الدراسة من خلال تجربة تعد الاولى من نوعها في جزيرة صغيرة في كوريا الجنوبية واستمرت ثلاثة اسابيع، واظهرت ان الشريحة المستهدفة لم تعد الى عاداتها القديمة امام التلفزيون، وانها خصصت المزيد من اوقاتها للقراءة والصلاة وقضاء الامسيات في تبادل الحديث والنقاش بين الزوجين.