أسوأ من الديكتاتور، صُنَّاع الديكتاتور، الذين يلتفون حوله، ويبينون له أنه لا يخطئ، وأن قراراته كلها صواب، وأن ما يفعله لا يباريه فيه أحد وأنه ليس فى الإمكان أفضل مما كان. المشهد السابق بالضبط هو ما يجرى الآن فى مصر، فجماعة الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية تقوم بصناعة ديكتاتور، متدثر بغطاء الدين، وهو أسوأ من أى ديكتاتور آخر، فأى قرار يتخذ إنما هو وحى من الله، ومشفوع بالأحاديث والآيات القرآنية، وقول السلف الصالح، كما أن الجماعة والتيارات الدينية من خلفها، مستعدة للدفاع عن هذه الديكتاتورية، وهذه القرارات، حتى الموت وحتى النهاية، ومستعدة أيضا لتكفير الآخرين، ووصفهم بأبشع السمات والصفات، ليس إلا لأنهم قرروا معارضة قرارات مرسى.
يمكن لأى شخص أن يتصفح المواقع الخاصة بالتيارات الإسلامية، ولا سيما مواقع جماعة الإخوان المسلمين، الكثيرة المنتشرة، وصفحاتهم الكثيرة على «فيسبوك» التى يسيطرون عليها، وجنودهم الإلكترونيين وميليشياتهم المنتشرة على «تويتر»، أن يعرف بسهولة كيف تتم صناعة الديكتاتور الآن فى مصر، فهم لا يكتفون بالدفاع عن القرارات التى يتخذها مرسى، سواء كانوا مقتنعين بها أم لا، وسواء كانوا متفقين معها أم لا، بل إنهم يهاجمون ويسخرون بشدة من أى معترض، ويسفّهون أى قول آخر يخالف قولهم ورأيهم، وقول ورأى رئيسهم.
السؤال المطروح هنا هو: إذا كان الذين يحيطون بمرسى، ومن يقرأ لهم، ومن ينصحونه، يؤكدون له دائما أنه على صواب، وأنه لا يخطئ، وأن المعارضة مغرضة وتريد أن تنال منه، ولا تريد مصلحة البلد، فماذا تتوقعون منه؟ وإذا كانت جماعته تدافع عن أى قرار يتخذه، وتزيِّنه له، وتبرره له، وتطلق ميليشياتها الإلكترونية لتشويه وإسكات وإخراس من يعترض، فماذا تريدون من رئيس تتم تهيئته لأن يكون ديكتاتورا جديدا متخفيا فى زى الدين؟
لقد تحول مرسى إلى ديكتاتور بالفعل، وبدأ يتخذ قرارات يزينها له مَن حوله لأنه الرئيس الذى لا يخطئ، وهو ما فعله عندما قام بتحصين الجمعية التأسيسية من قبل بالمخالفة لإجماع القوى السياسية والوطنية، التى لم تطالب إلا بجمعية تأسيسية تعبر عن طموح وأحلام شعب قام بالثورة من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية، فلم يجد أمامه إلا جماعة ديكتاتورية تريد أن تسيطر على كل شىء، وتضع دستورا على مقاسها.
إن القرار الذى اتخذه الدكتور محمد مرسى بتحصين الجمعية التأسيسية للدستور، لم يكن إلا جزءا من صناعة الديكتاتور، ومحاولة للالتفاف على القانون لمحاولة إجهاض حكم القضاء بحل الجمعية التأسيسية الثانية، كما تم حل الجمعية الأولى لأنها مخالفة للقانون ولأنها سقطت فى قبضة جماعته، ولم تراعِ التمثيل النسبى للقوى السياسية، وهو أمر لا يتماثل مع رئيس الجمهورية ووجب عليه أن يكون رئيسا لكل المصريين، لا معبرا عن جماعة الإخوان المسلمين وحاميا لمصالحها، وهو ما يكشف عن المشكلة الحقيقية لدى مرسى، وهى مستشاروه الذين تحدثت عنهم فى بداية المقال الذين أدخلوه فى دائرة مفرغة لمحاولة إنقاذ تشكيلات جماعة الإخوان المسلمين فى مجلس الشعب أو فى الجمعية التأسيسية للدستور، بما لا يليق مع شخص رئيس الجمهورية الذى يصدر قرارات استباقية تصطدم مع أحكام القضاء فى أسلوب مماثل لأسلوب الحزب الوطنى المنحل.
قرارات مرسى الديكتاتورية بدأها منذ يومه الأول عندما قرر أن يعيد البرلمان المنحل بما يخالف القانون، وعندما أراد بعد ذلك أن يعتدى على السلطة القضائية ويقوم بإبعاد النائب العام من منصبه، كأننا لسنا فى الحالتين فى دولة قانون، وكأن الثورة لم تقُم من أجل الفصل بين السلطات وتحويل الحاكم إلى موظف لدى الشعب، وتحويله إلى إنسان عادى يخطئ ويصيب، لذا يجب عليه أن يلتزم بالقانون ويحترمه وينفذه.
ومن الغنى عن الذكر أن نقول إن تجاهل مرسى حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بحل مجلس الشعب فى 14 يونيو الماضى ودعوته المجلس للانعقاد، كان قيام المجلس بإحالة قانون معايير تشكيل انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية الثانية إليه ثم يقوم هو بالتصديق عليه بسرعة، وتحدى كل القوى السياسية الوطنية.
إن ما يفعله مرسى هو خطوات فى طريق الرئيس الديكتاتور، وما يفعله الإخوان المسلمون هو تعبيد هذا الطريق وتجهيزه لصناعة ديكتاتوره، وما على القوى الثورية إدراكه أن حربها ضد الديكتاتورية لم تنتهِ بعد.