ما أن انجلى غبار المعركة الانتخابية الطاحنة في المتن الشمالي من جبل لبنان، حتى عادت إلى الواجهة السجالات على موقع الرئاسة الأولى في البلاد، وسط سجالات متجددة حول الشخصية التي يمكن أن تخلف الرئيس إميل لحود الذي تنتهي ولايته في أكتوبر المقبل.. وسط أنباء عن استعداد رئيس المجلس النيابي نبيه برى لإطلاق مبادرة تصالحية بين المعارضة والموالاة. وفيما جيّرت الحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة لمصلحة شرعيتها ودستوريتها هذه الإنتخابات النيابية الفرعية التي حقق فيها مرشح تيار المستقبل محمد الأمين عيتاني نصراً سهلاً على مقعد كان شغر باغتيال النائب وليد عيدو، كما انتصر فيها بفارق ضئيل عضو التيار الوطني الحر كميل خوري الذي رشحه رئيس تكتل الإصلاح والتغيير العماد ميشال عون والمعارضة في وجه مرشح قوى 14 آذار الرئيس الأسبق أمين الجميل على مقعد شغر أيضاً باغتيال نجل الأخير الوزير والنائب بيار الجميل. بل أن المعركة الإنتخابية التي فاز فيها مرشح المعارضة كميل الخوري على الرئيس الأسبق أمين الجميل، لم تكن إلا واحدة من أبرز مقدمات ما يمكن أن يسمى «أم المعارك» على موقع رئاسة الجمهورية. ولم يعرف بعد كيف سيتعامل رئيسا الجمهورية ومجلس النواب مع النائبين الجديدين، إذ أنهما انتخبا بمرسوم من حكومة يقولان أنها غير دستورية وغير شرعية، فضلاً عن أن الإنتخاب الفرعي أجري من دون الحصول على توقيع رئيس الجمهورية على المرسوم. يذكر أن الرئيس اللبناني يجب أن يكون مارونياً وينتخبه النواب بوجب الدستور. وأظهرت الإنتخابات أن التباعد بين القوى السياسية لا يزال يتفاعل، على قاعدة الانقسام السياسي الذي أفرز البلاد إلى اتجاهين، فمن ضمن مفاعيل زلزال اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، حيث ذهب كل طرف يجري قراءته السياسية لما جرى لتوظيفها أو تثميرها في اتجاهه السياسي، بينما برز سؤال حول كيف سيتصرف رئيس مجلس النواب نبيه بري إزاء نتائج هذه الانتخابات الفرعية، بعدما تبلغها أمس رسمياً، فهل يقبل نيابة النائب عيتاني وخوري، وبالتالي يعترف بشرعية مرسوم دعوة الهيئات الناخبة الصادر عن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي يعتبرها غير شرعية وغير دستورية، أم يرفضها مخالفاً الدستور الذي ينص في مقدمته على أن «الشعب هو مصدر السلطات ولا شرعية تعلو على شرعيته». ومع تراجع المبادرات العربية والدولية واقتراب موعد دخول البلاد في المهلة الدستورية لانتخابات رئاسة الجمهورية في 23 الشهر المقبل، فإن الأنظار تتجه إلى انطلاق بري في تحرك مبادرة ابتداء من 20 الجاري يركز فيه على تأمين تفاهمات بين الموالاة والمعارضة على تمرير الاستحقاقات المقبلة في أجواء وفاقية، مستعيناً ببعض الدعم العربي. وفور انتهاء معركة المتن، وفي ظل الصمت الذي اعتصم به البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير، برزت دعوات مسيحية إلى إجراء مصالحة على أساس «ثوابت بكركي»، تباينت القراءات السياسية لها بين قوى الموالاة والمعارضة التي تستحكم الخلافات بينها منذ أكثر من سنة. ورأت «قوى 14 آذار» أن «أسطورة التمثيل العوني الحصري للمسيحيين» انتهت، بما يعطيها الأرجحية الحاسمة في اختيار رئيس الجمهورية من صفوفها، وخصوصاً بعدما اعتبر الجميّل نفسه الممثل الحقيقي للموارنة، وأعلن رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط أن رئيس الجمهورية المقبل سيكون من قوى 14 آذار. كما بادر رئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري إلى التأكيد أن قوى 14 آذار ستستمر في مواجهة التحديات مهما كانت التضحيات، وحرص الرئيس الأعلى لحزب الكتائب الرئيس أمين الجميل إلى تظهير «انتصاره السياسي» على «الفوز الحسابي» الذي حققه العماد ميشال عون في صناديق الاقتراع، وركز رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع على أن عون فقد ما كان يدعيه بقوة الزعامة المسيحية وأصبح بالتالي بعيداً عن رئاسة الجمهورية، معتبراً أن نسبة تمثيل عون وحلفائه مسيحياً هي 50 في المئة، ومسيحيو قوى 14 آذار يمثلون 50 في المئة أيضاً، وداعياً إلى ضم «الخمسينتين» معاً للتوافق على مرشح واحد للرئاسة. ووصفت مصادر قريبة من عون أن المرحلة المقبلة قد تشهد «دينامية معينة من أجل التوصل إلى تسوية ما بعدما أخفقت محاولات عزل عون وغيره». ورأت أنه لم يبق أمامهم إلا التسوية، عبر التوافق على رئيس للجمهورية أو على حكومة إنقاذ وطني تضمن الحد الأدنى من استمرارية المؤسسات ريثما يتم الاتفاق على الرئيس العتيد، وإلا فإن البلد ذاهب إلى الفراغ. ورأى عضو كتلة الوفاء للمقاومة الوزير المستقيل محمد فنيش أن المتن انتخب بغالبية لمصلحة خط المعارضة، معتبراً أن عون «لا يزال يحظى بالغالبية المسيحية ولا يزال المرجعية المسيحية الأولى في لبنان». ولفت إلى أنه في حال استخدمت هذه المنطلقات في معركة انتخابات الرئاسة، ليس للعماد عون منافس.