تحل الذكرى الثانية والستون لثورة 23 يوليو وسط أنواء أشد ضراوة، وبمراحل ،عن تلك التى كانت سائدة إبان اندلاعها عام 1952. أطاحت يوليو بقيادة جمال عبدالناصر، بالنظام الملكى وقواعده من إقطاع الى رأسمالية مستغلة، فى ظل الاحتلال البريطانى البغيض، صاحب مشروع إشعال الوطن العربى بالحروب والنزاعات «الدينية!» القادرة وحدها على تمزيقه ايما تمزيق واكثر بكثير مما تستطيعه جحافل الجيوش المعادية.. فبريطانيا، هى صاحبة «وعد بلفور»، التى أعطت «اليهود» بموجبه، وعدا بمنحهم فلسطين، وتشريد الملايين من ابنائها، وبناء على أكذوبة مجرمة ،بأنها، أى فلسطين، أرض بلا شعب؟، لشعب بلا أرض، أى اليهود.. ويتضح هنا أن بريطانيا التى كانت عظمى ،هى من أسست للصراعات الدينية فى الوطن العربى، بزرع غرباء عنه، ومن مختلف الجنسيات،لا يجمع بينهم ،سوى الانتماء الى الديانة اليهودية.. وهو ما يتناقض مع أصول الديمقراطية وقواعدها المعروفة، رالتى تقضى باستحالة وجود ديمقراطية فى ظل الطائفية.. وبعدها بسنوات، ساعدت بريطانيا فى انشاء جماعة الاخوان «المسلمين؟» وهو ما امتدت اثاره حتى ايامنا هذه، واستفحل بصورة سرطانية، بعدما آلت التركة الى الولاياتالمتحدةالأمريكية.. فطن جمال عبدالناصر الى خبث مشروع تفتيت الوطن العربى، وفى القلب منه مصر، التى ان هى نهضت، نهض معها العرب، وان وهنت، وهن الجسد العربى بأكمله.. كان رهان ثورة يوليو فى التصدى للمشروع الاستعمارى المعادي،هو الشعب، والشعب وحده أولا وأخيرا ..ومن ثم كان الهدف الأسمى ليوليو ،تحرير الشعب المصرى من كل الأدران والشوائب ،التى علقت به ،وكانت مهمتها الأولى ،إرساء مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة فى الحقوق والواجبات، فى وطن لا يعترف إللا بالكفاءة والموهبة، التى كانت الشرط الأساسى، للشعور بالانتماء له.. صبت يوليو جُل اهتمامها وقصارى جهودها على التعليم والرعاية الصحية والخطاب الدينى الوسطى، وعدم التفرقة بين مصرى وآخر على أساس العرق أو الدين، وعلى التصنيع ،حتى إن مصر باتت تنافس كوريا الجنوبية فى ستينيات القرن الماضى والمآثر أكثر من أن تحصى فى مساحة صغيرة.صارت مصر مثالا يحتذى به، وصار زعيمها «أيقونة» الشعوب التى تتوق الى التحرر والانعتاق من ربقة الاستعمار فى مختلف بقاع العالم.. انحاز للفقراء بوضوح لا يقبل لبسا، وهو من قال: بيقولوا الفقراء لهم نصيب فى الجنة ،فى الآخرة، طيب ،ما ينفعش يبقى لهم نصيب ،ولو صغير فى الدنيا، ينفعكم انتم فى الآخرة؟.. هل يستطيع أحد هنا،ان يزايد على «اسلام» عبد الناصر؟.. كان لا بد ان تتضافر كل قوى الشر لاجهاض المشروع الناصرى ،بالعمل على كل المستويات، فمن «تمييع» جوهر الصراع مع كيان طائفى وعنصرى بامتياز، هو اسرائيل ،التى اثبتت السنوات انها شوكة فى خاصرة مصر، ومن ثم فى ظهر الوطن العربى، الى دعم جماعات «الإسلام السياسى» لا سيما جماعة «الإخوان المسلمين» التى تمارس اعتى انواع الإقصاء، باحتكار دين الأغلبية الساحقة من الشعب ،الى تفتيت الاقتصاد الوطنى وتجريد مصر من قاعدتها الصناعية، بدعوى «الانفتاح»، الى توسيع الهوة بين ابناء الوطن الواحد، وانسحاب الدولة ،انسحابا شبه تام، بترك الساحة خالية فى مجالات التعليم والمساجد والزوايا، مما ساهم فى تشويه العقول و تشويش المبادئ الدينية ،إضافة الى الفقر المدقع، الذى أذل الاأعناق، وتسلل من ثغراته أصحاب »الكرتونة« المهينة..تراكم ذلك كله حتى وصل بنا الوضع الى تهديد وجود الوطن ذاته، وهو ما كان وقود ثورتى يناير ويونيو ..وعندما ارادت الجماهير ايصال رسالتها بان «يوليو» هى الخيار المصرى وهى الثورة الأم، رفعت صور قائدها، الغائب الحاضر، جمال عبدالناصر، فى ميدان التحرير، وكل ميادين مصر..ورددت نفس الشعارات: عيش، حرية، عدالة اجتماعية وكرامة انسانية.. ولكل هذا استعرت الحرب من جديد، بصورة شبه هيستيرية، ضد البلد الذى مزق المخطط الشرير وضد عبدالفتاح السيسى، الذى انحاز الى كل من هتف: ارفع راسك فوق.. انت مصرى.. انها ثقة الوطن والقائد بالنصر. نقلا عن صحيفة الاهرام