بيزنس «الأبلكيشن» يستنزف جيوب أولياء الأمور    منطقة السويس الأزهرية تعلن أسماء أوائل الإعدادية    محافظ المنيا: توريد 377 ألف طن قمح منذ بدء الموسم    «الأونكتاد»: التجربة المصرية في تطبيق الحياد التنافسي تعد مرجعية إقليمية ودولية    «التنمية المحلية» تتابع مواجهة الزيادة السكانية في 3 محافظات    وزير الاتصالات يناقش مع مسؤولي «نوكيا» التوسع في تصنيع الهواتف المحمولة والتصدير للخارج    تاون جاس لسكان الوراق: لاتخافوا من رائحة الغاز    حزب الله: استهدفنا بمسيرات انقضاضية مقر قيادة كتيبة المدفعية الإسرائيلية في أودم    مسؤولون فلسطينيون: نطالب الولايات المتحدة بوقف تصدير الأسلحة لإسرائيل    رئيسة المفوضية الأوروبية تدلى بصوتها في انتخابات البرلمان الأوروبي    البابا فرنسيس يحث حماس وإسرائيل على استئناف المفاوضات ويدعو لإنقاذ شعب غزة المنهك    موعد المباراة الثانية بين الأهلي والاتحاد في نهائي دوري سوبر السلة    منتخب باراجواي يحل ضيفا على تشيلي قبل أيام من انطلاق كوبا أمريكا 2024    كرواتيا تحقق فوزا تاريخيا على البرتغال    بشكل نهائي .. محمد الشناوى مستمر فى حراسة مرمى منتخب مصر أمام غينيا بيساو غداً    تأجيل محاكمة المتهم بقتل 3 مصريين بالخارج    تحذير من موجة حر شديدة خلال وقفة عرفات وعيد الأضحى.. ما السبب؟    مدرسة غبور للسيارات 2024.. اعرف مجموع القبول والتخصصات المتاحة    ضبط مالك مطبعة متهم بطباعة المطبوعات التجارية دون تفويض من أصحابها بالقليوبية    فى انتظار القصاص.. إحاله قضية سفاح التجمع الخامس إلى جنايات القطامية    اعتدال بسيط في درجات الحرارة بمحافظة بورسعيد ونشاط للرياح.. فيديو وصور    وزير الزراعة: تكثيف حملات التفتيش على منافذ بيع اللحوم والدواجن والأسماك    فيلم حقق 60 مليون جنيه ترفعه السينمات بعد 48 ساعة (بالتفاصيل)    بسمة داود تنشر صور كواليس مسلسل "الوصفة السحرية"    «صورة أرشيفية».. متحف كفر الشيخ يعلن عن قطعة شهر يونيو المميزة    منورة يا حكومة    موعد يوم التروية 1445.. «الإفتاء» توضح الأعمال المستحبة للحاج في هذا التوقيت    محافظ أسوان: رفع درجة الاستعداد بالمستشفيات والوحدات الصحية لمواجهة ارتفاع درجات الحرارة    «الصحة»: انتهاء قوائم انتظار عمليات قسطرة القلب بمستشفى السويس العام    سر تصدر شيرين رضا للتريند.. تفاصيل    ثنائي الأهلي يتلقى عروضًا من الدوري السعودي    تقرير ل«أ ش أ»: مواقيت الإحرام.. محطات للاستعداد وبوابات لدخول ضيوف الرحمن بيت الله الحرام    مصادر ل «أهل مصر»: دمج وزارتي «النقل» و«الطيران» تحت قيادة كامل الوزير    تفاصيل زيادة المعاشات يونيو 2024 وموعد صرف معاشات شهر يوليو بالزيادة الأخيرة 15%    «لأعضاء هيئة التدريس».. فتح باب التقدم لجوائز جامعة القاهرة لعام 2024    لتنفيذ التوصيات.. رئيس «الشيوخ» يحيل 14 تقريرا إلى الحكومة    درجات الحرارة وصلت 50.. بيان عاجل من النائبة بشأن ارتفاع درجات الحرارة في أسوان    ميدو: الزمالك اتظلم في ملف نادي القرن    عمرو محمود يس وياسمين عبدالعزيز في رمضان 2025 من جديد.. ماذا قدما سويا؟    «التضامن الاجتماعي» توافق على قيد ونقل تبعية 3 جمعيات بالقاهرة والغربية    العمل: زيارات ميدانية لتفقد مواقع الإنتاج بأسيوط    فكري صالح: مصطفى شوبير حارس متميز وشخصيته في الملعب أقوى من والده    إدريس : أتوقع أن نحقق من 7 إلى 11 ميدالية في أولمبياد باريس    محافظ الشرقية يُفاجئ المنشآت الصحية والخدمية بمركزي أبو حماد والزقازيق (تفاصيل)    «معلومات الوزراء» يلقي الضوء على ماهية علم الجينوم وقيمته في المجالات البشرية المختلفة    أستاذ صحة عامة يوجه نصائح مهمة للحماية من التعرض لضربات الشمس    الملامح النهائية للتشكيل الحكومي الجديد 2024    وزيرة البيئة: إطلاق مركز التميز الأفريقي للمرونة والتكيف بالقاهرة خلال 2024    عالم أزهري يوضح فضل الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة وكيفية اغتنامها    3 طرق صحيحة لأداء مناسك الحج.. اعرف الفرق بين الإفراد والقِران والتمتع    «الإفتاء» توضح أعمال يوم النحر للحاج وغير الحاج.. «حتى تكتمل الشعائر»    مجلس التعاون الخليجي: الهجوم الإسرائيلي على مخيم النصيرات جريمة نكراء استهدفت الأبرياء العزل في غزة    حزب الله يستهدف موقع الرمثا الإسرائيلي في تلال كفر شوبا اللبنانية المحتلة    «البحرية البريطانية» تعلن وقوع حادث على بعد 70 ميلا جنوب غربي عدن اليمنية    «الداخلية»: ضبط 552 مخالفة عدم ارتداء الخوذة وسحب 1334 رخصة خلال 24 ساعة    «مع بدء طرح أفلام العيد».. 4 أفلام مهددة بالسحب من السينمات    هذه الأبراج يُوصف رجالها بأنهم الأكثر نكدية: ابتعدي عنهم قدر الإمكان    من تعليق المعاهدات إلى حرب «البالونات» الأزمة الكورية تتخذ منعطفًا خطيرًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. السيد ولد أباه: الأنظمة الإسلامية الجديدة والمخاوف المبررة
نشر في أخبار مصر يوم 19 - 03 - 2012

كان رئيس الحكومة التونسية حمادي الجبال صريحاً في قوله إن تونس على مفترق الطرق اليوم، ملمحاً إلى أن مشروع التغيير الديمقراطي الذي حملته "ثورة الياسمين" مهدد فعلاً بالإخفاق والفشل. ومع أن الجبالي لم يوضح بما فيه الكفاية طبيعة المخاطر التي تتهدد التجربة الديمقراطية التونسية، واكتفى بالتركيز على فلول النظام السابق والتيارات الليبرالية النشطة في المجتمع المدني، إلا أن الحقيقة الماثلة للعيان أكثر تعقيداً وتشعباً.
الصورة التي تشكل مفارقة كبرى في الوضع العربي الحالي هي أن مسار التحرر السياسي ولد تخوفاً واسعاً من انبثاق أشكال شديدة من الاستبداد والأوتوقراطية. وصلت المفارقة مداها في قول أحد الكتاب العرب المرموقين الذين تحمسوا للحراك العربي في بدايته أنه غدا عاجزاً عن حسم الاختيار بين استبداد يدفع للتحديث الاجتماعي وديمقراطية تقوض مكاسب التحديث.
تكرست هذه الصورة بعد ما ظهر من مؤشرات واضحة على أن موجة التحول الديمقراطي الحالية ستحمل التيارات الإسلامية إلى مركز السلطة. ومع أن الأحزاب الإسلامية التي فازت في الانتخابات المنظمة في بعض البلدان حرصت على إظهار قدر واسع من الاعتدال والانفتاح على القوى السياسية الأخرى، إلا أن صعودها خلف توتراً واسعاً في الساحة السياسية – الاجتماعية. ومن مظاهر هذا التوتر ظواهر أربع تستدعي وقفة انتباه وتحليل:
أولاً:انفلات حركية التطرف الديني من التحكم، مما هو ظاهر في صعود المجموعات السلفية الراديكالية في تونس ومصر وليبيا، بل عودة بعض المجموعات المتشددة المسلحة للنشاط والحركة.
ثانياً: القطيعة المتزايدة بين النخب الاقتصادية والبيروقراطية والتيارات الإسلامية التي وصلت لدائرة الحكم.
فمن المعروف أن هذه النخب التي كانت تضطلع بتدبير هياكل الدولة وتتحكم في الحقل المالي والاقتصادي انحازت في غالبها للأحزاب الليبرالية المهزومة ولا تخفي تخوفها من السياسات التنموية والاجتماعية للتشكيلات الإسلامية في بلدان مرتبطة حيوياً بالاقتصاد العالمي.
ثالثاً:تخوف الأقليات الدينية والطائفية من هيمنة الأحزاب الإسلامية بعد انهيار الأنظمة "العلمانية" السابقة التي كانت تحمي التنوع الديني والعقدي في المجتمع. نلمس هذا التخوف واضحاً في مصر، كما أنه جلي في فهم موقف تلك الأقليات من الأحداث الجارية في سوريا.
رابعاً: تخوف قطاع واسع من مكونات الوسط الثقافي من تراجع الحريات الشخصية والعامة ومصادرة الإبداع الفكري والفني، بما يعني المرور من الاستبداد السياسي إلى الاستبداد الفكري بوسائل قانونية ديمقراطية. ولا مندوحة من الإقرار بأن بعض الأطراف الإسلامية الصاعدة قد أسهمت في تأجيج هذه التخوفات.ولا نعني هنا الأصوات النشاز المعزولة مثل أحد القيادات السلفية في تونس الذي طالب بالنص الدستوري على الحق في الاستمتاع بالجواري، أو الداعية المصري الذي طالب بفرض الجزية على المواطنين الأقباط.
وإنما نعني بعض الوجوه القيادية التي أثارت جدلاً واسعاً في الفترة الأخيرة، مثل تصريحات "القرضاوي" الاستفزازية ضد دولة الإمارات العربية المتحدة وضد الليبراليين المصريين الذين اعتبرهم "نبتة غريبة على أرض الكنانة ". وفي ليبيا أثار خطاب رئيس المجلس الانتقالي المقرب من التيار الإخواني حول تطبيق الشريعة والرجوع لتعدد الزوجات جدلاً واسعاً في الساحة الليبية ، يوازيه الجدل الذي أطلقه تصريح رئيس الحكومة التونسي حول "الخلافة الجديدة". في الكويت حالة مماثلة تستدعي القلق، مع تراجع التيار الليبرالي العريق في الساحة السياسية وفي الحقل الثقافي.
حالة التخوف الحقيقية من صعود التيار الإسلامي داخلياً وإقليمياً، لا يمكن حلها حسب رأينا بمجرد التصريحات المطمئنة، بل لا بد من وضع آليات معيارية وإجرائية لاحتوائها، ضماناً للاستقرار السياسي وصوناً لتجارب التحول الديمقراطي الوليدة. ومن أبرز مقتضيات هذا الحل الإقرار بأن موازين التنافس الانتخابي ليست بالضرورة مسلكاً لتكريس الديمقراطية، إذا لم تتوافر الضمانات القانونية للتعددية والسلط الموازية الكابحة للاستئثار بمراكز التحكم الاجتماعي.
فإذا كانت الموازين الانتخابية الراهنة تسمح للتيارات الإسلامية بالانفراد في وضع المرجعيات الدستورية والقانونية للنظام السياسي، إلا أن غياب الإجماع التوافقي حول ثوابت وكليات الحكامة السياسية يفضي إلى تأزيم الوضع السياسي والاجتماعي بدلاً من تأمينه. كما أن إقصاء الأقليات الفاعلة والمؤسسات الضابطة للمجال العمومي (الإدارة والجيش...) يؤدي إلى مضاعفة الاحتقان الاجتماعي بتقويض الوسائط الضرورية التي تجسد هوية المواطنة.
ويبقى التحدى الأساسي المطروح على التيارات الإسلامية هو القدرة على إدارة الحقل الديني في اتجاهات ثلاثة: - إدارة التنوع العقدي والمذهبي داخل الساحة الإسلامية مما يعني حيادية الدولة إزاء تعددية تأويلات النص المرجعي المقدس بدل فرض سقف تأويلي له.
- الحفاظ على التنوع الديني في البلدان التي تضم أقليات غير مسلمة ،عانى بعضها (في العراق خصوصاً) من موجة التطرف الديني، مما يقتضي تكريس فكرة المواطنة المتساوية التي لا تزال تصطدم بمعوقات نظرية في الخطاب الإسلامي السائد.
- النأي بالمسألة الدينية عن صراعات الشرعية السياسية والتجاذبات الأيديولوجية، وتحويلها إلى سياج معياري ضامن للقيم المدنية المشتركة (الديانة المدنية بلغة روسو). يرتبط بهذه الإشكالات تحديان بارزان يتعلق أحدهما بتدبير العلاقة مع دائرة الجوار العربية- الإسلامية ويتعلق ثانيهما بترتيب العلاقة مع النظام الدولي.
ففي الجانب الأول، ينظر بكثير من الخشية والارتياب إلى قيام نمط من "الأممية الإسلامية" تسعى لتصدير النموذج الإيديولوجي الإسلامي إلى البلدان الأخرى باستثمار معطيات المعادلة الراهنة (وفي مقدمتها وصول الحركة الأم إلى السلطة في الدولة العربية المركزية).ولا شك أن هذا المشهد سيعيد العالم العربي إلى أسوأ سيناريوهات الاستقطاب الإقليمي على خلفية إيديولوجية متفجرة.
وفي الجانب الثاني، نلاحظ أن التيارات الإسلامية، وإن طورت خطاباً براجماتيا وواقعياً في التعامل مع المعادلة الدولية التي كانت قوة دافعة للتحول الذي استفادوا منه، إلا أن خياراتها وسياساتها الداخلية ستكون حاسمة في تحديد منزلتها في خريطة العلاقات الدولية الحديدة وطبيعة علاقاتها مع القوى المتحكمة في النظام الدولي.
نقلا عن صحيفة الاتحاد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.