أصدر مركز اتلانتيك كونسل The Atlantic Council الامريكى المتخصص فى شئون الاقتصاد العالمية ، تقريرا حول الاقتصاد المصرى المنهار مبرزا ان" البورصة المصرية "و على رغم من كآبة الظروف السياسية و الاقتصادية التى تمر بها البلاد الا انها ظلت طوال السنوات الاخيرة ، هى النقطة المضيئة الوحيدة بالاقتصاد المصرى . و يشير التقرير الى ان الاقتصاد المصري خلال السنوات الثلاث الماضية تراجع بشكل كبير ،و شهدت البلاد منذ يناير 2011 انخفاض بالنمو الاقتصادي ، مع ارتفاع معدلات البطالة بشكل مطرد، كما تواصل ارتفاع معدلات التضخم، واتسع العجز المالي، وانخفضت احتياطيات النقد الأجنبي من البلاد إلى أكثر من النصف. ومن الواضح أن هذه صورة قاتمة اذا قورنت بالسلب على جميع الحسابات و المستويات مع أداء الاقتصاد المصري خلال السنوات الأخيرة من نظام حسني مبارك.. ومع ذلك، وفي ظل هذا الوضع الكئيب، ظلت هناك نقطة مضيئة واحدة في هذا الاقتصاد المتداعى ، الا و هى " البورصة المصرية " التي شهدت ارتفاعات مذهلة منذ سقوط حكومة محمد مرسي في يوليو 2013 ، فقد ارتفع مؤشر EGX30 من 4.971 نقطة في 3 يوليو 2013 إلى 8.396 نقطة في 17 يونيو 2014، بزيادة قدرها نحو 70 في المئة وجعل البورصة المصرية واحدة من أفضل أسواق الأسهم أداء في العالم. و يقول التقرير انه في بداية الثورة في عام 2011، انهارت أسعار الأسهم وفقد السوق 12 مليار دولار في يومين فقط ، ثم تم إغلاق السوق لمدة شهرين حتى 23 مارس 2011 ، وبعد أن فتح التداول مرة اخرى ، استمر الانخفاض بصورة مطردة خلال 2011 و 2012. وخلال يونيو عام 2013، مع تزايد الاحتجاجات ضد "مرسي"، انخفض مؤشر EGX30 بنسبة 17 في المئة ، ليشهد المؤشر أولى قفزاته بنسبة 7 في المئة فى اول يوم بعد سقوط الحكومة. ومنذ ذلك الحين، وعلى الرغم من بعض التقلبات على المدى القصير، فقد ارتفع سوق الأسهم بشكل مطرد في نهاية المطاف متجاوزا المستوى الذي وصل له فى ديسمبر 2010 قبيل الثورة المصرية..وقد ارتفع هذا العام مؤشر EGX30 بنسبة 23 في المئة، وعبر حاجز 8.700 نقطة وهو أعلى مستوى وصل له منذ 10 أغسطس 2008. و قدشهد EGX30 انخفاضا في اعقاب الإعلان عن ضريبة أرباح رأس المال فى سوق الأوراق المالية على المكاسب والأرباح، ولكن تزامن هذا إلى حد كبير مع قرار مؤسسة "مورجان ستانلي " بالحفاظ على البورصة المصرية في مؤشر الأسواق الناشئة (MSCI) و هو الامر الذى وازن الاوضاع فى البورصة المصرية . و لقد نجحت البورصة فى اضافة أكثر من 5 مليارات جنيه من رأس المال في السوق خلال النصف الأول من عام 2014 وللمرة الأولى منذ عام 2010، كان هناك اثنان من العروض الأولية العامة (الاكتتابات) لشركة الأسمنت العربية و شركة أرابتك للإنشاءات في شهرى مايو ويونيو. و يشير تقرير " اتلانتيك كونسل " الى انه ومن الواضح أن هناك بعض الانفصام بين ما يسمى بأساسيات الاقتصاد، ممثلا في مؤشرات الاقتصاد الكلي الرئيسية، وسلوك سوق الأسهم فى مصر .و هو الامر الذى ايثير العديد من الاسئلة على راسها ، لماذا يتخبط الاقتصاد المصرى بينمت سوق الأوراق المالية المزدهرة؟ وهناك تفسيران رئيسيان لهذه الظاهرة، أولا، الاقتصاد يشهد فورة بالسيولة فى الوقت الذى يعانى فيه العجز المالي نتيجه نمو احتياجات الاقتراض لدى الحكومة إلى حد كبير. حيث ضخت السياسة المالية التوسعية مزيدا من السيولة في النظام ، و لكن مع تعثر الاستثمار والنشاط الاقتصادي الحقيقي الذان اصبحا في طريق مسدود، كان على هذه السيولة ان تعثر على موقع للتصريف و كان هذا الموقع هو "سوق الأسهم " . وعلاوة على ذلك، ، فان ضوابط رأس المال المفروضة من قبل البنك المركزي المصري للحد من تدفق رأس المال من أجل الحفاظ على احتياطيات النقد الأجنبي في البلاد أبقت هذه السيولة دون ان تتمكن من الهرب إلى الخارج. وهناك بعض الصدق في هذا التفسير، فوجود فائض سيولة في النظام فضلا عن ضوابط رأس المال في الفترة السابقة قد يعد تفسيرا منطقيا لصعود البورصة الى اوجها بعد ان تراجع سوق الأسهم باستمرار خلال عام 2012 حتى منتصف عام 2013. أما التفسير الثاني ، ولعله التفسير الأكثر أهمية، هو أن التوقعات بالنسبة للاقتصاد المصري تغيرت بطريقة إيجابية للغاية خلال العام الماضي ، و السبب فى ذلك هو أسعار سوق الأوراق المالية التى ادت بدورها الى تغيير توقعات الأداء الاقتصادي في المستقبل ، وهو ما جعل المستثمرون على ما يبدو الآن يرون ان هناك تحولا في الاقتصاد المصري. ويدعم هذا التفاؤل المسح الخاص برجال الأعمال المصريين الذى اظهر ان الكثير منهم يتوقع تحسنا كبيرا في الاقتصاد عام 2014 ، علاوة على ذلك، أظهر استطلاع لرويترز لصناديق الاستثمار في الشرق الأوسط أن أكثر من نصف هذه الصناديق المالية كانت مستعدة لزيادة استثماراتها في سوق الأسهم المصرية في عام 2014. و بالطبع ومن المؤكد أن 12 مليار دولار من المساعدات التي تقدمها الكويت والسعودية ، والإمارات ، وكذلك وعود المساعدات في المستقبل، كان لها اثر كبير لتغيير وجهات النظر لدى المستثمرين بشأن التوقعات للاقتصاد المصري. في الواقع، ان هذه المساعدات الخارجية أدت إلى حد كبير إلى رفع "وكالة فيتش " للتصنيف الائتماني لمصر من سلبي إلى مستقر في يناير الماضي. باختصار، الكآبة والشؤم ليست كل شيء على الجبهة الاقتصادية في مصر ، و ما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسي واعلنه عن حاجة حكومته للقيام به ، ادى الى بناء توقعات إيجابية فى سوق الأوراق المالية وهو ما ادى بالتالى الى تحول فى مؤشرات الاقتصاد الكلي . و يبدو ان المستثمرين الأجانب والمحليين أصبحوا فى انتظار الوقت المناسب والسياسات الصحيحة للبدء فى الاستثمار في مصر. والأمر الآن متروك للحكومة الجديدة لخلق الظروف المناسبة لهم للقيام بذلك. وإذا نجحت في ذلك، سيكون هناك تحول كبير فى مسار الاقتصاد المصرى و مؤشراته الكلية فى وقت قريب .