الاهرام 31/12/07 أثارت الأسعار الجديدة لطن الحديد التساؤلات من جديد حول مدي وجود ضوابط تتحكم في هذه الأسعار بحيث لايتربح البعض من ورائها بينما يكتوي المواطن العادي بنارها. ففي الأيام القليلة الماضية ارتفع ثمن طن الحديد أربعمائة جنيه مرة واحدة ليبلغ سعره الإجمالي نحو أربعة آلاف جنيه, الأمر الذي أرجعه مسئولو الشركات إلي ارتفاع أسعار خامي البيليت والحديد الخردة علي المستوي العالمي خلال شهري نوفمبر وديسمبر مما أدي إلي ارتفاع سعر الحديد, نظرا لأنهما يمثلان الخامتين الأساسيتين في إنتاج حديد التسليح. لكن الخبراء يشيرون بأصابع الاتهام إلي الاحتكار داعين إلي توسيع قاعدة الإنتاج وهو ماتؤكد معه وزارة الصناعة أنها شرعت فيه بالسماح بإنشاء4 مصانع جديدة. يقول هشام حسن الترساوي( مهندس استشاري) إن مايحدث في سوق مواد البناء من عدم استقرار الأسعار هو ضربة قاصمة للتنمية العمرانية ومن ثم التنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي في مصر, وقد تعودنا منذ فترة أنه عندما يحدث بداية ازدهار اقتصادي في مصر يأتي التخبط في أسعار مواد البناء ليقضي علي بدايات هذا الازدهار, لذلك فإن النتائج في منتهي السوء علي جميع عناصر التنمية العمرانية في مصر بداية من أصحاب رءوس الأموال الراغبين في دخول سوق الأستثمار العقاري وشركات المقاولات بما تضم من عمالة تمثل أكثر من60% من الأيدي العاملة في مصر سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة. يدعو الترساوي إلي أن تتدخل الدولة بكل قوة وبأي صورة تراها لإحداث استقرار في أسعار مواد البناء, باعتباره حدا من زيادة غير مبررة في الماضي قد أحدث تأثيرا غاية في السوء. علي قطاع الإنشاءات والمقاولات في مصر ونحن لاندري السر وراء هذا الارتفاع فمن المعروف أن سعر الدولار في سوق الصرف بمصر والعالم أجمع في هبوط مستمر لذا فالحجة أن الأسعار العالمية تتحرك غير موجودة فما المبرر إذن لهذا الارتفاع؟ هل هو جشع تجار أم سطوة المنتجين؟ ويقول محمد عبدالعزيز صالح( مقاول) إن الارتفاع الجنوني في أسعار مواد البناء عموما والحديد خصوصا سبب لي ولغيري من العاملين في قطاع المقاولات خسائر فادحة فالمالك لايقبل زيادة سعر المقاولة ويتمسك بالسعر المتفق عليه ولانستطيع أن نحصل علي أي مبالغ إضافية نتيجة الزيادة في أسعار مواد البناء ولاندري ماذا نفعل. هل نتوقف عن العمل وما مصير العمالة التي تعمل لدينا؟ ومن أين ينفقون علي أسرهم؟ لذا نرجو من المسئولين التدخل لإحداث استقرار في أسعار مواد البناء خاصة الحديد والأسمنت بعدما أصبح سعر الحديد يباع الآن ب4 آلاف جنيه للطن. بزيادة قدرها400 جنيه للطن خلال أيام معدودة. ويقول المهندس محمد عبدالرحمن حسن( مالك عقار): حصلت بعد عناء وتعب شديد علي قطعة أرض في إحدي المدن الجديدة وكلما عزمت علي القيام بأعمال البناء ترتفع الأسعار وأجد أن المبلغ الذي معي لايكفي فأؤجل عملية البناء حتي أدخر مبلغا إضافيا, ولكن هذه العجلة لاتتوقف عن الحركة. ماذا نفعل؟ ويقول حسن فتح الله محمد( مهندس زراعي ومالك قطعة أرض): قمت بشراء قطعة أرض وبدأت في بنائها كمشروع استثمار عقاري, وحصلت علي مقدمات من مشتري الوحدات من العقار وبعد الزيادات المتتالية في مواد البناء, خاصة حديد التسليح والأسمنت أصبحت الأسعار التي قمت علي أساسها بالبيع لا تغطي التكلفة, ولا أدري ماذا أصنع؟ إن رفعت سعر الوحدة فسأذهب للقضاء والمحاكم, وان توقفت عن العمل دخلت السجن, والأموال نفدت مني تماما. من جهته يقول مصدر مسئول بوزارة التجارة والصناعة لقد شهدت أسعار البيليت والحديد الخردة ارتفاعا كبيرا خلال شهري نوفمبر وديسمبر هذا العام وهما الخامتان الأساسيتان في إنتاج حديد التسليح وهذا ينذر بارتفاع أسعار حديد التسليح في السوق العالمية خلال المرحلة المقبلة خاصة مع ارتفاع أسعار النقل متأثرة بارتفاع أسعار البترول. وقد وصل سعر طن البيليت في أوكرانيا إلي560 دولارا. للطن مقارنة ب415 دولارا للطن في نهاية عام2006 بنسبة زيادة35%, كما وصل سعر طن البيليت من منشأ تركي في24 ديسمبر الجاري إلي580 دولارا للطن, وكان سعره في اكتوبر الماضي500 دولار, فارتفع80 دولارا في شهرين فقط, كما وصل سعر طن الحديد الخردة الي285 دولارا للطن في29 نوفمبر الماضي بينما كان سعره نحو250 دولارا للطن في أول عام2007, وهذه الارتفاعات في البيليت والخردة بالسوق العالمية انعكست حتما علي زيادة تكلفة إنتاج حديد التسليح في العالم كله وفي مصر أيضا مما يرشح الأسعار للزيادة في مصر في الفترة القصيرة المقبلة لحين حدوث تراجع في أسعار البيليت والخردة ومن الممكن أن يحدث هنا في شهر فبراير نظرا لانخفاض الطلب في هذه الفترة. وهناك مؤشر إيجابي يمكن ان يؤدي إلي استقرار الأسعار في السوق المحلية خلال الفترة المقبلة, وهي إنشاء مصانع لإنتاج البيليت في مصر وكذلك الحديد الاسفنجي وهما مدخلان أساسيان في إنتاج حديد التسليح بمصر ومن المتوقع أن يدخل المصنعان مرحلة الإنتاج عام2008 مما يجنب السوق المحلية تأثيرات ارتفاع الأسعار عالميا. إجراءت وزارية: وزارة التجارة والصناعة تعتمد في خطتها علي استقرار أسعار حديد التسليح علي زيادة المعروض في السوق المحلية من خلال إنشاء مصانع جديدة(4 مصانع جديدة) وزيادة المنافسة في السوق المحلية بين المنتجين والتصدي لأي ممارسات احتكارية في السوق خاصة أن جهات حماية المنافسة ومنع الاحتكار ستعلن قريبا جدا عن نتائج دراسة لسوق حديد التسليح, وكذلك فإن وزير التجارة والصناعة سيتصدي بكل حسم لأية ممارسات إحتكارية في السوق في أية سلعة وليس فقط في الحديد والأسمنت أو السلع الغذائية أيضا. وهنا يقول المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة: إنه تم إنشاء4 مصانع جديدة للحديد في مصر وهذه سوف تزيد من طاقة الإنتاج المحلي بنسبة50% من الموجود حاليا, حيث ستوفر هذه المصانع الجديدة8 ملايين طن سنويا من البيليت والحديد الاسفنجي والمستخدم في صناعة حديد التسليح وهذا سيجنبنا إلي حد كبير تأثيرات أرتفاع الأسعار العالمية عن الإنتاج المحلي لحديد التسليح في العام المقبل. حاربوا الاحتكار: من ناحيته يقول الدكتور حمدي عبدالعظيم عميد أكاديمية السادات للعلوم الأدارية سابقا: لاشك في أن أرتفاعات أسعار الحديد الكبيرة تعكس استمرار الممارسات الاحتكارية للسوق الخاطئة التي يجرمها القانون.. والدليل علي ذلك أن معدلات الأرباح التي تحققت من هذه الصناعة تفوق كثيرا جميع معدلات الأرباح في الصناعات الأخري. كما أنها تفوق مرات عدة زيادة الأسعار العالمية لخام الحديد, وجميع مستلزمات الإنتاج بما فيها الطاقة, التي لاتزال تحصل عليها, برغم اعتبارها أقل من الأسعار العالمية كما أن خطة ترشيد الطاقة سوف تستغرق3 سنوات, ويعني ذلك أنهم لايتحملون أي أعباء إضافية, وكذلك نجد أن زيادة كبيرة في حركة البناء والتعمير وبالتالي زيادة الطلب علي حديد التسليح بمعدلات كبيرة خلال الأيام القليلة الماضية. ويشير الدكتور حمدي الي أن هذا يدخل في صميم الممارسات الاحتكارية الخاصة التي تؤثر سلبيا علي الاقتصاد المصري. كما يجب أن تعمل الحكومة علي تنويع مصادر استيراد الحديد الخام من الدول التي يوجد بها اكتشافات مناجم جديدة للحديد الخام وعلي رأسها الهند والصين وبعض الدول الأفريقية.. بحيث تكون هناك خامات منخفضة التكلفة تستخدم في الصناعة المحلية وبالتالي اتجاه الاسعار الي الانخفاض, وكذلك لابد من العمل علي تذليل العقبات أمام الاستثمار في الثروات الطبيعية والمعادن بمصر وفي المناطق الواقعة جنوب الصعيد وشرق العوينات بحيث تقوم شركات القطاع الخاص بزيادة المعدلات والاستخراج وإعداد الخامة للتصنيع, خاصة أن كثيرا من المؤتمرات التي عقدت لدراسة مشاكل هذا النشاط في أسوان أشارت الي وجود تداخل بين الجهات المختلفة, فلابد من فض الاشتباك بين وزارتي الصناعة والبترول والمحافظة مع تحديد صلاحيات كل منها من أجل استخلاص الثروة المعدنية وبالتالي زيادة الانتاج من هذه الخامات مما ينعكس علي انخفاض الاسعار في الحديد والصلب. الرواتب.. والتلاعب! من جهته يقول سيد طه حسن رئيس النقابة العامة للعاملين بصناعات البناء والاسكان والاخشاب انه يجب علي الدولة ألا تتخلي عن الصناعات الاستراتيجية مثل الاسمنت وكان يجب الا تفرط في هذه الصناعة مثلما فعلت الدولة في حديد الدخيلة.. ونناشد وزير الصناعة تدعيم شركة الحديد والصلب لكي تستعيد مكانتها من جديد كهدف أساسي للصناعات العملاقة. كما يجب بناء مصنع قومي آخر مثل حديد الدخيلة لكي تكون هناك صناعة وطنية وقومية ولا تعطي الفرصة للمحتكرين لهذه السلعة الاستراتيجية. ويشير سيد طه الي انه يجب دفع مرتبات مجزية للعاملين في هذا القطاع أي اعطاء المهندسين راتبا شهريا قدره10 آلاف جنيه وألا يقل راتب العامل عن3 الاف جنيه واذا نظرنا الي ميزانية هذه الشركات في نهاية كل عام فإنها تسكب200% بل اكثر من هذا بكثير ومن ثم لابد من ضبط السوق المصرية وتفعيل دور جمعيات حماية المستهلك لان الحديد والاسمنت يعتبران سلعة استراتيحية يجب عدم المساس بها لانها تمثل استقرارا سياسيا واجتماعيا بين شرائح المجتمع المصري.. ويقول الدكتور هشام الجارحي( تاجر حديد) انه منذ عشر سنوات مضت كانت أسعار البيليت عالميا تتراح بين150 و160 دولارا وكان سعر الدولار340 قرشا وهذه الاسعار ظلت ثابتة لمدة سنوات طويلة, لكن حدثت تغيرات في اسعار الخامات وبدأت الاسعار تتحرك تصاعديا وكانت الخامة الرئيسية لتصنيع الحديد هي الخردة وكانت أسعارها من80 دولارا الي100 دولار, واصبحت الاسعار في تزايد مستمر حتي هذه اللحظة فأصبح سعر طن البيليت600 دولار بمعني ان سعر خام الحديد عالميا3 آلاف و300 جنيه والمصدر الرئيسي للبيلت هو الاتحاد السوفيتي وكانت الدولة تدعم تلك الصناعات في صورة دعم الطاقة بجميع أنواعها وخامات أخري وكانت السوق مغلقه وليس هناك سياسة السوق الحرة أو التجارة الحرة وكان هناك دعم للطاقة لان المالك الرئيسي هو الدولة وأصبحت السيطة والهيمنة للمستثمرين الاجانب بعد ان تم خصخصة جزء كبير من المصانع وأصبحت هذه الصناعة تدار بلغة الاقتصاد الحر, ومع تحرير تلك الصناعة أصبح هناك طلب متزايد علي المنتجات المختلفة من الحديد والصلب مما أدي الي ارتفاع تلك الاسعار نتيجة العرض والطلب, كما ساعد علي ارتفاع تلك الاسعار الارتفاع الجنوني لاسعار البترو ل. ويشير الدكتور هشام الجارحي الي ان العامل الرئيسي لارتفاع الاسعار عالميا, هو المعرفة مسبقا بالارتفاع المستقبلي للاسعار فيسارعون الي رفع الاسعار علي الرغم من التزام المصانع بالاسعار بدون زيادة. ويقول طارق مغاوري الجيوشي(من مصنعي الحديد) منذ اسبوعين كانت هناك تساؤلات من العملاء هل يرتفع سعر الحديد أم يظل كما هو فكانت الاجابة دائما بالنفي, ذلك أن المصانع الكبري كانت تتبع سياسة التسعير.. الآن نريد حلولا جزرية لحل مشكلات الحديد في مصر وتتمثل في تطوير مصانع الحديد والصلب في مصر بحيث تعمل بكفاءة عالية مع انشاء مصانع أخري حكومية تشرف عليها الدولة ووضع استثمارات جديدة لمصانع جديدة لهذه الصناعة الحيوية, لابد من تطوير مناجم الحديد في أسوان لان مصر يمكنها أن تقوم بالاكتفاء الذاتي محليا وعدم تعرض السوق المصرية لصدمات من جراءزيادة الاسعار العالمية. المزيد من التحقيقات