تحتفل مصر غد الأربعاء بتكريم جوليانا لومومبا ابنة الزعيم الإفريقي الراحل بياتريس لومومبا محرر الكونغو التي وصلت إلي مصر لتولي منصب أمين عام اتحاد الغرف التجارية الإفريقية. وذلك بمقر الجمعية الإفريقية بالقاهرة في حضور عدد من السياسيين والسفراء المصريين والأفارقة. جوليانا أو فاطمة سعيدة بعودتها إلي مصر التي وصلت إليها وعمرها خمس سنوات بعد اغتيال والدها هربا من الحكومة العميلة برئاسة تشومبي. بعد نجاح القوات المصرية في تهريبها وتولي رعايتها في مصر عبدالعزيز إسحق مستشار السفارة حيث تربت في بيته مع أخوتها فرنسوا طارق وبياتريس عمر. تقول جوليا: مصر دولة عظيمة.. هكذا تعلمت في بيت بابا عبدالعزيز وزوجته ماما زيزي.. حتي إنني كنت أعتقد أن لكل إنسان بابا وماما من السود وبابا وماما من البيض وتروي أن ماما زيزي المسلمة حرصت علي ديانتي المسيحية وكانت تذهب بي مع اخوتي إلي الكنيسة كل يوم أحد الأمر الذي أثار إعجاب القساوسة لكن هذا كان طبيعيا أن يحدث في مصر أيام الزعيم جمال عبدالناصر. مصر دولة عظيمة.. وما يقال الآن عن فتنة وطنية كلام سخيف.. مصر شعب واحد.. هكذا تعلمت من ماما زيزي وبابا عبدالعزيز. وتؤكد أن مصر بها سماحة غير موجودة في بلاد العالم وأنها واجهت العنصرية في فرنسا عندما ذهبت لنيل درجة الماجستير بعد دراستها في مصر. وقالت: عند عودتي بحثت عن شقة أقيم فيها لكن ماما زيزي قالت لي: أبدا لن يحدث بيتك موجود ومعندناش في مصر بنات تبات بره البيت. وفما يما يلي نص الحديث: * كيف عايشت أزمة الكونغو واغتيال والدك وتهريب أسرتك إلي مصر؟ * كان القصر الجمهوري الذي نعيش فيه محاصرا من قبل قوات الأممالمتحدة وعرض السفير المصري محمد إبراهيم كامل( وزير الخارجية لاحقا) علي والدي خطة للهروب إلي مصر وبالفعل تم تنفيذها بأوامر من الرئيس جمال عبدالناصر حيث قام المستشار عبدالعزيز إسحق الذي كان يعمل وقتها بالسفارة المصرية بالكونغو باستخراج جوازات سفر مصرية تفيد بأنني واخوتي أبناؤه, واتخذت اسم فاطمة وأخي فرنسوا اسم طارق وبياتريس أصبح عمر وكانت لحظات عصيبة وفارقة لأن العالم كله وقتها كان يعرف شكلنا فاضطررنا للهروب في سيارة جيب بالتعاون مع القوات المصرية التابعة للأمم المتحدة بقيادة العقيد سعد الدين الشاذلي( رئيس أركان حرب القوات المسلحة لاحقا). وقاموا بوضع كراتين فوقنا حتي لا يتعرف علينا أحد, حتي وصلنا إلي المطار, ولم تكن هناك خطوط طيران وطنية فأخذنا الخطوط البلجيكية ولم أتذكر كم نقطة تفتيش مررنا بها حتي وصلنا إلي المطار. * ومن الذي قتل والدك لومومبا؟ * والدي اغتيل تنفيذا لمؤامرة نفذها تشومبي رئيس الوزراء وموبوتو سيسيكو رئيس أركان الجيش بالتواطؤ مع بلجيكا وأمريكا وحتي الأممالمتحدة كانت متورطة في اغتياله. * وهل عثرتم علي جثته؟ * للأسف لم نجد الجثة ولا حتي الأشلاء وحتي الآن لا يوجد قبر لوالدي وهذه من الأحداث المأساوية في حياتي أن يغتال أبي وعمري5 سنوات لقد كان شيئا فظيعا. * وهل عوضتك أسرتك المصرية عن فقدان الأب؟ * قضيت في مصر أجمل أيام حياتي عشت مع أسرتي الجديدة بابا عبدالعزيز إسحق وماما زيزي زوجته وكنت أعتقد لفترة طويلة أن كل إنسان له أب وأم أسودان وآخران من البيض ولم أشعر في أي لحظة أنهما ليسا أبي وأمي الحقيقيين كانا لا يفرقان في المعاملة بيني وبين أختي شمس المصرية ابنة بابا عبدالعزيز إسحق. تعلمت في هذا البيت وتكونت شخصيتي حيث كان عمري5 سنوات فقط عندما جئت إلي مصر والحمد لله أنني نشأت في مصر لأنني لو تربيت في أوروبا لأصبحت عنصرية مثلهم. * وكيف كانت حياتك في بيت عبدالعزيز إسحق؟ * نشأت في هذا البيت وأعتبر نفسي محظوظة أن الشخصية التي تولت تربيتي والاهتمام بي هي بابا عبدالعزيز إسحق الذي أسس الجمعية الإفريقية وكان بيتا متفتحا ديمقراطيا كنا نجري انتخابات في البيت, وكان لي صوت في القرارات التي تتخذ في المنزل مثل قرار السفر للمصيف كنا نجري انتخابات للذهاب إما للعزبة أو الإسكندرية. تعودت وتربيت علي التفكير والنقاش واحترام الناس خاصة البسطاء كان منزلنا مكانا يلتقي فيه قادة التحرر الوطني وأثر ذلك في شخصيتي. لذلك فإنني شعرت باليتم مرتين, مرة عام1961 حينما اغتالوا والدي, والثانية عام1969 برحيل بابا عبدالعزيز. * وما هي خلفيتك الثقافية؟ * حصلت علي ماجستير في السياسة والاقتصاد من جامعة السوربون في باريس, وحينما كانوا يسألونني أين تعلمت الفرنسية كانوا لا يصدقون أنني تعلمت في مصر في النوتردام ديزابوتر بالزيتون وكانت المدرسة داخلية وقد تلقيت أحسن تعليم في مصر فترة طفولتي وشبابي, ولغتي الفرنسية أفضل من الفرنسيين أنفسهم وأنا فخورة أنني تعلمت في المدارس المصرية ومازلت أذكر الراهبات اللاتي تعلمت علي أيديهن وأدين لهن ولمصر بكل الحب والتقدير. * ما رأيك فيما يتردد الآن عن خلافات بين الأقباط والمسلمين في مصر؟ * أشعر بالضيق والحزن حينما أسمع ذلك, لم يكن هناك في مصر فارق بين مسيحي ومسلم, وقد تربيت في هذا البلد علي مبادئ التسامح والمحبة برغم أنني تربيت في بيت مسلم فإن والدتي المسلمة( ماما زيزي) كانت حريصة علي ربطنا بالكنيسة وكانت توصلنا كل يوم أحد إلي القسيس وأذكر أنها قالت له أول مرة: سوف أرسلهم كل أسبوع إليك وتوقع أنها ستكون بصحبتنا بالطبع, إلا أنه فوجئ أنها تخبره أنها مسلمة فلم يصدق القسيس وشكرها وقال لها: بارك الله فيك يا أختي المسلمة. وأتذكر أننا يوم الكريسماس كنا نذهب للكنيسة ويأتي معنا أصدقاؤنا المسلمون ثم نعود للبيت للاحتفال معا. * ومتي شعرت بالعنصرية؟ * حياتي في مصر كانت حياة متفتحة والعنصرية لم أعرفها إلا في أوروبا حيث الحياة المادية التي لا تحكمها إلا المادة والمصالح ولا مكان فيها للعاطفة التي شعرت بها وتربيت عليها هنا في بلدي الثاني مصر حينما سافرت للدراسة في باريس اكتشفت أنماطا جديدة للعلاقات لم أكن أعرفها: حقدا وكراهية افتقدت أشياء كثيرة بعد خروجي من مصر أهمها حب الناس والحياة والأهل والأصدقاء, واستعدادهم لتقديم أي شيء في مقابل إسعاد الآخرين ولو بالابتسامة. * وهل شعرت بالمهانة بعد حياتك المرفهة في مصر؟ * نعم شعرت بالمهانة بعدما انتقلت إلي باريس حيث كنت أعيش في مصر وكأني ملكة كانت لدينا امتيازات كثيرة كنت أذهب للمدرسة ومعي حرس شخصي وسائق والبيت فيه طباخ وسفرجي من قصر عابدين. كانت حياتي مرفهة كان مصروفي في المدرسة عشرة جنيهات شهريا وقت كان التاكسي يأخذ فيه من الزمالك إلي جسر السويس جنيها وربعا فقط بالبقشيش. ولقد كانت رئاسة الجمهورية تتولي كل شئوننا بما في ذلك مصروفات المدارس والمصيف في المعمورة. لم ينقصنا شيء, كنا نعامل علي أننا أبناء رئيس دولة برغم ظروف اغتيال والدي وفقدننا له. * وكيف وصلت إلي منصب أمين عام اتحاد الغرف التجارية الإفريقية؟ * بعد فترة دراستي في باريس عملت كصحفية لفترة ثم قررت العودة إلي بلدي الكونغو لأنني كنت دائما أتذكر مقولة أبي بأنه لابد أن نعود إلي وطننا وكان عندي دائما إحساس وشعور قوي بأنه سيأتي هذا اليوم وعملت لفترة في الصحافة ثم أصبحت نائبة لوزير الإعلام ثم توليت منصب وزير الثقافة والإعلام ثم وزير الثقافة بعدما انفصلت الوزارتان وبعد ذلك عملت بالقطاع الخاص في مجال الدعاية والإعلان وكنت أتولي الدعاية للحملات الانتخابية ولي شبكة من العلاقات القوية, وصلة وطيدة كذلك بالحكومة. وتم ترشيحي بناء علي ذلك لخوض الانتخابات علي منصب الأمين العام لاتحاد الغرف ووقع علي الاختيار من بين ثلاثة أشخاص. * وأين تعيشين بما أنه لا يوجد مقر للغرف التجارية الإفريقية حتي الآن؟ للأسف لا يوجد مقر, لكن من المنتظر أن تبني مصر بالإسكندرية مقرا هناك باعتبارها الدولة المضيفة, لكنني أزاول نشاطاتي من خلال الجمعية الإفريقية بالزمالك التي تربيت وقضيت فيها فترة طفولتي, وأعيش حاليا في الزمالك مع ماما زيزي حيث رفضت تماما أن أستأجر منزلا أو أعيش بعيدا عن بيتنا وقالت لي: ما عندناش بنات تبات بره. * وما هي طموحاتك لإفريقيا ولمصر بصفة خاصة؟ * مصر أعطتني الكثير وأريد أن أرد لها ولو جزءا بسيطا من فضلها علي, فهذا البلد قدم لنا الكثير ولولا ما قامت به مصر لما بقينا علي قيد الحياة, فمصر هي التي أنقذتني وأسرتي من الموت, أما من الناحية العملية فأعتقد أن إفريقيا بها كوادر وثروة بشرية هائلة لو استغلت بالطريقة الصحيحة فسنصبح من أكثر الشعوب تقدما ورخاء وعلينا العمل معا من أجل هذا الهدف لتحقيق التكامل الاقتصادي والتنمية المستديمة. أعتقد أننا يمكننا عمل الكثير, وأنا متفائلة ولدي أفكار كثيرة وإصرار علي تحقيقها وبنجاح.