"هل تتجسس الدول لأغراض تجارية؟" سؤال فجرته أزمات "البلاكبيري" التي بدأت في دول غربية وزارت مؤخرا دول الخليج. واذا كانت الاجابة بنعم، فربما تواجه الشركات الدولية تهديدا متناميا من التجسس في الدول الناشئة لكن هل الغرب نفسه يستخدم الجواسيس للحصول على ميزة تجارية غير عادلة؟ في بداية الأمر، سلطت الدول الاوروبية الضوء على القضية عندما حذرت من هواتف بلاكبيري الذكية التي تستخدم أجهزة خادم في الولاياتالمتحدة وامريكا الشمالية يمكن لوكالات التجسس في هذه الدول الدخول عليها، وتم منع كبار المسؤولين في فرنسا والمانيا والمفوضية الاوروبية من استخدام تلك الهواتف كما يتجنب كثير من كبار العاملين في شركات الدفاع الاوروبية استخدامها. وذكر نيجيل انكستر، المسؤول السابق بجهاز الاستخبارات السرية البريطاني، ويرأس الآن ادارة التهديدات المتنقلة والمخاطر السياسية بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، ان بعض الدول الاوروبية نفسها لديها سجل مريب في هذا الشأن. وقال "الفرنسيون على الاخص كانوا يشتهرون دائما بالتجسس الصناعي" في اشارة إلى مقولات جرى تداولها لفترة طويلة بان الجواسيس الفرنسيين وضعوا معدات تنصت في مقاعد درجة رجال الاعمال بطائرات شركة ايرفرانس للاستماع الى محادثاتهم". ورغم ذلك أفاد انكستر بأن أنظمة الملكية الدولية المعقدة للشركات تزيد القضية تعقيدا، فكثير من الشركات المدرجة في بورصة لندن مملوكة بشكل كبير لجهات خارجية بينها صناديق الثروة السيادية الناشئة لعدد من الدول. ويقول الخبراء إن وكالات الاستخبارات الغربية تواجه تحديات متزايدة من احدث انظمة لتشفير البيانات، وان قضية بلاكبيري تظهر اعتمادها على منحها حرية الوصول الى تلك البيانات من جانب المصنعين والمشغلين. وتمتلك اغلب الدول الغربية بالفعل القدرة على اعتراض جميع الرسائل تقريبا داخل حدودها وفي كثير من الاحيان خارجها وتقول ان المخابرات الاقتصادية التي يريدونها هي ذلك النوع الذي سيمكنها من محاربة الجريمة والارهاب. وفي الخليج، زادت مطالبة عدة دول ناشئة أولها السعودية والامارات في الخليج ودول آسيوية -بالوصول الى بيانات هواتف بلاكبيري الذكية المشفرة- من عودة قضية استخدام الحكومات للتنصت الى بؤرة الاهتمام. ومؤخرا اعلنت الامارات والسعودية تعليق خدمات البلاكبيري لمخاوف امنية، وذلك لعدم قدرتها على مراقبتها، وتراجعت عن القرار بعد ان وافقت الشركة المقدمة للخدمة على تسليم بيانات العملاء. ومسألة احتمال تجسس الدول من اجل مكاسب تجارية هي قضية لا يريد المسؤولون الحاليون والسابقون الانجرار اليها لكن بعض الخبراء يقولون ان من السذاجة افتراض ان ذلك لا يحدث. ومنذ اختراع التلغراف والتليفون بات اغراء اعتراض الرسائل التي ينقلاها قائما. وقال اليستير نيوتون -الذي كان في وقت من الاوقات مسؤول الحرب الالكترونية بوزارة الخارجية البريطانية وهو الان محلل سياسي كبير ببنك نومورا الياباني- "مادامت التكنولوجيا متاحة فأعتقد ان من الانصاف القول ان الحكومات استخدمتها على الاقل احيانا لاغراض تجارية .. في الماضي الفرنسيون اتهموا البريطانيين بالتجسس على صناعتهم الدفاعية والعكس صحيح. وكانت اتهاماتهما مبررة". ويرى محللون انه اذا كانت الدول الكبرى تستخدم التجسس بالفعل لاغراض تجارية فان التهديد الرئيسي هو لقطاعات استراتيجية مثل الدفاع. وقال رئيس الوزراء البريطاني الجديد ديفيد كاميرون مرارا ان الدبلوماسيين يجب ان يفعلوا المزيد للترويج لانشطة الاعمال البريطانية في الخارج لكن ليس واضحا تماما ما اذا كان ذلك يعني ان على جواسيسها ان يقوموا بنفس المهمة. وثمة مجموعة من القضايا حول الصلات بين الدولة والاعمال ناهيك عن القيود القانونية على استخدام التنصت على الهواتف، فعلى سبيل المثال تحتاج السلطات في المملكة المتحدة الى الاذن من وزارة الداخلية قبل ان تتنصت على محتويات رسائل البريد الالكتروني او الاتصالات الهاتفية لمواطنيها، وتوجد قيود مماثلة في اماكن اخرى رغم استحالة معرفة الى اي مدى يتم تطبيق مثل هذه القيود. وفي حين ان من النادر ان يلفتا الانتباه اليها، فقد قامت الولاياتالمتحدة وبريطانيا على الاخص ببناء شبكة مراقبة الكترونية هائلة من خلال التعاون ايضا مع كندا واستراليا ونيوزيلندا. والمنظمتان الرئيسيتان المسؤولتان عن تلك الشبكة - وكالة الامن القومي الامريكية والمقر الرئيسي للاتصالات الحكومية البريطانية - هما اكبر وكالتي مخابرات في البلدين. ورغم قدرتهما على اعتراض فيض من المحادثات والرسائل فان مهمتهما الاكثر الحاحا اليوم هي فرز وتمحيص هذا الجبل من البيانات لاستخلاص الرسائل الخاصة بمؤامرات المتشددين. ويقول خبراء ان هذا نفسه يقلل من الزمن المتاح لاي تجسس تجاري او اقتصادي. وفكرة تحالف امريكي بريطاني متناغم قد تكون مضللة، فالمراقبون يقولون ان الدولتين يمكنهما التجسس بمفردهما لاسيما في مجال التكنولوجيا العسكرية التنافسية وفي الشرق الاوسط. ويجعل العالم الالكتروني الجديد وكالات المخابرات في الدولتين تقع في اخطاء احيانا، ووقع الخبراء في حالة من الذعر والارتباك خلال 2009 عندما نشرت صور عائلية وتفاصيل عن الرئيس الجديد لجهاز المخابرات الخارجية البريطاني على شبكة فيسبوك للتواصل الاجتماعي من جانب احد افراد العائلة. لكن الدول الاوروبية تشتبه دائما صراحة في ان الشبكة الانجلوساكسونية قد تستخدم احيانا ضدها. وذكر تقرير برلماني اوروبي عام 2000 انه يعتقد ان شبكة عالمية قوية تابعة للولايات المتحدة والمملكة المتحدة لرصد اشارات المخابرات قائمة من اجل التجسس الصناعي. وابلغ عن حالات جرى فيها التنصت على هواتف شركات اوروبية وفي الاغلب من جانب وكالات المخابرات، لكنه اشار ايضا الى الصعوبات في قياس حجم القضية لاسباب اقلها المصلحة المؤكدة لشركات الاستشارات الامنية الخاصة في الاعلاء من شأن التهديد.