الإسكان: جار تنفيذ 64 برجا سكنيا بها 3068 وحدة.. و310 فيلات بتجمع صوارى في غرب كارفور بالإسكندرية    الانتفاضة الطلابية بأمريكا.. ماذا يحدث في حرم جامعة كاليفورنيا؟    دور العرض ترفع أحدث أفلام بيومي فؤاد من شاشاتها.. تعرف على السبب    بحضور السيسي.. تعرف على مكان احتفالية عيد العمال اليوم    سفير روسيا لدى واشنطن: اتهامات أمريكا لروسيا باستخدام أسلحة كيميائية في أوكرانيا بغيضة    طقس أسيوط اليوم.. جو ربيعي وانخفاض درجات الحرارة لمدة يومين    ارتفاع في أسعار الذهب بكفر الشيخ.. عيار 21 بكام؟    ماذا يستفيد جيبك ومستوى معيشتك من مبادرة «ابدأ»؟ توطين الصناعات وتخفيض فاتورة الاستيراد بالعملة الصعبة 50% وفرص عمل لملايين    قوات الجيش الإسرائيلي تقتحم مخيم عايدة في بيت لحم وقرية بدرس غربي رام الله ومخيم شعفاط في القدس    "الحرب النووية" سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة    ملخص عمليات حزب الله ضد الجيش الإسرائيلي يوم الأربعاء    إجراء عاجل من الفلبين ضد بكين بعد اشتعال التوترات في بحر الصين الجنوبي    رامي ربيعة يهنئ أحمد حسن بمناسبة عيد ميلاده| شاهد    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 2 مايو 2024    حملة علاج الادمان: 20 الف تقدموا للعلاج بعد الاعلان    بحضور السيسي، تعرف على مكان احتفالية عيد العمال اليوم    نسخة واقعية من منزل فيلم الأنيميشن UP متاحًا للإيجار (صور)    هل يستجيب الله دعاء العاصي؟ أمين الإفتاء يجيب    مشروع انتاج خبز أبيض صحي بتمويل حكومي بريطاني    تعرف على أحداث الحلقتين الرابعة والخامسة من «البيت بيتي 2»    الصحة: لم نرصد أي إصابة بجلطات من 14 مليون جرعة للقاح أسترازينيكا في مصر    الصحة: مصر أول دولة في العالم تقضي على فيروس سي.. ونفذنا 1024 مشروعا منذ 2014    ضبط عاطل وأخصائى تمريض تخصص في تقليد الأختام وتزوير التقرير الطبى بسوهاج    تشيلسي وتوتنهام اليوم فى مباراة من العيار الثقيل بالدوري الإنجليزي.. الموعد والتشكيل المتوقع    خبير تحكيمي يكشف مدى صحة ركلة جزاء الإسماعيلي أمام الأهلي    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على الإعلامية "حليمة بولند" في الكويت    تأهل الهلال والنصر يصنع حدثًا فريدًا في السوبر السعودي    الثاني خلال ساعات، زلزال جديد يضرب سعر الذهب بعد تثبيت المركزي الأمريكي للفائدة    متى تصبح العمليات العسكرية جرائم حرب؟.. خبير قانوني يجيب    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على حليمة بولند وترحيلها للسجن    «البنتاجون»: أوستن أكد لنظيره الإسرائيلي ضرورة ضمان تدفق المساعدات إلى غزة    أمطار تاريخية وسيول تضرب القصيم والأرصاد السعودية تحذر (فيديو)    تامر حسني يوجه رسالة لبسمة بوسيل بعد الإعلان عن اغنيتها الجديدة.. ماذا قال؟    وليد صلاح الدين يرشح لاعبًا مفاجأة ل الأهلي    هاجر الشرنوبي تُحيي ذكرى ميلاد والدها وتوجه له رسالة مؤثرة.. ماذا قالت؟    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في الموارد البشرية؟    لاعب الزمالك السابق: إمام عاشور يشبه حازم إمام ويستطيع أن يصبح الأفضل في إفريقيا    عاطل ينهي حياته شنقًا لمروره بأزمة نفسية في المنيرة الغربية    هذه وصفات طريقة عمل كيكة البراوني    أهمية ممارسة الرياضة في فصل الصيف وخلال الأجواء الحارة    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    كوكولا مصر ترفع أسعار شويبس في الأسواق، قائمة بالأسعار الجديدة وموعد التطبيق    بسام الشماع: لا توجد لعنة للفراعنة ولا قوى خارقة تحمي المقابر الفرعونية    الأنبا باخوم يترأس صلاة ليلة خميس العهد من البصخة المقدسه بالعبور    برج الميزان .. حظك اليوم الخميس 2 مايو 2024 : تجاهل السلبيات    الخطيب يطالب خالد بيبو بتغليظ عقوبة افشة .. فماذا حدث ؟    يوسف الحسيني : الرئيس السيسي وضع سيناء على خريطة التنمية    أخبار التوك شو|"القبائل العربية" يختار السيسي رئيسًا فخريًا للاتحاد.. مصطفى بكري للرئيس السيسي: دمت لنا قائدا جسورا مدافعا عن الوطن والأمة    حيثيات الحكم بالسجن المشدد 5 سنوات على فرد أمن شرع فى قتل مديره: اعتقد أنه سبب فى فصله من العمل    انخفاض جديد في عز.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الخميس 2 مايو بالمصانع والأسواق    بعد أيام قليلة.. موعد إجازة شم النسيم لعام 2024 وأصل الاحتفال به    مفاجأة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم في مصر بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال    بقرار جمهوري.. تعيين الدكتورة نجلاء الأشرف عميدا لكلية التربية النوعية    النيابة تستعجل تحريات واقعة إشعال شخص النيران بنفسه بسبب الميراث في الإسكندرية    أكاديمية الأزهر وكلية الدعوة بالقاهرة تخرجان دفعة جديدة من دورة "إعداد الداعية المعاصر"    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دول العالم الثالث.. أفضل من يسن القوانين وأسوأ من يلتزم بها
نشر في أخبار مصر يوم 05 - 07 - 2007


نقلا ًعن جريدة اخبار الخليج
قامت الدنيا ولم تقعد إثر ما اعتبرته أوروبا (فضيحة) كان بطلها رئيس البنك الدولي «بول ولفوفيتز« عندما رفع راتب صديقته «شاها رضا«، ووصل الأمر الى ان تصف الوزيرة الألمانية «هايدا ماريا فيستسورك« الوضع بأنه (لم يعد يُحتمل). والسؤال: كم من هذه الفضائح نسمعها في دولنا العربية يوميا من دون حتى ان نعيرها اهتماما لأنها باتت سلوكا طبيعيا وليس فضيحة تؤدي الى سقوط واستقالة مرتكبها أيا كان منصبه؟
معاملة خاصة مازالت أوساط هوليوود تتحدث عن قضية النجمة الحسناء باريس هلتون التي حكم عليها بالحبس 45 يوما بعد ضبطها ثملة في مخالفة مرورية، وبعد خروجها بأيام من الحبس ثار الرأي العام الأمريكي لما اعتبره تساهلا ومعاملة خاصة غير مقبولة مع النجوم والمشاهير، وبالفعل عادت النجمة الشقراء الى عنبر السجن بعد ان عجزت السلطات عن إقناع الرأي العام بأن سبب الإفراج عنها يعود الى حالتها الصحية. والسؤال: كم من (الهوامير) في دولنا ينطبق عليهم القانون؟ السائق.. والثري نشرت إحدى الصحف السويسرية قصة ملخصها ان أحد الأثرياء أجبر سائقه على تجاوز الإشارة الضوئية الحمراء بعد تيقنه من عدم وجود كاميرا مراقبة أو شرطي مرور، وفي اليوم التالي تأخر السائق عن عمله، وبعد انتظار طويل أحنق الثري، جاء السائق ليخبر سيده بكل ثقة انه ذهب لمركز الشرطة واعترف بالمخالفة ودفع الغرامة! وعندما سأله سيده عن السبب وخاصة ان أحدا لم يره أجاب السائق: سيدي.. ليس من الضروري ان يرانا رجل القانون، بل المهم هو ان نرى نحن جميعا القانون ونتعامل معه وكأنه يرانا! والسؤال: كم منا يحمل هذه الروح وهذا الاحترام للقانون؟ (بقي أن نشير الى ان الصحيفة السويسرية أكدت ان الثري كان عربيا يحمل الجنسية السويسرية. بين خيارين تناقلت الأوساط الإعلامية في نهاية الثمانينيات رواية عن شرطي مرور أوقف سائق سيارة خالف القانون، وعندما تمعن في وجه السائق اكتشف انه الأمير تشارلز، فبقي مبهوتا لا يدري ماذا يفعل، هل يُخالفه أم يغض الطرف عن ولي عهد المملكة المتحدة؟ وبعد تردد حسم أمره وقام بواجبه وسلم المخالفة للسائق. وعندها ابتسم تشارلز وقال له: «لو لم تفعل لشكوتك أنا لرؤسائك«. والسؤال: كم من مسئولينا يتمتع بهذه العقلية؟ وكم منهم ينسى في هذه الظروف عبارة (ألا تعرف من أنا؟)، ويضع نصب عينيه ان احترام القانون هو الأساس؟ لماذا لا نحترمه؟ نماذج طريفة تعمدت الاستشهاد بها ومقارنتها بوضعنا (المأساوي) لأصل الى سؤال مهم: لماذا لا نحترم في الدول العربية ودول العالم الثالث القانون؟ ألسنا أكثر من يتشدق بامتلاك القوانين المتطورة؟ لماذا إذًا نكون أسوأ من يلتزم بها؟ ما السبب يا ترى؟ لماذا يمتلك أغلبنا نزعة مخالفة القانون؟ لماذا يفتقد جُلّنا ذلك الاحترام المفترض للتشريعات؟ الاحترام الذي امتلكه السائق السويسري وتشبّث به رجل المرور البريطاني. لماذا نحتاج دوما الى إرهابنا بالعقوبات والروادع والسياط لتذكرنا بضرورة الالتزام بالقانون من دون ان يكون ذلك ثقافة نابعة من داخلنا؟ بل ان البعض يطالب ساخرا بقانون يلزم الالتزام بالقانون في دول العالم الثالث.
لا أزعم ان الدول المتقدمة خالية من التجاوزات، ولكن ماذا لو قارنا نسبتها عندنا وعندهم؟ ويكفي مثالا على ذلك ما أكده رئيس منظمة محاربة الفساد في الأردن السيد باسم سكجها أن حجم الفساد في العالم العربي يصل الى 300 مليار دولار سنويا. والفساد يمثل أحد وليس كل جوانب عدم احترام القانون. كل ذلك يجعلنا أمام سؤال: لماذا نفتقد الاحترام للقانون؟
لا يمكن ان يُحترم القانون بوجود متنفذين يحتقرونه
المستشار القانوني والخبير الدولي عادل الأبيوكي يجيبنا عن هذا التساؤل بمقدمة يؤكد فيها ان القانون وضع أساسا لتنظيم حياة الناس، وكان ذلك جوهر الرسالات السماوية، حيث تسعى التشريعات إلى تنظيم حياة الأفراد وعلاقتهم بالحاكم وببعضهم بعضا بغض النظر عما إذا كانت النصوص التشريعية دساتير أو قوانين أو لوائح أو حتى قرارات، وبالتالي فإن القانون وضع لخدمة الناس وليس سيفا على رقابهم. ولكن المشكلة في دولنا أنه في الوقت الذي نجد فيه أناسا يحترمون القانون ويلتزمون به، نجد آخرين يضربون به عرض الحائط، وهناك من المتنفذين من يستخدمون القانون كسيف على رقاب الآخرين. وبسؤاله عن أسباب ذلك أجاب الأبيوكي: النظم الديمقراطية فيها احترام للقانون، فهو سفير فوق العادة، وإذا قام احد المتنفذين الكبار بكسر قاعدة قانونية أو عدم احترامها لأي سبب وبأي شكل فإن ابسط عقوبة له بعد ان تظهر الفضيحة هي ان يتم إقالته، وفي دول ديمقراطية أخرى تتم محاكمته، لذا نجد أن رؤساء حكومات ومسئولين كبارا يستقيلون في دول ديمقراطية بمجرد ان يصل العلم للكافة انه ارتكب مخالفة لقانون، فتقوم الدنيا ولا تقعد، أما في دول العالم الثالث، ونحن بلا فخر منهم، فإن القانون لا يحترمه إلا الناس البسطاء لأنه ليس بيدهم حيلة، في حين ان هناك الكثير من المتنفذين - وليس بالضرورة ان يكونوا تنفيذيين - لا يحترمون القانون، وهذه سمة معظم دول العالم الثالث، لذلك نجد مقولة في كثير من دولنا العربية بأن (القانون يطبق على الفقراء فقط، وأما زيد أو عبيد فتعظيم سلام)، وبالطبع هذا الوضع يفقد القانون احترامه لدى المواطن البسيط. وهناك أسباب أخرى منها مثلا عدم احترام دول العالم الثالث لتطبيق قواعد الديمقراطية في نظام الحكم، فنجد ان طائفة من الناس تستعين بالتنفيذيين كسند لهم ضد الآخرين، فيتم البطش بهم أحيانا، ويكون الآخرون هم المغلوبين على أمرهم، أي ان النفوذ سواء المالي أو السلطوي يكون هو المعيار الأسمى في التعامل ، وهذا ما يجعل الكثير من (التنفيذيين) يحترمون رغبات (النافذين) في الدولة. وهذان السببان في رأيي أهم ما يُفقد القانون احترامه في دولنا، وما عدا ذلك من أسباب لا اعتقد ان لها محلا من الإعراب، فما لم يُحترم القانون فإننا نصبح في غابة، لذلك توصف الدولة الحديثة بدولة المؤسسات والقانون. لذلك ركزت الأمم المتحدة في أهمية ان تحارب الدول الفساد الذي من صوره عدم احترام المتنفذين والتنفيذيين للقانون، ووضعت من اجل ذلك مدونات كثيرة للسلوكيات كالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والعسكرية ومدونة لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ قوانين وغيرها. وكان الهدف من ذلك كله ان يُحترم القانون من قبل الجميع وليس من أفراد الشعب العاديين فقط، وان يكون الجميع سواسية أمام القانون، لذلك تسن بعض قوانين بعض البلدان بالمسطرة لأنها تطبق بشكل متساو وخط مستقيم على الجميع، ومن هنا أقول: ان القضاء على سلطات المتنفذين والقضاء على احتقارهم للتشريعات والقوانين وعدم مبالاتهم بها هما من أهم الأسس التي تجعل الناس تنظر للقانون باحترام لأنها حينها تشعر بأنها تعيش في دولة ديمقراطية، كما ان الأحكام العادلة التي يصدرها القضاء لإنصاف المظلومين هي معيار ودافع آخر لاحترام القانون والالتزام به، وهنا استشهد بالمقولة الشهيرة لصاحب الجلالة منذ أيام: «أرفض أي تجاوز أو ظلم يقع على مواطن أو مقيم«، فآمل من جميع التنفيذيين ان يحذوا حذوها بعد ان ضرب جلالته المثل فيها.
كيف يُحترم القانون وهو لا يُطبق بشكل عادل؟
طرحنا عليه تساؤلنا حول عدم احترام مجتمعاتنا للقانون، فأطرق استشاري تنمية الموارد البشرية عيسى سيار لحظات مفكرا قبل ان يقول مبتسما: أحد أساتذتي قال لي ذات مرة: «القانون حمار.. اللي يعرف يركبو يعدّي به«، وتابع سيار:
وقصده هنا ان القانون يضعه البشر، وبالتالي من الطبيعي ان يكون فيه مواطن ضعف وعدم وضوح،وهذه الجوانب هي ما تُستغل من قبل المسئول الذي يضع القانون أو من قبل المحامي أو غيره، لذلك نجد ان الحكام يضعون قوانين تتناسب واحتياجاتهم هم حتى لو كان ذلك من خلال السلطة التشريعية التي تعاني في دولنا المشكلة نفسها، لان أساس البرلمانات في دول العالم الثالث هي برلمانات مفصلة ومجهزة على ما تريده الأنظمة السياسية. والأمر الآخر أن مسألة احترام القانون ترتبط بجانب مهم هو الثقافة المجتمعية، فهناك متمعات ثقافتها لا تعبأ بالقوانين والنظام سواء السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي لسبب بسيط هو ان هذا النظام نفسه مُخترق من قبل جهات ومسئولين، وهنا فإن المواطن لن يحترم القانون إما لأنه غير نافذ وقوي وإما لان هناك من يخترقه من المتنفذين جهارا نهارا، وبالتالي يجب ان نسأل أنفسنا: هل ان ثقافة المجتمع تعزز الالتزام بالقانون واحترامه أم لا؟ والأمر الآخر هو انه لكي يُحترم القانون يجب ان يسري على الجميع من دون استثناء، ففي الدول المتقدمة مثلا نجد ان على كل مسئول ان يُفصح عن ممتلكاته كاملة عندما يتبوأ أي منصب، ويحاكم عندما يثبت سوء استغلال لمنصبه، وبالتالي يكون القانون نافذا على الجميع، ولا خيار أمام المتجاوز إلا الاستقالة والمتابعة القضائية، أما في دول العالم الثالث فإننا لا نحترم التشريعات ولا نعبأ بها ما استطعنا ذلك لان هناك نوعا من التطبيق غير العادل لها، وبالتالي كيف تريد ان يحترم الجميع القانون إذا كان القانون لا يطبق على الجميع؟ * ومن يتحمل مسئولية هذا الوضع في رأيك؟ **... الجميع، فإذا كان المجتمع مجتمع مؤسسات يتكون من الثالوث الذي يحمي المجتمع (الحكم والتشريع ومؤسسات المجتمع المدني) فإن جميع هذه الأطراف مسئولة عن علاج هذا الوضع، فالحكم هو جهة معنية بحماية المجتمع ككل وحماية وتطبيق الدستور، أما المؤسسات التشريعية فهي تمثل المواطن، وبالتالي تقع عليها المسئولية في التأكد من ان هذه التشريعات محترمة من قبل مؤسسة الحكم من جانب والمواطنين من جانب آخر. أما مؤسسات المجتمع المدني فهي يفترض أنها غير مسيسة، وتتمتع بالحيادية والشفافية ولا تخضع لتوجهات شخصية، وبالتالي تتحمل دورا رقابيا فيما يتعلق بسلامة تطبيق القوانين، فمثلا لو كان هناك قانون للإفصاح أو الفساد أو الذمة المالية فإن جمعية الشفافية بأي دولة معنية بالتأكد من تطبيقه على الجميع. ثم يأتي دور المواطن من خلال شعوره بروح الانتماء للوطن، فهذا الشعور يُعزز من احترام القوانين، ولكن هذا مرهون بمدى إيمانه وشعوره بأن هذه القوانين فوق الجميع ومحترمة من قبل الجميع، ومتى ما تيقن المواطن من ذلك فإنه سيحترمها بشكل طبيعي. * هل أفهم مما سبق ان أساس المشكلة هي المحسوبيات والتنفذ؟ ** المحسوبيات ليست وليدة اليوم أو مقتصرة على العالم الثالث، بل هي موجودة في كل العالم، لكن الأهم في هذا الجانب هو ماذا بعد ان يُكتشف الخلل أو التجاوز؟ هنا نجد التفاوت بين الدول، ففي كل الدول توجد قوانين، ولكن عندما يتجاوز مسئول القانون، نجد ان القانون في بعض المجتمعات يقف له بالمرصاد مهما كانت صفة المسئول، وفي كثير من الدول يُطلب مسئولون كبار للشهادة أو التحقيق، في حين ان دول العالم الثالث خاصة يوجد فيها الكثير من التجاوزات ولكن لا يستطيع القانون التصدي لها لأنها من قبل متنفذين، وهذا ينسحب كما ذكرت على احترام المواطن للقانون.
قوانيننا تفتقد الاحترام.. لأنها تفتقد عدالة التنفيذ
رئيس جمعية المعلمين الأستاذ مهدي ابوديب أجاب عن تساؤلنا بتساؤل آخر: ما الحكمة من وضع القوانين؟ أليس لتنظيم العلاقة بين مكونات المجتمع وحفظ الحقوق والواجبات وتنظيم التعاطي معها؟ واستطرد: هنا إذا فقدت القوانين الهدف الأساسي من وجودها أصبح التقيد والانضباط من خلالها اضعف، وهذه نتيجة طبيعية، لذلك عندما نتحدث عن دولة القانون التي تستند في كل ما يصدر عنها إلى القوانين، فإن بداية الإشكال تحدث عندما تصبح الدولة خارجة عن القانون الذي يفترض ان تكون هي الحارس الأمين على تنفيذه بالوجه الأكمل بما يحقق العدالة للجميع، وهذا ما يجعلنا نستشهد بمقولة الإمام علي (عليه السلام): «إذا صلح الرأس صلح الجسد«، فإذا بدأت الخروقات القانونية وتجاهل النظم والتعاطي بأكثر من مكيال مع القانون، فقد هذا الأخير قوته على المستوى الداخلي لدى الأفراد والمؤسسات، ومن ثم على مستوى التطبيق والالتزام به، وفي هذه الحالة ينقسم من ينطبق عليهم القانون إلى قسمين، الأول يفقد القانون لديه قوته لأنه يعلم بأن القانون لا يمكن ان يطبق عليه كما الآخرين. وقسم آخر يعلم ان القانون يطبق عليه ولا يطبق على آخرين فيرفضه رفضا داخليا ويرفض الالتزام به، وبالتالي تصبح قوة القانون مستندة إلى قوة الجهة التنفيذية وليست مستندة إلى قوة القانون نفسه، بمعنى ان احترام القانون لا ينبع من ذات الشخص، لذلك نجد ان قطع خطوط المشاة مثلا من قبل ماشٍ والإشارة حمراء في دولة أوروبية يؤدي في الغالب إلى سخط باقي المشاة على من يقوم بهذا الخرق، بل يستهجن البعض ذلك حتى لو كان الشارع خاليا، وهذا ما لحظته بعيني، وبالتالي نجد ان قوة القانون عندهم نابعة أساسا من القناعة الداخلية به، حتى بات الناس هم المنفذون له قبل غيرهم، وبالمقابل نجد في دولنا ان القوانين تفقد قوتها بعد ان فقدت احترامها لأنها ببساطة تفقد المصداقية والعدالة في التنفيذ. وكل ذلك يقودنا إلى نتيجة واحدة هي أننا يجب أن نكون سواسية أمام القانون، القوي والضعيف، الجاهل والمتعلم، الغني والفقير، فكلما تساوينا أمام القانون اكتسب هو (قوّته) لدى القوي، و(احترامه) لدى الضعيف لأنه يعرف انه يطبق على القوي كما يطبق عليه، خاصة إذا كان القانون يحقق مصلحة اقتصادية أو اجتماعية، فالأولى الالتزام به، وغياب ذلك هو ما يفقده الاحترام والالتزام به. وكل ذلك نجده متجسدا في دول العالم الثالث. أضف إلى ذلك أمورا أخرى مثل صياغة القانون وآليات تنفيذه والآليات التشريعية والدستورية لإصداره والشراكة المجتمعية في صياغة القوانين والأنظمة، فكل هذه الجوانب تتحكم في قوة القانون واحترامه، فمثلا نجد المؤسسات المهنية في الدول المتقدمة كالنقابات والجمعيات تقدم مقترحاتها للحكومة التي تناقشها وتوافق عليها، أو ان تقدم الحكومة مقترحاتها إلى هذه المؤسسات لتناقشها حتى يصلوا إلى صيغ مقبولة من الطرفين، وهذا ما يجعل القانون أكثر احتراما لأنه لم يُفرض على احد، أما إذا فرض القانون أو (الكادر) مثلا من جهة على أخرى فلن يتمتع باحترام حقيقي خاصة إذا لم يلب الاحتياجات الأساسية التي وضع من اجلها. * هل تعتقد ان تشديد العقوبات وسيلة لضمان الالتزام بالقانون؟ ** العقوبات تسهم في الالتزام بالقانون وليس احترامه والعمل بعه وفق حالة من القناعة بقدر ما هي حالة من الخوف، صحيح ان العقوبات ضرورية وسنتها حتى الشرائع السماوية، ولكن قبل التفكير فيها يجب ان نفكر في:
«إلى أي مدى يتمتع القانون بالقوة الداخلية لدى الأفراد؟«، فهذه القوة لا تنبع أبدا من الجزاءات والعقوبات وإنما بالاقتناع بالقانون العادل. والأمر الآخر إننا يجب ان ننظر إلى الملابسات التي أدت إلى اختراق القانون وعدم احترامه، فمثلا نجد الصحابي الجليل أباذر الغفاري يقول: «عجبت ممن لا يجد قوْته كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه«، وكأنه يحرّض المظلوم ومن لا يمتلك القوت على الخروج على الناس رغم ان عقوبة السارق قطع اليد.
عندما نشرك الفرد في القانون.. نحوّله إلى مدافع عنه
هل نحن فعلا أفضل من يصوغ ويمتلك القوانين ولكننا أسوأ من يلتزم بها؟ رجل الأعمال حسن البنفلاح يجيبنا عن هذا التساؤل بقوله: فيما يتعلق بالشق الأول، نجد أننا في البحرين نسعى جاهدين فعلا لأن نستكمل الجانب القانوني في جميع المجالات خاصة بعد المشروع الإصلاحي لجلالة الملك وفي ظل المؤسسات الدستورية والديمقراطية، وإن كان من المفترض ان يكون الجهد أكبر حجما وأسرع زمنا، حيث مازلنا بحاجة للكثير من القوانين خاصة فيما يتعلق بالاقتصاد والاستثمارات والعقار وغيرها، فضلا عن الحاجة لتطوير أو تصحيح القوانين القديمة لتتواكب مع المرحلة. أما بالنسبة الى الشق الثاني من السؤال فأقول: للأسف الشديد المجتمع البحريني يحتاج إلى تثقيف قانوني، فالقانون ثقافة مجتمعية قبل ان يكون أداة إجرائية لتطبيق الجزاءات على من يخالفه، وبالتالي نحن بحاجة إلى استغلال وسائل الإعلام كافة لنشر هذه الثقافة مع التركيز على أهمية التربية، فلماذا لا تُستغل المرحلة الثانوية مثلا لإعطاء جرعات حول القوانين حتى يتخرج الطالب ولديه على الأقل الحد الأدنى من الثقافة القانونية التي تجعله يحترم القانون؟ ولكن يجب ان نسلم هنا بمسألة مهمة وهي العدالة في تطبيق القانون، أي تطبيقه على الجميع، لأنه ليس في القانون كبير وصغير، متنفذ وعادي، فإذا طُبّق القانون بالصورة الفعالة سيقتنع به الجميع ويحترمونه وإلا لن يحظى بالاحترام المطلوب. والأمر الآخر أننا يجب ان نقرن ونوازي حجم العقوبات بحجم الجرم أو الفعل حتى نضمن ان يكون العقاب رادعا كافيا لمن يفكر في اختراق القانون.
* هل تعني ان العفو أو تخفيف العقوبات يمكن ان يساعد على مزيد من التسيب وعدم الالتزام بالقانون؟ ** يجب ان يكون القانون هو المعيار في الحكم على الأشخاص من دون أي معيار آخر، وهو المحك الأول والأخير في تطبيق العقوبات على أي شخص أذنب من دون ان تترك المجال لأي نوع من التدخل من أي جانب أو طرف وإلا كان ذلك سببا في مزيد من عدم الالتزام. والأمر الآخر هو أننا يجب ان نتعامل مع القانون على انه مادة (خام)، وبالتالي يحتاج سنّه إلى الكثير من النقاش خاصة مع المجتمع وأصحاب الرأي، بحيث لا يصل إلى البرلمان إلا بعد ان اخذ كفايته من النقاش والبحث، وبالتالي ينطلق البرلمان من آراء الناس وذوي الدراية والخبرات حتى يكون القانون مقنعا للجميع وليس محل معارضة، فنحن نجد في دولنا فجوة كبيرة بين عملية إعداد القانون ومناقشته ومشاركة الأشخاص فيه وإقراره، فعندما يشعر الجميع بأنهم شاركوا وساهموا في القانون سيحترمونه أكثر ويلتزمون به بل يكونون مدافعين عنه، وعكس ذلك يُحدث العكس، فمثلا قانون التعطل واقتطاع 1% من الأجر لو تمت مناقشته منذ البداية لعرفوا ردود الفعل واقتناع الناس من عدمه، لان أكثر ما يعيب القانون ويفقده احترامه هو ان يصدر ثم يُعدل بعد فترة قصيرة. * أمام غياب ما سميتَه الثقافة القانونية، هل تعتقد أننا بحاجة إلى قانون يلزم الالتزام بالقانون مثلا؟ ** إطلاقا، فالقانون هو القانون، يجب على الكل احترامه، وهذا يتم من خلال ما ذكرته سابقا مع تأكيد مسألتين مهمتين: الأولى تطبيقه على الكل من دون استثناء، والثانية سرعة تنفيذ الأحكام لان التباطؤ يضعف من قوة وهيبة القانون.
التأخر في تنفيذ الأحكام يشجع على اختراق القانون
رأي قانوني تزوّدنا به المحامية منى إسليم، وتقدم لذلك بتعريف للقانون على أنه «مجموعة القواعد التي تنظم سلوك الفرد في المجتمع، ومن ثم فانه يجب أن يدور سلوك الفرد في فلك القاعدة القانونية«، وتوضح ذلك بقولها: في مجال التشريع العقابي مثلا نجد أن القاعدة القانونية تحدد الأفعال التي تعد جرائم وتبين العقوبات المقررة لها، فإذا خالف الشخص هذه القواعد وارتكب الأفعال المكونة للجريمة وجب إنزال حكم القانون فيه وعقابه بالعقوبة المقررة وهذه العقوبة يجب أن تكون رادعة وصفة الردع في العقوبة تتحقق من وجهين أحدهما خاص بمرتكب الفعل والثاني عام لجميع أفراد المجتمع، وهنا فإن الردع لا يتحقق إلا بتناسب العقوبة مع الفعل المكون للجريمة، فإذا فقد هذا التناسب فقدت العقوبة صفة الردع بوجهيه، مما يشجع على مخالفة الأفراد للقاعدة القانونية غير عابئين بالعقوبة البسيطة، فلك أن تعلم أن عقوبة جريمة الشيك مثلا تصل أحيانا إلى عشرة دنانير أيا كانت قيمة الشيك!! فالمشرع البحريني وضع الحماية الجنائية للشيك ولكن عقوبة الحبس والغرامة جاءت هلامية بلا حدود دنيا أو قصوى، والمحكمة تستطيع أن تنزل بالعقوبة إلى عشرة دنانير مهما بلغت قيمة الشيك! مما أدى إلى فقدان الشيك هيبته كأداة وفاء، وفي النهاية أدى الأمر إلى التشجيع على مخالفة القانون. ومن جانب أخر فان المشرع الجنائي البحريني أعطى سلطات واسعة للنيابة العامة على حساب المجني عليه، فقد أطلق يد النيابة في التصرف في التحقيق بالحفظ واقتصر حق المجني عليه في التظلم من أمر الحفظ إلى المحكمة الصغرى الجنائية والتي غالباً ما تؤيد قرار النيابة من دون أن يكون للمجني عليه حق الاستئناف، ومن ثم فإن عدم اتباع المشرع البحريني نظام الادعاء المباشر إلى جانب عدم تناسب الجزاء الجنائي يعد ضعفاً بالتشريع يقود إلى التشجيع على مخالفة القانون. ومن ناحية ثالثة فان البحرين بلد مفتوح على دول شرق آسيا خاصة المصدرة لليد العاملة كالهند والفلبين وبنجلادش وعدد هذه الجاليات كبير جدا وهذه المجتمعات لها أنماط سلوك تختلف كثيراُ عن سلوك المواطن البحريني ولا علم لها بالقاعدة القانونية المتبعة (ولاسيما ان هناك عائقا كبيرا كاللغة). و من ثم فان النشر بالجريدة الرسمية لا يحقق الغرض من التشريع بالنسبة إلى هذه الفئة من المخاطبين بالقاعدة القانونية وهو ما يدعو إلى ضرورة قيام أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة بدورها في نشر القاعدة القانونية وترسيخ مفهومها لدى المخاطبين بها. بالإضافة إلى ذلك فان هناك أمورا غاية في الأهمية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار أولها ما يسمى قضاء التنفيذ. فبعد معاناة المدعي في إثبات حقه بالمطالبة الذي يكون المدعى عليه المدين قد تفنن في طريقة إنكارها يأتي المدعي والفرحة تغمر قلبه بأنه وصل أخيرا إلى مبتغاه وهو لا يدرك أن مشوار العذاب الحقيقي قد بدأ فالملف لا ينظر إلا بعد شهرين ثم يبدأ تقسيط المبلغ بمبلغ بسيط من دون الرجوع إلى المنفذ له أو إلى وكيله وقد يمتد التنفيذ إلى 15 سنة وهذا يعد الأمر الطبيعي لأي ملف تنفيذي، مما يشجع على مخالفة القانون. والأمر الآخر هو أن الفارق في التطبيق واحترام القوانين يعد لصالح المجتمعات الغربية، ويرجع ذلك إلى عوامل عديدة أهمها(الشعور بالانتماء أو عدمه) وهذا أيضا يرجع بدوره إلى عوامل كثيرة، فالمساواة في الحقوق والواجبات وحصول الفرد على حقه وتوافر فرص العمل وارتفاع مستوى الدخل يعزز الشعور بالانتماء وعكس ذلك يضعف هذا الشعور ويدفع إلى اليأس وعدم الرغبة في العمل لصالح الجماعة، مما يشجع على مخالفة القانون وهذا الوضع الأخير هو حال اغلب الدول العربية. * هل تعتقدين ان تخفيف العقوبات.. أو بالأحرى العفو من الممكن ان يساعد على عدم احترام القانون؟ ** مبدأ العفو عن العقوبة بنوعيه الخاص والعام مبدأ معمول به في معظم التشريعات القديمة والحديثة لاعتبارات عديدة، وهو على الإطلاق لا يكون سببا من أسباب التشجيع على مخالفة القانون لأنه لا يطبق إلا في جرائم معينة مراعاة لاعتبارات يراها المشرع ولكن يجب عدم الإفراط فيه لأنه قد يترتب عليه أحيانا المساس بالردع العام للعقوبة سيما في حالة الأمر بالعفو فور صدور العقوبة. *
ولكن كيف يمكن ان نُلزم الأفراد باحترام القانون، بقانون صارم مثلا؟ ** لسنا بحاجة إلى قوانين تلزم القائمين على القانون تطبيقه - لأن ذلك موجود في القوانين بالضرورة - بقدر ما نحن بحاجة الى أناس يجيدون فهم القوانين، فالمشرع يعاقب على استعمال الموظف العام سلطته في وقف أو تعطيل أحكام القوانين أو الأوامر ومن ثم فالنص موجود ولكن لا سبيل لتفعيل هذا النص إلا بالأخذ بنظام الادعاء المباشر في الدعوى الجنائية الذي سبق لنا الحديث عنه.
قوة القوانين في تفعيلها وليس إصدارها
رجل الأعمال إبراهيم الشيخ يحمل تصورا آخر، فقوة القوانين كما يؤكد تكمن في تفعيلها وتطبيقها وليس في إصدارها فحسب، وقوة التفعيل هذه بيد السلطة، وعدم التنفيذ والمماطلة في التفعيل على ارض الواقع هو السبب في كثير من الأحيان في عدم الالتزام بالقوانين، ومثال ذلك أننا نرى الكثير من الأشخاص يكتبون شيكات بمبالغ طائلة ولكن من دون رصيد، ويصدر ضدهم أمر بالقبض ولكن لا يتم القبض عليهم أبدا، ألا يشجع ذلك غيرهم على التمادي؟ هذا بالنسبة إلى القوانين الجنائية التي هي أقوى من المدنية وأكثر فاعلية، فما بالنا بالالتزام بالقوانين المدنية إذا لم تفعل بشكل كامل؟
ويضيف الشيخ: الأمر الآخر هو عدم وجود الثقافة القانونية في مجتمعات الدول النامية، وهذا ما يتطلب التربية منذ النشء على معرفة الحقوق والواجبات، أضف إلى ذلك أمر مهم جدا وهو تطبيق القوانين وفقا لأهواء السلطة في كثير من دول العالم الثالث، وهذا ما يفقد القانون هيبته. ومن ثم فإن الإلزام بالقانون لا يكون بالقانون، وإنما بتطبيقه بشفافية وتنفيذه بعدالة. وفي اعتقادي اننا في البحرين أفضل من كثير من الدول، حيث بتنا نعيش في دولة المؤسسات والقانون، والبحرين سباقة لتحديث وتطوير قوانينها، ولكن هناك حاجة إلى مزيد من التوعية بالقوانين وبالجوانب التشريعية من اجل ضمان مزيد من الالتزام بالقانون؟
إذا لم نتدارك الأمر.. فسننشئ جيلا حانقا على شيء اسمه قانون
هل لعدم احترام القانون جوانب نفسية؟ هذا ما يجيبنا عنه استشاري الأمراض النفسية الدكتور شبر القاهري الذي يؤكد في مستهل حديثه ما جاء في مقدمة هذا الموضوع أن من السمات المميزة لدول العالم الثالث هي عدم الالتزام بالقانون، إلا انه يؤكد المشكلة ليست في دول العالم الثالث ككل، وهذا ما يوضحه بقوله: هناك الكثير من الأمور التي تجعل الناس لا يلتزمون بالقانون في دولنا، فعندما ننظر إلى بعض النظم الديمقراطية مثلا مثل تايلند والهند وهي من دول العالم الثالث، نجد ان مسئولين كبارا ووزراء تتم محاسبتهم ومحاكمتهم، في حين ان الكثير من دولنا وخاصة العربية تقوم على الرشا وعدم تطبيق القانون، أو تطبيقه على الضعيف فقط حتى يُقال انه مطبّق، لذلك فإن المشكلة ليست في عدم تطبيق القانون فقط وإنما في التمييز في التطبيق. وأحيانا نجد أن النظام نفسه لا يشجع الناس على الالتزام به واحترامه عندما يُفرّق في تطبيقه، فأي متنفذ يخترق القانون لا يُحاسب، والفقير يحاسب عند أي زلل، فكيف نتوقع منه ان يحترم القانون؟! والأسوأ من ذلك أننا في البحرين مثلا نجد مصطلحا بات يُشاع خاصة عند النواب الذين يمتلكون حصانة وهو (المتنفذين)، فإذا كان النائب لا يستطيع حتى النطق باسم المتنفذين ولا يستطيع تطبيق القانون فماذا ننتظر من المواطن البسيط؟ كل هذا الوضع من الناحية السيكولوجية يوجد سياسة عدم تطبيق القانون، لأن القانون عندما لا يطبّق على الجميع، يخلق ردة فعل عنيفة عند الإنسان تزرع فيه روح الغضب، والسؤال هو: كيف سيعبّر عن غضبه هذا؟ بالطبع يعبر عنه بعدم الاعتراف بالقانون أساسا، وأبسط مثال على ذلك هو مخالفات المرور، فالكثيرون يخالفون ويتم إسقاط المخالفات عنهم، فكيف ننتظر من المواطن البسيط ان يحترم القانون بعدها إذا كان لا يطبّق إلا عليه؟! فالشخص البسيط دائما هو الضحية، وإذا لم نتدارك هذا الأمر فإننا سنخلق جيلا يحمل حقدا وغضبا وضغينة على كل شيء فيه القانون، لان القانون سلوك قبل كل شيء، وعندما أجد من يخترقه وينهب أموال الناس من دون ان يحاكم كيف سألتزم به؟ وهذا الوضع ليس في كل دول العالم الثالث، فحتى بنغلاديش فيها قانون صارم يحاسب حتى الرؤساء. دعني أقلها لك باختصار: لا يوجد احترام للقانون في الكثير من الدول لأن من وضعه لا يحترم القانون ولا يحترم نفسه، فهل توضع القوانين للتباهي؟ انظر إلى عقوبة المخدرات، أليست هي الإعدام، ثم انظر إلى التصريحات الأخيرة في البحرين مثلا التي تؤكد أنه تم ضبط حوالي طن مخدرات خلال سنة واحدة، فهل طبقت حكومة الإعدام على إحدى هذه الحالات؟ لو طبقت لكانت رادعا كافيا، والأمر المخجل الآخر أننا نقرأ في الصحافة كل جهة تقول: ليس لدينا سلطة تنفيذية، وهذه مشكلة أخرى عندما يتهرب كل مسئول من مسئوليته، وكل ذلك مجتمعا يؤدي إلى نتيجة واحدة هي عدم احترام القانون. ثم إنني كي اجعل الناس يحترمون القانون يجب ان أسمي الأشياء بمسمياتها، فعندما تكون سارقا أو مغتصبا أو قاتلا، لماذا تتستر عليك الصحافة ولا تفضحك؟ في حين ان الدول المتقدمة تضع هذه الأخبار بمسمياتها في صدر صحفها حتى لو كان المتهم وزيرا أو رئيسا. أضف إلى ما سبق أن مهمة البرلمان في أي دولة هو التشريع، والسؤال: ما الذي يمكن ان يحققه البرلمان عندما يعجز هو عن تنفيذ القانون؟ بل يعجز عن البوح باسم المتجاوزين، بل حتى الاستجوابات تتم في غرف مغلقة، ونحن نجد برلمان الكويت يستجوب علنا، وبالتالي عندما يقصر البرلمان في أدواره القانونية كيف تتوقع من المواطن البسيط ان يحترم القانون؟ * وما الحل في رأيك؟ ** أولا يجب ان يكون الناس سواسية أمام القانون، ولكي يحترم الناس القانون يجب ان يحترم القانون نفسه، ويجب ان يوضع القانون ليطبّق على الكل وليس أناس دون آخرين، فطالما بقي القانون عاجزا عن فرض قوته على الجميع سيبقى عاجزا عن فرض احترامه، وطالما بقيت الاستثناءات في تطبيق القوانين سيبقى عدم الالتزام به موجودا، مع العلم بأن كل القوانين واضحة وصريحة فيمن يُستثنون مثل فئة (المجانين)، فهل من يتم استثنائهم في دولنا هم من هذه الفئة؟! *** سؤال مهم اختتم به الدكتور شبّر حديثه، وهو سؤال سيبقى مفتوحا وقائما، فهل هناك من يمتلك الجرأة للإجابة عنه؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.