تمر المنطقة العربية في الوقت الراهن بأزمة غير مسبوقة تتمثل في النزاعات المسلحة وما يترتب عليها من موجات لجوء ونزوح واسعة النطاق. ولا شك أن مواجهة هذه الأزمة تتطلب تدخلات إنسانية وتنموية تتناسب وحجم التحديات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأمنية التي يفرضها واقع اللجوء على الإقليم ككل. وفي القلب منالأزمة تكمن المعاناة الإنسانية لملايين اللاجئين والنازحين الذين اضطروا لمغادرة ديارهم وأوطانهم تمسكًا بأمل الحياة بعيدًا عن مناطق الصراع. وفي إطار الصورة المؤلمة لمشكلات اللاجئين بوجه عام ، تبرز المعاناة الإضافية للاجئات والنازحات من النساء والفتيات. لقد أثبتت الخبرة أن أوضاع المرأة خلال فترات الحروب والنزاعات تتأثر بأوضاعها خلال السلم. وتؤدي سياقات النزاع واللجوء إلى تعميق بنية عدم المساواة فتصبح المرأة أكثر هشاشة، وأكثر عرضة للعنف والاستغلال والتمييز، هذا في الوقت الذي تزيد فيه أعبائها إذ كثيرا ما تكون العائل الوحيد ، وتضطر لبذل جهود أكبر من أجل توفير الحماية وأسباب المعيشة لأفرادالأسرة. وسعيًا لإلقاء مزيد من الضوء على أزمة اللجوء والنزوح في المنطقة العربية بأبعادها المختلفة، مع التركيز بصفة خاصة على أوضاع النساء والفتيات؛ عقدت منظمةالمرأة العربية، تحت رعاية رئاسة الوزراء بجمهورية مصر العربية، وبالتعاون مع جامعة الدول العربية والمفوضية العليا لشئون اللاجئين وهيئة الأممالمتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، مؤتمر "قضايا اللاجئات والنازحات في المنطقة العربية : الواقع والمستقبل" ، وذلك على مدار ثلاثة أيام في الفترة من 3 إلى 5 مايو 2016 . ولقد بدأت الجلسة الافتتاحية بعرض فيلم وثائقي عن واقع اللاجئات، تلته رسالة متلفزة من الدكتور فاروق الباز وصف ما يحدث في بعض مناطق العالم العربي بالمأساوي وخاصة النساء والأطفال ،وثمن جهود منظمة المرأة العربية من خلال التعريف بواقع قضايا اللجوء بشكل عام وواقع المرأة اللاجئة بشكل خاص والأعباءالمكثفة التي تتحملها ، وأبدى استعداده الدائم للمساعدة في هذا الاطار. ثم ألقت السفيرة مرفت تلاوي الامين العام للمنظمة كلمة رحبت فيها بالحضور وأشارت الى أهمية المؤتمر الذي يطرح قضية بالغة الحساسية والأهمية، هي أزمة اللجوء والنزوح التي تمثل أكبر مأساة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، ولفتت الى المستجدات الدرامية والدموية في حلب لتضيف مزيدًا من الألم إلى الصورة الكلية للنزاعات الناشبة في المنطقة العربية وتبعاتها. وأكدت على ضرورة الخروج من وصف الأزمة وبشاعتها إلى مرحلة إيجاد حلول ملموسة تخلق واقعا جديدا على الأرض. وفي سياق متصل تطرق الدكتور نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية الى أن الهدف من المؤتمر هو تسليط الضوء على عمق المأساة الانسانية غير المسبوقة في الوطن العربي وأن النزاعات المسلحة أصبحت تشكل السبب الرئيسي لمآسي الانسان أكثر من قساوة بعض العوامل البيئية ، وان العالم بحاجة الى عشرين ملياردولار لإنقاد حوالي 750 مليون شخص في 37 دولة ،ويجب على مجلس الأمن اتخاذ قرار ملزم بوقف إطلاق النار في سوريا ،وكل مناطق النزاع . وتحدث محمد الناصري مدير المكتب الإقليمي لهيئة الأممالمتحدة للمرأة الى تزايد نسبة الأسر السورية اللاجئة التي تعولها إمرأة في الدول العربية والتيحددتها آخر الإحصائيات بنحو الربع من جميع الأسر السورية بالأردن ولبنان ومصر ، وأشار الى تزايد العنف الأسري والعنف الجنسي والاضطراد المفزع في نسبةزواج القاصرات في مجتمع اللاجئين . وفي ختام أعمال المؤتمر، اتفق المشاركون على إن مأساة اللجوء الراهنة في المنطقة العربية هي أكبر مأساة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية ، وعلى أن تعدُد الأطراف المتنازعة في الصراعات الناشبة في المنطقة، يجعل من الصعب على المدنيين حماية أنفسهم في ساحات القتال ويزيد من تعقيد الصراعات وصعوبة تسويتها. مؤكدين على ان النساء والفتيات هن أكثر المتضررين جراء النزاعات المسلحة، إذ يتعرضن للعنف القائم على النوع الاجتماعي والاستغلال والزواج المبكر فضلا عن جرائمأخرى تمارسها ضدهن الأطراف المتنازعة. ويرى المشاركون ان حرمان أي طفل، ذكر أو أنثى، من أطفال اللاجئين والنازحين من التعليم يشكل تهديدا لمستقبلهم ومستقبل أوطانهم. وان قضايا اللاجئات والنازحاتتتطلب المزيد من الاهتمام الدولي بما يتناسب وحجم الأزمة. توصيات عامة وأوصى المشاركون في المؤتمر على ضرورة الوقف الفوري للأعمال القتالية والعسكرية التي تشكل السبب الأساسي في تراكم أزمتي اللجوء والنزوح. وهو أمر يتطلب توافق سياسي اقليمي ودولي حقيقي وجاد. مع وجوب تضمين بعد النوع الاجتماعي في جميع الخطط والسياسات والبرامج العمل التي تستهدف حماية ودعم اللاجئينوالنازحين، وتصميم سياسات تتلائم مع ظروف واحتياجات ومشكلات المرأة. وشددوا على ضرورة احترام مبدأ لم شمل الأسر وحث الدول على توفير حلول ملائمة لتحقيق هذا الهدف. كما دعا المشاركون مجلس الأمن الدولي إلى أن يضمن، بكل الوسائل الممكنة، تنفيذ القرار 1325 بشأن المرأة والأمن والسلام والقرارات التالية له، بما يشمل القراراتالأخرى ذات الصلة بحماية المرأة والأطفال في النزاعات المسلحة. وطالبوا بدعم الدول العربية المضيفة للاجئين كي تستطيع الاستمرار في توفير الضيافة والمعيشة الإنسانية الكريمة لهم ، وكذا توفير الاحتياجات الاجتماعية والاقتصاديةللمجتمعات المحلية المضيفة للاجئين. وكذا حشد الدعم لتمويل الأطر الاقليمية المعنية بدعم اللاجئين. مع الحرص على تعزيز الدعم الدولي الموجه للاجئين والنازحين ،والعمل على ضمان وصول هذا الدعم لمستحقيه وفق معايير أكثر كفاءة تحد من النفقات الإدارية واللوجستية. وأكد المشاركون في توصياتهم على أهمية تبني نهج "التنمية القادرة على مواجهة الأزمة والتعافي من آثارها" في التعامل مع الأزمة، بالتركيز على الحماية والدعم ذيالطبيعة المستدامة بدلا من الاقتصار على المساعدات الإغاثية فقط ، نظرا لطول الأمد المتوقع لاستمرار أزمة اللجوء. وشدد على أهمية ضمان إشراك اللاجئات في عمليات صنع القرار الرسمية وغير الرسمية على مختلف المستويات ، بدءا من لجان إدارة المخيمات وإلى عمليات بناءوحفظ السلام. كما اصدر المؤتمر في جلسته الختامية توصيات تتعلق بترشيد الجهود العربية للاستجابة لأزمة اللاجئات والنازحات في المنطقة؛ منها تطوير قدرات منظومة العملالعربي المشترك في مجال مراقبة وقف إطلاق النار وإجراء الانتخابات وحفظ السلام. – وشددوا على أهمية تضمين الاتفاقية العربية بشأن وضع اللاجئين في العالم العربي؛ معاملة خاصة لأوضاع النساء والفتيات والأطفال. وأكدوا على أهمية تنشيط ودعم آلية الإغاثة الإنسانية بجامعة الدول العربية التي تأسست بموجب قرار القمة العربية في الكويت في مارس 2014 وإعداد طواقم إغاثةبشرية عربية للدعم العاجل في أوقات الطوارئ مع تدريب هذه الطواقم على كيفية مراعاة بعد النوع الاجتماعي في تنفيذ مهامهم. وكذا تكثيف الجهود العربية والتنسيق البيني من أجل حل المشكلات الأساسية ذات الطبيعة القانونية والادارية التي تواجه اللاجئين. وطالب المشاركون بتطوير إطار للتعاون الإقليمي فيما بين منظمة المرأة العربية وجامعة الدول العربية والمفوضية العليا لشئون اللاجئين وهيئة الأممالمتحدة للمرأةلتعزيز الاستجابة لأزمة اللجوء والنزوح في المنطقة بالتركيز على حماية وتمكين النساء والفتيات. يقوم هذا التعاون على الحوار مع الدول العربية المعنية لتعزيز الوعيبالقضية، وتطوير مصادر جديدة للتمويل، والمبادرة بمشروعات تخدم كل من اللاجئين والمجتمعات المضيفة. وأكدوا على ضرورة منح قضايا حماية اللاجئات والنازحات في المنطقة العربية أولوية على جدول أعمال جميع الاجتماعات العربية الرسمية . وناشد المشاركون صناديق التمويل العربية لدعم وتمويل احتياجات اللاجئين وتصميم برامج تمويلية قائمة على التحليل النوعي والبيانات المصنفة بحسب السن والنوع. كما أكدوا على أهمية حث مقدمي المنح والمتعاقدين مع شركاء محليين على الالتزام بتمويل منظمات المرأة، لتمكين وتوجيه التنظيمات النسائية نحو العمل في مجال الدعمالإنساني.وكذا حث وتشجيع جهود الرصد والتوثيق لأزمات اللاجئين والنازحين في المنطقة وخطط وبرامج مواجهتها من منظور يراعي النوع الاجتماعي. ومن جهة اخرى طالبت التوصيات بالعمل على حث منظمات المجتمع المدني العربية والدولية على تقديم الدعم للاجئين والنازحين في المنطقة العربية وتشجيع العملالتطوعي في هذا الميدان. ودعوة منظمات المجتمع المدني العاملة في خدمة اللاجئين والنازحين على تضمين برامجها بعد النوع الاجتماعي لمراعاة الاحتياجاتوالظروف الخاصة للنساء والفتيات وتوفير الحماية لهن وتدريب كوادرها على كيفية التعامل مع احتياجات المرأة. واكدت على ضرورة توجيه الاهتمام نحو كسر الحاجز النفسي بين اللاجيء والبلد المضيف والقضاء على شعوره بالاغتراب والهشاشة، والترويج محلياً لصورة مختلفةللاجيء لا تقدمه كعبء على البلد المضيف بل تقدمه كمورد بشري يعزز ثراء الموارد البشرية الوطنية. مؤكدا ان ذلك يأتي عن طريق حث منظمات المجتمع المدنيالعاملة في خدمة اللاجئين والنازحين على التعاون والتنسيق والتكامل فيما بينها وتوحيد جهودها في هذا الإطار. وايضاً تعزيز الشراكات الثلاثية الممكنة بين منظماتالمجتمع المدني والهيئات المعنية إقليميا ودوليا من أجل تقديم الدعم للاجئات والنازحات. كما أكدت التوصيات التي اصدرتها منظمة المرأة العربية في ختام مؤتمرها الذي ناقشت فيه قضايا اللاجئات على وجوب قيام وسائل الاعلام العربية بتوجيه اهتمام أكبرلقضايا اللجوء والنزوح والتعريف بأبعادها المختلفة بما يعكس الوزن الحقيقي والأهمية السياسية والأمنية والإنسانية لهذه القضايا. مع مراعاة طرح الجانب الإنسانيلأزمة اللجوء وتوفير منصة للاجئات والنازحات للتعبير عن مشكلاتهن ورؤاهن . واكدت على ضرورة تدريب الصحفيين والإعلاميين على كيفية مقاربة قضايا اللاجئات والنازحات ، وتطوير قدرات المؤسسات الإعلامية على اعتماد أدلة ومدوناتمهنية وسلوكية لتعزيز تغطية تلك القضايا. وحث أساتذة الجامعات والباحثين في المنطقة العربية على الإسهام في التعريف بأزمات اللجوء والنزوح عبر التصدي لها بحثياوفكريا وتشجيع شباب الباحثين على تناولها، وحث النزعة التطوعية لدى الشباب لدعم قضايا اللاجئين. وشددت على أهمية قيام وسائل الاعلام ومراكز البحث العلمي بفتح حوارات ونقاشات جادة ومعمقة حول الأبعاد المختلفة لقضايا اللجوء والنزوح واستخلاص رأيالخبراء حول الحلول الأمثل لهذه المشكلات لطرحها أمام صناع القرار. تثمين مبادرة منظمة المرأة العربية في إعداد تقرير رصد أوضاع اللاجئات والنازحات في المنطقة العربية. والتأكيد على التوصيات الواردة في التقرير فيما يتعلقبالحلول المقترحة للتعامل مع المشكلات الأساسية للاجئات وخاصة ما يتعلق بمشكلات الصحة والتعليم والسكن والغذاء والافتقار إلى المهارات وإلى العمل والدخلالمستقر. كما دعا المشاركون منظمة المرأة العربية إلى استكمال جولتها لرصد أوضاع اللاجئات والنازحات لتشمل باقي الدول العربية التي تشهد أزمات اللجوء والنزوح ، استجابةلطلب عدد من الحكومات العربية المعنية. وتكثيف دوراتها التدريبية في مجال الأمن والسلام، وتضمينها مهارات الرصد والتوثيق المراعي للنوع الاجتماعي ، وذلكلإيجاد فرق عربية مؤهلة قادرة على رصد ومتابعة أوضاع المرأة ضحية النزاعات، وكذلك رصد ومتابعة مدى مراعاة النوع الاجتماعي سواء في البرامج الموجهة لدعموحماية اللاجئين، أو في خطط بناء القدرات المدنية ما بعد النزاعات. وطالب المشاركون المنظمة بإنشاء شبكة إلكترونية باسم (شبكة منظمة المرأة العربية لدعم اللاجئات) تكون مفتوحة لراغبي التطوع من أجل دعم ومساندة اللاجئاتوالنازحات في المنطقة العربية. ويتم الاستفادة من جهود هؤلاء المتطوعين عبر التنسيق والتعاون فيما بين منظمة المرأة العربية والهيئات المعنية دوليا واقليميا ووطنيا.وكذا تحفيز جهود دعم اللاجئات والنازحات في المنطقة بما يشمل تمويل مشروعات تنموية صغيرة تستفيد منها النساء والفتيات اللاجئات في الدول المضيفة لهن فيالمنطقة العربية. واشاد المشاركون بسعي المنظمة للتعاون مع المنظمات المعنية، إقليميا ودوليا، لإطلاق مشروعات ومبادرات لدعم اللاجئين في مجال التعليم والصحة بصفة خاصة.