إعجابي بالرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يزداد كل يوم، ليس فقط لزهده وتعففه وحياته البسيطة، لكن لحكمته وتعقله وإدراكه حقائق هذا العالم ومحدداته وعلاقات القوي به علي نحو يفوق مئات المرات الذين يصفونه بالنزق والتهور وتعريض بلده للدمار. لا يعني هذا أنني أتفق مع السياسة الإيرانية في المطلق، علي العكس فإنني أحترم خصوم نجاد داخل إيران وأراهم جزءاً من حيوية هذا المجتمع، لكن الأمر أنه في رأيي لا يصح أن نعادي من يدعم المقاومين ويخيف إسرائيل. يدرك الرئيس الإيراني أن أعداءه الذين يدعون العلمانية يستندون في تهديد العرب والمسلمين إلي خلط الدين بالهلوسة وبالنبوءات المجنونة، ويعلم أنهم يعتمدون علي القوة المحضة ولا يبالون بإقناع أحد بشرعية اعتداءاتهم، فماذا يفعل؟..إنه يرد عليهم بخطاب مماثل عالي النبرة مرتفع السقف لدرجة أنه توعد الأعداء بالفناء!. أعرف أن البعض سيقول بأن هذا الخطاب يمثل خطأ كبيراً لأنه يكسبه عداء العالم ويجعل الدول تتكتل ضده وبهذا يعرض شعبه للخطر..و وجه السذاجة في هذا القول أن المعتدلين المهذبين لم ينجح أدبهم واعتدالهم في حماية مؤخرات رعاياهم التي يتم فحصها في المطارات الأمريكية ولم تفلح رقة حاشيتهم في حصولهم علي صفعات أقل، وإن شئتم أمثلة فأمامكم محمود عباس إمام المعتدلين في كل العصور واسرائيل تستولي علي الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال في الأرض التي يفترض أنه يسيطر عليها. سيقول قائل: وما الذي يعجبك في جعجعة رجل يهدد بزوال دولة إسرائيل..أما عفا الزمن علي هذا النوع من الخطاب؟ أما أوردنا خطاب مشابه لهذا موارد الهلكة؟ والإجابة عن هذا السؤال ذات شقين: الأول أننا لم ننهزم في 67 بسبب الجعجعة والصوت العالي، لكننا هزمنا لأن قائد الجيش كان مشغولاً بتعمير الجوزة وضرب الأنفاس، أما نجاد فهو يبني المصانع ويخصب اليورانيوم ويصنع الصواريخ والسفن والمدمرات ويرسل الأقمار للفضاء ويطلق طائرة مقاتلة إيرانية مائة بالمائة ويحشد الأنصار ويعبث بأمن الخصوم ويجيد اللعب بأوراقه السياسية بمنتهي المهارة، ثم يتوج كل هذا بخطاب متوعد يعبئه بالحد الأقصي من أماني أمته، ولو كان خطابه هذا من شأنه أن يجلب الدمار لشعبه فلماذا سكتوا عليه وهو يلعنهم ويتحداهم منذ خمس سنوات؟. والشق الثاني هو أن خصوم أحمدي نجاد أمثال جورج بوش لا يتورعون عن استدعاء نصوص دينية غاية في الراديكالية والعنف، يتكئون عليها في عدوانهم علينا ويصورون لأنفسهم وللآخرين أن الأطفال والنساء الذين يقتلونهم في العراق وأفغانستان إنما هم قربان يتقدمون به للرب الذي يهوي قتل المسلمين!. وهناك أيضاً الخطاب الذي ألقاه نتنياهو مؤخراً ونشرته صحيفة «هاآرتس» يوم 18 فبراير الماضي وفيه أطلق تسمية «العماليق الجدد» علي إيران.. والعماليق هم الشعب الذي أوعز «يهوا» في التوراة لشعب إسرائيل بإبادته بشكل شامل في أول «جينوسايد» في التاريخ يصدر كأمر إلهي علي حد قول عزمي بشارة. وينص أمر يهوا حرفياً علي إبادة النساء والأطفال حتي البهائم. فكيف سكت العالم علي رئيس الوزراء العلماني الذي يستدعي هذا الإرث من التهاويم التوراتية لشحذ همة شعبه ضد أعدائه السياسيين؟! وما قول السادة المنوراتية من حبايبنا الحلوين الذين حذفوا آيات الجهاد من مناهج التعليم والذين يشعلون النار لو سمعوا نصاً قرآنياً يتناول الاسرائيليين بما يكرهون؟!.. ما قولهم في دعوة حبيبهم نتنياهو الذي يحوز 200 رأس ذري لإبادة الأطفال والنساء والماشية في بلد مسلم عضو بالأمم المتحدة؟! ولماذا لم نسمع رأيهم في تهديدات نتنياهو الجنونية كما ينشرون تهديدات نجاد لأصدقائهم الاسرائيليين؟! ولماذا يحملون علي الرئيس الإيرانشي ويتهمونه بالتهور والجنون لأنه يتوعد بمحو إسرائيل من الوجود غير مدركين أنه يرد علي المجرمين المتعصبين بنفس لغتهم مع تمسكه بأسباب القوة؟!