تظهر الطائرات الورقية فجأة بألوان متعددة في الافق وسط الغبار واليأس، وتكشف تلك الطائرات عن نفسها في اوقات غير متوقعة: عبر نافذة مبنى حكومي ووراء دخان متصاعد من دمار تركه انتحاري، وفي زحام السيارات والفقر. وبالنسبة لشخص وصل حديثا في هذه المدينة الفوضوية التي يعيش بها ثلاثة ملايين شخص، تعتبر مفاجأة عجيبة غير متوقعة. وقد حظرت حكومة طالبان تطيير الطائرات الورقية مثل تعليم البنات والموسيقى الا انها عادت مرة اخرى ليصبح وسيلة التسلية الرئيسية للصبية الافغان وبعض الرجال. ومع بداية عرض الفيلم الاميركي «الطائرة الورقية» عن رواية بنفس الاسم فمن المتوقع اهتمام قطاع عريض من الجماهير بثقافة الطائرات الورقية في افغانستان. ومتابعة الخيط الذي يمسك بالطائرة الورقية سيقودك الى مصدره وهو من شبه المؤكد صبي افغاني يقف فوق سطح مسكنه او في منطقة خالية يحرك الخيط بتركيز شديد. الا ان مثل هذه الهواية ليست وسيلة تسلية خاملة كما هو الامر في الثقافة الاميركية. هذه حرب، السبب الوحيد للطائرة الورقية، كما سيقول لك الافغان هو محاربتها وطائرة ورقية في السماء ليست الا دعوة للتحدي. وهدف حرب الطائرات الورقية هو قطع الخيط الذي يمسك بالطائرة الورقية الاخرى والتسبب في وقوعها على الارض والخيوط المستخدمة في تطيير الطائرات الورقية مدهونة بمادة صمغية وزجاج مطحون يحوله الى مادة حادة. وتعقد معارك الطائرات الورقية يوم الجمعة عندما يتجه الاف من الاولاد والرجال الى اسطح منازلهم والى قمم التلال المحيطة بالمدينة يحملون كميات من الطائرات الورقية مصنوعة من البامبو والورق الملون البراق واميال من الخيوط الحادة ملفوفة. وفي احد ايام الجمعة قبل فترة كان هناك عشرات من الطائرات الورقية في مبارزات فوق تابي ايه مرانجان، وهي منطقة مرتفعة في حي في جنوب شرق العاصمة واشهر موقع لتطيير الطائرات. وكانت هناك كل طبقات مجتمع كابل الرجالي بالطبع: اطفال مدارس يحاربون مسؤولين في الوزارات واطباء يوجهون عمالا. وتجري بين فرق من شخصين واحد يوجه الخيط، ويتعامل الاخر مع لفة الخيوط. وتوجد مجموعات من الاولاد الفقراء الذين لا يمكنهم شراء الطائرات يعدون وراء الطائرات المهزومة بعد سقوطها علي الارض. ويطلق عليهم عداؤون الطائرات الورقية. ويقول احمد رزوشازاي وهو مترجم في العيادة الطبية بالقرب من باغرام الذي كان يطيير طائرات ورقية مع شقيقيه «ليست لدينا هوايات مثل كرة القدم او البيسبول»، وقال «هذه هي اللعبة الوحيدة التي نمارسها يوم الجمعة». ويتحدث هواة ممارسة هواية الطائرات الورقية عنها باعتبارها علما وفنا في نفس الوقت. والمدخل الى التميز يعتمد على مجموعة من العناصر، كلها تجريبية وتتعدى الوصف: مرونة وتوزان الاطار المصنوع من البامبو، وقوة الصمغ المستخدم في لصق الورق ونوعية الخيوط وتوازن «بكرة الخيط» وبالطبع مهارة الشخص الذي يتولى تطيير الورقة وتعديلها وسط اتجاهات الريح. ويصف رشيد عبادي البالغ من العمر 25 سنة ويدرس ادارة الاعمال حالة الرضا التي يشعر بها الشخص عندما «يقتل» طائرة شخص اخر بقوله «هناك مذاق معين، ويشبه بامتطاء الخيول او قيادة السيارات. وتجدر الاشارة الى ان الخيوط المستخدمة لتطيير الطائرات الورقية في افغانستان تصنع في المنازل عبر عملية معقدة تشمل تغطية خيوط قطنية بمزيج من الزجاج المطحون والصمغ. الا ان المصانع في دول تهتم بهواية تطيير الطائرات الورقية مثل افغانستان والهند وتايلاند وماليزيا والصين تصنع عشرات الالوف من «البكرات» التي تحوي خيوطا من النايلون غزت افغانستان. وعلى العكس من دول اسيوية اخرى تنتشر فيها هذه الهواية مثل باكستان والهند، حيث تتمتع تلك الهواية بشعبية كبرى، فإن صناعة الطائرات الورقية في افغانستان لا تزال صناعة متواضعة فلا توجد مثلا هيئة تنظيمية لها ولا مسابقات على المستوى الوطني، ولا تسويق. وفي الوقت الذي تستورد فيه كل الخيوط المستخدمة من الخارج، فإن الطائرات الورقية صناعة محلية. وطبقا لاراء عديد من الناس في شور بازار وهو سوق مزدحم لمحلات بيع الطائرات الورقية في كابل، فإن افضل صانع في العاصمة هو نور اغا. ويقول اغا «لا احد يهزمني، ولا يمكن لأحد ان يفعل ما افعله. ولا حتى اجهزة الكومبيوتر»، وقال «مكانتي اعلى من مكانة وزير الداخلية». ويمكنه صناعة 40 طائرة يوميا، ولكن عمله توسع بحيث انه يستعين بزوجتيه والعديد من اولاده وعددهم 11. وفي الوقت الذي تباع فيه معظم الطائرات الورقية بثلاثين سنتا اميركية، فإن طائرات اغا يصل ثمنها الى دولار واحد ويحصل على اسعار اعلى بكثير من الشركات الافغانية والاجنبية. وقد لفتت شهرته انظار منتجي فيلم «الطيارة الورقية» الذي استخدموه لتدريب نجوم الفيلم من الاطفال وصناعة مئات من الطائرات المستخدمة في الفيلم. وبالنسبة لهواة تطيير الطائرات الورقية الافغان فإن فيلم «الطيارة الورقية» سيساهم في لفت الانتباه لتلك الهواية في افغانستان. وربما يشرح ذلك غارة افغانية بالطائرات الورقية على اميركي من ولاية ميريلاند قبل ثلاثة اعوام. ففي ربيع عام 2004، وصل شواب شريفي وهو طالب في جامعة كولومبيا قادما من كابل وكان يزور مدينة اوشن سيتي فوجد مجموعة تتولى تطيير طائرات ورقية على الشاطئ فاشترى طائرة ورقية وفعل ما يعتبره شيئا طبيعيا بدأت معركة بالطائرات الورقية وقال اعتقدت ان الناس يفعلون ذلك هنا ايضا». واضاف في حديث هاتفي: «كانت هناك فتاة صغيرة ونفذت المناورة وقطعت خيط طائرتها». واحتفل شاريفي بأول انتصار له على الاراضي الاميركية بينما بكت الفتاة. وعندما اتجه اليه حرس الشاطئ واتهموه «بإثارة مشاكل» فهم انه تورط في صدام ثقافي بين افغانستانوالولاياتالمتحدة وقال «في الولاياتالمتحدة اعتقد ان الناس تحاول تجنب النزاعات. بينما في افغانستان يدور كل شيء حول القتال. كانت خبرة تعليمية».