بعد تواصل الاجتماعات والمشاورات المُكثفة للقادة الأوروبيين على مدار ثلاثة أيام متتالية ، والتى شهدت محادثات مُضنية حول أطر معاهدة جديدة لتحل مكان الدستور الأوروبى، أعلن مسئول أوروبى فى ساعة مبكرة من صباح السبت 23/6 توصل قادة الدول ال 27 إلى اتفاق على مشروع مُعاهدة لتحل محل الدستور الأوروبى، على أن تدخل حيز التنفيذ منتصف العام 2009، واعتبر المحللون هذا الاتفاق بمثابة إنجاز كبير ليس فقط لأنه يبعث برسالة جيدة لمواطنى الاتحاد وإنما لأنه تم فى وقت فقد فيه الكثيرون الأمل فى أن ينجح القادة الأوروبيون فى تجاوز خلافاتهم والوصول إلى اتفاق شامل يتوافق وكل أعضاء الاتحاد . وقوبل هذا الاتفاق بترحيب كبير من جانب الزعماء الأوروبيين وعلى رأسهم الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى، الذى وصف الاتفاق بأنه خبر سار ليس للفرنسيين فقط وإنما لكافة الشعوب الأوروبية، حيث أعلن فى مؤتمر صحفى أنه بعد حوالى عشرين عاماً على سقوط جدار برلين لم يمكننا التخلى عن أكبر بلد فى أوروبا الشرقية .. فى إشارة إلى تهديد الرئاسة الألمانية للاتحاد الأوروبى بالدعوة إلى مؤتمر حكومى من دون بولندا لإعادة التفاوض على معاهدة جديدة .
واعترف ساركوزى بأن الدول الأوروبية كانت على وشك الانقسام بسبب المواجهة التى وقعت مع بولندا نتيجة تمسكها بتغيير نظام التصويت الحالى، مُضيفاً أن القادة البولنديين تفهموا فى النهاية الحاجة إلى التوصل إلى حل وسط فى هذا الشأن وإلا فإن الفشل ستكون له عواقب وخيمة، مُشيرا إلى أن قرار الاتحاد الأوروبى الذى تم التوصل إليه للبدء فى مفاوضات بشأن معاهدة إصلاح جديدة يبعث رسالة جيدة لمواطنى الاتحاد، ثم أعرب الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى عن تفاؤله بالتوصل إلى إجماع على معاهدة جديدة لإصلاح مؤسسات الاتحاد الأوروبي أثناء قمة بروكسل، لكنه شدد على أن تحقيق هذا الهدف يحتاج إلى المزيد من العمل .
ومن جانبها اعتبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل – التى ترأس القمة الأوروبية حتى نهاية يونيو المقبل – أن القمة توصلت إلى " تسوية جيدة " مع بولندا لتجاوز معارضتها مشروع معاهدة بدلاً من الدستور، حيث اعتبره المحللون أن هذا أول تأكيد من ميركل عن التوصل إلى تسوية مع القادة البولنديين حول " نظام التصويت المنصوص عليه فى الدستور "، والتى تمت استعادته فى مشروع المعاهدة، وأكدت ميركل أن التسوية تنص على تأجيل تطبيق النظام الجديد للتصويت ب " الأكثرية الموصوفة "، وبدلاً من تطبيقه ابتداء من 2009 فإن النظام الجديد للأكثرية المزدوجة الذى سيحل محل النظام المعقد لتوازن الأصوات، سيدخل حيز التطبيق تدريجياً ابتداء من 2014 مع فترة انتقالية حتى 2017، وقالت ميركل خلال مؤتمر صحفى عقب اختتام القمة الأوروبية فى ساعة مبكرة من صباح السبت ببروكسل أن الاتحاد الأوروبى استطاع بهذا الاتفاق الخروج من الجمود الذى اعتراه منذ رفض الشعبيين الهولندى والفرنسى للدستور فى عام 2005 بما يضع أساس واضح للدستور الجديد وبما يمثل تحقيق تقدم واضح للاتحاد الأوروبى، وأشارت ميركل إلى أن مؤتمر الحكومات الخاص بالدستور الذى حصل على تفويض من القمة سينتهى من عمله فى صياغة الدستور آخر العام الحالى، بما يتيح الانتهاء من التصديق على الدستور قبل حلول الانتخابات الأوروبية فى عام 2009.
وأكدت ميركيل أن نجاح الدول الأعضاء بالاتحاد الاوروبى فى التوصل إلى اتفاق لمنح تفويض لمؤتمر الحكومات للبدء فى العمل من أجل الانتهاء من الدستور الأوروبى الموحد، رغم الصعوبات الشديدة التى واجهت المفاوضات يحافظ على مصداقية الاتحاد الاوروبى وقدرته على العمل والتأثير والحفاظ على مصالح مواطنيه .
وأوضحت المستشارة الألمانية انجيلا ميركيل أن الاتحاد الاوروبى سيكون لديه اعتباراً من عام 2009 أحكاما جديدة للدستور الأوروبى تتيح دوراً أكبر للبرلمانات الوطنية والمواطنين وتطبيق الميثاق الإلزامى للحقوق الأساسية والانتقال إلى التصويت بنظام الأغلبية النسبية بالإضافة إلى وجود رئيس للمجلس الأوروبى ومُمثل أعلى للسياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الاوروبى، وأضافت ميركل ان الرئاسة الألمانية للاتحاد الأوروبى عملت مع الدول الأعضاء من أجل التوصل الى حلول وسط وتقديم تنازلات تهدئ من مخاوف كل من بولندا وبريطانيا بشأن الدستور الموحد، وأن الاتفاق يفتح الطريق أمام مزيد من توسيع الاتحاد ويوفر " فرصة جيدة " لدخول المعاهدة حيز التنفيذ فى 2009.
وفيما يتعلق بتوسيع الاتحاد الأوروبى، قالت ميركل أن الاتفاق الذى تم التوصل إليه بشأن الدستور يفتح الباب أمام التوسيع وانضمام كرواتيا مستقبلا لتصبح العضو رقم 28 بالاتحاد الأوروبى، مؤكدة أنه لا يمكن فتح الباب أمام توسيع الاتحاد الأوروبى بدون إجراء الإصلاحات اللازمة فى مؤسسات الاتحاد، وترى عدة دول أعضاء أن توسيع الاتحاد الأوروبى لن يكون متاحاً قبل إصلاح الاتحاد مؤسساته التى كانت مُصممة من أجل ست دول فقط، ومن ناحية أخرى نفت ميركل ما تردد عن أنها لا تريد بعد الآن تنظيم استفتاء شعبى فى أى من الدول الأعضاء بالاتحاد للتصديق على الدستور الموحد لتفادى رفض الشعوب لها مرة أخرى بعد الرفض الفرنسى والهولندى له منذ عامين، مؤكدة أن هذا الأمر يرجع إلى كل دولة على حدة، مؤكدة أن هناك تبايناً فى وجهات النظر والمواقف فيما بين الدول الأعضاء، وهناك مسائل مُعقدة كثيرة لاتزال مفتوحة ولكن فى المقابل هناك أيضا إرادة سياسية لدى الدول الأعضاء من أجل الخروج باتفاق فى هذا الشأن.
ومن جانبه اعترف رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروزو بأن الوضع أصبح أكثر صعوبة داخل الاتحاد الأوروبى مع توسيعه ليصبح عدد الدول الأعضاء 27 دولة حالياً داعياً الدول الأعضاء إلى بذل كافة الجهود من أجل التوصل إلى اتفاق وإثبات أن توسيع الاتحاد الأوروبى يمثل نجاحاً لكافة الدول الأعضاء، وكان قد شكك رئيس الوزراء الفنلندى لندى ماتي فانهانين فى إمكانية التوصل إلى اتفاق بنهاية أعمال القمة يوم الجمعة، وقال للصحفيين إنه متشائم حيال ذلك لأن أيا من الدول الرئيسية لم تغير موقفها.
لقد نجحت المشاورات التى قام بها الثلاثة الكبار فى الاتحاد الأوروبي وهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل و الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزي و رئيس الوزراء البريطاني تونى بلير فى إقناع الرئيس البولندى- ليش كاتسينسكى- بقبول نسخة تمثل حلاً وسطاً للتغييرات المقترحة مقابل تأجيل تطبيقها لمدة عشرة أعوام، حيث تمكنت بعض الدول من إقناع بولندا بقبول حل وسط لتغييرات اقترحتها ألمانيا فى حقوق التصويت بالاتحاد، ويتضمن الحل الذى وافقت عليه بولندا إرجاء نظام التصويت الجديد بالأكثرية المزدوجة من 2009 إلى 2017، وهو النظام الذى احتجت عليه وارسو وهددت باستخدام حق النقض (الفيتو) ضده ، وسيؤدى الحل الوسط إلى احتفاظ بولندا حتى العام 2017 بحصة توازى 27 صوتاً فى المجلس الوزارى التابع للاتحاد، في وضع متكافئ تقريباً مع الدول الكبرى مثل ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وفرنسا حيث تمتلك كل منها 29 صوتا، وأن الزعماء الأوروبيون قد عرضوا أيضاً ضمانات على وارسو بأن تؤيدها باقى دول الاتحاد فى حال حدوث أزمات طاقة فى المستقبل، وهو أمر يشغل بولندا التى تجاور روسيا عملاق تصدير الغاز والنفط .
يُذكر أن بولندا كانت ترفض نظام " الأغلبية المضاعفة " الذى يتطلب أن تحظى قرارات الاتحاد بتأييد 55% من الدول الأعضاء بما يمثل 65 % من المواطنين الأوروبيين و ترغب بدلاً من ذلك فى إقرار نظام يقوم على الجذر التربيعي لعدد سكان كل دولة، بما يجعل للدول متوسطة الحجم وزناً أكبر عند التصويت، مُقارنة بدول أوروبية أكبر مثل ألمانياوفرنسا .
وفيما يتعلق ب " تسمية وزير الخارجية " والتى كانت تمثل إحدى نقاط الخلاف اتفق القادة الاوروبيون على تسمية أخرى " للوزير" الأوروبي للشئون الخارجية دون الاتفاق على صلاحياته، وجاء الاتفاق على هذه الأمور الخلافية بعد التغلب على العقبة الأساسية التى كانت تهدد بإفشال القمة تماماً وهى " الفيتو البولندى "، فقد وافقت بولندا أخيراً - و بعد جهود مُضنية ومشاورات مكثفة - على قبول التعديلات الجديدة فى نظام التصويت داخل الاتحاد الاوروبى مع تأجيل تطبيق هذه التعديلات حتى عام 2017.
وفى المقابل تعهدت بولندا بالتعاون أكثر مع الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى بعد توصل زعمائه في بروكسل إلى اتفاق على مشروع معاهدة جديدة تحل محل الدستور الأوروبى الذى رفضه الهولنديون والفرنسيون سنة 2005، ووصف الرئيس البولندى ليش كاتشينسكي نتائج الاتفاق بأنها مُشجعة لبلاده، قائلا : " إن ملاحظاتنا أخذت بعين الاعتبار"، وصرح بأنه بعد هذا الاتفاق ستكون بولندا أكثر تعاوناً مع فرنسا وبريطانيا وحتى مع ألمانيا، التى كانت بولندا ترى أن مشروع الدستور القديم يعطيها امتيازات أكثر على حسابها.
النقاط الرئيسية للمعاهدة :
* معاهدة وليست دستوراً .. فى حين كان الدستور سيحل محل كل المعاهدات من خلال نص واحد فإن المعاهدة الجديدة ستعدل المعاهدتين التأسيسيتين " معاهدة روما العام 1957 حول المجموعة الأوروبية ومعاهدة ماسترخيت حول الاتحاد الأوروبى فى 1992 " كما سبق أن فعلت معاهدتا أمستردام 1996 ونيس 2000. النص الجديد وهو لائحة تعديلات سيكون أكثر اقتضابا لكنه لن يكون أكثر وضوحاً لغير الخبراء . لن يتضمن تعابير يمكن مأن تشبه الاتحاد الأوروبى بدولة اتحادية مثل " دستور " أو أى رموز مثل العلم أو النشيد أو العملة مع أن هذه الأمور ستبقى . لن يكون هناك وزير للخارجية بل " ممثل أعلى لسياسة الاتحاد الأوروبى الخارجية والأمنية " يتمتع بالصلاحيات نفسها يكون كذلك نائباً لرئيس المفوضية الأوروبية ينسق التحرك الخارجى للاتحاد الأوروبى . ميثاق الحقوق الأساسية " 54 بنداً حول الحقوق السياسية والاجتماعية للأوروبيين " لن يُدرج بالكامل فى المعاهدة، سيشير إليه بند مع الإبقاء على طابعه القانونى المُلزم مع استثناء بريطانيا عن تطبيقه .
* احتساب الغالبية المطلوبة .. المعاهدة تبقى على نظام التصويت المُدرج فى الدستور الذى ينص على اتخاذ القرارات بغالبية 55% من الدول الأعضاء على أن تمثل 65% من سكان الاتحاد الأوروبى .. لكن لضمان دعم بولندا حصلت عدة تنازلات، هذا النظام لن يُطبق قبل العام 2014 بدلاً من العام 2009، ويمكن لأى دولة عضو حتى العام 2017 أن تطلب تطبيق النظام السابق الوارد فى معاهدة نيس .
* نطاق تطبيق الغالبية المطوبة .. نطاق القرارات التى تتخذ بالغالبية الموصوفة " المطلوبة " وبالاتفاق مع البرلمان الأوروبى وسع إلى حوالى 40 مجالاً جديداً ولا سيما فى مجال التعاون القضائى والشرطة، وحصل البريطانيون والإيرلنديون على عدم تطبيق القرارات المتخذة فى هذه المجالات .. إلا إذا أرادوا ذلك، لكن اتخاذ القرارات بالإجماع يبقى القاعدة على صعيد السياسة الخارجية والضرائب والسياسة الاجتماعية وموارد الاتحاد الأوروبى ومراجعة المعاهدات . * الحفاظ على ما استحدث على صعيد المؤسسات .. اعتباراً من العام 2009 سيُنتخب رئيس للقمة الأوروبية " التى تضم قادة الدول الأوروبية " من قبل نظرائه لولاية من سنتين ونصف السنة بدلاً من الرئاسة الدورية النصف سنوية بين الدول .. وسيحضر الرئيس للقمم الأوروبية . المفوضية الأوروبية ستضم اعتباراً من العام 2014 مفوضين يُشكل عددهم نسبة الثلثين من عددالدول الأعضاء .. فى حين أن لكل دولة عضو حالياً مفوضاً .. وستتمثل الدول عندها على " أساس المداورة " . * تعزيز البرلمانات الوطنية .. حصلت هولندا على تعزيز سلطات البرلمانات الوطنية التى يمكنها أن تطلب اعتباراً من عتبة معينة من المفوضية الأوروبية إعادة النظر باقتراح إذا اعتبرت أنه يتعدى على الصلاحيات الوطنية .. وفى حال لم توافق المفوضية الأوروبية يمكن للبرلمانات الوطنية الطلب من الدول الأعضاء تعطيل الاقتراح . * إضافات .. أدخلت عدة إضافات مثل الإشارة إلى التضامن فى مجال الطاقة فى حال حصول مشكلة فى الإمدادات،وهى مسألة أصر عليها الليتوانيون والبولنديون القلقون من اعتمادهم الكبير على المحروقات الروسية، وبطلب من هولندا أضيفت إشارة إلى معايير انضمام أعضاء جُدد إلى الاتحاد الأوروبى . وأضيف كذلك بروتوكول حول السوق الداخلية تتطلب "نظاماً حيث لا تكون المنافسة محرقة "، والهدف من البروتوكول تعويض حذف جملة أن " الاتحاد الأوروبى يوفر لمواطنيه سوقاً داخلية حيث المنافسة حرة وغير محرقة " فى بند حول أهداف الاتحاد الأوروبى وهى جملة أثارت انتقادات كثيرة من فرنسا خلال الاستفتاء على الدستور. 23/6/2007