«طحا نوب بلد ناصرية» هذه العبارة هي الأشهر في محافظة القليوبية كلها، والمعني واضح جدا فطحا نوب هي قرية صغيرة في مركز شبين القناطر وهو البلد الوحيد تقريبا الذي يتصدر مدخله تمثال كبير للزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وهي إحدي القري القليلة التي لا يوجد بيت واحد فيها لا يعلق صورة جمال عبدالناصر أما عن الأسباب فهي بسيطة جدا. فطحا نوب كانت إحدي القري الكثيرة في مصر التي يعمل فيها الفلاحون بالسخرة في أراضي عدد من الأسر الإقطاعية وقد كانت طحا نوب نموذجًا للقري التي يعمل غالبية سكانها بالزراعة لذلك فقد ذاق معظم فلاحيها وأسرهم مر الحاجة والعجز والإذلال علي يد عدد من العائلات التي كانت تمثل الإقطاع القديم والتي كانت أشهر تلك العائلات هي «عائلة حمزة». القصة لم تكتمل بعد فالسخرة لم تكن تقتصر فقط علي العمل في أراضي عائلة حمزة الشهيرة وغيرها من العائلات ولكن كانت تتعدي ذلك لتصل إلي قيام الفلاحين وأبنائهم بجني ثمار الياسمين من الحدائق الكثيرة التي كانت تمتلكها عائلة حمزة. ثورة يوليو لم تكن بالنسبة لفلاحي طحا نوب مجرد نصر وطني وخلاص من الاستعمار والملكية وكل هذا الكلام الكبير فقط بل كانت انتصارًا مباشرًا وشخصيًا علي من عذبهم لسنوات طويلة في السخرة وجني الياسمين لذلك فإن تمثال عبدالناصر وصورته الموجودتين في كل بيت بالقرية هو تعبير عن انتصار تحقق ومساواة عادت في زمن عبدالناصر ولكن الغريب أن الصورة لم تتغير بصورة زعيم آخر حتي هذه اللحظة! تمثال عبدالناصر الذي يتصدر واجهة القرية ومدخلها له قصة هو أيضا فعقب وفاة جمال عبدالناصر في عام 1970 وفي نفس يوم الوفاة قرر عدد من كبار عائلات الإقطاع الاحتفال بالمناسبة عبر توزيع «الشربات» وهو ما دفع الفلاحين إلي جمع أموال من بعضهم البعض لإنشاء تمثال يخلد ذكري عبدالناصر وقد كان بالفعل وهو التمثال الذي لا يزال حاضرا حتي اليوم. حدث بعد هذا أمران لابد من الإشارة إليهما الأول أن عددا كبيرا من أهالي هذه القرية قد انضم إلي الحزب العربي الناصري وقت خروجه عام 1992 وظلوا يمارسون نشاطا يرتبط بحب الزعيم الراحل أكثر مما يعبر عن «أفكار عقائدية» وسياسية، أما الأمر الآخر الذي يؤكد أن مصر قد دخلت إلي زمن ليس له معايير واضحة ولا مقاييس يمكن أن تكون القول الفصل فهو أن البلد الذي أحب جمال عبدالناصر الذي خلصه من الإقطاع هو نفسه الذي انتخب أحد أبناء عائلة حمزة في عام 2000 ليصبح ممثلا للقرية في مجلس الشعب... وهو أمر لا يمكن تصديقه أبدا وإن كان في هذا الزمن يجوز تصديقه ونص!