في مرة من المرات وصلت الى غرفتي في أحد فنادق القاهرة، فرافقني أحد العاملين في الفندق الى الغرفة لمساعدتي في توصيل حقيبتي، فشكرته، لكنه بقي واقفا في مكانه وكأنه ينتظر مني جوابا ولكنه لم يسألني حتى أجيبه.. وبقي واقفا فشكرته من جديد ، عندها لمح لي بأنه بانتظار البقشيش ، فتسمرت في مكاني عندما تذكرت بأنني كنت على عجلة من أمري ولم أبدل أي مبلغ من المال، فاعتذرت منه وفسرت له بأنني لا أملك أي جنيه مصري ، فأجاب: "ليس هناك مشكلة، أقبل جنيها استرلينيا". الموقف طريف، لكن طريقة التعامل مع البقشيش تكون في بعض الاحيان محرجة، ففي بعض البلدان يعتبر البقشيش نوعا من انواع التحقير لكرامة العامل، وفي بلدان أخرى يجب عليك دفع مبلغ من المال للنادل او العامل في الفندق او حتى في سيارة التاكسي. العالم في تغير دائم، وتعامل الانسان مع المال تغير أيضا، فثقافة البقشيش آخذة في التوسع في العالم وأصبحت جزءا لا يتجزأ من الفاتورة الاصلية في بلدان لم تكن تؤمن بسياسة البقشيش من قبل مثل الصين لانه كان يعتبر مظهرا من مظاهر الرأسمالية، في حين يتم التعامل مع البقشيش بنسبة مئوية محددة في بلدان أخرى مثل الولاياتالمتحدة الاميركية. السبب في انتشار البقشيش بشكل اوسع في مختلف بقاع العالم وبنسبة عالية جدا يعود الى رجال الاعمال والمسافرين الدائمين من الغرب لا سيما الاميركيين الذين ينتظرون خدمة عالية الجودة مقابل مالهم، لدرجة أن أميركا ترتكز بصفة رئيسية في نمو اقتصادها على البقشيش الذي يشكل حوالي 26 مليار دولار سنويا. ففي بلداننا العربية، لا يعتبر البقشيش إجباريا، إنما يعتبر نوعا من الذوق والمجاملة، ففي السعودية مثلا لا توجد قاعدة محددة للبقشيش، ويعرفها فقط المسافرون الدائمون وإنما لا يتبعها كل أهل البلد ونفس الشيء ينطبق على الشعب المغربي، فلا يوجد التزام محدد بالبقشيش إنما يعتبر نوعا من أنواع التقدير. هناك قصص عديدة عن البقشيش وعن منشأ الفكرة، ولكن القصة التي اعرفها هي ان كلمة بقشيش وتعني بالانجليزية TIPS وتساوي To Insure Prompt Service أي لتأمين خدمة سريعة، ففي المقاهي والحانات الانجليزية ولدت هذه الفكرة للحصول على افضل خدمة، وفي بادئ الامر كان يعطى البقشيش عند الوصول الى المكان وليس عند الخروج منه، فالنظرية هنا عملية جدا، فليس هناك أي داع لترك البقشيش بعد الانتهاء من تناول وجبتك، فقد لا تعود الى هذا المكان أو ذاك قط، ولكن عندما تترك مبلغا من المال للنادل عند دخولك الى المكان، فسوف تحصل على أفضل خدمة ممكنة. وفي أميركا بدأ البقشيش باجتياح البلاد بعد الحرب الاهلية، وادت الفكرة الى نشوب العديد من المشاكل في الاوساط الشعبية، فلقت معارضة كبرى من قبل العديد من الاشخاص الذين رأوا في البقشيش مذلة وتحقيرا للعامل، وهذا الشعور يؤدي الى الطبقية، غير ان البقشيش انتصر في نهاية المطاف على النظريات الاخلاقية وتابع مشواره، لا بل أصبح اليوم في أميركا من ضمن الاتيكيت الاميركي في المطاعم والفنادق..وقد تصل نسبة البقشيش الى 25 بالمائة من قيمة الفاتورة الاجمالية بعد ان كانت 10 بالمائة في الماضي. وفي بريطانيا ينتظر منك بأن تترك قيمة 10 بالمائة من قيمة الفاتورة، والغريب في الامر وبحسب العاملين بالمطاعم في لندن وضواحيها، هو ان هناك فكرة عن البريطانيين بأنهم بخلاء لانهم لا يتركون بقشيشا ذا قيمة ، في حين ان بريطانيا كانت اول من أوجدت فكرة البقشيش في العالم. واذا كانت اميركا ملكة البقشيش يمكن القول بأن بريطانيا تقع في منتصف الطريق بالنسبة للدفع، لان ايسلاندا ونيوزيلاندا واليابان بلدان تجد في البقشيش عيبا كبيرا ومشينا. في الولاياتالمتحدة تجد لافتات صغيرة توضع في معظم المطاعم وتقول: Tipping is not a city in China وهذا يعني بأن "البقشيش ليس مدينة في الصين" وهذا يكفي ليعلمك بأن البقشيش إجباري وليس اختياريا. أثناء السفر يجدر بك وضع مبالغ صغيرة من المال في جيبك فسوف تحتاج اليها في العديد من المواقف، في موقف السيارات، السوبرماركت، الفندق، المطعم وعند مزين الشعر... وإلا فقد تجد نفسك أحد أبطال قصص الندل التي يتم نشرها من قبلهم على موقع bitterwaitress.com حيث يعتبر منبرا للندل الغاضبين من الزبائن الذين لم يتركوا لهم فلسا واحدا. وتجد على هذا الموقع قصصا كثيرة حصلت مع مشاهير لم يتركوا شيئا للعامل فيقوم هذا الاخير بنشر قصته مع تلك الشخصية مع ذكر الاسماء والتفاصيل. ومن القصص المعروفة على هذا الصعيد، قصة الاميرين الشابين وليام وهاري أثناء عطلتهما في سويسرا العام الماضي، وبدأت القصة عندما ترك الاميران نسبة واحد بالمائة فقط من قيمة الفاتورة الصغيرة. وفي قصة نشرتها التايمز يقول جايل كورين الناقد المختص في ملحق الطعام، إن نسبة 10 الى 12.50 بالمائة هي النسبة المتعارف عليها حاليا في بريطانيا ولكن أغلبية الشعب لا تلتزم بذلك، لان البريطانيين بخلاء، على عكس الاميركيين المشهورين بدفع مبالغ ضخمة في بعض الاحيان لقاء خدمة جيدة. تجدر الاشارة الى أنه من المهم جدا تفحص الفاتورة، فبعض المطاعم تضمن الفاتورة ثمن الخدمة الاضافية Service Charge وهنا يمكنك التغاضي عن دفع البقشيش او الالتزام بنسبة معينة، ولكن عندما لا تتضمن الفاتورة قيمة الخدمة، هنا يتوجب عليك دفع البقشيش، وإذا كنت تفضل الدفع بواسطة البطاقة الائتمانية، يستحسن بأن تسأل النادل فيما إذا كان سيحصل على البقشيش من إدارة المطعم، وإلا فيكون من الافضل دفع البقشيش نقدا بطريقة منفصلة عن الفاتورة. ويقول كورين بأنه يعارض فكرة البقشيش بنسبة مئوية، فليس من المنصف دفع نسبة 10 بالمائة لنادلة في مطعم متواضع في لندن، في وقت تحصل نادلة أخرى في مطعم راق على نفس النسبة. المشكلة الاكبر التي تواجه الزبون تكون في محل الحلاقة ولدى مصفف الشعر النسائي، والمشكلة هنا أنك ستقع في مطب كبير، ولن تعرف لمن تدفع وكم تدفع. لذا يرى المختصون في هذا المجال بأنه من الافضل دفع مبلغ محترم للعامل والا فمن الافضل عدم دفع أي بقشيش. النسبة المتعارف عليها للدفع عند مزين الشعر تتراوح ما بين 10 الى 15 بالمائة لمصمم الالوان بالاضافة الى مبلغ جنيهين الى 5 جنيهات استرلينية لكل مساعد. * دليلك الى أصول البقشيش في العالم * اسبانيا في المطاعم: البقشيش ليس متعارفا عليه من قبل الاسبان، لكن السياح يدفعون نسبة 5 الى 10 بالمائة. في الفنادق: البقشيش متعارف عليه ولكن لا توجد نسبة محددة له. * إيطاليا في المطاعم: من الافضل دفع نسبة 10 بالمائة للخدمة و10 في المائة بقشيش. في الفنادق: بقشيش رمزي لا يتعدى اليورو الواحد في اليوم الواحد لعامل التنظيف. * السويد في المطاعم: يتم ضم ثمن الخدمة الى الفاتورة ولكن البعض يترك بقشيشا بنسبة 10%. في الفنادق: يعطى البقشيش لحامل الحقائب فقط (يورو واحد لكل حقيبة). * اوروبا الشرقية في المطاعم: 10% من قيمة الفاتورة. في الفنادق: 5% من القيمة الاجمالية. * مصر في المطاعم: البقشيش مهم جدا ، وتتراوح نسبته ما بين 5 و15 في المائة. في الفنادق: تضاف قيمة الخدمة الى الفاتورة، ولكن العاملين ينتظرون منك البقشيش. * لبنان في المطاعم: البقشيش يجب ان يكون حاضرا معك في كل الاوقات لانك ستحتاجه، لا محالة في الفنادق: من الممكن دفع 10 الى 15% من قيمة الفاتورة، وإذا كنت ترغب في إعطاء البقشيش للبواب وموظف التنظيفات يمكن دفع الفي ليرة لبنانية وما فوق. * الصين في المطاعم: البقشيش لم يكن مقبولا في الصين غير ان هذه الفكرة سوف تتغير حتما مع قدوم الالعاب الاولمبية الى بكين العام المقبل. في الفنادق: البقشيش ليس إجباريا، ولكن يمكنك ترك مبلغ متواضع جدا تقديرا منك للخدمة الجيدة. * اليابان في المطاعم: لا تعط البقشيش لانه يعتبر عيبا وتحقيرا. في الفنادق: لا تفكر بالموضوع. * جنوب افريقيا في المطاعم: السياح يتركون نسبة 10% من قيمة الفاتورة. في الفنادق: يمكنك دفع مبلغ 10% فقط. * المكسيك في المطاعم: البقشيش ضروري، وينتظر منك بأن تدفع 5 الى 15% من القيمة الاجمالية. في الفنادق: يمكنك دفع دولار واحد للعامل في الفندق. * أميركا وكندا في المطاعم: يتحتم عليك دفع قيمة تتراوح ما بين 15 الى 25% من الفاتورة. في الفنادق: لا توجد قاعدة محددة للبقشيش، إنما يمكنك دفع بعض الدولارات لعامل التنظيفات، او نسبة 15% من قيمة الفاتورة.