كثيرون في بريطانيا يعرفون فنان الجداريات المعروف باسم بانكسي والذي تخصص في ترك رسومات ساخرة على الجدران في لندن وغيرها. وهذه الايام انتقل بانكسي الى فلسطين ليترك رسوماته ولوحاته على الحائط الفاصل الذي أنشأته اسرائيل لعزل الفلسطينيين عنها. وتعكس اللوحات العزلة التي يعيش الشعب الفلسطيني وايضا تعبر عن السخرية من الجنود المسلحين ومن مفهوم الجدار الفاصل إذ يرسم الفنان أطفالا يرسمون مناظر طبيعية على الحائط وكأنما خلقوا ممرا بين الحائط الفاصل وبين العالم الخارجي برحابته. والفنان «بانكسي» والذي يعرف بالفنان المراوغ لاستطاعته الرسم على الحوائط دون أن يراه أحد اضاف ستة من رسوماته الى الحائط الفاصل وهي تتزامن مع افتتاح معرض فني في مدينة بيت لحم اليوم والذي يهدف الى جذب الزوار للمدينة. ويأمل الفلسطينيون ان تتحول بيت لحم، التي تناقص عدد السائحين فيها بشكل واضح اخيرا، الى محطة جذب للمحتفلين بأعياد الميلاد المقبلة نهاية هذا العام. وكانت المدينة تستقبل نحو 100 الف سائح في هذا الموسم الا ان عدد السائحين بلغ العام الماضي 12 الفا فقط. وساهم بانكسي المعروف ب«فنان حرب العصابات» لبراعته في التسلل والبقاء متخفيا وهو يرسم على الجدران المتروكة في المناطق المهملة في بريطانيا، في تحويل جدار الفصل العنصري الذي يعلو الى ارتفاع 8 امتار، الذي يطوق المدينة، الى رمز فني بعد رسمه عددا من اللوحات الجدارية، زاد عددها عن العشر لوحات، التي رسمت اما بالرش او الرسم او اللصق. وتروي جداريات بانكسي بطريقة ساخرة حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية، اذ ترى في احداها طفلة صغيرة وهي تفتش جنديا اسرائيليا بعد أن جعلته يضع سلاحة جانبا. والطريف أن أحد المارة قال لبانكسي وهو يرسم أنه وضع المدفع الرشاش الذي يحمله الجندي على يمين الصورة خلف الفتاة ونصحه بأن يغير مكانه بحيث يصبح أمام الجندي. وفي رسم آخر نرى حمامة تحمل غصن زيتون الا انها ترتدي سترة مضادة للرصاص فيما يبدو قناص وهو يوجه مرماه نحو صدرها! وعلى جزء صغير من الحائط يرسم بانكسي الفأر الاسود الذي اشتهر برسمه وهو يمسك بيده «نبالة» وينظر الى أعلى الحائط وكأنما يفكر في طريقة يلقي بها بحجر فوق الجدار. وقد ولدت فكرة اقامة معرض بمناسبة اعياد الميلاد يحمل عنوان «غيتو سانتا» (غيتو اعياد الميلاد) في اشارة الى الغيتو الذي يحيا فيه الفلسطينيون اثناء عيد الميلاد، داخل غاليري تأسست قبل ست سنوات في مبنى فوق مقصف «إيست أند» في لندن تحمل اسم «غاليري المبدأ الفوضوي». وبتنفيذه لفكرته هذه في الضفة الغربية، يأمل الفنان تسليط الاضواء على معاناة الفلسطينيين في بيت لحم قبل ثلاثة اسابيع فقط من الاحتفال بيوم ميلاد السيد المسيح. ونقلت صحيفة «التايمز» اللندنية امس عن بانكسي قوله: «عليك الا تتخوف من ان يتحول عيد الميلاد الى حدث تجاري في بيت لحم، لأنهم (الفلسطينيون) لا يتمكنون من ذلك البتة. فهناك اضواء للاعياد داخل واجهة متجر «وولورث» القريب منك (في لندن) تزيد عن كل اضواء المدينة»، في اشارة الى معاناة سكان المدينةالفلسطينية. وقالت الصحيفة انها استلمت رد الفنان البريطاني الذي لا يحب المقابلات الصحافية، برسالة نصية هاتفية! واضاف بانكسي: «سيكون من الافضل ان يأتي الناس الى هنا.. فإن كانت الأمور آمنة لزمرة من الفنانين، فانها ستكون آمنة لكل السائحين» ايضا. ويساهم فنانون آخرون مع بانكسي في هذه المهمة. وكان توني بلير المبعوث الدولي للشرق الاوسط قد صرح بان اعادة تنشيط السياحة في بيت لحم، ستكون حجر الزاوية لجهوده في انعاش الاقتصاد الفلسطيني. ويضم معرض «غيتو سانتا» الذي يضم اعمالا للرسام الفلسطيني سليمان منصور، ويشارك فيه رسامون بأسمائهم وكناهم، منهم بيتر بليك، وسام 3، وبلو، وسوون، ورون، وإنجليش، وجيمس كوتي، وعبد الحسين. ويعرض سليمان منصور احد اعماله الشهيرة التي تعرضت للتدمير عند قصف الطيران الاميركي لطرابلس العاصمة الليبية، عام 1986. وكانت الحكومة الليبية قد اشترت اللوحة التي رسمت عام 1973 والتي تصور رجلا فلسطينيا وهو يحمل مدينة القدس. وقال «ذي فيل» وهو الكنية التي يتكنى بها رسامان اميركيان مشاركان في المعرض ان «الجدران هنا (في فلسطين) اعلى مما كنا نتوقعه. الا انها افضل (موقع) لفن الشوارع على الاطلاق. وهي نوع من الأماكن التي ينبغي على الفنانين الوجود فيها». الى ذلك نقلت وكالة رويترز عن الفنان البريطاني بيتر كينارد ان «من المهم أن يحضر الناس الى بيت لحم وأن يروا فعليا ما يحدث بدلا من مجرد جمع الاعمال الفنية وابرام صفقة عبر الهاتف». وكان بانكسي قد حقق شهرة بسبب رسومه الساخرة المستفزة وحول متجرا للوجبات السريعة على الجهة المقابلة من كنيسة المهد في بيت لحم الى معرض فني لفنانين من الاراضي الفلسطينية ومن الخارج. وحصدت رسوماته مئات الالاف من الدولارات في المزادات ومن بين زبائنه انجلينا جولي نجمة هوليوود الشهيرة. ولكن بانكسي يحتفظ بهويته الحقيقية سرا ولا يوافق تقريبا على اجراء أي مقابلات صحافية معه. وقال فنانون آخرون يعرضون أعمالهم في بيت لحم انهم يأملون في أن يلفت هذا المعرض الانتباه لطبيعة الحياة في الضفة الغربيةالمحتلة وأن يساعد في اقامة روابط بين الفنانين المحليين والدوليين. وتصدر بانكسي عناوين الصحف عام 2005 عندما رسم مجموعة من الصور المرحة على الجانب الفلسطيني من الجدار الذي تقول اسرائيل انها تقيمه لابعاد الانتحاريين. والرسومات الجديدة أشد جذبا للانتباه منها شخصية فأر وهي شخصية شهيرة في رسومات بانكسي يصوب منجنيقا نحو برج مراقبة آخر. وفي المعرض هناك عمل نحتي يصور ملاكا وقد اخترقت حجارة معدته والدم ينزف من جرحه. وستباع جميع المعروضات في مزاد وستخصص العائدات للجمعيات الخيرية المحلية. ولم يفهم بعض المواطنين المفارقة التي تتحدث عنها احدى الجداريات وهي لجندي اسرائيلي يطلب من حمار ابراز أوراق هويته واعتبروها مهينة. ولكن سالم سلمان وهو صاحب متجر هدايا على الجهة المقابلة من المعرض يرى أنها مضحكة ولها مقصد سياسي دقيق. وقال سلمان الذي يبيع تماثيل للسيدة مريم العذراء للزائرين القادمين من القدس «انها تعجبني...انها تصف الوضع هنا.. الاحتلال. انها تظهر كيف أن الجنود الاسرائيليين يعاملوننا كحيوانات».