تأتي زيارة الرئيس الأمريكي جورج بوش, الي منطقة الشرق الأوسط, في وقت تشتعل فيه المنطقة بأسرها نظرا لما تمر به من خلافات وصراعات بين العديد من الأطراف وعلي رأسها القضية الفلسطينية. ومجهودات الرئيس الأمريكي من أجل إيجاد حل لهذه القضية, قبل نهاية ولايته, هذا بجانب الملف اللبناني, والخلاف الداخلي علي الاستحقاق الرئاسي, مرورا بما يحدث في العراق يوميا, وعدم الاستقرار الواضح بها, وحمامات الدم التي تسيل بها يوميا, ونهاية بالملف النووي الإيراني, وما يمثله ذلك من أرق واضح, وصداع في رأس القيادة الأمريكية. كما أن هذه الزيارة تشمل دول مجلس التعاون الخليجي بالكامل, وهي المرة الأولي منذ إنشاء دول الخليج التي يقوم رئيس أمريكي بزيارتها, فالغالب أن الزيارات السابقة كانت تتم لدولة واحدة فقط كلما دعت الضرورة لذلك, وفي الغالب تكون المملكة العربية السعودية, لما تمثله تلك الدولة من ثقل سياسي واقتصادي وعسكري في منطقة الشرق الأوسط, ومنطقة الخليج العربي بصفة خاصة. الملف النووي الإيراني : وعندما ننظر الي جولة بوش الشرق أوسطية, نجد أن أغلب الدول التي ستشملها الجولة, هي دول الخليج, التي تقع قبالة إيران عبر الخليج, وهذه الدول تأمل, وباعتبارها دول جوار لإيران في مواصلة وتعزيز التعاون الإقليمي, والتبادلات التجارية في شتي المجالات, بينما يساورها في الوقت نفسه, قلق متزايد إزاء تصاعد النفوذ الإيراني, حيث يشير المحللون الي أن زيارة بوش لهذه الدول تستهدف توثيق العلاقات بين هذه الدول, واحتواء قوة تأثير إيران في المنطقة. واذا نظرنا الي الفترة الأخيرة فسنجد أن الحكومة الأمريكية كثفت من حملتها الإعلامية ضد إيران, ووصفت الأعمال التي تقوم بها إيران, من تطوير للصواريخ وتمسكها بتخصيب اليورانيوم, برغم معارضة المجتمع الدولي الشديد, بأنها تشكل تهديدا خطيرا لأمن منطقة الشرق الأوسط, وتعمل إدارة الرئيس بوش في الوقت نفسه علي اقناع المجتمع الدولي بتغليط العقوبات ضد إيران. حملة إعلامية مسبقة: وأكد الرئيس الأمريكي بوش في مقابلة مع وسائل الإعلام قبل الجولة أنه سيطرح في الشرق الأوسط تعهدا بضمان الأمن لحلفاء الولاياتالمتحدةالأمريكية, وسيضع خطة أمنية تهدف الي احتواء التهديد العسكري الإيراني, عن طريق التعاون مع الدول المعنية, وبالفعل قد ظهر ذلك من قبل من خلال صفقات الأسلحة الضخمة التي تمت بين دول مجلس التعاون الخليجي والولاياتالمتحدةالأمريكية خلال العام الماضي. وتشير معظم التحليلات الي أنه في حالة فشل محاولات إدارة بوش في فرض العقوبات علي إيران للمرة الثالثة, في إطار الأممالمتحدة, ستحاول حكومة بوش, فرض تأثير سياسي جديد علي الدول, التي تتمتع بنفوذ كبير في منطقة الشرق الأوسط عامة, والدول المجاورة لإيران خاصة, من خلال القيام بزيارات لهذه الدول, حتي تحقق أهدافها المتمثلة في مواصلة تقوية سياسة العزلة, والعقوبات علي إيران خلال السنة الأخيرة من ولاية بوش. الموقف الخليجي: وعلي الجانب الآخر, يجب أن يتم رصد علاقات دول مجلس التعاون الخليجي, مع الجمهورية الإيرانية, فعلي الرغم من مراهنة الرئيس الأمريكي وادارته علي موقف خليجي موحد ضد إيران فإننا سنجد أن علاقة دول المجلس مع إيران, تصل الي المستوي النموذجي, علي الرغم من احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث وأطماعها التوسعية في الخليج والتي تطلق عليه الخليج الفارسي, ولا تتنازل عن هذا الاسم. سنجد أن إيران تقيم علاقات مميزة ومتوازنة خاصة مع المملكة العربية السعودية وهناك تجارة متبادلة بين البلدين واتفاقيات عديدة بين الطرفين وقام الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بعدة زيارات الي الرياض وأجري مباحثات مهمة مع خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي قدم له دعوة لأداء مناسك الحج والتي لباها نجاد علي الفور. ونظرا للعلاقات المميزة بين البلدين, فقد رفضت الحكومة السعودية من قبل تنفيذ أي عمل عسكري ضد إيران, وطالبت كثيرا بأن يتم حل قضية الملف النووي الإيراني بالطريق السلمية, مع دعمها لإيران بامتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية. مواقف واحدة: لا يقف الأمر عند المملكة العربية السعودية فقط, بما تمثله من ثقل في المنطقة, ولكن هذا الرأي توصلت إليه أغلب دول مجلس التعاون, فدولة الإمارات العربية المتحدة, برغم احتلال إيران لجزرها الثلاث, إلا أنها تؤكد دائما أنها ترفض توجيه أي عمليات عسكرية ضد إيران بأي حال من الأحوال, كما أنها أكدت أنها ترفض استخدام أراضيها لتوجيه ضربات عسكرية لإيران, أما دولة قطر والتي تعد الحليف الأول للولايات المتحدة, وتعتبر أكبر مخزن للسلاح الأمريكي خارج الولاياتالمتحدة, فهي الأخري ترفض أي اتجاه للعمل العسكري, وأكبر دليل علي ذلك دعوتها للرئيس الإيراني أحمدي نجاد لحضور القمة الخليجية الشهر الماضي, والتي أقيمت في الدوحة وإلقائه كلمة خلال القمة, وهو الأمر الذي لم يحدث من قبل. إذن فالمتتبع للوضع في منطقة الخليج العربي عليه أن يتأكد أنه برغم الزيارة التي تعد تاريخية للرئيس الأمريكي بوش للخليج, فإن دول المجلس مجتمعة لن تتخذ أي موقف عدائي ضد الشريك الرئيسي في الخليج العربي وهو إيران علي الرغم من المخاوف التي تضعها الولاياتالمتحدة أمام هذه الدول من إيران, وآخرها العملية التي أطلق عليها الاستفزازية في مضيق هرمز من البحرية الإيرانية, ضد سفن عسكرية أمريكية والتي تحمل في طياتها تهديدا من أن إيران ترغب في السيطرة علي هذا المضيق والذي يعد المتنفس الوحيد لدول الخليج وتمر منه أكثر من ثلث بترول العالم, كل ذلك لن يفقد ثقة دول الخليج في إيران. إذن فمن الواضح أن زيارة بوش لدول الخليج يأتي علي رأس مباحثاتها مع القادة الملف النووي الإيراني, ومحاولة الولاياتالمتحدة الضغط علي دول الخليج من أجل عزل إيران حتي تتراجع عن ملفها النووي, وهو الأمر الذي سيكون في الغالب ليس في مصلحة الولاياتالمتحدة في الوقت الحالي.