تعد الوثائق والمكتبات فى مصر القديمة هى الأساس فى حفظ التراث الثقافى، فهى التى شجعت وساعدت الشعوب على التدوين والتوثيق، حيث كانت مبادئ الفراعنة تعتبر " إن ما لم يدون فى وثيقة يُعد غير موجود "، والدليل على ذلك بأن امتلأت آثارهم بالكتابة والرسوم، واحتلت وظيفة الكاتب عندهم المرتبة الأولى بين وظائف الدولة، ولقد تم الكشف عن كثير من الكتابات المصرية القديمة على البردى، وكثير من الوصايا والتعاليم الدينية والأخلاقية، تدل على أن قدماء المصريين عرفوا التوثيق والكتابة منذ أكثر من خمسة آلاف عام، وكانت مكتبة الإسكندرية أشهر المكتبات فى مصر قبل الفتح الإسلامى، وقد أدت دوراً خطيراً فى تاريخ الحضارة الإنسانية، إذ حفظت لنا تراث اليونان القدماء، وترجمات التراث الإنسانى فى مختلف اللغات، ويعود الفضل فى ذلك إلى العلماء والباحثين الذين كانوا يعملون فيها، وإلى موقع المدينة فى الخارطة الحضارية العالمية . وتطورت المكتبات منذ أن نشأت فى صورة دار أو مكتبة صغيرة لتكون نواة لمكتبات تحتوى على كل ألوان التراث والثقافة، وهناك العديد من المكتبات الشهيرة تنتشر فى ربوع أرض مصر الكنانة ... أولاً: دار الكتب والوثائق القومية : تم انشاء " دار الكتب " عام 1870 كأول مكتبة وطنية فى العالم العربى وكان مقرها وقتها منطقة " درب الجماميز " ، وتم إعادة افتتاح المبنى التاريخى لدار الكتب والوثائق القومية " الكتبخانة " بمنطقة باب الخلق قلب مدينة القاهرة التاريخية، بعد مائة وسبعة وثلاثين عاماً من ميلادها الأول كأول مكتبة وطنية عربية.. ودرة المشروع الخديوى الثقافى، حيث يُعد هذا الحدث الثقافى الأهم لعام 2007 . وتعد الكتبخانة أول وأقدم مكتبة وطنية فى العالم العربى, حيث أصدر الخديو اسماعيل عام1870 أمراً بانشاء نواة لمكتبة عامة على نحو مكتبة باريس, ثم وضع الخديوى عباس حلمى الثانى حجر الأساس للمبنى بباب الخلق عام1899, ومع مرور الزمن تعرض المبنى لعوامل بيئية أوشكت على أن تهدده بالإنهيار مما تطلب إعادة ترميمه. لاشك أن دار الكتب المصرية واحدة من كبريات مؤسسات المعرفة فى مصر والعالم العربى، وكانت حتى منتصف القرن الماضى الجامعة الحرة لمصر بكفاءة وجدارة يلتقى فيها الأعلام الذين كانوا ملء السمع والبصر فى هذا الوقت، كما أن العارفين بالمخزون الفكرى الذى لمت شمله ووجدت اشتاته دار الكتب المصرية ، يقدرون أنها بحق ذاكرة مصر الفكرية ومدخر التراث العربى الإسلامى الذى حفظته عبر عشرات القرون . إن وظيفة دار الكتب فى باب الخلق تتمثل فى حماية المخطوطات سواء عربية أو تركية أو فارسية، والعمل على إتاحتها للباحثين عبر الوسائل الإلكترونية، وإعداد فهارس متكاملة لها لتسهل مهمة الباحثين والمترددين، مع الإستمرار فى نشر وتحقيق التراث، بالإضافة إلى الحفاظ على أوائل المطبوعات وهى مجموعات من الكتب ذات القيمة العلمية العالمية التى آلت إلى الدار منذ نشأتها، فضلاً عن تصوير مجموعة البرديات والخرائط التى تعد من أندر وأهم ما تمتلكه الدار، وتعمل على تصويرها رقمياً وعمل قواعد بيانات لها، وإتاحتها للباحثين والمستفيدين منها، وإعداد بانوراما متحفية، والكتبخانة بنيت فى ثلاثة أعوام ومع بداية العام الرابع فتحت أبوابها للجمهور، ومنذ 1904 حفرت كتبخانة مصر بصمتها على عقول الباحثين عن المعرفة, لتؤكد دوراً مصرياً معرفياً لاينافسه دور. مقتنيات الكتبخانة : وتحتفظ كتبخانة مصر بعدد من القطع النادرة، أهمها نموذج قبة الصخرة التى أمر ببنائها الخليفة الأموى عبد الملك بن مروان فوق الصخرة المُقدسة، وهذا النموذج مُرصع بالأحجار الكريمة والجواهر ومحلى من الداخل والخارج بنقوش وكتابات عربية وفارسية، وكذلك أشهر حبة قمح التى كتب عليها تواريخ من تولوا حُكم مصر من عمرو بن العاص حتى الملك فؤاد . ويعتبر نسخ من القرآن الكريم وتوراة موسى وكتاب الفلاحة وألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة، ضمن أندر أربعين كتاباً مطبوعاً تضمها دار الكتب, ومعها أقدم الدوريات"21 دورية " توقف بعضها مثل اللواء والمقطم وأنيس الجليس والتنكيت والتبكيت . وهناك الخرائط النادرة لرحلات الاسكندر الأكبر ومصب النيل وخط سير الحملة الفرنسية ضمن29 خريطة، والتى تعد من أندر الخرائط التى تقتنيها الدار إلى جانب مسكوكات وعملات نقدية ذهبية وفضية، دينارات ودراهم ذهبية وفضية وبرونزية منذ العصر الأموى والدولة العثمانية وحتى عصر محمد على . وأيضاً من اللوحات النادرة يوجد سبع عشرة لوحة خطية أبرزها التى كتبها الخطاط عثمان المعروف" بحافظ القرآن" ولوحة الفنان محمد حسن"1920" لأحد أحياء مصر، وفى مجال التصوير الفوتوغرافى تحتفظ الدار بأربعة ألبومات لمديريها فى الفترة من1879 حتى 1938 وأساطين الدولة العلوية، وعلى رأسهم محمد على المؤسس علاوة على مجموعات للطوابع النادرة التذكارية كالتى صدرت فى إيران بمناسبة عقد قران الشاه محمد رضا على الأميرة فوزية عام1939، وزواج الملك فاروق عام 1938 سجل تعداد النفوس هو أول محاولة لتعداد سكان مصر وأمر به محمد على باشا عام1847 وهو واحد من أندر الوثائق ضمن خمسة عشرة وثيقة بين فرمان وسجل . أما بالنسبة للبرديات فإحداها تعود إلى عام 709 ميلادية الموافق 90 هجرية فى عهد الحاكم الأموى الوليد بن عبد الملك، إضافة إلى 132 مخطوطاً بالعربية والفارسية والتركية فى الطب والأدب والديانات والفلك وأعظم ملحمة أدبية فارسية وهى " الشاهنامة " التى قضى مؤلفها أبو القاسم الحسن بن اسحق بن شرف شاه 30 عاماً فى نظمها ويعود تاريخ هذه النسخة إلى عام 1393 ميلادية، كما تتضمن إحدى قاعات المبنى رصداً لجزء من تاريخ أسرة محمد على الذى حكم مصر عام 1802 ومظاهر الحياة العامة خلال خلفائه من الولاة عباس وسعيد وإسماعيل ومجموعات من الاسطوانات القديمة لكبار المطربين القدامى فى مصر، ومن بينهم سلامة حجازى وسيد درويش حتى عصر أم كلثوم إلى جانب وثائق تعود لفترة الحملة الفرنسية على مصر ومنها وثيقة زواج الجنرال مينو الذى خلف نابليون بونابرت من زبيدة المصرية . وتمتلك أيضاً مجموعات من المقتنيات .. أوراق البردى والمخطوطات العربية والشرقية والنقود الإسلامية ولوحات الخط العربى، التى تتميز بأصالتها وندرة محتوياتها لأنها السجل الحافل للانتاج الفكرى والأدبى والعلمى للأمة الإسلامية على امتداد أربعة عشر قرناً . كما تمتلك الدار مجموعة ضخمة من النقود العربية والإسلامية، وتضم دنانير ومجموعة من المكاييل والصفيح الزجاجية ، وكذلك مجموعة نادرة من لوحات الخط العربى متفاوتة الأحجام، تتراوح كتابة خطوطها بين القرنين التاسع والرابع عشر الهجريين، ينتمى مُعظمها إلى المدرستين التركية العثمانية والإيرانية الفارسية، للخطاطين المشاهير المنقوشة بالذهب والألوان البديعة . وتضم قاعة المخطوطات 132 مخطوطاً فى مجال الطب والفلك واللغات الفارسية والتركية والملاحم الفارسية القديمة التى يزيد عمرها عن أكثر من 600 عام، وديوان يوسف وزليخة من تأليف التركى نظم عبد الله، وقد ألحق بالدار أيضاً مكتبات قصر عابدين ومكتبة د. فؤاد سزكين ومجموعة كتب لغات شرقية، ومجموعة من الموسوعات ودوائر المعارف، وكان كل هذا يمثل تراكماً على مدى ما اقترب من القرن والنصف يؤشر لما يتجاوز الكتاب كوسيلة ويصل للأعمق والأبعد فى ذاكرة الوطن . مراكز بحوث ووثائق دار الكتب: وتضم دار الكتب عدداً من مراكز الأبحاث والوثائق أهما : - مركز تحقيق التراث .. والذى أنشئ فى سنة 1966، بغرض تعليم بعض شباب الباحثين المناهج العلمية لتحقيق ونشر التراث، وأخرج المركز على امتداد أكثر من ربع قرن عدداً من الكتب التراثية فى موضوعات مختلفة، ويدور نظام العمل بالمركز على أساس اللجان المتخصصة فى كل فنون اللغة العربية . - مركز وثائق تاريخ مصر المُعاصر .. وأنشىء عام 1963، ويقوم بحفظ وثائق تاريخ مصر الحديث الموجودة فى الداخل والخارج، وجمع تراث الزعماء المصريين، وإصدار فهارس تحليلية لها، ونشر هذا التراث علمياً، ويصدر سلسلة شهرية عن تاريخ مصر الحديث والمعاصر بعنوان " مصر النهضة " . - مركز الببليوجرافيا.. وأنشئ عام 1970، فى إطار مشروع ضخم يستهدف إعداد فهرس كامل لمقتنيات دار الكتب فى مائة عام يُعرف ب " الفهرس المئوى " وأدخل الحاسب الآلى إلى المركز فى سنة 1977، لمواجهة أعمال الببلوجرافيا المتنوعة، ويستخدم المركز الأجهزة المنظومة وأنظمة حديثة ليكون المركز متصل دائماً بالشئون الفنية . - مركز توثيق وبحوث آدب الطفل .. وأنشىء عام 1988، بغرض جمع كل المواد المتعلقة بأدب الطفل فى مصر والوطن العربى وعلى المستوى الدولى، ولتسهيل عمل الباحثين فى مجال أدب الأطفال وتطوير مجال البحث فيه، ويتكون المركز من قسمين أساسيين.. مركز معلومات لتقديم الخدمة البحثية المتخصصة عن أدب الأطفال ومكتبة نموذجية للأطفال تقدم الخدمة المكتبية المتطورة والمثالية لمكتبات الأطفال . تطوير نظام المكتبة: تم تطوير نظام المكتبة بإعداد قاعدة بيانات مُحملة على شبكة من الحاسبات الآلية، وتطوير نظام الفهرسة والتصنيف والتكشيف، وتوفير نظم خدمات معلومات إلكترونية للمستفيدين وتأمين الوثائق من الفقد، وقد استغرق المشروع ست سنوات كاملة بدأت منذ أواخر عام 2000 وحتى ديسمبر عام 2006 . وقد روعى عند بدء عملية التطوير فيما يخص الجانب المعمارى للمكتبة ضرورة الاحتفاظ بسمات المبنى الرئيسية لقيمته التاريخية، والتركيز على الطابع الإسلامى فى التصميم وسهولة ارتياد الأماكن للمترددين على المكتبة، والاهتمام بأمن الأفراد ورواد المكتبة وموظفيها، وأمن المقتنيات والمبنى وتوفير أنظمة آلية وكهربائية ونقل ميكانيكى للمخطوطات والكتب وإلى قاعة الاطلاع والبحث . وامتد التطوير إلى الناحية العلمية بوضع قواعد منهجية علمية لتحقيق النصوص العربية القديمة وخاصة التاريخية ونشرها، مع التأكيد على توفير المتخصصين فى هذا المجال بتدريبهم لصقلهم، ويزداد تبلور التطوير بإصدار الدار دورية علمية نصف سنوية عن التراث العربى تسمى "حوليات التراث العربى" تتميز عن مثيلاتها فى مادتها العلمية وإخراجها الفنى وطباعتها، ومجلة نقدية سنوية تعرض أهم الكتب المُحققة بأقلام أساتذة متخصصين، لمتابعة الباحثون والدارسون فى البلاد العربية والإسلامية ومعاهد ومراكز الاستشراق للزيادة المطردة فى حركة التراث العربى .