من الواضح جداً أن اتفاق كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي على إنشاء لجنة عليا مشتركة يدل على حرصهما على تأكيد حضورهما في المناقشات الدولية والإقليمية بما يحيط المنطقة العربية من أحداث وتطورات سياسية؛ خاصة الملفات التي تهدد السلم المجتمعي مثل جماعة «الإخوان المسلمين» والتمدد الإقليمي لدول مثل إيران وتركيا. طبيعي أن تثير اللجنة الاهتمام والفضول لدى المراقبين إذا ما قرئ تشكيلها بعيداً عن تطورات الوضع العربي الأمني والسياسي الذي يتسم بالفوضى الشديدة في أغلب الأحيان؛ لأن الدولتين عضوان في جامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، وبالتالي لا ينبغي أن تنفردا بقراراتهما، لكن تلك القراءة تكون منطقية ومفهومة إذا ما أخذت بالاعتبار كونهما تعتمدان على قرارات استراتيجية حقيقية، وتحاولان معالجة الوضع العربي «المترهل» وتعملان على ترتيب البيت العربي بما يخدم مصلحة المواطن العربي. ربما يكون هذا هو ما يفسر أن تكون اللجنة برئاسة وزيري الخارجية في البلدين. والوضع العربي يحتاج إلى شجاعة سياسية لإنقاذ الوطن والمواطن العربيين، ويكفي أن الذاكرة العربية ما زالت تحتفظ بحالة الفرحة التي سيطرت على المواطن المصري عندما وجد مساندة من الدولتين الشقيقتين المؤثرتين في الساحة العربية حالياً، والأمر ينطبق على البحرين كذلك. إن فكرة توطيد العلاقة الإماراتية السعودية لا تلغي دور البلدين ضمن التكتلات العربية القائمة، سواء الجامعة العربية أو مجلس التعاون، كما لا تعني التقليل من مواقف الدول العربية الأخرى، لكن يبقى أن الوضع العربي يحتاج إلى مواقف سياسية جريئة وقوية. والأمر الجميل في الإمارات والسعودية أنهما لم تجبرا أعضاء جامعة الدول العربية على التحرك معهما، على اعتبار أن هذه المؤسسة العربية تعاني عجزاً سياسياً منذ زمن تسبب في فقدان دورها وفعاليتها في الملفات العربية، وعلى اعتبار أن تحركها- إذا حدث- فإنه يكون بطيئاً مقارنة بحالة تحرك الفوضى في الدول العربية. كما أن الدولتين لم تريدا إحراج دول مجلس التعاون بمطالبتها باتخاذ المواقف نفسها التي تتخذها الدولتان، حيث إن التردد الخليجي والتراجع من بعض أعضاء المجلس كثيراً ما تسبب في خسارة الخليجيين فرصهم الاستراتيجية. فعلياً، خسر العرب كمجموعةٍ تأثيرهم حتى في قضاياهم الأساسية، لكن هذا ينبغي أن لا يكون سبباً في استسلامهم لكل ما يريد الآخرون فعله في محيطهم؛ وعليهم على الأقل أن يحاولوا مقاومته. فهم يتناقشون حول ما يجري في المنطقة، لكن هناك مناقشات إقليمية ودولية لإعادة تشكيل منطقتهم، ولكنهم لا يشاركون في صناعة قرارات، بل هم في أحيان كثيرة متفرجون! صحيح أن العرب بشكل عام قلقون تجاه عدم استقرار الوضع العربي، ويوضحون ذلك من خلال الزيارات المتبادلة التي لم تتوقف، سواء فيما بينهم أو بينهم وبين الدول الكبرى، لكن دون أن تؤكد تلك الدول أن هناك محاولات عربية جادة لإيقاف ما يحدث، أو على الأقل تغيير مساره لتكون في صالح الشعوب العربية. لهذا باستطاعة أي مراقب للوضع العربي أن يؤكد أن التفاهم الإماراتي السعودي أبعد وأقوى مما هو واضح على السطح، على اعتبار أن هناك نية حقيقية لتفعيل الدور العربي. إن هذا التفاهم ربما يتوسع ليشمل دولاً عربية أخرى، وقد تكون مصر إحدى تلك الدول، كونها الدولة العربية الكبرى ولدى قادتها رغبة في استعادة دورها الإقليمي الطبيعي، ولكونها شاركت الإمارات والسعودية بعض النشاطات التي تحافظ على الاستقرار العربي مثل المناورات العسكرية التي أقيمت في الإمارات، وكذلك استشعار المخاطر التي تهدد المنطقة. باستطاعتنا القول: إن الموقف السياسي الإماراتي السعودي في العديد من الملفات العربية والإقليمية رسم قواعد لعبة سياسية جديدة في المنطقة، مثل موقف الإمارات من اتهام نوري المالكي؛ رئيس الوزراء العراقي، للسعودية بالتدخل في الشؤون الداخلية لبلاده، وكذلك التفاهمات حول القضايا الإقليمية مثل الموقف من الدعم القطري ل«الإخوان»، فضلاً على تفعيل المناقشات الثنائية التي تخص المنطقة، إضافة إلى أن الدولتين، هما الأكثر نشاطاً على الساحة العربية من حيث النشاط الدبلوماسي، كما أن الثقل السياسي والاقتصادي انتقل اليوم إلى الدولتين، وبالتالي يكون إعلان اللجنة أمراً اعتيادياً. ويبدو للمراقب أن للقيادتين رؤية استراتيجية مختلفة لمستقبل المنطقة العربية وأن الخيار السلبي أو «الحياد» أحياناً غير مجد خاصة في ظل التنافس الدولي وفي تطورات الأوضاع العربية التي شكلت تحولا سياسياً جديداً يتطلب اختلاف طريقة التعامل العربي معه لأن مستقبل العرب مهدد. تكمن المشكلة الحقيقية للعرب في ضيق أفق كثير من الدول، وهم بالتالي يفضلون الحياد السلبي معتقدين أن الدفاع عن مصالحهم نوع من التدخل في الشؤون الداخلية للدول، في حين قد يكون سبباً في امتداد المشكلة إلى المجتمعات الساكنة، ولحظتها يكون من الصعب استدراك أي شيء. من السهل جداً أن يتفهم البعض رغبة الإمارات والسعودية في تشكيل تحالف استراتيجي لخدمة مصالحهما أولا، وهذا أمر لا يعيبهما بل هو يخدم المصلحة العربية في الدرجة الثانية. وأعتقد أن هذا السبب كافٍ كي تشكل الإمارات والسعودية موقفاً عربياً حقيقياً تجاه ما يحدث من تمزق الدول العربية. ومع أن الجميع يعترفون بوجود هذا الوضع ويرفضونه، فإنهم لا يريدون أن يتخذوا موقفاً لصده، أو ترجمة ذلك الرفض إلى تحرك عملي يتعدى الكلام. وبالتالي فإن الرؤية الإماراتية السعودية مبنية على أنه لا يمكن تعديل خلل دون مواقف واضحة وجريئة إلا في عالم الخيال. كل اهتمام الإمارات والسعودية منصب حالياً على حصار الفوضى المنتشرة في الدول العربية، وهو أمر مهم جداً في تحقيق الكثير من طموحات الإنسان العربي؛ لأنه في غمرة الانشغال العربي بالفوضى صار مستقبل الدول العربية مهدداً؛ حتى في تماسك المجتمع الواحد، وهذا ما يجري في ليبيا. وفعالية كل دولة ونشاطها السياسي في مثل هذا الظرف يقاسان بمدى اتخاذها للقرارات التي تضع حداً لحالة الفوضى؛ لأن الاستقرار هو الخطوة الأولى اللازمة لتحقيق الازدهار والتنمية وهو الهدف النهائي لكل الدول. نقلا عن صحيفة الاتحاد