أكدت إحدى الدراسات الحديثة الصادرة من كلية الهندسة بجامعة القاهرة أن 30% من مستخدمي القطارات لا يدفعون أجرة السفر، وهو ما يتسبب في خسائر مادية هائلة لهيئة السكك الحديدية، تصل إلى 78 مليون جنيه سنويا تضاف إلى مجمل الخسائر التي تعاني منها الهيئة، وشكلت عجزا دائما يقدر بتسعة مليارات جنيه يتم تحميلها كل عام على الموازنة الجديدة. ركاب القطارات يؤكدون أن السبب الرئيسي وراء هروبهم من دفع أجرة التذاكر هو الزحام الشديد على القطارات، خاصة في أوقات الذروة وعدم وجود التذاكر الكافية لتغطية هذا الكم الهائل من الركاب، وبالتالي يلجأون إلى الركوب دون دفع قيمة التذكرة وضمان عدم وجود مفتشين بالقطارات يقومون بالتفتيش على التذاكر التي يحملونها. وهناك أسباب أخرى أسهمت في هذه الظاهرة، منها ارتفاع قيمة التذكرة، التي لا تقدر عليها بعض الفئات مثل الطلبة والموظفين البسطاء، خاصة في الخطوط الداخلية القصيرة، التي تنقلهم من مدن إقامتهم إلى المدن التي يعلمون ويدرسون فيها، بالإضافة إلى تفشي ظاهرة السوق السوداء داخل السكة الحديدية، التي ضاعفت قيمة التذكرة إلى ثلاثة أضعافها، حيث وصلت على خطوط الوجه القبلي في الأعياد والمناسبات إلى أكثر من 80 جنيها للتذكرة الواحدة. وأكد المفتشون بالهيئة أن انتشار هذه الظاهرة يرجع إلى عدة أسباب أهمها ضعف الحافز المشجع لمشرفي القطارات والمحصلين لبذل مزيد من الجهد، بالإضافة إلى عدم وجود عدد كافٍ من المشرفين داخل القطارات بالشكل الذي يمكنهم من فرز العربات وانخفاض قيمة الغرامة المفروضة على الركاب المخالفين وعدم إمكانية السيطرة على الوضع، لأن معظم محطات القطارات مفتوحة، فيسهل للركاب الدخول إليها دون ضوابط، وأخيرا الزحام الشديد في أوقات الذروة اليومية، الذي يعوق مشرفي القطارات عن القيام بمهام عملهم على الوجه الأمثل. يقول د. محمد عبد الحليم، أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة جامعة الأزهر، إن هذه الدراسات تعكس جزءا من الواقع الأليم الذي تعيشه سكك حديد مصر منذ سنوات عديدة، والذي أدى إلى وجود عجز متجمد يتم ترحيله سنويا، ويقدر بقيمة 9 مليارات جنيه ويؤكد أن نسبة ال30% الذين لا يدفعون أجرة السفر تشمل فئتين من الركاب، الفئة الأولى هي أصحاب الوظائف والمناصب العليا في الدولة الذين يتم السماح لهم باستخدام القطارات عن طريق تصاريح خاصة ولا يقومون بدفع مقابل الخدمة التي يتلقونها، وهو ما يحمل الهيئة أعباء إضافية ويسهم في زيادة الخسائر، رغم أن هؤلاء الموظفين يحصلون على بدلات سفر لتغطية مصاريف المهمة الموكلة إليهم. أما الفئة الثانية فهي ركاب الدرجة الثانية التي لا تتعدى أسعار التذاكر فيها العشرة جنيهات، ويرجع السبب في تهرب هذه الفئة من دفع الأجرة إلى الزحام الشديد في هذه العربات التي لا تجعل الكمساري قادرا على تحصيل سعر التذكرة أو التأكد من حملهم لها من ناحية وغياب الرقابة عليهم من ناحية أخرى، ولذلك لابد من تنظيم الركوب لهذه الفئة وعمل تسعيرة جديدة للتذكرة تناسب إمكاناتهم. ويؤكد المهندس أشرف سلامة، رئيس الهيئة العامة للسكة الحديدية، أنه في إطار تطوير خدمة نقل الركاب في سكك حديد مصر بادرت الهيئة بتطبيق ميكنة نظام الحجز المركزي للتذاكر في عدد 16 محطة رئيسية بالإضافة إلى 30 موقعا آخر للحجز بالجامعات والسنترالات والنوادي ومجلسي الشعب والشورى. ويوضح أن الدراسات كشفت عن إمكانية التصدي لهذه الظاهرة من خلال تطبيق بعض الإجراءات الضرورية ومنها زيادة قيمة الغرامة التي يتم تحصيلها بالمحطات لكل راكب يرفض دفع الأجرة، وإصدار تعليمات لمشرفي الأبواب بضرورة قيامهم بصرف تذاكر للركاب والمراجعة الدورية لقيمة الغرامة وتأثيراتها السلبية والإيجابية وبالتالي يحتاج تطبيق هذه الإجراءات إلى عدة احتياجات أهمها رفع الوعي لدى الراكب وأهمية الحصول على التذاكر ومنح مشرفي القطارات اختصاصات أوسع في ضبط المخالفات التي تتم داخل القطارات لتشمل التدخين والمخالفات والمشاغبات وزيادة أعداد منافذ صرف التذاكر بالمحطات خاصة المركزية لمواجهة زيادة الإقبال عليها وتعديل واجبات مشرفي الأبواب بما يتيح لهم مقابلة الركاب بالقطارات في محطة الوصول وتحصيل الأجرة والغرامة ممن لم يحصلوا على التذاكر. ويؤكد محمد لطفي منصور، وزير النقل، أن الهيكل الإداري الجديد الذي وضعته الوزارة لتنظيم العمل داخل قطاع السكة الحديدية سوف يسهم بشكل كبير في تلافي المشكلات، التي أبرزها نتائج تلك الدراسة كما سيعمل على البحث عن أفضل الوسائل التي يمكن أن تدعم الهيئة ماليا وإداريا وتدر دخلا يساعد على النهوض بإصلاح حال السكة الحديدية.