أبرزها جودة التعليم والتصنيع الزراعى.. ملفات على طاولة مجلس الشيوخ    مستشفيات جامعة الأزهر تستقبل مصابي غزة ومرافقيهم وتقدم لهم الرعاية الطبية الكاملة    السيسي للمصريين: «علموا أبناءكم البرمجة وعلوم البيانات»    الدولار اليوم.. أسعار العملات في البنك الأهلي وموقف السوق السوداء الأحد 28-4-2024    معيط: آخر فرصة للاستفادة من مبادرة استيراد سيارات المصريين بالخارج "غدا"    نيابة عن رئيس الجمهورية.. «مدبولي» يُشارك في الجلسة الافتتاحية للاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    وزير خارجية فرنسا يعلن تقديم مقترحات لمسؤولين لبنانيين لمنع التصعيد بين «حزب الله» وإسرائيل    مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى في سادس أيام عيد الفصح اليهودي    موعد مباراة آرسنال وتوتنهام اليوم في الدوري الإنجليزي    بوكايو ساكا يطارد رقمًا قياسيًا في الدوري الإنجليزي.. شباك توتنهام الطريق    «هيوافق».. شوبير يكشف كواليس صادمة بشأن انتقال محمد صلاح للدوري السعودي    التفاصيل الكاملة ل جريمة طفل شبرا.. كيف راح ضحية «الدارك ويب»؟    «الداخلية»: شرطة المرور تضبط 21866 مخالفة متنوعة خلال 24 ساعة    ضبط 2.25 طن دقيق مدعم قبل تهريبه وبيعه في السوق السوداء بالشرقية    الرئيس السيسي للشباب: حاجة تشتغلها وأنت في بيتك ممكن تدخلك 100 ألف دولار في الشهر    «الوثائقية» تُعلن عرض ندوة نادرة ل نور الشريف في ذكرى ميلاده    الرئيس السيسى: إنشاء رقمنة فى مصر تحقق التقدم المطلوب    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    بدء التشغيل التجريبي لوحدة كلى الأطفال الجديدة بمستشفى أبوكبير المركزي    تقييم صلاح أمام وست هام من الصحف الإنجليزية    شكوك حول مشاركة ثنائي بايرن أمام ريال مدريد    أقباط الأقصر يحتفلون بأحد الشعانين في كاتدرائية الأنبا متاؤس الفاخوري.. صور    محافظة القاهرة تستمر في أعمال إزالة الإشغالات والتعديات عن الأرصفة    نقيب الأطباء: مصر الدولة الوحيدة في المنطقة لا تتعامل بقانون المسؤولية الطبية    مصرع شخص وإصابة 23 آخرين في حادث تصادم بصحراوي أسوان    مطروح تستعد لامتحانات الترم الثاني.. غرف عمليات ومراعاة مواصفات الأسئلة    إدخال 183 شاحنة مساعدات إلى غزة عبر معبر كرم أبوسالم    إصابة جندي إسرائيلي في هجوم صاروخي على منطقة ميرون    محافظة القليوبية: توريد 25565 طن قمح للشون والصوامع بالمحافظة    خالد محمود يكتب: مهرجان مالمو للسينما العربية.. حضرت المدارس وتميزت الأفلام الوثائقية    اليوم.. «المركزي للتنظيم والإدارة» يعلن تفاصيل مسابقة المعلمين الأحد 28 أبريل 2024 (تفاصيل)    جولة تفقدية لمسؤولي المدن الجديدة لمتابعة مشروعات رفع الكفاءة والتطوير    الصحة: تقديم الخدمات الطبية لأكثر من مليون مواطن فوق سن 65 عاما ضمن برنامج رعاية كبار السن    العودة في نفس اليوم.. تفاصيل قيام رحلة اليوم الواحد للاحتفال بشم النسيم    إعلان اسم الرواية الفائزة بجائزة البوكر العربية 2024 اليوم    بعد اتهامها بالزنا.. عبير الشرقاوى تدافع عن ميار الببلاوى وتهاجم محمد أبو بكر    غدا.. «بلينكن» يزور السعودية لمناقشة وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : شكرا سيدى على الدعوة00!؟    أنا وقلمى .. القادم أسوأ    42 عاما على تحريرها تنمية سيناء رد الجميل لشهداء الوطن    التصريح بدفن جثة شاب لقى مصرعه أسفل عجلات القطار بالقليوبية    بطلوا تريندات وهمية.. مها الصغير ترد على شائعات انفصالها عن أحمد السقا    سعر الدولار الأحد 28 أبريل 2024 في البنوك    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    السكك الحديد تعلن عن رحلة اليوم الواحد لقضاء شم النسيم بالإسكندرية    رفض الاعتذار.. حسام غالي يكشف كواليس خلافه مع كوبر    مصرع 5 أشخاص وإصابة 33 آخرين في إعصار بالصين    آمال ماهر ل فيتو: مدرسة السهل الممتنع موهبة ربانية ومتمرسة عليها منذ الطفولة    اشتباكات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي غرب رام الله    فضل الصلاة على النبي.. أفضل الصيغ لها    بالأسماء.. مصرع 5 أشخاص وإصابة 8 في حادث تصادم بالدقهلية    هل مرض الكبد وراثي؟.. اتخذ الاحتياطات اللازمة    ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي؟.. دار الإفتاء تجيب    نصف تتويج.. عودة باريس بالتعادل لا تكفي لحسم اللقب ولكن    اليوم، أولى جلسات دعوى إلغاء ترخيص مدرسة ران الألمانية بسبب تدريس المثلية الجنسية    أمير هشام يفجر مفاجأة بشأن احتفال محمد عبدالمنعم المثير للجدل    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    ما هي أبرز علامات وأعراض ضربة الشمس؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عام على حكومة المالكي.. ماذا تحقق؟
نشر في أخبار مصر يوم 12 - 06 - 2007


نقلاً عن القبس 12/6/07
في العشرين من مايو عام2006 صوت البرلمان العراقي باغلبية على وزارة نوري كامل المالكي القيادي في حزب الدعوة آنذاك والامين العام للحزب فيما بعد، وهي الوزارة العراقية الثالثة بعد انتهاء مهمة ادارة بريمر والوزارة الرابعة في ظل الاحتلال.
وتشكلت هذه الوزارة من 36 وزيرا، شغل المالكي ونوابه الاثنان مناصب الوزارات الامنية الثلاث (الدفاع والداخلية والامن الوطني) لحين ايجاد وزراء لها ولحين انهاء الخلاف الطائفي حولها.
وكانت حصة الائتلاف الشيعي 19 وزيرا بالاضافة لمناصب رئيس الوزراء ونائب رئيس الجمهورية ونائب رئيس الوزراء ونائب رئيس البرلمان. وحصة قائمة التوافق (السنية) 6 وزراء اضافة الى منصب نائب رئيس الجمهورية ونائب رئيس الوزراء ورئيس البرلمان. وحصة التحالف الكردستاني 5 وزارات اضافة الى منصب رئيس الجمهورية ومنصب نائب رئيس الوزراء، وحصة القائمة العراقية 4 وزارات.
وجاءت وزارة المالكي بعد ازمة وزارة ابراهيم الجعفري التي تعرضت الى ضغوط كثيرة جراء فشلها في ادارة البلاد مما دفع الائتلاف العراقي (الشيعي) باعتباره الاغلبية في البرلمان الى سحب الثقة من الجعفري واناطتها بالمالكي الذي كان آنذاك ناطقا رسميا باسم الائتلاف.
ولادة عسيرة
وقد وصف معلقون تشكيل وزارة المالكي بانها ولادة عسيرة لحكومة تواجه صعوبات ومشكلات كبيرة من مخلفات حكومة الجعفري بعد ان استغرق اصرار الجعفري على عدم التنحي عدة اشهر كانت حافلة بالشد والجذب السياسي، وكانت ايضا اول هزة يتعرض لها الائتلاف الشيعي اسست لخلافات عميقة فيه ومازالت آثارها ماثلة الى الآن تهدد الكثير من وحدة هذا الائتلاف ومستقبله.
فيما تدهورت اثناء ذلك الاوضاع الامنية حتى وصل عدد القتلى شهريا بسبب العنف الطائفي الى ما يقارب الالفي قتيل شهريا، وتعطلت الى حد كبير الخدمات وبات الوزراء على قلق في غمار شعور يؤكد صعوبة الاستمرار في الوضع السياسي دون حكومة جديدة قادرة على التصدي لهذه المشكلات.
فكان اختيار المالكي اشبه بالامل لدى جهة الاكثرية في البرلمان للخروج من ازمة خانقة بالنسبة للائتلاف الحاكم. ورغم ان المتفائلين بمجيء المالكي هم انفسهم الذين تفاءلوا من قبل باداء الجعفري ثم خذلوه وتخلوا عنه، غير ان المتشائمين كانوا قلة آنذاك، لان ازمة الفراغ الوزاري والسياسي التي صعد المالكي على اكتافها الى الحكومة كانت تتطلب كثيرا من الصبر والانتظار، ذلك لان الائتلاف الشيعي كان متمسكا بالاستحقاق الانتخابي الذي دار حوله الجدل والخلاف ولايريد ان يتم تشكيل حكومة من خارج صفوفه فكان اختيار المالكي بالاكثرية حلا معقولا للمشكلة.
تفاؤل اقليمي
وكانت ادارة الرئيس بوش اكثر الفرحين بنهاية الازمة والقول بان مايبعث على هذا التفاؤل هو ان اهم الكتل السياسية اجمعت على ضرورة سحب الثقة من الجعفري وتكليف المالكي بدلا عنه، لكن واشنطن لم تذهب بعيدا في تفاؤلها واظهرت تساؤلا فيما اذا كان هذا الانجاز المتأخر (وزارة المالكي) سيساهم في انهاء العنف والارهاب ام لا؟ من هذا التساؤل ظلت الاشارات تظهر باستمرار لتنبيه المالكي بالتزاماته ووعوده وهي اشارات لاتخلو من تلويح بالتخلي عنه ان فشل او اخفق.
وقف المالكي في البرلمان العراقي في 20 مايو 2006 عارضا خطة حكومته في خطاب له تضمن الكثير من الوعود كان ابرزها:
حل الميليشات ونزع اسلحتها ودمجها بالقوات المسلحة العراقية او دوائر الدولة، مؤكدا ان استراتيجيته تنص 'على ان تكون الدولة هي صاحبة الهيمنة وهي القوة الوحيدة القادرة على حماية المواطنين'.نزع السلاح من الجميع مؤكدا ان وجود السلاح بايدي الآخرين غير الدولة بداية لاثارة المشاكل: 'قد تصل بنا الى اجواء الحرب الاهلية، ومن اجل ان نبعد شبح الحرب الاهلية علينا ان ننزع السلاح ونحصره بالدولة'.محاربة الارهاب والسعي الى رفع جاهزية القوات العراقية والاجهزة الامنية واستكمال تدريبها وتسليحها.
تفعيل الخدمات التي اكد المواطنون تعثرها، بعد ان ازدادت ازمات الماء والكهرباء والخدمات البلدية تفاقما وسوءا،
تشغيل الايدي العاطلة وتوفير فرص العمل للقضاء على البطالة التي اعتبرها المالكي في خطابه آنذاك من اسباب وجود الميليشات
اناطة وزارتي الدفاع والداخلية بوزيرين مستقلين لاينتميان الى الاحزاب مؤكدا بذلك جو الشكوك التي تحيط بهاتين الوزارتين ومايشوب عملهما من فساد ومن اعمال ساهمت في تدهور الوضع الامني.
- ان تكون وزارته منسجمة بعيدة عن التحيز الطائفي والحزبي.
توفير الكفاءة والنزاهة والمصداقية والاخلاص لدى الوزراء والمسؤولين،. ومحاربة الفساد المستفحل في مرافق الدولة.
اجراء المصالحة الوطنية لانهاء العنف في البلاد.
اضافة الى وعود اخرى تتعلق بالاعمار واعادة البناء وتطوير التعليم وتوزيع الثروات وتشجيع الاستثمار الخ..
مقتل الزرقاوي
لقد حالف الحظ حكومة المالكي بتحقيق نصر على القاعدة حيث تمكن الجيش الاميركي من قصف منزل في السابع من يونيو 2006 في قرية هبهب في محافظة ديالى ادى الى مقتل الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في العراق وعدد من القياديين فيها، والحصول على معلومات وافية اتاحت اعتقال وتفكيك بعض خلايا هذا التنظيم، اضافة الى تمكن المالكي من توزير وزيرين للدفاع والداخلية هما عبد القادر محمد جاسم للدفاع وجواد البولاني للداخلية، الاول من قائمة التوافق السنية والثاني من قائمة الائتلاف الشيعية مما قلل من ادعائه السابق باناطتهما لوزيرين مستقلين، مما دفع الرئيس بوش الى القيام بزيارة مفاجئة للعراق استغرقت خمس ساعات للقاء المالكي في الثالث عشر من يونيو، بعد 3 اسابيع من توزير المالكي وبعد 5 ايام من الاعلان عن مقتل زعيم القاعدة. وهي الزيارة السرية الثانية للرئيس الاميركي لبغداد حيث كانت الاولى ايام ادارة بريمر لمشاركة الجنود الاميركان بعيد الفصح.
لكن هذه الزيارة الثانية كانت بمنزلة تبديد للشكوك والتردد الاميركي ازاء حكومة المالكي واعطاء التزامات بدعمها. بعدما افرح مقتل الزرقاوي الرئيس بوش وقدم له خدمة اعلامية لصالح حربه في العراق.
هل وجدت واشنطن الرجل المطلوب؟
لقد انتاب الرئيس بوش آنذاك كما قال معلقون سياسيون، شعور قد يكون عاطفيا بعد مقتل الزرقاوي. بانه يمكن ان يكون قد عثر على زعيم عراقي سيشاركه الخلاص من جميع همومه ومشاكله ويدعم تبريراته للحرب وانه بحاجة الى تأكيد هذا الشعور.
وبحاجة ايضا الى تبديد المخاوف ازاء المالكي التي اثارتها صحافة بريطانية و اميركية مثل 'نيويورك تايمز وواشنطن بوست' التي ظلت تردد طيلة اسابيع بعد ترشيح المالكي للوزارة وصفا مثيرا للتشاؤم لشخصية المالكي يقول:
'ان سجل المالكي معروف كشيعي متشدد معارض لمنح تنازلات للسنة فضلا عن علاقته المتشنجة مع ادارة بوش خصوصا انه كان معارضا للغزو الاميركي للعراق، كلها امور لاتبشر بالخير فيه'.
غير ان 'الواشنطن بوست' تساءلت في 23/4 /2006:
'هل ان هذا الانجاز المتأخر بتكليف المالكي سيساهم في وقف دوامة العنف المذهبي في العراق؟'.
اما صحيفة الغارديان فقد قالت 'ان المالكي على عكس سلفه (ابراهيم الجعفري) الذي طالما دأب على القاء خطابات مشوشة مطولة كانت كثيرا ما تحير زملاءه والاعلاميين، المالكي يتحدث بوضوح وبشدة احيانا وهو شخصية اكثر براغماتية من الجعفري'.
ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي غربي قوله: 'ان المالكي لم يختبر بعد وسرعان ما يحكم عليه بقدرته على احكام قبضته على الامن في البلاد'.
بوش في بغداد
كل هذه الشكوك بالمالكي من قبل وسائل الاعلام الاميركية نحاها الرئيس بوش جانبا وشد الرحال الى بغداد ليقدم دعمه غير المحدود للمالكي عسى ولعل ان يكون هو الرجل المناسب الذي يخفف عنه اعباء العراق.
وقد ابلغ مدير شؤون الاتصالات في البيت البيض انذاك (دان بارتلت) الصحافيين الذين كانوا على متن طائرة الرئيس الاميركى وهو متجه للعراق سرا:
'ان الهدف من الزيارة هو افساح المجال امام الرئيس بوش ورئيس الوزراء العراقي المالكي للالتقاء شخصيا، ولكي تتهيأ الفرصة للرئيس بوش لتكوين رأي واضح عن المالكي واولوياته وسبل محددة يمكن للولايات المتحدة ان تساعد المالكي من خلالها على تحقيق اهدافه. والتشاور مع الزعيم العراقي الجديد الذي سنتخذ القرارات معه امر في غاية الاهمية ونحن ملتزمون بنجاح الحكومة الجديدة وخطة المالكي التي يقوم برسم معالمها'.
لقد كان هذا البيان الجوي بمنزلة شهادة ثقة مسبقة من الرئيس بوش للمالكي ودعم بدون تحفظ له.
ومما قاله بوش وهو يلتقي المالكي: 'ان استراتيجيات المالكي الامنية والاقتصادية والمتعلقة باعادة التعمير بدت كلها منطقية بالنسبة لي'. ووصف بوش المالكي وحكومته بانهم: 'مجموعة مثيرة للاعجاب من الرجال والنساء' مخاطبا المالكي:'انا مقتنع بانكم ستنجحون وسينجح العالم اذا ماقدمت لكم المساعدة الصحيحة' و'لاقول لكم انه عندما تعطي اميركا كلمتها فانها تحترم كلمتها'. واشار الى اهم دافع لزيارته ذلك المتعلق بالضربة التي وجهت للقاعدة قائلا: 'وجهتم ضربة شديدة لاولئك الذين يحملون رؤية مظلمة، الذين لايؤمنون بالحرية'.
لقد بدا لبوش انه يخاطب الرجل المطلوب. ومن تلك الزيارة حرص على ان يظهر التزاما بحكومة المالكي رغم اخفاقاتها. واذا دعت الضرورة لهذا الالتزام التقليل من اخفاقات المالكي لشد العزيمة اما م ضغوط الديموقراطيين الذين يضغطون عليه بالتخلي عن تلك الالتزامات والانسحاب من هذه الحرب المكلفة. لكنه فيما بعد اضطر امام حالة العراق المتردية ان يضمن خطاباته المرسلة للمالكي عبارات تنم عن نفاد الصبر ونفاد الوقت دون جدوى.
عزيمة المالكي
لقد شدت زيارة بوش للعراق وكلماته الخالية من الريبة في وصف المالكي وحكومته ب 'مجموعة الرجال والنساء المثيرة للاعجاب' من عزيمة رئيس الوزراء العراقي الجديد الذي اعتبر الزيارة وكلمات الاطراء بمنزلة ضوء اخضر وفر لديه الشعور بالقوة والاستقلالية والندية، والتغلب على التردد الذي كان ينتاب المسؤولين العراقيين منذ ادارة بريمر بانهم لايقدرون ان يفعلوا شيئا مادامت سلطة القرار السياسي والعسكري بيد ادارة الاحتلال.
ولهذا ظهر اداء المالكي بعد ذلك اداء يتسم بالقوة وخطابه الاعلامي بالجراة وصوته لايخلو من نبرة تهديد لكل من يحاول ان يعرقل استراتيجيته في تحقيق الامن ونزع سلاح الميليشيات وتحقيق المصالحة وغير ذلك من اهداف.
لكن الخطاب كان من السهل قوله بصوت عال ' غير ان الافعال من الصعب انجازها بالصورة المطلوبة في ظروف مثل ظروف العراق التي لايمكن للمالكي او غيره ان يحقق الكثير منها حتى لو امتلك خاتم بوش السحري.
وزارة المالكي والخيارات العديدة
استغرقت اتصالات المالكي فترة تجاوزت الشهر من 22 ابريل الى 20 مايو 2006 من اجل تشكيل وزارته التي يسميها لغاية الآن ب 'حكومة الوحدة الوطنية' لكن الكثير من المراقبين السياسيين لايتفقون معه على هذه التسمية، ويختارون لها اسما مطابقا لواقعها وهو 'حكومة المحاصصة الطائفية'.
وكانت هناك عدة آراء مطروحة دعت المالكي الى عدة خيارات لتشكيل الوزارة كما قال احد الوزراء السابقين لنا في حينها.
فلقد ظهرت دعوة لتشكيل حكومة من الائتلاف الشيعي فقط باعتباره الاغلبية في البرلمان حتى يكون متحملا المسؤولية امام الشعب ويثبت جدارته مادام الاستحقاق الانتخابي يعطيه حق تشكيل الحكومة، فان فشل او نجح فانه وحده يتحمل المسؤولية في الحاضر والمستقبل، و ستكون هناك معارضة له في البرلمان تتابع حكومته حتى الانتخابات القادمة .
وظهرت دعوة اخرى بان يقتصر تشكيل الحكومة على ائتلاف الاكثرية في البرلمان اي من الائتلاف الشيعي ومن يرغب باضافته الى حكومته. مثلما ظهرت دعوة لتجنب تعيين وزراء على اساس الاستحقاق السياسي، وتشكيلها من تكنوقراط مهنيين ومستقلين بعيدا عن تأثير الاحزاب المؤثرة في العملية السياسية. وظهرت الى جانب ذلك دعوات للابتعاد عن المحاصصة.
لكن المالكي والائتلاف الشيعي الذي وقف وراءه، اتجها نحو تكريس اسلوب المحاصصة في تشكيل الحكومة وتفاوضا مع الكتل السياسية الطائفية والعرقية الاخرى لتعيين ممثلين عنها (وزراء) في الحكومة الجديدة. وهي طريقة اثبت الواقع فشلها مثلما باتت احدى المشكلات الرئيسية التي عاشها المالكي نفسه .
حلاوة ومرارة
رغم حلاوة السلطة غير ان المالكي ذاق مرارة عدم انسجام الوزراء معه سياسيا ومن ناحية الكفاءة. وباتت 'المحاصصة' التي اختارها بمنزلة طوق حول رقبته. وكثيرا ما افشى رغبته لبعض المقربين منه بترك الوزارة والابتعاد عن هذه المسؤولية، غير انه سرعان ما ينسى فيعود ليظهر شوقا ولهفة للسلطة .
ففي الحقيقة والواقع ان المالكي لم يختر بنفسه وزراءه انما انتظر الكتل الطائفية (الائتلاف الشيعي التوافق السنية القائمة العراقية الاكراد) ان ترشح وزراءها للحكومة حسب حصصها المتفق عليها.
هذا ما جعل المالكي بعد مرور ستة اشهر يقف امام البرلمان معلنا نهاية صبره على حكومة غير منسجمة معه قائلا: انه سيجري تعديلا وزاريا يقيل به الوزراء الفاشلين ويأتي بوزراء اكفاء. ذلك لانه لم يختر هؤلاء الوزراء بنفسه.
ومما زاد من مشاكل حكومة المالكي خروج كتل شيعية من حكومة الائتلاف وانسحابها من الحكومة مثل الفضيلة والتيار الصدري.
لكنه ظل منذ ذلك اليوم ولغاية الآن غير قادر على اجراء ذلك التعديل الوزاري المرتقب، لان الكتل الطائفية مازالت تطوقه بطوق المحاصصة التي اصبحت قانونا اساسيا للنظام الجديد في العراق. هذا القانون الذي اسسه الحاكم الاميركي بريمر حين وضع لبناته الاولى بتشكيل مجلس الحكم على الحسابات الطائفية.
ورغم ان وزارة المالكي حققت بعض المنجزات على صعيد الخدمات والمشاريع، فإن هذه المنجزات ضاعت في خضم الخراب الواسع الذي عم البلاد، وانعدام الامن والاهمال والفساد الذي اصبح القوة الضاربة في الجهاز الحكومي.
الحلقة الثانية
مشروع المصالحة الوطنية
في 25 يونيو وبعد شهر تقريبا من تشكيل الوزارة عرض المالكي مشروع 'المصالحة الوطنية' وهو مشروع اعده المالكي بنوايا وطنية جيدة.
لكن المشروع انطوى على عبارات عمومية و على خطاب عام. و رغم ايجابياته فإنه لم يدخل بتفاصيل المصالحة ووسائل انجازها اوتشخيص الطريق اليها وتحديد الجهات التي ينبغي ان تتصالح في اطار الوحدة الوطنية. لذلك وافق البرلمان على هذا المشروع بعد ان استمع للعموميات العاطفية فيه، وكان رأي العديد من المراقبين آنذاك ان المالكي تحاشى التفاصيل لكي لا تظهر في البرلمان اعتراضات على مشروعه.
وحسب تقارير سابقة لنا حول هذا الموضوع اشرنا الى ان اغلب الاعتراضات على مشروع المصالحة الذي وضعه المالكي وعرضه على البرلمان هي من الائتلاف الشيعي الذي يمثله، ذلك لان جبهة التوافق السنية والقائمة العراقية وجبهة التحالف الكردستاني ليست لديها اعتراضات كثيرة او جوهرية على الحوار مع الجماعات المسلحة واعوان النظام السابق ولا تعترض على الغاء قانون اجتثاث البعث، وكذلك هي مع تعديل الدستور وعودة اجهزة النظام السابق المنحلة.
وحين طرح المشروع فانه تجنب الخوض في التفاصيل العملية لكي لايثير عليه اعتراضات المقربين اليه، وهي سياسة توحي بان المالكي قد يشكل حالة متقدمة على عقلية الائتلاف الشيعي، وانه يريد التأثير على مواقف هذا الائتلاف تدريجيا، لكنه لايقدر على ذلك او التخلص من نفوذ حزبه واحزاب الائتلاف عليه وعلى حكومته
بين المصالحة والمناطحة
ورغم ان جهود المصالحة التي بذلها المالكي لتحقيق مشروعه الوطني عقدت عدة مؤتمرات داخل العراق منها مؤتمر العشائر العراقية ومؤتمر لمنظمات المجتمع المدني وآخر للقوى السياسية وعدة مؤتمرات في الخارج واحد في القاهرة والآخر في عمان والثالث في مكة. وما تبع ذلك من لقاءات للمالكي مع رؤساء عشائر وفعاليات اجتماعية في مناطق عديدة منها الانبار وتكريت والموصل وغيرها، فضلا عن اصدار قرارات لتعديل قانون اجتثاث البعث واعادة العسكريين السابقين،
فان هذه الجهود من الناحية العملية لم تحقق شيئا، سوى ما اشاعته من اجواء اعلامية ونفسية في مجتمع سادته الكراهية والانتقام وطغت عليه روح العصبية والعنف الطائفي، ولم تحقق لغاية الآن الهدف الاساسي وهو المصالحة الوطنية.
ففي الوقت الذي امتلأت في وسائل الاعلام المحلية والخارجية بالحديث عن المصالحة الوطنية، كان الواقع الامني في البلاد يشهد المزيد من 'المناطحة' ان صح التعبير وفق الجناس اللفظي، وبدا للكثير من المراقبين ان السياسيين العراقيين يتحدثون صباحا عما يسمى بالمصالحة، وحالما تغرب الشمس يشرعون بالاعداد لمناطحات تكلف الشعب العراقي المزيد من الخسائر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.