تعيش الحكومة البريطانية في مأزق منذ عام.. بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية.. التي أثرت في اقتصاديات دول عديدة ولم تكن بريطانيا استثناء.. فأفلست شركات وخرج الآلاف من خانة العمل إلي البطالة.. بحثت الحكومة عن طريقة تدعم بها الشركات الخاسرة لإنقاذ الاقتصاد البريطاني من عثرته.. ولإيجاد فرص عمل للعاطلين.. وكان لابد من توفير تمويل لتنفيذ خطط الإنقاذ.. لم تلجأ الحكومة البريطانية إلي الطرق السهلة مثل رفع أسعار السلع والخدمات ويتحمل الشعب الفاتورة بصفته المستهلك الأول.. ولم تلجأ إلي الاقتراض الداخلي أو الخارجي.. ولم تفرض ضريبة جديدة يتحملها المواطن.. لم تفعل شيئا مما سبق.. بل رأت أن تمويل ميزانية الإنقاذ لن يكون إلا بضغط النفقات ثم زيادة الموارد عن طريق رفع الضرائب علي الأغنياء ورجال الأعمال. ومنذ إعلان الحكومة البريطانية منذ شهور.. عن نيتها رفع الضريبة العامة من 40% إلي 50%.. علي كل دخل سنوي يزيد علي 150 ألف جنيه إسترليني.. والجدل يدور في بريطانيا.. وانتقدت صحف الفاينانشيال تايمز ورويترز و(وول ستريت جورنال).. الحكومة بسبب هذا القرار.. بينما حذر أصحاب المصالح ورجال الأعمال الحكومة من تراجع الاستثمارات الأجنبية إذا ارتفعت الضرائب. تأخذ بريطانيا بنظام الضريبة المتصاعدة علي الدخل.. أي كلما زاد دخلك زادت الضريبة التي تدفعها.. ففي فرنسا تصل الضريبة التصاعدية إلي 60% وألمانيا 46%.. وبالتالي فإن قرار الحكومة البريطانية لم يكن خرقًا لما تفعله دول رأسمالية أخري عضوة بالاتحاد الأوروبي. لم تكتف الحكومة البريطانية بعرض أسباب قرارها للرأي العام والبرلمان.. بل أعلنت طرق إنفاق عائد الزيادة الضريبية ومقدارها ثلاثة مليارات ونصف المليار دولار.. كما حددت أول أبريل القادم موعدًا لبدء تنفيذ التعديل الضريبي.. الذي سيجري تطبيقه علي 300 ألف شخص.. وهو مايمثل واحدًا بالمائة من دافعي الضرائب في بريطانيا وعددهم 31 مليون شخص.. لكن هذا الواحد بالمائة هم الذين أثاروا تلك الضجة علي الحكومة.. لأنهم من كبار المديرين ومن أصحاب الأعمال.. قرار الحكومة البريطانية يحمل مفهوم العدالة الضريبية كما يساعد الدولة علي زيادة دخلها ومن ثم تقديم خدماتها للمواطنين. عندما نترك بريطانيا وننتقل إلي مصر.. ستجد أن حكومتنا الحالية قامت بتحديد حد أقصي للضريبة علي الأرباح والدخل بنسبة 20%.. أيا كان الربح أو الدخل.. بعبارة أخري فإن من يحصل علي خمسين ألف جنيه سنويا يدفع عشرين بالمائة.. ومن يربح خمسة ملايين جنيه سيدفع 20% ضريبة.. ومن يربح خمسين مليونًا يدفع 20% ومن يربح خمسة مليارات سنويًا يدفع 20% وهكذا.. مما ينتفي معه مفهوم العدالة الضريبية.. والسبب في إقرار نظام الضريبة الحالي في مصر هو خضوع القرار الحكومي لنفوذ رجال الأعمال. ربما يري الدكتور بطرس غالي وزير المالية أن حصيلة الضرائب قد زادت.. رغم خفض الضرائب من 40% إلي 20 %.. لكن الوزير يتجاهل هنا أن قلة الموارد الضريبية في السابق عند نسبة 40%.. كان سببه فساد الإدارة وليس ارتفاع نسبة الضريبة.. كما أن موظفي الضرائب كانوا يعملون لدي رجال الأعمال لضبط دفاترهم المحاسبية.. وماينفي كلام الوزير أيضا أنه رغم خفض الضريبة إلي 20% فلايزال التهرب قائما ولم يختف.. كما أن زيادة حصيلة الضرائب سببه زيادة حجم الشريحة الوسطي التي تدفع من المنبع. ستنفذ الحكومة البريطانية قرارها بعد أيام ولن تخضع لنفوذ رجال الأعمال وأصحاب المصالح.. لأنها تنظر لمصلحة كل أفراد المجتمع وليس مصالح فئة بعينها.