«سلامتك في سرية بياناتك».. إطلاق حملة «شفرة» لتوعية المجتمع بخطورة الجرائم الإلكترونية    اسعار اللحوم اليوم الخمبس 16-5-2024 في الدقهلية    الحكومة الإيطالية تبيع كمية من أسهم شركة إيني بقيمة 1.5 مليار دولار    قصف مدفعي إسرائيلي يستهدف شمال مخيم النصيرات وسط قطاع غزة    رئيس وزراء اليابان يدين محاولة اغتيال نظيره السلوفاكي    اليوم.. الرئيس السيسي يشارك في القمة العربية بالبحرين ويلتقي عددا من القادة العرب    عاجل.. قصف مدفعي وغارات جوية في محيط معبر رفح    بوتين: العلاقة بين الصين وروسيا عامل استقرار في العالم    نجم المنتخب: أتمنى تتويج الأهلي والزمالك ببطولتي دوري الأبطال والكونفدرالية    الأهلي يُبلغ مروان عطية بقرار عاجل قبل مباراة الترجي التونسي بدوري الأبطال    حالة الطقس اليوم الخميس 16-5-2024 في محافظة قنا    طلاب الصف الثاني الثانوي بالدقهلية يؤدوا امتحان الرياضيات البحتة    طلاب الصف الثاني الثانوي في القاهرة يؤدون امتحان "الجبر والتفاضل"    طلاب الشهادة الإعدادية بالقاهرة يؤدون امتحان اللغة العربية داخل 1223 لجنة    بعد عرض الحلقة 7 و8.. مسلسل "البيت بيتي 2" يتصدر تريند "جوجل"    توقعات الأبراج وحظك اليوم 16 مايو 2024: تحذيرات ل«الأسد» ومكاسب مالية ل«الحمل»    حلم ليلة صيف.. بكرة هاييجي أحلى مهما كانت وحلة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 16-5-2024    تخفيض 25% من مقابل التصالح بمخالفات البناء حال السداد الفوري.. تفاصيل    إبراهيم عيسى: "في أي لحظة انفلات أو تسامح حكومي البلاعات السلفية هتطلع تاني"    تشكيل برشلونة المتوقع أمام ألميريا في الدوري الإسباني    ارتفاع أسعار الذهب اليوم الخميس 16-5-2024 بالمصنعية    شقيقة ضحية «أوبر» تكشف القصة الكاملة ل حادث الاعتداء وترد على محامي المتهم (فيديو)    ترامب عن بايدن بعد تعليق المساعدات العسكرية لإسرائيل: متخلف عقليا    نجمة أراب أيدول برواس حسين تُعلن إصابتها بالسرطان    تراجع الوفيات بسبب جرعات المخدرات الزائدة لأول مرة في الولايات المتحدة منذ الجائحة    "في الخلاط" حضري أحلى جاتو    طريقة طهي الكبدة بطريقة صحيحة: الفن في التحضير    رضا عبد العال: «حسام حسن كان عاوز يفوز بكأس عاصمة مصر عشان يستبعد محمد صلاح»    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟ أمين الفتوى بجيب    الانخفاض يسيطر.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الخميس 16 مايو بالمصانع والأسواق    قدم الآن.. خطوات التقديم في مسابقة وزارة التربية والتعليم لتعيين 18 ألف معلم (رابط مباشر)    فوائد تعلم القراءة السريعة    وزير النقل يكشف موعد افتتاح محطة قطارات الصعيد الجديدة- فيديو    بوتين يصل إلى الصين في "زيارة دولة" تمتد ليومين    الرئيس السيسى يصل البحرين ويلتقى الملك حمد بن عيسى ويعقد لقاءات غدًا    تين هاج: لا نفكر في نهائي كأس الاتحاد ضد مانشستر سيتي    4 سيارات لإخماد النيران.. حريق هائل يلتهم عدة محال داخل عقار في الدقهلية    ماذا قال نجل الوزير السابق هشام عرفات في نعي والده؟    بعد 40 يوما من دفنها، شقيقان وراء مقتل والدتهما بالدقهلية، والسر الزواج العرفي    رئيس الترجي يستقبل بعثة الأهلي في مطار قرطاج    طلعت فهمي: حكام العرب يحاولون تكرار نكبة فلسطين و"الطوفان" حطم أحلامهم    طريقة عمل الدجاج المشوي بالفرن "زي المطاعم"    منها البتر والفشل الكلوي، 4 مضاعفات خطرة بسبب إهمال علاج مرض السكر    كم متبقي على عيد الأضحى 2024؟    أسما إبراهيم تعلن حصولها على الإقامة الذهبية من دولة الإمارات    الدوري الفرنسي.. فوز صعب لباريس سان جيرمان.. وسقوط مارسيليا    «فوزي» يناشد أطباء الإسكندرية: عند الاستدعاء للنيابة يجب أن تكون بحضور محامي النقابة    «الخامس عشر».. يوفنتوس يحرز لقب كأس إيطاليا على حساب أتالانتا (فيديو)    قصور الثقافة تطلق عددا من الأنشطة الصيفية لأطفال الغربية    ماجدة خير الله : منى زكي وضعت نفسها في تحدي لتقديم شخصية أم كلثوم ومش هتنجح (فيديو)    وزير النقل يشرح تفاصيل تعويض الأهالي بعد نزع ملكيتهم في مسار القطار الكهربائي    رئيس تعليم الكبار يشارك لقاء "كونفينتيا 7 إطار مراكش" بجامعة المنصورة    هولندا تختار الأقصر لفعاليات احتفالات عيد ملكها    كامل الوزير يعلن موعد تشغيل القطار الكهربائي السريع    وزير التعليم العالي ينعى الدكتور هشام عرفات    حسن شاكوش يقترب من المليون بمهرجان "عن جيلو"    سعر الزيت والسكر والسلع الأساسية بالأسواق اليوم الخميس 16 مايو 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. السيد ولد أباه: الزلزال التونسي
نشر في أخبار مصر يوم 31 - 10 - 2011

لم تكن نتائج انتخابات المجلس التأسيسي في تونس مفاجئة لمن له إطلاع عميق على الوضع السياسي في هذا البلد المغاربي الذي انطلقت منه دينامية الثورات العربية الجديدة في بداية السنة الجارية. صحيح أن استطلاعات الرأي كانت تتوقع فوزاً نسبياً لحزب "النهضة"، إلا أن النتيجة (41بالمائة) فاقت إلى حد الضعف توقعات مراكز الاستشراف والتحليل.كما أن التشكيلات التي كانت مرشحة للموقع الثاني ( الحزب الديمقراطي التقدمي والقطب الحداثي) انهارت بالكامل، ولم تحصل إلا على نتائج هزيلة على الرغم من براعة واحتراف قياداتها ومن دعم جانب واسع من النخب الفكرية وهيأت المجتمع المدني لها.
وفي المقابل حصل حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" على المركز الثاني، مما شكل مفاجأة مثيرة لم يتوقعها أحد، وتلاه "التكتل من أجل العمل والحريات"، وكلاهما من أنصار الائتلاف مع حركة " النهضة ، على الرغم من التباين الواضح في الخلفيات الفكرية والأيديولوجية مع التيار الإسلامي. الزلزال التونسي كان موضوع قراءتين سائدتين، نراهما شديدتي التبسيط، لا تصمدان أمام التحليل والتمحيص. ذهبت القراءة الأولى إلى أن "الربيع العربي" انتهى واثبت أن أي حراك ثوري لن يؤدي إلى الديمقراطية والحرية السياسية، وإنما سيكون جسر عبور التيارات الإسلامية للحكم، مما يثبت وجاهة وصحة مقاربة الحكام الديكتاتوريين المخلوعين في إقصاء التشكيلات الإسلامية من حقل الشرعية السياسية.
أما القراءة الثانية، فقد ذهبت إلى أن الإسلاميين التونسيين يصدرون عن نفس النموذج الإسلامي التركي، وبذا يمثلون استثناء داخل السياق العربي لا يمكن أن يقاس عليه (حرص الغنوشي ورموز حركته على تعزيز هذا الانطباع). إن الأطروحة التي ندافع عنها هنا هي أن الذي انتصر في تونس ليس حركة النهضة بلونها الأيديولوجي وتنظيمها السياسي، وإنما عكست النتيجة التي تحصّل عليها حزب الغنوشي معادلة شديدة التعقيد، من الضروري الكشف عنها في خيوطها العديدة المتشابكة.
ولا بد هنا من التوضيح أن ما يقال من خصوصية حركة الاتجاه الإسلامي التونسي صحيح ،كما هو شأن خصوصية كل تيار إسلامي آخر. فالشعار الإسلامي مظلة واسعة تلتقي تحتها تشكيلات واتجاهات شتى يحمل كل واحد منها بصمة التركيبة المحلية (من حيث العلاقة التاريخية بين نمط التدين والأرضية الاجتماعية ومسارات التحديث).
وإذا كان من الصحيح أن النموذج "الأخواني" شكل المرجعية العامة لحركات الإسلام السياسي في العالم العربي، إلا أنه لا بد من التنويه إلى إن التيار الإسلامي التونسي لم يبرز إلا في مرحلة متأخرة جداً بالمقارنة مع ظهور الحركات الإسلامية الكبرى في المشرق العربي. فالتنظيم الإسلامي الأول نشأ في منتصف السبعينيات من خلال العمل الثقافي – التربوي وأخذ شكلاً حزبياً معلناً سنة 1981 باسم حركة "الاتجاه الإسلامي" التي أخذت تسمية "حركة النهضة"سنة 1981.
ومنذ البداية حرصت أدبيات الحركة الإسلامية التونسية على التميز عن النسق العام للجماعات الإسلامية في اتجاهات ثلاثة: توطيد النزعة المحلية من خلال التجذر في أرضية المواطنة التونسية، والقبول بمبدأ الضبط الانتخابي والتعددية السياسية المفتوحة، وتبني خط الاجتهاد الفقهي غير المقيد والإصلاح الديني الجريء. ولم تكن الإسهامات الفكرية والتجارب السياسية بمستوى هذه الطموحات، لأسباب عديدة، في مقدمتها المحن المتتالية التي تعرضت لها الحركة منذ تأسيسها، خصوصاً في عهد الرئيس المخلوع "بن علي".
وما نريد أن نبينه هو أن هذه الخصوصيات التي تميزت بها الحركة عكست في الواقع بعض مميزات الحالة التونسية التي اتسمت ضمن السياق العربي العام بجملة من المحددات أبرزها: - عراقة وريادة المشروع الاصلاحي التحديثي في جانبيه الفكري العقدي والسياسي الدستوري. فقد صدر أول دستور إسلامي يكرس الحريات الليبرالية في تونس 1861وسبقه القانون الأساسي لعهد الأمان عام 1857. والغي الرق في تونس سنة 1846 قبل أن يلغى في فرنسا، كما تأسس فيها أول تعليم مدني حديث عام 1875 من خلال المدرسة الصادقية. وقد بث أعلام الإصلاح التونسي من أضراب "خير الدين باشا" و" ابن أبي ضياف" و"بيرم الخامس" و"الطاهر الحداد" و"عبد العزيز الثعالبي" قيم التحديث السياسي والاجتماعي على نطاق واسع منذ القرن التاسع عشر.
- قيام التجربة الأتاتوركية العربية الوحيدة على يد الزعيم بورقيبة الذي قضى على الاتجاه العروبي
- الإسلامي الذي طبع الحزب الدستوري عند تأسيسه عام 1920 على يد الشيخ الثعالبي كما عبر عنه خصم بورقيبة العنيد "صالح بن يوسف".
وعلى الرغم أن حركة الاتجاه الإسلامي اصطدمت بقوة ببورقيبة وانتقدت مشروعه الذي وسمته بالتغريبي العلماني، فإنها انتهت منذ منتصف الثمانينيات إلى الحفاظ على جوهر مكتسبات البورقيبية وخصوصاً مدونة الأسرة التي اعتبرها الغنوشي "اجتهاداً فقهياً مقبولًا"، كما حرصت على الابتعاد عن النزعة الوعظية الأخلاقية السائدة لدى الحركات الإسلامية بخصوص نمط الاقتصاد القائم على السياحة والانفتاح على الغرب.
وما شهدناه مؤخراً بعد سقوط بن علي هو نجاح حركة النهضة في استثمار رصيدها النضالي ضد النظام القمعي المنهار، مع إعطاء إشارات قوية على تحولها من اللون الأيديولوجي الإسلامي إلى جبهة واسعة للدفاع عن الأصالة الثقافية والقيم التقليدية المحافظة، ضمن نسيج ليبرالي يقبل الحريات العامة، ويحافظ على مكتسبات التحديث الاجتماعي.
والذين صوتوا لحركة "النهضة" ليسوا في الغالب من المنتمين أيديولوجياً وتنظيمياً لها، وإنما أرادوا من جهة القطيعة الراديكالية مع تركة النظام السابق بالتصويت لأكثر الأطراف السياسية عداوة له (مما يفسر حصول حزب المعارض الشرس منصف المرزوقي على المنزلة الثانية)، وأرادوا من جهة أخرى تأكيد المطالب القيمية الأخلاقية لعملية التغيير الثوري.
أما الأحزاب العلمانية فاخطأت التقدير بتأطير حراكها السياسي حول مواجهة وهمية بين الأصولية والحداثة، غير مدركة أن التيار العريض من الناخبين متحرر من هذه الثنائية العقيمة ومتشبث في آن واحد بالهوية الإسلامية، وبمكاسب التحديث من دون صياغات أيديولوجية مسبقة. أدركت حركة النهضة الرسالة، بقي لها أن تثبت القدرة على ترجمتها عملياً في الواقع.
نقلا عن صحيفة الاتحاد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.