بقي “الجرح” المفتوح والمستمر في أزمة مخيم “نهر البارد” للاجئين الفلسطينيين، والمتأرجح بين خيارين “اللاحسم” العسكري و”اللاأفق” السياسي، مادة سجال سياسي وإعلامي داخلي لناحية عدم التوافق على مقاربة موحدة لابتكار الحلول له، وخصوصاً في ضوء الانقسام الذي برز بعيد إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله رفضه القاطع اقتحام المخيم، وإغراق الجيش في معارك تستنزفه مع المخيمات الفلسطينية. وتماهياً مع الانقسام السياسي حول “البارد”، كان الانقسام سيد الموقف في تحليل تداعياته وأسبابه في افتتاحيات الصحف اللبنانية وتحليلات كتابها. وتوقف ناشر صحيفة “النهار” النائب غسان تويني عند مبادرة حكومة الانقاذ، أو “حكومة الطوارئ” التي طرحها نصرالله بمناسبة عيد المقاومة والتحرير يوم الجمعة الماضي لإيجاد توافق سياسي حول بلورة حل لمأزق ملف “فتح الاسلام”، وتمنى تويني لو ان رئيس الجمهورية إميل لحود، على الرغم من الخلاف حول شرعيته هو من بادر الى إطلاق هذه المبادرة، ودعوة رئيسي البرلمان والحكومة الى الاجتماع في القصر الجمهوري وبحث تداعيات الأزمة، وإيجاد مخارج لها. ووضع ما يشبه صيغة الحل للمأزق الحالي، فدعا أولاً الجيش الى ضرورة التمييز بين “فتح الإسلام”، والمدنيين الفلسطينيين داخل المخيمات وضرورة تحييدهم، ودعا الى إعادة تطبيق مقررات طاولة الحوار الوطني بخصوص ملف السلاح الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها، وإعادة مقاربة العلاقات اللبنانية الفلسطينية، واللبنانية السورية. وأكد تويني ضرورة ضبط المنافذ المؤدية الى المخيمات، ومنع تغلغل ما سماها المافيات والعصابات الى داخلها، ودعا الى ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا والى التبادل الدبلوماسي بين البلدين. وانطلق من مقاربة للعلاقات اللبنانية الفلسطينية، واللبنانية السورية، الى الحديث عن سلاح المقاومة، وضرورة إيجاد استراتيجية مقاومة للدولة اللبنانية، تكون المقاومة الإسلامية عمودها الفقري. وتوقفت صحيفة “المستقبل”، عند رفض الأمين العام لحزب الله القاطع لاقتحام مخيم نهر البارد، واعتباره، كما الجيش اللبناني، “خطين أحمرين”. ورأى المعلّق فارس خشان في هذا الموقف “مؤامرة” على الجيش اللبناني، ومدخلاً الى الصفقة السياسية التي كان طرحها قبل يومين الامين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني لحل الأزمة السياسية اللبنانية. وكتب خشان أن نصرالله رسم خارطة طريق للمرحلة المقبلة، أبرز عناوينها هو في جيش مستضعف أمام خط أحمر، هو مخيم نهر البارد، ومستنزف على تخوم المخيمات، ومكشوف في كل مكان، في مقابل، تنامي قدرة “حزب الله”، وجعله أكثر قوة وتماسكاً وتحفزاً. ورأى أن نصرالله يمهّد لاستقدام وصاية إيرانية فرنسية الى لبنان قوامها إسقاط حكومة فؤاد السنيورة، وإلغاء المحكمة الدولية، وفرض رئيس للجمهورية، والوقوف على ما سماها “شروط” حزب الله ليقتنع بالانضواء في صفوف الجيش اللبناني. وأخذ محمد مشموشي في “المستقبل” أيضاً، على الأمين العام لحزب الله عدم إظهاره الدعم الصريح لمعركة الجيش ضد “فتح الإسلام”، ولاحظ ان “بعض اللبنانيين، في اشارة الى حزب الله والمعارضة، لا يريدون، تخطيطاً وممارسة إعادة بناء وطن ودولة، ويعملون، بالأسلوب نفسه على شل المؤسسات الدستورية الوحيدة التي لم يتم شلها بعد، وهي مؤسسة الجيش. وتساءل مشموشي عن معنى أن تعمد المعارضة إلى ان تركز سهامها وتعليقاتها على اتهام أحد الاجهزة الامنية (فرع المعلومات) بعدم التنسيق مع مخابرات الجيش، وأن يتم اتهام بعض أقطاب الحكومة والاكثرية ب “توريط” الجيش في “حرب مخيمات” جديدة، والحديث عن “حل سلمي” لهذه الازمة، فيما المطلوب موقف صريح وواضح بدعم الجيش في معركة دفاعه عن كرامته وكرامة لبنان. في المقابل، دافعت صحيفة “الأخبار” عن مواقف نصرالله، ورأت انها جاءت لحماية الجيش من خلال منع إغراقه في وحول الاقتتال الداخلي مع المخيمات الفلسطينية. وكتب رئيس مجلس الإدارة في “الأخبار”، إبراهيم الأمين أن اقطاب الفريق الذي انتقد كلام نصرالله كانوا ينتظرون من نصرالله السير معهم في مشروع إنهاك الجيش اللبناني، حتى إنهائه، و”موقفاً” أعمى “يدفع بالفتنة المذهبية السنية الشيعية الى حدودها القصوى. وإذ اعترف الأمين بأن قائد الجيش اللبناني العماد ميشال سليمان لم يكن يرغب في ان يقول نصرالله، جهاراً، ان الدخول الى ميخم نهر البارد “خط أحمر”، لكنه أكد أن قيادة الجيش اللبناني تعي بقوة ان ثمة مؤامرة لتوريط الجيش في لعبة تطيح المكانة التي احتلتها المؤسسة العسكرية اللبنانية طوال الأعوام الماضية. وأسف ناشر صحيفة “السفير” طلال سلمان لتعمد تضييع فرصة توحد المعارضة والموالاة حول مقاربة واحدة لمعالجة ملف “فتح الإسلام”. وكتب أن نزعة الانفراد بالسلطة “البتراء”، هي التي أضاعت مثل هذه الفرصة، وفوتت التوافق حول تشكيل حكومة قوية قادرة على مواجهة المخاطر الكبيرة التي تتهدد لبنان. وزاد: ان نغمة الخلاف الجديدة حول من يحب الجيش اللبناني أكثر، ومن يحرص على كرامته ومنعته اكثر من الآخرين، ليس مفتعلاً فحسب، بل هو أقرب الى أن يكون من نوع “ومن الحب ما قتل”. وأضاف أنه بدلاً من أن تكون ما سماها “المذبحة” التي نظمها تنظيم “فتح الاسلام” بإرهابه نفيراً بالخطر يوحد اللبنانيين، ها هي تكاد تتحول الى سبب جديد لتعميق الانشقاق الداخلي.