1 - اهتم الدين الإسلامي اهتماماً شديداً بالسلام الاجتماعي. وجعله من مهمات الدين وأساسيات الشريعة الحنيفة لارتباطه الوثيق بالمنفعة العامة للأمة الإسلامية ومصالح العباد. ومن أول وأهم مبادئ السلام الاجتماعي نبذ الظلم والاعتداء علي الآخرين. فقال الله سبحانه وتعالي: "والله لا يحب الظالمين" "آل عمران: 57". وقال: "إن الله لا يهدي القوم الظالمين" "المائدة: 51". وقال: "ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" "المائدة: 87". وقد ورد عن النبي صلي الله عليه وسلم العديد من الأحاديث الجامعة التي تساعد المسلمين علي إرساء قواعد السلام الاجتماعي والمحافظة عليه وعدم الظلم والاعتداء. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم فيما رواه عنه جابر بن عبدالله: "اتقوا الظلم. فإن الظلم ظلمات يوم القيامة. واتقوا الشح. فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم علي أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم" أخرجه الإمام مسلم في صحيحه. يأتي هذا الحديث ليرسم للمسلم منهجا تربويا قائما علي نبذ الظلم والشح. وبيانا لعاقبتهما في الدنيا والآخرة. ففي الدنيا سفك الدماء واستباحة المحارم وانعدام الأمن والسلام بين الناص. وفي الآخرة ملاقاة العذاب والظلمات. فالإسلام لا يوجد إلا في ظل إقامة العدل بين الناس ومع النفس. والإسلام لا يكون إلا بالتسامح والعطاء وإرساء مبادئ السلام في المجتمع. 2 - ويرشدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم إلي مبدأ آخر لتحقيق السلام الاجتماعي ألا وهو عدم تتبع عورات الغير. فعن ابن عمر قال: "صعد رسول الله صلي الله عليه وسلم المنبر فنادي بصوت رفيع فقال: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلي قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم. فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته. ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله" أخرجه الترمذي في سننه. ويأتي ذلك مصداقاً لقوله تعالي: "ولا تجسسوا" "الحجرات: 12". فالسلام لا يتحقق في مجتمع إلا بترك الظلم والبغي والإيذاء. وفيه استخدام النبي صلي الله عليه وسلم للصوت كأداة تربوية للتأثير في المستمع. وقوله: "تتبع الله عورته" تحذير ووعيد لعظمة الجرم وخطورته. 3 - عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "لا تحاسدوا. ولا تناجشوا. ولا تباغضوا. ولا تدابروا. ولا يبع بعضكم علي بيع بعض. وكونوا عباد الله إخوانا. المسلم أخو المسلم. لا يظلمه. ولا يخذله. ولا يحقره. التقوي هاهنا. ويشير إلي صدره ثلاث مرات. بحسب أمرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم علي المسلم حرام. دمه. وماله. وعرضه" صحيح مسلم. وهنا يعرض النبي صلي الله عليه وسلم جملة من النصائح الشاملة التي تساعد علي إرساء المحبة والسلام بين المسلمين في مجتمعهم فتقوي وحدته وتشد من بنيانه. وقوله: "ولا تدابروا" أي ولا يهجر بعضكم بعضا ولا تعرض بوجهك عن أخيك وتوله دبرك استثقالاً له وبغضاً. ويفهم من نهيه عن التدابر نهيه المسلم أن يستنكف عن استماع الآخر وإعطائه الفرصة للتعبير عن مكنوناته وذاته. ففي التدابر عدم احترام لانسانيته واعتداء علي حقه في التعبير عن رأيه. فالتدابر يعني وصول الطرفين إلي حلقة مسدودة لا تسمح بمرورهم سوياً إلي السلم بمعني التواصل الفكري والاجتماعي والإنساني. فالتدابر بين الأفراد والأمم يعني فشلها في الوصول إلي حالة الإقناع أو الاقتناع وفق منهج عقلي. وهذا بالتالي سيجر كلا المتدابرين إلي استخدام وسائل عدوانية أو غير انسانية للتعبير عن ذاتهما ووجودهما. 4 - وفيما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه. عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "المسلم أخو المسلم. لا يظلمه. ولا يسلمه. ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته. ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة. ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة". ويؤكد هذا الحديث علي ضرورة الإيجابية والتفاعل مع حاجات الغير والسعي في قضائها كمبدأ أساسي لتحقيق السلام في المجتمع الإسلامي. فالمسلم لا يظلم المسلم. وكذلك لا يخذله بالامتناع عن مناصرته علي ظالمه. وفي هذا الحديث أيضاً ترغيب من النبي صلي الله عليه وسلم علي معاونة المسلم وقضاء حاجته وستر عيوبه. بإخباره أن من فعل ذلك بطاقته المحدودة مسانداً أخاه استحق أن يسانده الله في الدنيا والآخرة بقدرته اللامحدودة. 5 - وأخرج الإمام أبي داود حديث آخر هاماً يرشد عامة المسلمين للتحالف والتآخي لترسيخ السلام بينهم. فعن عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "من استعاذ بالله فأعيذوه. ومن سأل بالله فأعطوه. ومن دعاكم فأجيبوه. ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه. فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتي تروا أنكم قد كافأتموه". ويلاحظ هنا استخدام النبي صلي الله عليه وسلم صيغة العموم في الاسم الموصل "من" ليشمل هذا الحديث جميع أفراد المجتمع باختلاف عقيدتهم. وفيه من مبادئ السلام الاجتماعي تقديم الحماية لمن يطلبها وتقديم العطاء وإجابة الدعوة والمكافأة علي المعروف بأي شئ ولو بالدعاء. وفيه عرض النبي صلي الله عليه وسلم عدة مستويات متدرجة في نشر السلام في المجتمع. فبعد أن كانت دعوته في الأحاديث إلي الأمر بتقديم الحماية والعطاء والمكافأة. فالسلام في كف الأذي أولاً ثم السلام في تقديم المعروف والخير ثانياً. وكلاهما سلام. نقلا عن صحيفة الجمهورية