وزير الأوقاف ومحافظ جنوب سيناء يفتتحان أعمال تطوير مسجد الصحابة بشرم الشيخ    عيار 21 يعود لسابق عهده.. أسعار الذهب اليوم السبت 20 إبريل بالصاغة بعد الارتفاع الجديد    كوريا الشمالية تطلق نوعا جديدا من الصواريخ وتختبر "رأسا حربيا كبيرا جدا"    كانسيلو يعلق على خروج برشلونة من تشامبيونزليج وآخر الاستعدادات لمواجهة ريال مدريد    أسماء ضحايا حادث تصادم سيارتين وتوك توك بطريق المنصورة بالدقهلية    آمال ماهر تشدو برائعة كوكب الشرق"ألف ليلة وليلة "والجمهور يرفض انتهاء الحفل (فيديو)    طريقة عمل تارت الجيلي للشيف نجلاء الشرشابي    ميدو يكشف احتياجات الزمالك في الميركاتو الصيفي    اندلاع مواجهات عنيفة مع قوات الاحتلال في بلدة بيت فوريك شرق نابلس    سفيرة البحرين بالقاهرة: زيارة الملك حمد لمصر تأكيد على التكامل الإستراتيجي ووحدة الصف بين البلدين    ابسط يا عم هتاكل فسيخ ورنجة براحتك.. موعد شم النسيم لعام 2024    داعية إسلامي: خدمة الزوج والأولاد ليست واجبة على الزوجة    تخفيف الأحمال فى «أسبوع الآلام»    نشرة منتصف الليل| الأرصاد تكشف موعد الموجة الحارة.. وهذه ملامح حركة المحافظين المرتقبة    300 جنيها .. مفاجأة حول أسعار أنابيب الغاز والبنزين في مصر    تجليس نيافة الأنبا توماس على دير "العذراء" بالبهنسا.. صور    بجوائز 2 مليون جنيه.. إطلاق مسابقة " الخطيب المفوه " للشباب والنشء    3 إعفاءات للأشخاص ذوي الإعاقة في القانون، تعرف عليها    انفجار في قاعدة كالسوم في بابل العراقية تسبب في قتل شخص وإصابة آخرين    العميد سمير راغب: اقتحام إسرائيل لرفح أصبح حتميًا    كوريا الشمالية تختبر صاروخا جديدا للدفاع الجوي    إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب"اللا مسؤول"    بصور قديمة.. شيريهان تنعي الفنان الراحل صلاح السعدني    حزب "المصريين" يكرم 200 طفل في مسابقة «معًا نصوم» بالبحر الأحمر    الخطيب ولبيب في حفل زفاف "شريف" نجل أشرف قاسم (صور)    سيف الدين الجزيري: مباراة دريمز الغاني المقبلة صعبة    ملف رياضة مصراوي.. إغماء لاعب المقاولون.. رسالة شوبير.. وتشكيل الأهلي المتوقع    يوفنتوس يواصل فقد النقاط بالتعادل مع كالياري.. ولاتسيو يفوز على جنوى    دوري أدنوك للمحترفين.. 6 مباريات مرتقبة في الجولة 20    صفقة المانية تنعش خزائن باريس سان جيرمان    منير أديب: أغلب التنظيمات المسلحة خرجت من رحم جماعة الإخوان الإرهابية.. فيديو    حالة الطقس اليوم.. حار نهارًا والعظمى في القاهرة 33 درجة    أهالى شبرا الخيمة يشيعون جثمان الطفل المعثور على جثته بشقة ..صور    فحص السيارات وتجديد الرخصة.. ماهى خدمات وحدات المرور المميزة فى المولات    "محكمة ميتا" تنظر في قضيتين بشأن صور إباحية مزيفة لنساء مشهورات    حريق هائل بمخزن كاوتش بقرية السنباط بالفيوم    وزارة الداخلية تكرم عددا من الضباط بمحافظة أسوان    تعرف على موعد انخفاض سعر الخبز.. الحكومة أظهرت "العين الحمراء" للمخابز    GranCabrio Spyder| سيارة رياضية فاخرة من Maserati    إياد نصار: لا أحب مسلسلات «البان آراب».. وسعيد بنجاح "صلة رحم"    يسرا: فرحانة إني عملت «شقو».. ودوري مليان شر| فيديو    نسرين أسامة أنور عكاشة: كان هناك توافق بين والدى والراحل صلاح السعدني    انطلاق حفل الفرقة الألمانية keinemusik بأهرامات الجيزة    بعد اتهامه بالكفر.. خالد منتصر يكشف حقيقة تصريحاته حول منع شرب ماء زمزم    بفستان لافت| ياسمين صبري تبهر متابعيها بهذه الإطلالة    هل يتم استثناء العاصمة الإدارية من تخفيف الأحمال.. الحكومة توضح    أعظم الذكر أجرًا.. احرص عليه في هذه الأوقات المحددة    أدعية الرزق: أهميتها وفوائدها وكيفية استخدامها في الحياة اليومية    رسميا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 20 إبريل 2024 بعد الانخفاض الأخير    آلام العظام: أسبابها وكيفية الوقاية منها    عمرو أديب يطالب يكشف أسباب بيع طائرات «مصر للطيران» (فيديو)    باحث عن اعترافات متحدث الإخوان باستخدام العنف: «ليست جديدة»    عاجل - فصائل عراقية تعلن استهداف قاعدة عوبدا الجوية التابعة لجيش الاحتلال بالمسيرات    مرض القدم السكري: الأعراض والعلاج والوقاية    متلازمة القولون العصبي: الأسباب والوقاية منه    «هترجع زي الأول».. حسام موافي يكشف عن حل سحري للتخلص من البطن السفلية    50 دعاء في يوم الجمعة.. متى تكون الساعة المستجابة    نصبت الموازين ونشرت الدواوين.. خطيب المسجد الحرام: عبادة الله حق واجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد صعود إسلاميي تونس: هل يصبح حزب النهضة التونسي النسخة العربية من حزب العدالة والتنمية التركي؟
نشر في القاهرة يوم 15 - 11 - 2011

بالرغم من اختلاف الأطراف السياسية في تونس حول طبيعة الحكومة في أعقاب انتخابات المجلس التأسيسي في 23 أكتوبر الماضي (سياسية كانت أو تكنوقراطية )، فقد دلت كل المؤشرات علي توافق الفرقاء علي تكوين تحالف / ائتلاف إسلامي - ليبرالي - يساري لتولي مهمة المرحلة الانتقالية قبيل إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في 2013، فيما اتجهت خيارات الرئاسة لكل من المنصف المرزوقي ومصطفي بن جعفر، ولكل منهما تاريخه النضالي الطويل. وكانت أول ملامح الخطاب السياسي لحزب النهضة التونسي فور الإعلان عن فوزه بأكبر عدد من مقاعد المجلس التأسيسي هو الاتجاه إلي "طمأنة " كل الأطراف في الداخل والخارج بشأن سياسة الحزب (الإسلامي) تجاه القوي السياسية في تونس، وطريقة إدارة الحكم في الدولة، ومستقبل الدولة المدنية، وعلاقات تونس مع العالم الخارجي . وقد سارع زعيم حزب النهضة راشد الغنوشي بمخاطبة الجميع مؤكدا مد يده للقوي السياسية الأخري في تونس، واستبعاد سياسة الإقصاء السابقة نهائيا، وجعل الحكم مرتكزا علي المشاركة والحريات وحقوق الإنسان ، والحفاظ علي مكاسب المرأة وإشراكها في عملية صنع القرار وتعزيز دورها السياسي، كما طمأن الغنوشي العالم الخارجي مؤكدا احترام "النهضة" للمواثيق الدولية واتفاقات الدولة التونسية مع المجتمع الدولي . وكانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس قد أعلنت نتائج الانتخابات التي أجريت في 23 أكتوبر لاختيار أعضاء المجلس التأسيسي، والتي وصلت بنتائجها نهائيا إلي : حزب النهضة (89 مقعدا)، حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (29 مقعدا)، العريضة الشعبية (27 مقعدا)، ثم التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات (19 مقعدا) الحزب الديمقراطي التقدمي ( 17 مقعدا ) حزب المبادرة ( 5 مقاعد )، القطب الديمقراطي الحداثي ( 5 مقاعد )، حزب آفاق تونس (5 مقاعد )، حزب العمال الشيوعي التونسي ( 3 مقاعد ) مستقلون / أحزاب صغيرة ( 12 مقعدا). وعندما بدأ حزب النهضة بإجراء المشاورات المكثفة من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية يستأثر قياديوها بالحقائب الوزارية السيادية والمراكز الرئيسية في الدولة، فقد بدا واضحا أن الحزب يواجه الاختبار الصعب بعد أن جعلته أصوات الناخبين في مواجهة مباشرة للمشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في ظل أصعب وأدق مرحلة تاريخية تشهدها تونس بعد ثورة 14 يناير التي أسفرت عن إسقاط حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، وأطلقت " الربيع العربي " للمرة الأولي في الفضاء العربي. ومن المقرر أن يتولي المجلس التأسيسي (217 مقعدا) الذي عادت بانتخابه الشرعية الدستورية لمؤسسات الدولة في تونس، مهمة وضع الدستور للجمهورية الثانية في تاريخ تونس، وأيضا تقرير السلطات التنفيذية وتولي مهمة التشريع إلي حين إجراء الانتخابات العامة في ضوء مواد الدستور الجديد . عودة السياسة بكل المقاييس، عاشت تونس تجربة " انتخابية " حقيقية لأول مرة في تاريخها منذ الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي عام 1956، بحيث يمكن بكثير من الثقة وصف هذه الانتخابات بأنها كانت شفافة ونزيهة، وجرت تحت إشراف هيئة عليا مستقلة بدلا من إدارتها من قبل وزارة الداخلية . كذلك، عاد المواطن التونسي إلي مباشرة السياسة واثقا من قدرته علي ممارسة حقه وواجبه الانتخابي، ومطمئنا إلي صناديق الاقتراع، لذلك أقبل التونسيون علي المشاركة السياسية بقوة غير مسبوقة ( نسبة مشاركة 70 % ) ، متحررين من الخوف يدفعهم الإحساس بالمسئولية طالما أن أصواتهم لها قيمتها وأهميتها في تحديد صورة المستقبل، وصيغة الحكم القادم في بلادهم . أيضا، عاد التنوع في الخطاب السياسي وتفاعل القوي والأطراف السياسية، كل علي أساس خلفيته ورؤيته ولونه السياسي، وذخرت الساحة السياسية بالرموز والشخصيات النضالية بكل ما تمثله من قيمة سياسية وفكرية في تحمل مسئولياتها في قيادة القوي السياسية وفقا لمنظومة متكاملة لتحقيق الهدف الجمعي للشعب التونسي في التأسيس لدولة ديمقراطية حديثة تحترم حقوق الإنسان وحرياته بالمعني الشامل . وعلي الساحة التونسية، بدا واضحا تفاعلات القوي السياسية، من حزب النهضة ( الإسلامي) بزعامة راشد الغنوشي بخطابه السياسي الموصوف بالخطاب الديني الذكي الذي توغل في الأحياء الشعبية فاكتسب تأييد المتعاطفين والمحرومين، واعدا الجميع بالحريات وتوسيع المشاركة وبناء أجيال تونس الجديدة، وصولا إلي زعامة المعارض التاريخي الرمز "المنصف المرزوقي " الذي ناصب حكم بن علي معارضة شرسة وقوية، بخطاب سياسي يساري قومي (لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية )، داعيا لترسيخ الهوية العربية الإسلامية للشعب التونسي مع الانفتاح علي باقي الحضارات، والتأسيس لنظام سياسي شبه برلماني ووضع استراتيجيات لحل مشكلات الاقتصاد والصحة والتعليم في تونس ومرورا بحزب ( التكتل من أجل العمل والحريات ) كممثل لليسار وبزعامة المعارض السابق مصطفي بن جعفر المقرب من الحزب الاشتراكي الفرنسي، والذي يخاطب التونسيين انطلاقا من واقعهم الصعب واعدا بحل مشكلة البطالة وتقليص التفاوت الطبقي، ومقدما رؤية سياسية لرئيس تونسي يمزج بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، كما اتسعت الساحة السياسية في مناسبة الانتخابات التاريخية لقائمة (العريضة الشعبية ) بزعامة محمد الهاشمي الحامدي، الإعلامي المقيم في لندن، والذي وعد التونسيين بمجانية التعليم وخفض سعر الخبز ومنح العاطلين منح للمعيشة، إلي أن نصل إلي (الحزب الديمقراطي التقدمي ) ممثلا للوسط و بزعامة المعارض التاريخي أحمد نجيب الشابي والسيدة مية الجريبي، وهو الحزب الذي قدم نفسه كحائط صد في مواجهة حزب النهضة الإسلامي، هذا، مع ملاحظة تجنب الفرقاء التونسيين الظهور بمظهر " المحاربين للحزب الإسلامي " حتي لا يسقط المجتمع في الاستقطاب الثنائي المشين . وهكذا، كما كانت تونس منصة انطلاق ثورات "الربيع العربي "، فإنها مثلت أيضا أول دولة عربية تستعيد " السياسة " لمواطنيها وتستعيد مواطنيها للسياسة، كساحة للمداولة والمفاوضة والتفاعلات الديمقراطية المشروعة، هذا، بالرغم من أن عدد المقترعين بلغ 3702627 من أصل 7569224 مواطنا يحق لهم الانتخاب، مما يعني أن الذين قاموا بواجبهم الانتخابي يمثلون 50 % فقط، أي أن نصف الناخبين التونسيين فضلوا " الصمت "، وهو أمر تؤكده الأرقام المتعلقة بالتسجيل الإرادي للناخبين حيث بلغ عددهم 3205374 فقط . وهكذا، يتبين أن المجلس التأسيسي توزعت مقاعده علي 28 قائمة، منها 19 قائمة تابعة للأحزاب السياسية فازت بعدد 203 أصوات، و8 قوائم مستقلة استأثرت بعدد 8 مقاعد، وقائمة ائتلافية حصلت علي 5 مقاعد، وبلغت نسبة وجود المرأة في المجلس 24 %، وبالتالي توزعت مقاعد المجلس علي مختلف التيارات السياسية والفكرية بما يتجاوز الحسابات الحزبية . وفي المحصلة، لم يتناقض مع عودة السياسة إلي تونس إعلان الهاشمي الحامدي زعيم " العريضة الشعبية " انسحاب قائمته من المجلس التأسيسي احتجاجا علي إلغاء الهيئة العليا للانتخابات فوز قائمتها في ست دوائر بسبب مخالفات مالية، وقد عادت العريضة الشعبية بعد ذلك ، وحازت علي (27 مقعدا ) كما لم يناقض عودة السياسة تسجيل بعض المخالفات الانتخابية، منها شراء للأصوات وضخ المال السياسي، حيث أكدت الرابطة التونسية لحقوق الإنسان أن الانتخابات كانت ديمقراطية وشفافة وقد تمت إدارتها بحياد مشهود . وفي المحصلة أيضا، لاحظنا اعتزاز التونسيين بتجربتهم الانتخابية الرائدة ( عربيا ) والتي تترجم الإحساس بنوع من المسئولية لدي التونسيين لطرح ( نموذج عربي إصلاحي ) يدشن أولي ثمار الربيع العربي، مع إشارات تاريخية تؤكد أن تونس كانت أول بلد إسلامي يضع دستورا في عام 1860 وهو ما أكده البرت حوراني في كتابه " الفكر العربي في عصر النهضة " حزب النهضة بعد ثلاثين عاما من تأسيس حركة حزب النهضة في تونس في 1981 بجهود الثنائي راشد الغنوشي وزميله عبد الفتاح مورو، وبعد سلسلة من المواجهات بين الحركة والسلطة، تمكن حزب النهضة من تعديل خطابه وإعادة ترتيب أوراقه وتنمية علاقاته المجتمعية ورفع مستوي أدائه ليطرح نفسه حزبا معبرا عن " حركة مدنية بمرجعية إسلامية " يؤمن بالديمقراطية وحقوق الإنسان وقيم المواطنة والحق في الاختلاف، وصولا إلي الاعتراف بحرية العقيدة، وكانت هذه هي أسس الخطاب المتجدد التي عاد بها الغنوشي من منفاه بعد ثورة 14 يناير، والمبادئ التي حملت في طياتها خطابا متجددا توجه به حزب النهضة لطمأنة التونسيين إبان انتخابات المجلس التأسيسي . لقد كانت بدايات حركة النهضة الإسلامية في تونس ، علي غرار حركات الإسلام السياسي الأخري في البلدان العربية، بداية أيديولوجية " قاطعة " مع الدولة والسلطة والمجتمع والنظام، ووفقا لأسس معيارية مطلقة ترفض كل شيء، ومن ثمة كان منطقيا ألا تتمكن الحركة الإسلامية في تونس من الانخراط في المشهد السياسي في سنواتها الأولي، لأنها ارتفعت بنفسها فوق كل شيء، مستلهمة بالدرجة الأولي ريادات فكرية يغلب عليها الطابع السلفي من أمثال بن تيمية وبن قيم الجوزية، وبالرغم من استفادة الحركة الإسلامية من تصدعات مشروع الدولة الوطنية وانسداد آفاقه وبالتالي انتكاساته السياسية، ومع استثمار الحركة للهامش الديمقراطي المتاح أسوة بالتيار اليساري، فقد جاء الصدام بين الحركة الإسلامية والسلطة مدويا، وتراوح مصير القادة الإسلاميين بين السجون والمنفي، وقد سجن الغنوشي لعدة سنوات، حتي اختار منفاه في لندن الذي استمر لمدة عقدين، ولم تطأ قدماه أرض الوطن مجددا إلا بعد سقوط حكم بن علي بعد ثورة 14 يناير . ولم تكن سنوات " المحنة " التي مرت بها الحركة الإسلامية في تونس سوي فرصة للمراجعات وبحث الأهداف ودراسة المناهج والخطابات المعدلة في محاولة لمسايرة جيل جديد من شباب الحركة أقل خضوعا علي الصعيد الأيديولوجي، وأكثر ميلا للانفتاح والفكر الليبرالي، هذا، مع ملاحظة أن الغنوشي نفسه له رؤية تجديدية إسلامية ساعدت علي تعزيز الوجه الحداثي لحزب النهضة من خلال التأكيد علي حقوق المواطنة والمساواة بين الجميع وهو ما دلل عليه في كتابه الشهير بعنوان " الحريات في الإسلام "، ويؤكد الغنوشي أن الإسلام دين حضاري، وفي تصريحاته مجددا يؤكد أنه لا تناقض بين الإسلام والعقل ولا تناقض بين الإسلام والعلم والحداثة والديمقراطية . وفي خضم معركة انتخابات المجلس التأسيسي في 23 أكتوبر، كانت الأحزاب التونسية التقليدية منشغلة بتصفية حساباتها مع بعضها البعض، ومع النظام الاستبدادي السابق، موجهة خطابها للنخبة والمثقفين في المقام الأول، بينما اتجه خطاب حزب النهضة للمهمشين والفقراء والمستبعدين في المدن والقري والأحياء الشعبية مع تنويع لغة الخطاب حسب الأحوال، حتي تمكنت النهضة من حصد تأييد ليس فقط مؤيدوها من النشطاء والمنضوين تحت لوائها، ولكن أيضا الحصول علي تأييد الناخبين المتعاطفين مع أفكار الحركة في ثوبها المتجدد / الإصلاحي، وأيضا الفئات المتدينة من التونسيين الذين استجابوا للخطاب المتطور الذي تبنته قيادات النهضة . وبعد إعلان نتيجة الانتخابات وفوز النهضة ب89 مقعدا في المجلس التأسيسي، استشعرت حركة النهضة وقادتها وفي مقدمتهم الغنوشي درجة عالية من الثقة بالنفس، مؤكدين سقوط حاجز الخوف المجتمعي التقليدي من الإسلاميين، هذا علي الرغم من أن مسارعة النهضة للحديث عن التشكيل الحكومي وصيغة توزيع المناصب الرئيسية دفع البعض للتكهن بأن الإسلاميين يضمرون "رغبة عارمة" للوصول إلي السلطة وممارستها، ولكن ظل السؤال الرئيسي ماثلا : أي نموذج مجتمعي سيتم طرحه علي التونسيين في ظل حكم حزب النهضة "الإسلامي"؟ وهنا، يمكن طرح عدة ملاحظات : 1 في العموم، يتوخي الشعب التونسي بناء جمهورية علمانية يتخذ فيها الدين مكانة محايدة، وتعامل فيها الشريعة الإسلامية كغيرها من الشرائع كشأن خاص بدون تدخل من الدولة، وقد أدي فوز حزب النهضة الإسلامي إلي تصعيد الجدل مجتمعيا وسياسيا حول العلاقة بين الدين والدولة، مما يستوجب من النهضة الكثير من المواقف المحددة، وربما لن يكون كافيا أن يردد الغنوشي أنه ليس " الخوميني "، وأن حزبه هو حزب إسلامي ديمقراطي، وتمثل قضية المرأة نقطة فاصلة، حاول الغنوشي تهدئتها بالتأكيد علي أن مجلة الأحوال الشخصية التي لا تجيز
تعدد الزوجات وتقر بالمساواة بين المرأة والرجل مستمدة من الشريعة وهي مسألة محسومة قانونيا. 2 علي الرغم من الوجه الحداثي الذي يحرص عليه الغنوشي وصحبه في حزب النهضة، وتجاهل هؤلاء الإشارة إلي ارتباطهم بالإخوان المسلمين، فإن رئيس الحركة راشد الغنوشي يعتبر الإخوان حليفا لهم وإن كان ينفي أن يكونوا مرجعية له، ولكن الغنوشي، علي حسب عدة مصادر يتمتع بعضوية مكتب الإرشاد العالمي لجماعة الإخوان المسلمين . ومن هنا يأتي التساؤل : هل سيكشف إسلاميو النهضة عن أفكارهم الحقيقية الكامنة بعد أن يطمئنوا إلي وجودهم علي قمة السلطة ؟ ، لقد كان الغنوشي ينادي دائما في السابق بتطبيق الشريعة الإسلامية في تونس. وفي ضوء نتائج الانتخابات يعتري عددا كبيرا من التونسيين والأحزاب الليبرالية القلق علي حرياتهم الشخصية، وحقوق المرأة التونسية، وطريقة ممارسة الحياة السياسية مستقبلا في ظل نهم للسلطة بدا واضحا لدي حزب النهضة، ، ويتكهن البعض بأن الخطاب المعلن للنهضة لا يكشف عن كل شيء، ويتوقع عدد من النشطاء بأن الإسلاميين بعد برهة زمنية سوف يتجهون إلي فرض الإسلام الأصولي داخل المجتمع التونسي العلماني، فضلا عن مخاوف بأن يحتكر الإسلاميون الفضاء السياسي، لتعود من جديد حقبة الحزب الواحد، وهنا يجري استعادة كلمات للغنوشي مؤخرا يقول فيها " نحن لسنا في حاجة للعلمانية من أجل التسامح والديمقراطية والتعددية، فليست العلمانية والديمقراطية قرينتين لا تنفصلان، وهناك دول كانت علمانية وديكتاتورية مثل الاتحاد السوفييتي، وكان بورقيبة وأتاتورك علمانيين وديكتاتوريين " ، وعندما قام الغنوشي بزيارة قطر بعد إعلان نتيجة الانتخابات قال ان حزبه يعتزم تأسيس دولة إسلامية في تونس، وأثارت الزيارة غضبا لدي التونسيين وسط اتهامات بتدخل قطري / خليجي / مالي في شئن بلادهم . 3 يؤكد الغنوشي أن حزب النهضة التونسي يسير علي هدي حزب العدالة والتنمية التركي، وهذه الفكرة يجري تكرارها من جانب أطراف مختلفة، بل إن هناك من يعتبرون النمط التركي الأردوغاني هو نفسه ينقل التجربة التونسية التي تحدث عنها الغنوشي في كتاباته السياسية، كما يشار إلي سفرة المصلح التونسي خير الدين باشا في القرن 19 إلي تركيا، وإسهامه في الإصلاحات السياسية والإدارية في دولة الخلافة، ومن ثمة أصالة التجربة التونسية في صلتها بالتجربة التركية، فقد سبق أن ألهمت علمانية أتاتورك التركية الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة في سنوات الاستقلال الأولي، وليستمر التساؤل مجددا : هل يمكن أن يمثل حزب النهضة في تونس "النسخة العربية" من حزب العدالة والتنمية التركي؟ 4 مما سيثير حرجا بالغا بالنسبة لحكم النهضة في تونس ما يتعلق بصعود قوة التيار السلفي المتشدد، والذي يطالب بإلغاء الأحزاب، وتأسيس الخلافة الإسلامية، وقد تسبب حزب التحرير السلفي في مشكلات عديدة بعد التهجم علي بائعي المواد الكحولية ونساء غير محجبات، فضلا عن رفع شعارات عنصرية متشددة . المشهد السياسي مثلت "تجاذبات" المشهد السياسي في تونس بعد الانتخابات " لحظة الميلاد " الصعبة لمسيرة الديمقراطية في دولة ما بعد ثورة الياسمين التاريخية . صحيح أن كل الأطراف السياسية ارتضت بالنتيجة التي حسمتها صناديق الاقتراع تعبيرا عن الإرادة الشعبية، والتي جاءت بمفاجأة فوز النهضة التي لم تقترب مسبقا من دوائر السلطة، وكانت مطاردة ومستبعدة من الساحة السياسية كليا، غير أن هذا الرضا السياسي لم يخف خلافات اللحظة حول نصيب كل طرف من " كعكة السلطة ". وفي خضم حالة "سياسية" بامتياز، تسارع ماراثون المشاورات الظاهرة والخفية بين الأقطاب الرئيسيين : حزب النهضة بقيادة راشد الغنوشي، وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية بقيادة المنصف المرزوقي، وحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات بقيادة مصطفي بن جعفر، وطبعا باقي الأطراف السياسية الأخري علي الساحة التي أصبحت حاليا تتسع للجميع بدون استثناء، كل علي حسب نصيبه من القوة السياسية. وفي غمار هذه الحالة بدت عدة مؤشرات دالة : فقد وضع حزب النهضة عينه علي منصب رئيس الحكومة متذرعا بمبدأ ديمقراطي عملي مؤداه أن الحزب الفائز بالمركز الأول في الانتخابات في الدول الديمقراطية هو الذي يكلف بتشكيل الحكومة ورئاستها، ومع الإعلان عن عزم النهضة تولية أمينه العام حمادي الجبالي رئاسة الحكومة انطلقت الخلافات، فالحزب الديمقراطي التقدمي أعلن أنه لن يشارك في حكومة يشكلها أو يرأسها حزب النهضة، وزيادة في تعقيد الموقف عبرت أطراف خارجية عن اعتراضاتها، إذ أعلنت أطراف ألمانية أن النهضة تقف وراء تفجير نزل في الساحل التونسي في وقت سابق، وبالتالي لا توافق علي تولي منصب الحكومة لمن ينتمي لحزب النهضة . وفي السياق، أعلن أحمد الشابي زعيم الحزب الديمقراطي التقدمي ( 17 مقعدا في المجلس ) أن حكومة وحدة وطنية ستعني حكومة النهضة، ومن يقبلون بالمشاركة فيها لن يكونوا سوي " الديكور " . من ناحية أخري وفي خضم خلافات ظاهرة، بدا أن حزب المؤتمر يقوم بدور الوسيط بين النهضة والتكتل بعد تصعيد للخلافات السياسية بينهما، فيما أعلن حزب النهضة تمسكه بوزارات مهمة هي العدل والخارجية والتربية والثقافة . وفيما ترقبت الدوائر التونسية أول اجتماع للمجلس التأسيسي المنوط به مهمة وضع الدستور، والتوافق حول رئيس للجمهورية، ورئيس الحكومة، وتكوين مجلس تشريعي خلال الفترة الانتقالية فإن إشكالا آخر فرض نفسه وهو التداول حول مدة ولاية المجلس، حيث رأي حزب النهضة أن مدة سنة كافية لصياغة دستور للبلاد، والانتقال بها إلي المستقبل، واجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في بداية عام 2013، غير أن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية أصر علي تمكين المجلس مدة كافية تصل إلي ثلاث سنوات للتأسيس لحياة سياسية جديدة في تونس علي أسس سليمة. اللحظة التاريخية لماذا تمخض "الربيع العربي" عن صعود الأحزاب الإسلامية، وظهورها القوي علي الساحة، وصولا إلي فوز حزب النهضة الإسلامي في تونس وتوقع فوز الإخوان المسلمين في مصر .. ترقبا لحالات عربية أخري مشابهة ؟ وللرد علي هذا السؤال يمكن الإشارة إلي عدة أسباب مطروحة: 1 إن الأحزاب والحركات الإسلامية هي الأكثر تنظيما والأكثر قدرة علي إدارة معاركها السياسية والانتخابية في ظل مرحلة مختلطة خاصة مع ارتباك حركة الأحزاب التقليدية التي لم تتخلص بعد من وعيوبها المزمنة، هذا علما بأن الأحزاب الإسلامية لاتزال بوجه عام تستخدم الدين في السياسة وتستثمر الشعارات الدينية في استثارة عطف الناخبين، ولم يتحدد بعد الحد الفاصل والقاطع بين هؤلاء الإسلاميين المنخرطين في العملية السياسية، وإسلاميين آخرين يؤسسون للسلطة علي أساس الحاكمية الإلهية . 2 إن الأحزاب والحركات الإسلامية قد عدّلت كثيرا من لغة خطابها وطورته ليتلاءم مع مطالب الجماهير واحتياجاتها ولمسايرة الحركة الديمقراطية، فهم يتحدثون الآن عن المواطنة وحقوق الإنسان والدولة الديمقراطية، ويركز الإخوان المسلمون في مصر علي السيادة الشعبية، ويؤكد حزب النهضة التونسي اعترافه بحقوق المرأة وطرح الحزب علي أنه حركة وسطية معتدلة . وهنا نلاحظ الفروق النوعية بين إسلاميي الدول العربية حيث تختلف درجة تطورهم وانفتاحهم السياسي من دولة إلي أخري، فحزب النهضة في تونس أكثر ليبرالية من الإخوان المسلمين في مصر لأن حركة التطور الفكري لإخوان مصر توقفت تقريبا عند مستوي الاجتهادات النسبية التي طرحت في تسعينيات القرن الماضي، لذلك نراهم اليوم أقرب إلي الاتجاهات المحافظة، وفي بعض الآراء الصادرة عنهم خاصة بعد ثورة 25 يناير وإحساسهم بالقوة ما ينم عن رجعية ظاهرة (قضايا الأقباط قضية المرأة قضية الدولة المدنية الحديثة..إلخ) ، بالإضافة إلي أن إخوان مصر لم يتوفر لديهم الرمز القيادي اللامع والقادرعلي طرح رؤية إسلامية جديدة ومتطورة في سياق متوافق جماهيريا . 3 مما يساعد أيضا علي صعود الإسلاميين في ظل لحظة الربيع العربي الاستثنائية انتشار حالة عدم الطمأنينة لدي كثير من الناس مما وضح كثيرا في حالتي مصر وتونس بعد سقوط رأس النظام في كليهما، وبدا أن الناس في حاجة ماسة لمن يشعرهم بالاستقرار والأمان، وهناك من يخافون من الفوضي، وهنا يلاحظ ميزة إخوان مصر تحديدا في احتكارهم للفضاء الاجتماعي الثقافي ( المساجد العمل الاجتماعي.. ) وقد مهدت هذه الحالة فرصة ذهبية لكل من " يتوق " إلي السلطة بأي ثمن، سواء من الإسلاميين أو الأحزاب التقليدية، وفي كل من حالتي مصر وتونس، فقد جري تقديم الطرح الإسلامي الانتخابي علي أنه الضمانة الوحيدة للمستقبل وللهوية ، ومن ثمة تحولت المعركة الانتخابية من السياسة المدنية إلي تصويت ( علي الهوية ) إلي جانب من "يعرفون الله أكثر من غيرهم "، وقد عرف الإسلاميون تماما طريقهم للتأثير في العقل الجمعي المتأثر بالعاطفة الدينية . 4 ينظر إلي لحظة صعود الإسلاميين الحالية في مصر وتونس وبعض الدول الأخري علي أنها قد تكون " الفترة الانتقالية " اللازمة بعد زلزال الربيع العربي وانتفاضة الشعوب العربية علي زعمائها المستبدين، فقد تكون هذه هي الفترة الانتقالية للتصويت العقابي ضد النظم الاستبدادية وضد الأحزاب المنقسمة علي نفسها، كذلك، قد تكون هذه هي " الفترة الانتقالية " التي يمر فيها الإسلاميون ب " الاختبار" القاسي لمعرفة مدي قدراتهم علي حل مشكلات الفقر والبطالة والتعليم والصحة والتنمية ومشكلة الأقليات والنزاعات الاجتماعية، وقد تكون هذه هي "الفترة الانتقالية " التي يجري فيها الاحتكاك الحقيقي والمباشر بين الإسلام والحداثة ( في السياق العربي )علي أرضية ديمقراطية منفتحة، فيعرف الإسلاميون فيها طريقهم للفكر النقدي وعقلنة الشأن الحياتي، وتحييد فكرة التسليم المطلق للغيبيات المتجاوزة للعقل، هذا مقابل نوع من التوازن الحداثي المعترف بأهمية الروحانية الدينية ودورها الضروري في حياة الإنسان ، مما يؤدي إلي توازن مجتمعي يمهد لزيادة الوعي الشعبي، والثقافة الحقوقية، وضبط الدور الديني في الشأن العام، وزيادة قوة الاتجاهات الديمقراطية. 5 فضلا عن ما سبق، يواجه الإسلاميون جميعا تحديات مصيرية للمواءمة بين المفاهيم الإسلامية من ناحية، واحتياجات مجتمعية منفتحة ومادية ومباشرة من ناحية أخري، ومن هنا تثور التوقعات لدي البعض بأن الصراعات المرتقبة لن تكون إسلامية علمانية، بقدر ما ستكون إسلامية إسلامية تؤدي إلي بروز إسلامات جديدة تحت رعاية إسلاميين وسطيين لا يجدون غضاضة في القبول السهل بفكرة الدولة المدنية علي أسس الديمقراطية وحقوق الإنسان المعترف بها عالميا، ويستدل علي ذلك بتجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا، وحزب النهضة في تونس، وحزب الوسط في مصر . 6 ليس ثمة إمكانية لمعالجة قضية صعود الإسلام السياسي بعد ثورات الربيع العربي، بعيدا عن الموافقة أو الرعاية أو التنسيق الغربي الأمريكي في هذا الصدد، وقد أكد الغنوشي أنه تلقي تطمينات غربية، و أعلنت الإدارة الأمريكية صراحة أنها ستتعامل مع حزب النهضة التونسي، وسترضي في حالة صعود الإخوان المسلمين للحكم في مصر، وهذا الموقف ليس جديدا فعلي مدي عقود ماضية وفرت أمريكا رعايتها لصعود إسلاميين آخرين، ولابد هنا من ملاحظة أنه في كل مرة حدث فيها هذا " التحالف " كان ينتهي بتوسيع دوائر التطرف والإسلام الراديكالي من ناحية، وبعد ذلك استهداف الولايات المتحدة والغرب ومصالحه من ناحية أخري . وهنا أيضا لابد من ملاحظة أنه لم يكن مطلقا في مصلحة الغرب وأمريكا تحقيق إصلاحات ديمقراطية حقيقية في العالم العربي، كما أن الولايات المتحدة كانت ترفض دوما وضع الأجهزة الأمنية في الدول العربية، وخطط تعاونها مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية تحت رقابة المؤسسات الشعبية.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.