يبدو أن الشعب المصرى قد حُرّمت عليه راحة البال كما حُرّم عليه أن يحيا هانئاً فى وطنه فرحاً بثورته ويبدو أنه قد كُتب عليه أن يظل أسيراً تحت قبضة الحكم العسكرى إلى ما شاء الله ، حقاً لقد إستكثر مجلس الجنرالات تلك الفرحة الباهتة التى فرحها غالبية المصريين فى محاولة منهم لإقناع أنفسهم بظهور أول بشائر تحقق الهدف الرئيسى من ثورة 25 يناير وهو قيام الدولة المدنية المصرية الجديدة لأول مرة منذ ستون عاماً بعيداً عن الحكم العسكرى الذى ظل جاثماً على صدورهم طوال تلك الفترة التى تعدت نصف القرن من الزمان . نعم لقد رفض مجلس الجنرالات أن يترك السلطة فى يد حاكم مدنى وذلك لإيمانه الشديد بأنه سيد الجميع وكأن قبوله العمل تحت إمرة الحكم المدنى يعد نقيصة فى حقه لا يمكن أن يقبل بها فى الوقت الذى تعمل فيه جيوش دول العالم المتقدم تحت قيادة مدنية ولم ينتقص ذلك من قدرها وإزاء ذلك قام مجلس الجنرالات بإصدار الإعلان الدستورى المكمل قبل صدور توقعات نتيجة إنتخابات الإعادة بيوم واحدة وذلك لإحكام قبضته على مقاليد الحكم فى حال فوز مرشح الإخوان المسلمين الدكتور محمد مرسى حتى يصبح رئيس بلا صلاحيات تذكر بعد أن وضع مجلس الجنرالات كل الصلاحيات والسلطات تحت قبضته هو وحده .
وإذا نظرنا إلى بعض مواد الإعلان الدستورى المكمّل نجد أن دلائل إحكام السيطرة من قِبل مجلس الجنرالات واضحة جلية لا تقبل الشك فقد أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة إعلاناً دستورياً مكملاً إحتفظ فيه لنفسه بكل سلطات التشريع كما أكد أنه سيقوم بتأسيس الجمعية التأسيسية للدستور خلال أسبوع إذا واجهت الجمعية الحالية التى شكّلها مجلس الشعب المنحل عائق على أن تقوم تلك اللجنة التى سيشكلها مجلس الجنرالات بوضع الدستور خلال 3 شهور ، كما أنه رهن جميع الصلاحيات الممنوحة للرئيس الجديد بموافقة المجلس العسكري .
ففى المادة 53 مكرر والتى تنص على أنه '' يختص المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالتشكيل القائم وقت العمل بهذا الإعلان الدستوري بتقرير كل ما يتعلق بشئون القوات المسلحة وتعيين قادتها ومدِّ خدمتهم ، ويكون لرئيسه ، حتى إقرار الدستور الجديد ، جميع السلطات المقررة في القوانين واللوائح للقائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع "
هذا يعنى أنه لا يوجد لرئيس الجمهورية أى سيطرة أو صلاحية على وزارة الدفاع بعد أن أصبحت كل الصلاحيات فى يد السيد المشير طنطاوى.
كما وضع ذلك الإعلان مصير اللجنة التأسيسية للدستور تحت قبضة المجلس العسكرى فى حالة إذا قام مانع يحول دون إستخدام تلك اللجنة لعملها وهذا يعنى أن مجلس الجنرالات هو الذى سيتفضل بوضع الدستور عن طريق تلك اللجنة التى سيشكلها بنفسه وهو ما يعنى عودة الوضع إلى نقطة الصفر مرة أخرى حينما كان مبارك هو من يضع بنفسه ويزيل ما يشاء من الدستور فى ظل تمثيلية الإستفتاءات التى كان يقوم بها نظامه لقد وضع مجلس الجنرالات نفسه فى مأزق لا يُحسد عليه فكل أطياف المجتمع بإختلاف إنتماءاتهم أعلنت رفضها لهذا الإعلان كما أعلنت إستنكار صدوره فى هذا الوقت بالتحديد .
ولماذا لم يقم مجلس الجنرالات بعمل إستفتاء على هذا الإعلان مثلما قام من قبل بعمل إستفتاء مارس 2011 الماضى والذى ضرب به عرض الحائط وقام بإضافة 62 مادة بدون إستشارة الشعب على تلك المواد وإن كان لا حاجة بعمل ذلك الإستفتاء الآن بعد أن أعلن الشعب رأيه فى ميدان التحرير .
فهل ينزل مجلس الجنرالات على رغبة الشعب المصرى ويقوم بإلغاء ذلك الإعلان الذى قد يدخل البلاد والعباد فى دوامة من الصراعات التى نحن فى غنى عنها تماماً الآن حتى تهدأ الناس ولا تسمع آذان مجلس الجنرالات ذلك الهتاف الذى يقول يسقط ... يسقط حكم العسكر أم يُصّر على موقفه ويرفض الإستجابة لمطالب الشعب الذى وكّله فى إدارة شئون بلاده ؟؟؟
وماذا سيكون موقف المحكمة الدستورية العليا إزاء ذلك الإعلان والذى يعد بكل المقاييس إعلاناً غير دستورى فكيف يمكن قبول إعلان دستورى بدون إستفتاء الشعب عليه فهل ستصمت أم ستحكم بعدم دستورية ذلك الإعلان ؟؟؟؟!!!
لم يعد هناك شك أن ذلك الإعلان سيوؤد العملية الديموقراطية فى مهدها وإنه لن يسمح بإقرارها مطلقاً هذا مع تسجيل إعتراضى ورفضى الكامل لأن يستأثر فصيل بعينه على اللجنة التأسيسية وأقصد بهذا الفصيل جماعة الإخوان أو حزب الحرية والعدالة فلابد أن تشتمل هذه اللجنة على كل أطياف المجتمع من قانونيين ورجال دين ( مسلم – مسيحى ) وأدباء وفنانين وعمال ومهنيين وغيرهم فالدستور لكل المصريين ويجب أن يأتى ملبياً لآمالهم وطموحاتهم بدون أى تمييز أو إستثناء لأى فصيل على الآخر .
لابد أن يوقف العمل بهذا الإعلان الدستورى التكميلى حتى لا يعد ذلك إنقلاباً على الثورة والإطاحة بأهدافها .
أتوجه بالتهنئة للدكتور محمد مرسى بذلك الفوز الذى أحرزه على رجل نظام مبارك بالرغم من معارضتى للإخوان بسبب سياستهم تجاه الوطن والمواطن لذا أرجو أن يكون أدائه منحازاً للثورة وأهدافها وأن ينسى تماماً أنه كان عضو فى جماعة الإخوان المسلمين لأنه قد أصبح الآن رئيساً لكل المصريين الذين أصبحوا أمانة فى رقبة وسيسأله الله عن تلك الأمانة فى يوم من الأيام وأرجو أن يتعلم الإخوان من تجاربهم السابقة بعد ان تأكدوا أن الشعب هو الجواد الرابح دائماً وأنه هو المانح لأى شرعية وأنه فوق كل قانون وكل دستور كما أرجو أن يتخلوا عن الصفقات التى كادت أن تودى بهم .
إن خلافنا لم يكن إلا من أجل صالح هذا الوطن فإن كان أدائكم لصالح الوطن والمواطن دون أى تفرقة ودون اى تمييز فالشعب كله سياساندكم ويؤازركم وتذكروا أننا أعين تراقب و ضمير يحاسب .
أذكركم بقول الله عز وجل : ( وإن عُدتم عُدنا ) الثورة مستمرة