الأعمال الفنية التي تُشَجِّع النشء الصغير علي عدم الحياء لا تُعَبِّر عن مجتمعنا ولا عن مشكلاته وصَّي الإسلام أبناءه بالحياء، وجعل هذا الخُلُق السامي أبرز ما يتميَّز به الإسلام من فضائل، وهو رأس مكارم الأخلاق، وقرين الإيمان، وتركه بوابة الجرائم والفُحش وضعف المجتمعات. وعن قيمة الحياء وأثرها الطيب علي المجتمع، يقول الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إن الحياء هو حالة تعتري الإنسان السويَّ الذي لم تتشوه فطرته حينما يخشي من لوم الآخرين عليه في فعلٍ، أو في قولٍ من الأقوال، وهو خُلُقٌ يبعث علي فعل الحسن وترك القبيح، وذلك أن هناك تغيرات نفسية داخلية وخارجية تمنع الإنسان من فعل القبيح أو قوله حين يريد الإقدام عليه، وتدفعه دائمًا إلي فعل الشيء الحسن، وهذا ما يتوافق مع فطرة الإنسان التي جُبِلَ عليها؛ إلا أن الكثيرين الذين يخرجون علي هذا الخُلُق أو هذه الطبيعة أو هذه الفطرة، يريدون للناس أن يتخلوا عن حيائهم، وأن يأتوا من الأفعال ما قد تستحيي منه الحيوانات، ومع ذلك لا يجدون حرجا أو بأسًا في أن يفعلوا مثل هذه الأفعال. وأضاف: إن الحياء خُلُق من الأخلاق الحميدة، ومن عظمته أن الله تعالي اتصف به، فالنبي - صلي الله عليه وسلم - كان يقول: « إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا لَيسَ فِيهِمَا شَيئًا»، فاتصاف الله تعالي بصفة الحياء، يؤكد رفعة هذا الخلق، وقد اتصف به أيضًا النبي - صلي الله عليه وسلم، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: « كان النبيُّ- صلي الله عليه وسلم أشدَّ حياءً من العذراء في خِدْرِها» أي: في خيمتها أو في شأنها، والقرآن الكريم وصفه - صلي الله عليه وسلم بأنه يستحيي في قوله: «فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ» {الأحزاب: 53}، فالقرآن الكريم يصف النبي - صلي الله عليه وسلم بأنه يستحيي، حيث تأذَّي النبي - صلي الله عليه وسلم من بقائهم بعد أن طعموا، ولكنه استحيا أن يطلب منهم أن يقوموا عنه، أو أن يتركوه. وأكد شيخ الأزهر، أن الحياء قرين الإيمان، قرن بينهما النبي- صلي الله عليه وسلم في قوله: «الحياءُ والإيمانُ قرناءُ جميعاً، فإذا رُفِعَ أحدُهما رُفع الآخر» وهذا ما نراه واقعا في حياتنا العامة، حيث تجد بضاعة منعدمي الحياء، من الإيمان والتقوي والدين، رقيقة وقليلة وتافهة جدًا، بخلاف مَنْ يستحيي، فإنه يستحي من الله، بل بعض الناس يستحيي من الملائكة التي لا تراها. والحياءُ فطرة في الإنسان، فالطفل مثلًا وهو في سن أربع سنوات، لو رُفِعَ له ثوبه استحيا مِنْ أن تنكشف عورته أو تجده يقاوم، وهو في هذا السن لا يعرف شيئا عن الدين أو الحلال والحرام، وإنما يتعامل بفطرة الحياء التي هي أسبق فيه من الشعور بالدين، فالحياء فطرة سابقة يولد بها الطفل. وأكد الطيب، أن ترك الحياء هو بوابة الجرائم والفُحش ومن أقوي أسباب تضعضع المجتمعات وتفسُّخها، فالحضارة الغربية مع اعترافنا لها بالتقدم والرقي إلا أنها في طريقها للضعف، لأنهم - للأسف الشديد - تخلوا عن الحياء في مجتمعاتهم، فالبنت التي تتجاوز فترة السابعة عشرة من عمرها، ولا تعيش الحرية المعروفة عندهم - يُذَهب بها إلي طبيب نفسي لكي يعالجها من الحياء، فانظر إلي الشرور والانتقام من فطرة الله تعالي التي فطر النَّاسِ عليها!، وقد تسبب ترك الحياء وانعدامه في حدوث جريمة «التحرُّش»، التي حدثت قريبًا وهزَّت المجتمع من أعماقه، فهؤلاء الذين اقترفوا هذه الجرائم وهذه الفواحش، لو كان في وجوههم ذرَّة مِن حياء، ما استطاعوا أن يُقدِموا علي هذه الفِعلة الشنيعة. وطالب القائمين علي الإنتاج الفني الذي يُعرَض الآن علي الناس بألَّا يذهبوا بالبقية الباقية من الحياء عند أبنائنا وبناتنا، فيبدو أن هناك فكرة شيطانية خبيثة تهدف إلي تعويد البنات وتعويد الأولاد علي عدم الحياء، والأعمال الفنية التي تُشَجِّع النشء الصغير علي عدم الحياء، لا تُعَبِّر عنَّا، ولا تُعَبِّر عن مجتمعنا ولا عن مشكلاته، ولا تُعَبِّر عن بيوتنا ولا تُعَبِّر عن بِلادنا، فهؤلاء أناس يعيشون في أبراج عاجية ويُعَبِّرونَ عن مشاكلهم هُم، أمَّا الشَّعب، فهو غير ما يصورنه، ولذلك هم لا يُعَبِّرونَ عنَّه، ولا عن أحلامه، ولا يَشعرون بآلامه. نقلا عن صحيفة الاهرام