نقلاعن :الأهرام9/9/07 ربما لا يعرف الكثيرون أن القدماء المصريين هم أول من اكتشفوا الصفات العلاجية للأعشاب الطبية, وبفضلهم نشأت صناعة العقاقير النباتية, وأن الإله تحوت هو مؤلف التركيبات التي مكنت الأطباء البشريين من علاج الأمراض فضلا عن كونه صاحب أهم ستة مؤلفات قديمة في الصيدلة والتشريح وعلوم الأمراض كما أنه أحد العشابين العظام. ويذهب بعض المؤرخين إلي أن كلمة صيدلة في اللغات اليونانية والأوروبية مشتقة أصلا من الكلمة المصرية فارماكي وقد وجدت علي لوحة مصرية قديمة وتعني الذي يعطي الأمان.. مهنة وصناعة الصيدلة والدواء تملك هذا التاريخ, وتعيش الآن حالة من الصراع والأزمات المتكررة فهذا يعني أن هناك شيئا خاطئا.. أسرار وكواليس معارك الدواء وما يتردد بخصوص مساندة الشركات الأجنبية من جانب وزارة الصحة علي حساب الشركات الوطنية وتفاصيل أخري تكشفها السطور المقبلة: قبل الدخول في تفاصيل الأزمة الحالية نشير إلي بعض الأرقام المهمة والتي تنشر لأول مرة, فحسب الإحصاءات الرسمية بقطاع الصيدلة والسياسات بوزارة الصحة بلغ حجم سوق الدواء المصرية خلال الاثني عشر شهرا الماضية10,2 مليار جنيه بعد أن كان في العام السابق8,2 مليار جنيه وهذا يعني أن حجم النمو في هذه الصناعة يتزايد بشكل كبير جدا, والأهم من ذلك أن أكبر عشر شركات في مصر الآن تستحوذ الشركات الأجنبية منها علي63% وهي شركات متعددة الجنسيات وتأتي أول شركة مصرية في ترتيب سوق الدواء في المركز الرابع... الأمر الآخر أن مصر يعمل بها الآن72 مصنعا للدواء فضلا عن حوالي30 شركة أخري لها مكاتب علمية أو تقوم بالتصنيع لدي الغير.. صناعة بهذا الحجم تلتهم أكثر من عشرات المليارات من الجنيهات سنويا من جيوب المصريين تستحق أن نعرف ما يدور في كواليسها ونتساءل لماذا لا تهدأ المشاكل في أوساط الدواء ولماذا يفتح الصيادلة نيرانهم علي وزارة الصحة ويصل الأمر إلي حد الاتهام بالتواطؤ لصالح المنتج الأجنبي علي حساب المنتج الوطني. البديل مصادر مسئولة كشفت لالأهرام تفاصيل الأزمة التي تفجرت عقب بدء هيئة التأمين الصحي في وقف صرف حوالي23 صنف دواء من الأدوية غالية الثمن التي تستخدم في علاج الأمراض المزمنة وهذه الأدوية كانت تصرف في أوقات سابقة لبعض الجهات والهيئات المختلفة وعندما يذهب المريض البسيط المشترك في التأمين الصحي لكي يطلب هذا الدواء لا يأخذ إلا البديل المصري رخيص الثمن ويظن هذا المريض أن هذا الدواء غير فعال لأنه علم بأن الذين علي رأسهم ريشة أخذوا الدواء المستورد ومن هنا بدأت تتزايد المشاكل وعندما حاولت هيئة التأمين الصحي التفكير في ايجاد حل للأزمة كان الحل كاشفا لأزمة أخري فقد أصدرت الهيئة قرارا بوقف صرف الأدوية للجميع وقامت بعمل اتفاقات خاصة مع الشركات العالمية المنتجة لهذه الأدوية تقضي بتقديم هذه الأدوية إلي التأمين الصحي بنسبة خصم تقل عن50% بعد تخفيض عمولة الصيدلي الموزع فمثلا هناك نوع من الأدوية يعالج مرضي القلب والشرايين يباع في الصيدليات بحوالي340 جنيها وتم الاتفاق علي صرفه من خلال التأمين الصحي بمبلغ150 جنيها والمدهش أن الشركة الأجنبية وافقت علي تقديم هذه النسبة العالية من الخصم وهناك شركات أخري أبدت استعدادها لتقديم خصومات مماثلة.. وتم الاتفاق علي أن يجري تطبيق هذا النظام من خلال بعض الصيدليات المتعاونة مع التأمين الصحي, ورغم أن نيات المسئولين بوزارة الصحة كانت حسنة في البحث عن بديل قليل الثمن لأن المواطن هو الذي يتحمل سعر هذا الدواء أو فارق السعر بين المصري والأجنبي بمعني لو أن الدواء المصري ثمنه خمسون جنيها فسوف يدفع فارق سعر نظيره الأجنبي ويحصل عليه أو يرضي بالدواء المحلي وتنتهي المشكلة. ما سبق كان ظاهره الرحمة وباطنه العذاب فقد كشف عن امكانية تخفيض أسعار مثل هذه الأدوية باهظة الثمن إلي أقل من النصف وبالتالي فهذا يعني أن هذه الشركات الأجنبية تكسب أكثر من50% من سعر بيع الدواء للمواطن المصري وترتب علي ذلك أن طالبت نقابة الصيادلة علي حسب قول محمود عبد المقصود الأمين العام بإعادة النظر في سياسة تسعير وتسجيل الأدوية وأنه إذا لم تلتزم الشركات بمنح تخفيض علي بعض الأصناف الدوائية الغالية لصالح المواطن المصري أسوة بالتأمين الصحي فهذا يعني الكيل بمكيالين وأكد عبد المقصود أن هذه الشركات لا يمكن أن تقدم نسبة خصم لأي جهة في العالم إلا من هامش الربح وليس من خلال تكلفة الإنتاج وإلا فسوف تقوم بتحقيق خسارة وهذا غير مقبول في قاموس الشركات العالمية. الدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة وجد نفسه في أزمة بعد أن وافق مبدئيا علي هذا القرار لكي يخفف علي المواطن المصري ولذلك فقد قرر وقف تنفيذ الفكرة وكأنها لم تكن من الأساس وطالب علي حسب قوله نقابة الصيادلة بتقديم مقترحاتها للوزارة ولهيئة التأمين الصحي وذلك للتنسيق والتعاون وأضاف الجبلي.. انني متحيز جدا للدواء المصري وللصناعة الوطنية, وأنا شخصيا أستعمل الدواء المصري وليس الأجنبي وقد طلبت من إدارة الصيدلة عينات أدوية محلية عشوائية منذ عدة أشهر وقمت بإرسال حوالي20 صنفا من الدواء المصري إلي أحد المعامل المرجعية في بريطانيا وجاءت النتائج بعد فترة بأن19 صنفا مطابقة للدواء العالمي بنسبة100% ووجد أن هناك صنفا واحدا مطابقا بنسبة أقل من100% وربما يرجع ذلك لسوء التخزين وهذا يعني أن صناعة الدواء المصرية جيدة جدا ومتقدمة جدا وتحتاج إلي مساندة دولية, ومحلية لكي تتمكن من أخذ مكانها الحقيقي بين الشركات العالمية حتي يمكننا تحقيق هدفنا بالوصول إلي رقم المليار من وراء التصدير.. ولذلك والكلام لوزير الصحة يجب أن نفرق بين الصناعة الوطنية وبعض المشكلات التي تواجهنا بين الحين والآخر. التسعير وفي محاولة لكشف شق آخر من أبعاد الأزمة يقول محمود عبدالمقصود: الوزارة يجب أن تمارس سلطتها الحقيقية في قضية تسعير الدواء ويجب أن تكون هناك معطيات أخري لأنه من حق لجان التسعير أن تطالب بإعادة تسعير الدواء وتخفيض ثمنه طالما أن هناك رغبة من الشركات في تقديم هذه النسب العالية من الخصومات ولذلك تجب اعادة النظر في جميع الأسعار للأدوية غالية الثمن خاصة التي يوجد لها بديل مصري جيد, الأمر الآخر أنه يجب عدم التساهل مع الشركات في تسجيل الدواء وأن تقدم جميع العينات من الأول, أما الزعم بأن هذه الشركات توفر فرص عمل وتدخل رأس مال أجنبي فهذا غير مؤكد دائما لأن هذه الشركة تعمل في مصر لكي تحصد ملايين الدولارات وبالتالي فمن حق المواطن المصري أن يحصل علي الدواء بسعر مناسب وهنا أضرب لك مثالا بإحدي الشركات الأجنبية التي قامت بشراء أحد المصانع المصرية بقرض من بنك مصري وبدأت سداد القرض من أرباح المساهمين... الأمر الآخر أن وزارة الصحة وافقت علي اعادة تسجيل بعض الأدوية المصنعة في الخارج ومنها حبوب لعلاج الحساسية, أيضا تحديد أزمنة للتسجيل ليس منطقيا, لأن التسجيل في العالم كله يجري بعد استكمال التحاليل والأوراق المطلوبة ولا يتم من خلال قرار وزاري يخدم مصالح الدواء الأجنبي وليس المحلي. قواعد مشددة كلام أمين عام نقابة الصيادلة دفعنا لسؤال الدكتور أحمد الحكيم الخبير الدوائي والمسئول بإحدي الشركات العالمية حول هذه التسهيلات التي يحصلون عليها فقال الحكيم: هناك بعض الأدوية مسجلة عالميا وسبق اعتمادها من منظمة الغذاء والدواء العالمية وهي أعلي هيئة عالمية في الجودة والاعتماد وبالتالي فانت تقوم بتصنيع الدواء الأصلي وبنفس الاسم ولذلك فأنت لست بحاجة إلي عمل ما يسمي بالاتاحة الحيوية وهذا الأمر متبع في معظم دول العالم وعندما يجري ترديده فهذا يعني الخلط بين هذه الصناعة والمشاكل المهنية والخلافية الخاصة, أيضا فيما يخص قواعد اعتماد وتسجيل الدواء فهناك قواعد مشددة وملف ضخم يتم تقديمه يشمل مثلا بيان تركيب الدواء وشهادة تحليل لكل المواد الفعالة والمستحضر في شكله الصيدلي, مواصفات المواد الداخلة في التركيب وشهادة أصل وتداول موثقة من وزارة الصحة ببلد المنشأ وشهادة أخري من السفارة المصرية بهذا البلد وكذلك الاسم التجاري والعلمي وأسم المصنع وما يفيد خضوعه لقواعد ممارسة التصنيع الجيد وهكذا هناك إجراءات كثيرة وبعد الموافقة تقوم وزارة الصحة المصرية بعدم منح رقم التسجيل لأي دواء الا بعد إتمام ثلاث تشغيلات خلال تسعة أشهر ويتم أخذ عينات عشوائية من هذه التشغيلات بمعرفة التفتيش الصيدلي ثم يعاد إرسالها إلي هيئة الرقابة الدوائية لتبدأ مرحلة أخري من الإجراءات والتحاليل والدراسات والأبحاث.. وبالتالي فالكلام عن منح الشركات الأجنبية تسهيلات فهذا كلام غير منطقي وحق يراد به باطل.. * سألته.. لكنكم تبالغون في التسعير والدليل علي ذلك نسب التخفيض العالية التي تمنحها الشركات الأجنبية؟! ** معروف في العالم كله أن المستحضر الأصلي يتم تسعيره بمبالغ أعلي من المستحضر الجنيس أو المثيل وذلك لأن الشركات العالمية تنفق مليارات الدولارات علي الأبحاث العلمية وعندما تتوصل إلي دواء معين ويحصل علي براءة اختراع ويتم تصنيعه وانتاجه يوضع كل ذلك في الحسبان, الأمر الآخر أن لجان التسعير تابعة لوزارة الصحة وهي المسئولة عن رفض وقبول ما يعرض عليها ولولا أن هناك احتياجا لهذا الدواء ما تم تسعيره, يضاف الي ذلك أنه ليس معني أن شركة تقدم خصومات عالية أن هذا الدواء يحقق مكسبا عاليا فمن الممكن أن يمنح الخصم في اطار المناقصات وبجانب أدوية أخري تكون فيها نسبة الربح عالية. وفي هذا الشأن يقول الدكتور عبدالرحمن شاهين المستشار الإعلامي والمتحدث الرسمي لوزارة الصحة والسكان إن وزارة الصحة لم تصدر أي ضوابط جديدة لتسعير الدواء وأن ضوابط التسعير معمول بها منذ عام1991 حيث يتم حساب التكلفة المباشرة للخامات ومواد التعبئة والتغليف وكذلك التكلفة غير المباشرة مثل المصروفات الادارية والتسويق والأبحاث ويأتي بعد ذلك هامش الربح والمحدد منذ عام1991 ب15% للشركة الأساسية و25 للشركات الأخري ثم يحدد سعر البيع للجمهور وفقا لكل ما سبق ويضاف عليه25% كربح للصيدلي علي حسب القانون ومن الممكن اعادة النظر في ضوء المتغيرات الاقتصادية في سعر الدواء كل سنتين.. وكل ذلك يتم من خلال قواعد منظمة وأوراق رسمية فمثلا أسعار الخامات والمادة الفعالة ويتم تقديم مستندات رسمية. ويرجع الدكتور محمد عبدالحميد اسماعيل عميد صيدلة عين شمس أسباب الأزمة الي وجود أزمات عالمية في سوق الخامات الدوائية وذلك بعد غلق وتوقف انتاج بعض المصانع الصينية للمواد الخام التي كانت تباع بسعر رخيص وذلك لعدم توافر المتطلبات العالمية للجودة بهذه المصانع وبالتالي لجأت شركات الأدوية إلي السوق الأوروبية. الشيء الآخر الذي يؤدي إلي تفاوت في أسعار الدواء هو إنتاج الدواء الواحد بالعديد من الأسماء المختلفة وكذلك بأسعار مختلفة وهذا ما يسمونه بالدواء المثيل وهناك المثيل الأول والثاني والثالث والخامس وغير ذلك لدرجة أن هناك دواء يتم إنتاجه في16 شركة مصرية وبأسعار مختلفة. الصناعة المصرية ومن جانبه لا يري الدكتور مكرم مهني نائب رئيس غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات المصرية ورئيس إحدي الشركات المصرية أي قرارات تخدم الشركات الأجنبية مؤكدا أن ما حدث سواء فيما يخص التسجيل أو التفتيش الصيدلي يخدم في المقام الأول صناعة الدواء المصرية مطالبا بعدم استخدام لغة التفريق فهذا مصري وهذا أجنبي.. نحن لدينا صناعة علي أرض هذا البلد ولذلك فأي إنتاج يصدر عنها يعود بالفائدة علي هذا الوطن أما كون البعض يتحدث حول أمور معينة تتعلق بضوابط الانتاج والتسعير والرقابة وغير ذلك فهذا حق للجميع بشرط عدم تمزيق اسم هذه الصناعة فمثلا الكلام حول نظام فتح البوكسات ويعني السماح لأي شركة بانتاج وتسجيل أي دواء مثيل طالما أنه سقط في الملك العام فهذا يعني إلغاء سياسة الاحتكار وهذا ما فعلته وزارة الصحة اخيرا بعد أن طالبت شركات عديدة, مع العلم بأن العالم كله لا يعمل الان بنظام البوكسات بل إن المسألة متروكة للجودة والسعر ولذلك فنحن في مصر يصل حجم الدواء المثيل الي70% وهذا يؤكد أننا بخير وأن هذه الصناعة جيدة وهذا لا يعني اننا بحاجة الي إعادة النظر في القطاع الدوائي بالكامل بدون تفرقة وبدون الكلام بطريقة محلي وأجنبي لأن هناك شركات أجنبية تعتمد عليها السوق الدوائية المصرية بنسبة عالية جدا وأنا أقول هذا الكلام وأنا رجل صناعة ومسئول عن شركة مصرية. أخيرا.. هل تهدأ معارك الدواء وهل تتوقف أزمات الصيادلة ووزارة الصحة؟ وهل تنهض صناعة الدواء المصرية لكي تأخذ لنفسها المكان اللائق بما حققه القدماء المصريون؟