«الفنية للحج»: السعودية تتخذ إجراءات مشددة ضد أصحاب التأشيرات غير النظامية    أبو الغيط: لا بد من لجم جماح العدوان الإسرائيلي بشكل فورى    عمرو أديب يكشف حقيقة تمرد إمام عاشور على حسام حسن (فيديو)    iOS 18 .. تعرف على قائمة موديلات أيفون المتوافقة مع التحديث    تزاحم الجمهور على خالد النبوى فى العرض الخاص لفيلم أهل الكهف    مندوبة بريطانيا بمجلس الأمن: نحن فى أشد الحاجة لتلبية الحاجات الإنسانية لغزة    سعر الذهب اليوم الإثنين.. عيار 21 يسجل 3110 جنيهات    محافظ الغربية يتابع أعمال تأهيل ورصف طريق كفور بلشاي    نصائح يجب اتباعها مع الجزار قبل ذبح الأضحية    التضامن توضح حقيقة صرف معاش تكافل وكرامة قبل عيد الأضحى 2024    سهرة خاصة مع عمر خيرت في «احتفالية المصري اليوم» بمناسبة الذكرى العشرين    دبلوماسي روسي: تفاقم الوضع في شبه الجزيرة الكورية بسبب واشنطن    «القاهرة الإخبارية»: سرعة الموافقة على مقترح وقف إطلاق النار أبرز مطالب بلينكن من نتنياهو    وزير خارجية الأردن يشدد على ضرورة الوقف الفوري للحرب على غزة    ملخص وأهداف مباراة أوغندا ضد الجزائر وريمونتادا محاربى الصحراء.. فيديو    متحدث «الشباب والرياضة»: سلوك معلم الجيولوجيا مخالف لتوجه وزارة التربية التعليم    متحدث "الرياضة": سلوك معلم الجيولوجيا مخالف لتوجه وزارة التربية التعليم    سيف زاهر: مصطفى فتحي كان بديلًا لمحمد صلاح ولكن!    تضامن الدقهلية تختتم المرحلة الثانية لتدريب "مودة" للشباب المقبلين على الزواج    مصرع محامية بسكته قلبية أثناء السباحة ببنها    افتتاح مدرسة ماونتن فيو الدولية للتكنولوجيا التطبيقية "IATS"    "فضل يوم عرفة" أمسية دينية بأوقاف مطروح    إبراهيم عيسى: تشكيل الحكومة الجديدة توحي بأنها ستكون "توأم" الحكومة المستقيلة    محمد لطفي يروج لشخصية الشربيني في فيلم ولاد رزق 3    قصواء الخلالي: الصحافة الفلسطينية قدمت 145 شهيدا حتى الآن    غدا.. "ليتنا لا ننسى" على مسرح مركز الإبداع الفني    هل يجوز الأضحية بالدجاج والبط؟.. محمد أبو هاشم يجيب (فيديو)    «الإفتاء» توضح حكم صيام اليوم العاشر من ذي الحجة    الأفضل للأضحية الغنم أم الإبل..الإفتاء المصرية تحسم الجدل    وزير الصحة: برنامج الزمالة المصرية يقوم بتخريج 3 آلاف طبيب سنويا    عادة خاطئة قد تصيب طلاب الثانوية العامة بأزمة خطيرة في القلب أثناء الامتحانات    تفاصيل قافلة لجامعة القاهرة في الصف تقدم العلاج والخدمات الطبية مجانا    لفقدان الوزن- تناول الليمون بهذه الطرق    لميس الحديدي تكشف عن سبب إخفائها خبر إصابتها بالسرطان    محمد ممدوح يروج لدوره في فيلم ولاد رزق 3    ميدفيديف يطالب شولتس وماكرون بالاستقالة بعد نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي    "وطني الوحيد".. جريدة المصري اليوم تكرم الكاتب مجدي الجلاد رئيس تحريرها الأسبق    «المصريين الأحرار» يُشارك احتفالات الكنيسة بعيد الأنبا أبرآم بحضور البابا تواضروس    رشا كمال عن حكم صلاة المرأة العيد بالمساجد والساحات: يجوز والأولى بالمنزل    مصر تتربع على عرش جدول ميداليات البطولة الأفريقية للسلاح للكبار    ختام الموسم الثاني من مبادرة «طبلية مصر» بالمتحف القومي للحضارة المصرية    موعد محاكمة ميكانيكي متهم بقتل ابن لاعب سابق شهير بالزمالك    جامعة أسيوط تطلق فعاليات ندوة "الهجرة غير الشرعية: أضرارها وأساليب مكافحتها"    الرئيس الأوكراني يكشف حقيقة استيلاء روسيا على بلدة ريجيفكا    سفر آخر أفواج حُجاج النقابة العامة للمهندسين    ليونيل ميسي يشارك في فوز الأرجنتين على الإكوادور    "بايونيرز للتنمية" تحقق أرباح 1.17 مليار جنيه خلال الربع الأول من العام    وزارة الأوقاف: أحكام وصيغ التكبير في عيد الأضحى    مستشفيات جامعة أسوان يعلن خطة الاستعداد لاستقبال عيد الأضحى    تشكيل الحكومة الجديد.. 4 نواب في الوزارة الجديدة    أفيجدرو لبيرمان يرفض الانضمام إلى حكومة نتنياهو    مفاجأة مثيرة في تحقيقات سفاح التجمع: مصدر ثقة وينظم حفلات مدرسية    مطلب برلماني بإعداد قانون خاص ينظم آليات استخدام الذكاء الاصطناعي    صندوق مكافحة الإدمان يستعرض نتائج أكبر برنامج لحماية طلاب المدارس من المخدرات    الدرندلي: أي مباراة للمنتخب الفترة المقبلة ستكون مهمة.. وتحفيز حسام حسن قبل مواجهة غينيا بيساو    رئيس منظمة مكافحة المنشطات: رمضان صبحي مهدد بالإيقاف لأربع سنوات حال إثبات مخالفته للقواعد    حالة الطقس المتوقعة غدًا الثلاثاء 11 يونيو 2024| إنفوجراف    عمر جابر يكشف كواليس حديثه مع لاعبي الزمالك قبل نهائي الكونفدرالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في أصول مسألة الأمن الغذائي
نشر في أخبار مصر يوم 06 - 04 - 2008


الأهرام: 6/4/208
أشعلت أزمة طوابير الخبز معارك فكرية مصرية‏,‏ عكست رؤي ومصالح متعارضة‏,‏ لكنها في غالبيتها لم تتعمق في مناقشة أصول مسألة الأمن الغذائي‏,‏ رغم أن أزمة الخبز‏,‏ بأبعادها وأسبابها‏,‏ لا تتعدي مظهرا حادا لهذه المسألة‏.‏ أقصد تعاظم فجوة الغذاء‏,‏ أي الفجوة المتزايدة بين الاستهلاك والإنتاج وبين الواردات والصادرات من السلع الغذائية‏.‏ وأعني تضاعف نمو السكان بمعدل لا يتناسب مع معدل نمو الانتاج الوطني للغذاء في ظل محدودية الموارد الزراعية وإخفاق السياسة الاقتصادية وتشوه التنمية الاقتصادية وعدم رشادة الاستهلاك والحصاد السلبي للعولمة‏.‏ وأخيرا‏,‏ تهديد فجوة الغذاء للأمن القومي لمصر‏,‏ لأن الوطن الذي لا يملك قوته يفقد حرية قراره‏,‏ وتهديد الأمن الإنساني للمصريين‏,‏ لأن المواطن الذي لا يجد طعامه يقاسي أشد أهوال الحاجة والخوف‏!‏
وفي أصول مسألة الأمن الغذائي قد يجدر أن نتذكر باديء ذي بدء أن المصريين‏,‏ دون غيرهم من الشعوب‏,‏ هم الذين يسمون خبزهم العيشأي الحياة‏!‏ ولا يمكن فهم هذا بغير إطلالة علي تاريخ الخبز في حياة مصر والمصريين‏,‏ إذ نتبين أن وفرة أو نقص انتاج الخبز‏,‏ والعدل أو الظلم في توزيعه‏,‏ كان شرط إزدهار أو إنحطاط مصر وحياة أو موت المصريين‏.‏ ولنتذكر‏:‏
أولا‏,‏ أن وجود القمح في مصر يرجع إلي أقدم عصورها التاريخية‏,‏ وبقي يزرع فيها طوال تاريخها المديد‏,‏ وكان خبز القمح وبجانبه الشعير أساس الغذاء في مصر القديمة‏,‏ وجزءا أساسيا من مرتبات الموظفين وأجور العمال تدفع حبوبا أو خبزا منذ عهد الدولة القديمة‏.‏ وكان المصريون القدماء يعدون من القمح وغيره من الحبوب أنواعا شتي من الخبز‏,‏ تقرب من ستين إسما أو نوعا‏,‏ كما سجل علماء المصريات‏!‏
وثانيا‏,‏ أن الدولة في معظم عصور تاريخ مصر‏,‏ من العصور الفرعونية حتي العهد الفاطمي‏,‏ كانت مالكة الأرض وموزعة الحصاد‏,‏ وفي أراضي الدولة قام الفلاح بزراعة القمح بالأساس في حيازات تراوحت بين ثلاثة وخمسة أفدنة‏.‏ واحتلت الشون العامة للقمح مكانة عظيمة في إدارة مالية الدولة حيث كان علي الفلاحين تسليم كل محصولهم‏,‏ لتخصم منه أولا الضريبة‏,‏ المقننة حسب نوعية ومساحة الأرض‏,‏ شاملة نفقات جهاز الدولة وتكاليف الأشغال العامة وما يلزم من مخزون للسنوات العجاف‏,‏ ثم ينالون بين ثلثي ونصف المحصول‏,‏ لغذائهم وأسرهم ومقايضة احتياجاتهم‏,‏ وهو ما أنتهك بظهور الاقطاع والالتزام‏.‏
وثالثا‏,‏ أن المصريين القدماء قد حرصوا علي زيادة إنتاج وإنتاجية القمح والخبز لتغطية الاستهلاك الجاري والمستقبلي‏,‏ فنقرأ بين مأثورات أقوال حكماء مصر القديمة‏:‏ احرث الحقول حتي تجد حاجتك وتتسلم خبزك من جرنك الخاص بك‏!‏ ومنذ فجر التاريخ يحذرون من الإعتداء علي الأرض الزراعية‏,‏ لا تبن دارا في أرض الزراعة‏!‏ ويدعون إلي عدالة التوزيع بوصيتهم‏'‏ لا تأكل خبزا حين يكون هناك آخر يتضور جوعا‏'!‏ و‏'‏إعط الخبز لمن لا أرض له‏'!‏ و‏'‏لا تتطلع إلي رغيف الفقير لأنه غصة في الحلق‏'!‏ وكان إهدار عدالة التوزيع وقصور الأشغال العامة وإخفاق التصدي لأهواء الفيضان مبعث أول ثورة اجتماعية في التاريخ‏,‏ وما ترتب عليها من إنهيار للدولة القديمة المركزية الموحدة وتفككها إلي مقاطعات متصارعة‏,‏ بعد نحو ألف عام متصلة من نهوض اقتصادي واستقرار سياسي وإزدهار حضاري ووحدة وطنية ارتكزت جميعا إلي كفاءة الحكم وإعلاء قيمة العدل‏'‏ ماعت‏'!‏
ورابعا‏,‏ أن مكانة مصر الخاصة لعاصمة الإمبراطورية الرومانية ثم حاضرة الخلافة الإسلامية ارتكزت بالأساس إلي كونها موردا للقمح‏.‏ ومرة أخري‏,‏ كان إهمال الحكم للأشغال العامة وطغيان البراري والصحراء علي الأرض المزروعة وراء ما عرفته مصر من مجاعات متوالية في العصور الوسطي‏,‏ سببت التناقص المخيف للسكان إلي ما بين ربع وثلث عددهم عشية ولاية محمد علي مقارنة بعهود الإزدهار منذ الفراعنة وحتي البطالمة‏!‏
ولعل الدرس البليغ لتاريخ مصر‏,‏ القديم والوسيط‏,‏ يتلخص في أن الحالة الحسنة أو السيئة للمحاصيل الغذائية كانت تتوقف علي ما إذا كانت الحكومات حسنة أو سيئة‏!‏ وأن حياة وموت المصريين كانت تتوقف علي كمية وعدالة توزيع انتاجهم من الغذاء‏!‏ ومن هنا كان رفع المصريين حكامهم إلي عنان السماء حين تحلوا بالكفاءة وراعوا العدالة وعززوا الاستقرار‏!‏
وأما في تاريخ مصر الحديث‏,‏ فنسجل أن محمد علي الذي فرضه المصريون واليا‏,‏ وصف مصر بأنها‏'‏ وردة‏'‏ ود لو تترك له فرصة أن يعني بها لتزدهر‏!‏ وهو ما تحقق وكان‏!‏ فرغم احتكار الدولة للإنتاج وتوزيعه وإجبار الفلاحين علي بيع محصولهم بأسعار بخسة مقارنة بما تحصل عليه الوالي من تصدير القمح إلي أوروبا‏!‏ فقد نالوا نحو ستة أضعاف ما كانوا يتحصلون عليه من قبل‏!‏ ورغم أنهم لم يأكلوا القمح بل الذرة الشامية والعويجة من حيث الأساس فقد تحسن غذاؤهم وتضاعفت أعدادهم‏.‏ والأهم أن ما إحتكره الوالي من فائض وجد سبيله للاستثمار في‏:‏ إقامة أول منظومة للري الدائم‏,‏ ومضاعفة الأرض المزروعة وانتاجها‏,‏ وإدخال محاصيل تجارية مربحة كالقطن‏,‏ ومقايضة صادراتها بمستلزمات التصنيع المستوردة‏,‏ وتحديث التعليم وإرسال البعثات العلمية‏,‏ وبناء جيش وأسطول مصريين وغير ذلك من ركائز مصر الحديثة‏!‏
ثم كان الجديد الخطير حين حول الاستعمار مصر إلي مزرعة للقطن علي حساب زراعة القمح وغيره من منتجات الغذاء‏,‏ فبدأت مصر تتحول من دولة مصدرة للقمح والسلع الغذائية إلي دولة مستوردة لها باستمرار واطراد‏,‏ باستثناء فترات الحروب العالمية التي كانت حصن زيادة انتاجها‏!‏ وتحول الفلاحون المفقرون إلي أكلة الذرة غزيرة الغلة والمالئة للبطن لتصبح غذاءهم الأساسي عوضا عن القمح في خطوة إلي الوراء من وجهة نظر التغذية حيث يتفوق القمح علي الذرة في البروتين والقيمة الغذائية‏,‏ كما سجل جمال حمدان‏.‏
أما عن عهد ثورة يوليو وعهود الإنفتاح والإصلاح والعولمة فأكتفي بتوضيح ثلاث حقائق أراها جوهرية في فهم أصول مسألة الأمن الغذائي لمصر والمصريين‏:‏
أولا‏:‏ إن الفجوة الغذائية قد تفاقمت مع تضاعف عدد السكان واستهلاك الغذاء بمعدلات تفوق نمو المساحة المزروعة وانتاج الغذاء‏.‏ وهكذا‏,‏ فإن استهلاك القمح قد تضاعف من‏2.1‏ مليون طن في عام‏1960‏ إلي‏4.5‏ مليون طن في عام‏1974‏ ثم إلي‏7.2‏ مليون طن في عام‏1980.‏ وفي ذات الأعوام زاد متوسط نصيب الفرد من استهلاك القمح من‏80‏ كيلوجرام إلي‏123‏ كيلو جراما ثم الي‏171‏ كيلوجرام‏.‏ وإزاء قصور الانتاج المحلي عن تغطية الاستهلاك انخفض معدل الاكتفاء الذاتي من القمح ودقيقه من‏69,8%‏ الي‏41,6%‏ ثم إلي‏24,8%‏ في الأعوام المذكورة‏!‏ كما سجل أستاذ أساتذة الموارد جمال حمدان قبل ربع قرن‏!‏
وثانيا‏:‏ أن عدد المصريين قد زاد من‏26.9‏ مليون نسمة الي‏36.6‏ مليون نسمة في عام‏1976,‏ ثم إلي‏72.6‏ مليون نسمة في عام‏2006.‏ وفي المقابل‏,‏ زادت المساحة المحصولية من‏10.4‏ مليون فدان في عام‏1960‏ إلي‏10.9‏ مليون فدان في عام‏1975,‏ ثم الي‏13.6‏ مليون فدان في عام‏2006.‏ وهكذا‏,‏ بين عامي‏1960‏ و‏2006,‏ زاد السكان بنحو‏2.7‏ مرة بينما لم تتعد زيادة المساحة المحصولية‏1.3‏ مرة‏,‏ أي أن زيادة السكان بلغت أكثر من ضعف زيادة المساحة المحصولية‏!‏ وكان منطقيا أن تقلص نصيب الفرد من المساحة المحصولية من‏0,39%‏ فدان الي أقل من‏0,19%‏ فدان في نفس الفترة‏!‏
وثالثا‏:‏ أن تهديد الأمن الغذائي لمصر والمصريين قد تفاقم رغم انخفاض معدل نمو السكان من‏2,75%‏ بين عام‏,1976‏ وعام‏1986‏ إلي‏2,05%‏ بين عام‏1996‏ وعام‏2006,‏ ثم إلي‏1,9%‏ في أحدث التقديرات‏!‏ ومهما تكن جهود مضاعفة انتاج وانتاجية المحاصيل الغذائية بالتوسع الأفقي والرأسي‏,‏ ورغم الأولوية القصوي لوضع وتنفيذ سياسة زراعية تجمع بين أدوار الدولة والسوق وتستهدف الاكتفاء الذاتي من القمح والغذاء‏,‏ فإن القيود الطبيعية علي موارد الأرض والمياه‏,‏ تفرض علي مصر أن تدرك أولوية التصنيع الذي لا يعرف سقفا للنمو‏.‏ وهذا البعد من الأمن الاقتصادي القومي يستحق إطلالة مستقلة‏,‏ لكن لحديثنا عن الأمن الغذائي بقية تتعمق فيما أوجزته في مطلع هذه الإطلالة‏!‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.