وكيل «صحة الشيوخ»: حكومة مدبولي نجحت في البناء والتشييد بتوجيهات السيسي    انتقادات نيابية للحكومة بسبب انقطاع المياه بالسويس.. ومسئول: تخفيف الأحمال السبب    «شعبة مواد البناء»: إعلان تشكيل حكومة جديدة أربك الأسواق.. ودفعنا لهذا القرار    بعقود ثابتة تصل مدتها إلى 3 سنوات.. تفاصيل مذكرة التفاهم بشأن العمالة المصرية في قبرص    العراق: اعتقال متورطين في الهحمات على سلسلة مطاعم أمريكية ببغداد    وزير الخارجية: نطالب بعودة الظروف التي تؤهل لفتح معبر رفح بشكل كامل    كاسياس: تعاقد الريال مع مبابي مثل التتويج بدوري الأبطال    موجة من الحر والجفاف تجتاح قبرص بسبب تغير المناخ    الداخلية: ضبط 170 سلاحا ناريا وتنفيذ 84 ألف حكم خلال يوم    ترقية 20 عضوًا بهيئة التدريس وتعيين 8 مدرسين بجامعة طنطا    غدا.. صحة المنيا تنظم قافلة طبية في قرية دير السنقورية بمركز بني مزار    56 ألف كيلو لحوم و40 عجلا للأسر الاولى بالرعاية بقرى سوهاج خلال عيد الأضحى    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" يتابع سير العمل بالشيخ زايد و6 أكتوبر    محافظ القليوبية يناقش طلبات استغلال أماكن الانتظار بعددٍ من الشوارع    الخميس.. 40 طلب إحاطة على طاولة «محلية النواب» بحضور محافظ الدقهلية    الخشت يتفقد لجان امتحانات الدراسات العليا بكلية الإعلام    البنتاجون يجدد رفضه لاستخدام كييف للأسلحة الأمريكية بعيدة المدى داخل روسيا    قصة عشق مبابي وريال مدريد امتدت لأكثر من 15 عاما.. صور    فاينانشيال تايمز: بايدن يعتزم تشديد إجراءات الهجرة إلى الولايات المتحدة    جامعة حلوان تحتفل بحصول كلية التربية الفنية على الاعتماد الأكاديمي    ضياء السيد ينتقد حسام حسن لعدم ضم هؤلاء اللاعبين لمنتخب مصر    أخرهم أفشة.. الزمالك يسعى لخطف مطاريد الأهلي «الخمسة»    النني: الروح جزء من الحمض النووي ل أرسنال    حسام حسن: أوافق على اللعب للزمالك.. وسعيد بمنافسة بيراميدز في الدوري    هل التغييرات الحكومية ستؤثر على المشروعات الصحية؟ وزير أسبق يجيب ل«المصري اليوم»    "تموين الإسكندرية": توفير لحوم طازجة ومجمدة بالمجمعات الاستهلاكية استعدادا للعيد    انهيار أسقف عقار مكون من 5 طوابق فى الإسكندرية- صور    مصرع شخص في حريق ب«معلف مواشي» بالقليوبية    "جاله شلل نصفي".. التقرير الطبي لطالب دهسته سيارة مسرعة بمدينة نصر (مستند)    ضبط 14 طن دقيق مدعم قبل بيعها فى السوق السوداء    وزارة التعليم توجه تعليمات لطلاب الثانوية العامة استعداداً للامتحانات    استمرار ضخ السلع في المنيا بأسعار مخفضة.. وحملات تفتيش ورقابة على الأسواق    البورصة تواصل الصعود بمنتصف تعاملات اليوم    "أهل الكهف لعلها عبرة".. أزمات واجهت الفيلم قبل عرضه في عيد الأضحى    «القومي للمسرح والموسيقى» يحيي ذكرى ميلاد «الساحر» محمود عبد العزيز    توقعات برج الحوت على كافة الأصعدة في شهر يونيو 2024 (التفاصيل)    أكرم القصاص ل القناة الأولى: التعديل الوزارى مطروح منذ فترة فى النقاشات    أيمن عبدالرحمن يبدأ اختبارات ورشة التأليف بمهرجان المسرح المصري    صدم كل أبطاله.. رفع فيلم بنقدر ظروفك بعد أسبوعي عرض فقط (بالتفاصيل)    9 أفلام مجانية بقصر السينما ضمن برنامج شهر يونيو    أمين الفتوى الرؤى والأحلام لا يؤخذ عليها أحكام شرعية    لو هتضحى.. اعرف آخر يوم لحلق الشعر وتقليم الأضافر والحكم الشرعى    دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة.. «اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة»    "أهل بلدك أولى".. الإفتاء تحذر من إعلانات تروج لذبح الأضاحي في دول إفريقيا    خبير يحذر من خطورة الذكاء الاصطناعي التوليدي المستخدم في الهجمات السيبرانية    بتكلفة 650 مليون جنيه.. إنشاء وتطوير مستشفى ساحل سليم النموذجى الجديد بسوهاج    إحالة 26 عاملا للتحقيق في حملات تفتيشية على الوحدات الصحية بالمنيا    رئيس جامعة سوهاج يجتمع مع الشركة الوطنية للانتهاء من استلام وتشغيل مستشفي الجراحات التخصصية    وزير العمل يلتقى مدير إدارة "المعايير" ورئيس الحريات النقابية بجنيف    قبول دفعة جديدة من طلاب المدارس الإعدادية الثانوية الرياضية بالقليوبية    رئيس جامعة بني سويف يستقبل لجنة قطاع الآداب لتفعيل الدراسات العليا بكلية الألسن    ردا على مبابي.. برشلونة يقترب من حسم صفقة الأحلام    أصعب يوم في الموجة الحارة.. 5 طرق تجعل هواء المروحة باردا    إجلاء نحو 800 شخص في الفلبين بسبب ثوران بركان جبل "كانلاون"    بسبب الحرب الأوكرانية.. واشنطن تفرض عقوبات على شخص و4 كيانات إيرانية    سيف جعفر: أتمنى تعاقد الزمالك مع الشيبي.. وشيكابالا من أفضل 3 أساطير في تاريخ النادي    أخبار الأهلي: كولر يفاجئ نجم الأهلي ويرفض عودته    هل يجوز الصيام في أيام عيد الأضحى.. «الإفتاء» تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.أحمد خالد توفيق يكتب عن القصة البوليسية: من فعلها؟!
نشر في الدستور الأصلي يوم 17 - 02 - 2010

عامة لم أفطن إلى أهمية القصص البوليسية وقدر الفن المبذول فيها إلا في سن متأخرة جدًا، فقد بدأت القراءة كطفل يعبث في مكتبة أبيه ويحاول أن يتهجأ الكلمات ، وكانت الكتب التي وجدتها بالصدفة تحمل أسماء مؤلفين مثل (المازني) و(تشيكوف) و(فلوبير) و(طه حسين). كان أبي يبتاع لي بعض القصص البوليسية التي ترجمها سيد المترجمين (عمر عبد العزيز أمين)، كما كان يبتاع لي المحاولة الطموح البارعة التي قدم بها محمود سالم القصة البوليسية للنشء العربي، وهي ما عرف باسم (المغامرين الخمسة)، وقد نجحتْ جدًا لدرجة أن أية كتابات للشباب في مصر يطلقون عليها (ألغاز) حتى اليوم، أي أن كلمة (ألغاز) صارت تدل على نوعية معينة من الكتب من حيث شكل الغلاف ونوع الورق والطباعة، وليس المحتوى فقط. استمتعت بهذه القصص جدًا واعتبرتها إجازة عقلية لا شك فيها، لكني لم أستطع النظر لها بجدية ورهبة كما كنت أنظر لإبداعات الكبار.
فيما بعد عرفت أن طه حسين نفسه مولع بأجاثا كريستي كما صرح في حديث إذاعي، وقرأت كتاب (رحلة حب رحلة رعب) للراحل صلاح طنطاوي الذي يحكي قصة حبه الأبدية لهذه الكاتبة البريطانية، إلى درجة أنه سافر إلى استراليا ليعمل عدة أعوام كي يجمع نفقات إقامته في إنجلترا قربها !. هكذا بدأت أعيد استكشاف هذا الطراز من الأدب، واعترفت لنفسي بأنه نوع فريد من الفن له مقاييسه الخاصة. عندما تحضر مباراة لكرة القدم ثم تحضر بعدها مباراة لكرة التنس فلا تحاول أن تبحث عن المرمى وحارسه، ولا تتهم اللاعبين بالغباء لأنهم يحملون مضربًا ولا يستعملون أقدامهم. كل لعبة لها مقاييسها الخاصة، وهو تقريبًا ما قاله توفيق الحكيم عن أنه يعشق الغناء الشعبي ويعشق السيمفونيات، وهو الرابح في الحالين لأنه يصطاد كل نوع من السمك بشبكته لا بشبكة الأنواع الأخرى. نفس المشكلة حدثت في الخارج حيث كان النقاد يفرقون بين الأدب الكلاسي عالي الجبهة وبين هذا النوع من الأدب، فيطلقون عليه أحيانًا (فن البوب) أي أنه مخصص لعامة الشعب ، وفي أمريكا اسمه Pulp fiction وهو مصطلح يدل على نوعية الورق الرخيص الذي تطبع عليه هذه القصص. اليوم زالت الفوارق الحادة بين نوعي الأدب هذين، وصار المقياس الوحيد هو (جيد) و(سيئ).
هكذا التهمتُ ما وجدته من كتابات أجاثا كريستي وآرثر كونان دويل وقرأت بعض ما كتبه إيلري كوين – وهو اسم وهمي لرجلين يكتبان معًا - وجورج سيمنون صاحب المفتش الفرنسي السخيف (ميجريه). بالطبع عرفت مبكرًا أن الاسمين الأولين هما الأكثر براعة وإمتاعًا.. لقد استطاعت أجاثا كريستي أن تحول فن القصة البوليسية إلى فن كلاسي عالمي.
قمت ببعض محاولات لكتابة القصة البوليسية، لكنني لم أحب ما كتبته، وبدا لي ذلك العالم غربيًا جدًا يصعب أن ننقله للعربية وليس الأمر ببساطة أن نقول : "أشعل المفتش بيومي غليونه وألقى نظرة على المدفأة ..". لا يوجد مفتشون في مصر، ولا ندخن الغليون إلا نادرًا ولا نحتاج إلى مدفأة. دعك من أن الجريمة في مصر عفوية اندفاعية يصعب أن تتم بكل هذا التخطيط والتحذلق اللذين نصدقهما في الروايات البريطانية مثلاً. هكذا أدركت ما بذله محمود سالم من جهد ليجعل قصصه المصرية مقبولة جدًا. توقفت عن المحاولة وقررت الكتابة في مجالات أخرى ومنها الرعب والفانتازيا، وازداد احترامي لكتاب القصة البوليسية.
اعتدنا أن نعتبر القصة البوليسية وقصة الجريمة وقصة المخبر مصطلحات تعني الشيء ذاته، لكن الحقيقة أن قصة المخبر Detective story نوع من قصة الجريمة Crime story. هناك من يعتبر ألف ليلة وليلة أول نموذج لقصة الجريمة، وبالذات قصة (التفاحات الثلاث) حيث يجد صياد صندوقًا فيأخذه هدية لهارون الرشيد .. يفتح الخليفة الصندوق ليجد جثة فتاة جميلة ممزقة، من ثم يصدر الأمر لوزيره جعفر بسرعة القبض على القاتل وإلا طار عنقه.. والقصة بعد ذلك تحقيق طويل مليء بالمفاجآت لا يختلف عن أية قصة معاصرة لإدجار والاس وسواه. هناك من يتحدث كذلك عن بحث أوديب الطويل عن قاتل أبيه، أما في الأدب المعاصر فأقرب الأمثلة قصتا (جرائم القتل في شارع مورج ) و(لغز ماري لوجيه) بقلم إدجار آلان بو (1841). هنا ظهر المخبر العبقري (أوجست دوبان) ليميط اللثام عن الجريمة. ثم بعد أعوام ظهر المخبر العبقري شيرلوك هولمز الذي ابتكره آرثر كونان دويل فجعل قصة الجريمة شعبية محببة للجميع.. وفي هذه الفترة ظهر لغز الغرفة المغلقة الذي نعرفه جميعًا (السير مكفيرلي مقتول في مكتبه والمكتب مغلق من الداخل والنوافذ موصدة، فكيف دخل القاتل ؟.. ومن هو ؟). تخصص وبرع في هذا النوع من القصص جون ديكسون كار، وفي قصته (الرجل الأجوف) يكشف عددًا من الحيل التي يستطيع بها القاتل أن يقتل ضحيته في غرفة مغلقة من الداخل.
قصة الجريمة تنقسم إلى أنواع عديدة بعضها قصص قاعات المحاكمة حيث الصراع القانوني بين المدعي والمحامي، وبعضها يحكي عن حياة رجال العصابات أنفسهم، ومن الواضح أن كل هذه الأنواع غير شائعة عندنا. قصة المخبر Detective story هي غالبًا النوع الذي يقصده القارئ العادي عندما يتكلم عن القصص البوليسية، وبالذات قصص (من فعلها ؟) أو Whodunit التي تسير حسب الخطة المعروفة: السير مكفيرلي مقتول في مكتبه كالعادة، والمكتب مغلق من الداخل والنوافذ موصدة. يتم استدعاء سكوتلانديارد والمفتش فلان .. أحيانًا يكون المحقق رجلاً هاويًا غير محترف يتمتع بسعة صدر سكوتلانديارد وتعاونهم لأنه حل قضايا معقدة سابقة.. تبدأ التحقيقات ويتم سؤال الشهود وأقارب القتيل، وتلقى علامات الاستفهام حول أكثر من واحد .. قرب نهاية الرواية يجتمع الأبطال كلهم لأن المفتش يريد أن يخبرهم بشيء.. نكتشف شخصية القاتل وهو دائمًا آخر شخصية يمكن أن نشك فيها.. لو توقع القارئ القاتل قبل هذه اللحظة فهو فشل للمؤلف. لاحظ أنني ذكرت السير مكفيرلي، إشارة إلى أن هذا النوع من الأدب يوشك أن يكون فنًا بريطانيًا بالكامل. بالطبع يحمل هذا النوع من الأدب مشكلة كامنة فيه، هي أن نظرة واحدة إلى الصفحة الأخيرة – وأنا ممن يفعلون ذلك – تكفي لإفساد القصة كلها، كأنها مباراة عرفت نتيجتها فلم يعد لمشاهدتها داع، وقد حكى هتشكوك عن قناة إذاعية أمريكية كانت تقدم مسلسلاً من طراز (من فعلها ؟) فتطوعت قناة منافسة بأن تعلن (رئيس الخدم هو القاتل)، وكان من تقاليد مسرحية (المصيدة) لأجاثا كريستي أن يخرج الممثل الرئيس على خشبة المسرح في نهاية المسرحية ليرجو المشاهدين ألا يخبروا أحدًا بالنهاية. فهي مسألة تحضر . وقد نجح المشاهد الغربي في الاختبار بينما رسب فيه المشاهد المصري بجدارة عندما عرضت المسرحية في مصر.
بعض الكتاب ثقيلي الوزن كتب قصص (من فعلها) ومنهم تشارلز ديكنز في (البيت الكئيب) عام 1853، حيث يموت المحامي وتدور تحقيقات طويلة للبحث عن الفاعل. وبعدها جاء ويلكي كولنز ليضع قواعد القصة البوليسية من طراز (من فعلها):
1- سرقة في بيت ريفي.
2- محقق شهير يتولى التحقيق.
3- شرطة محلية لا تتمتع بالكفاءة.
4- متهمون بطريق الخطأ.
5- الفاعل هو الأقل إثارة للشك.
6- قتل في غرفة مغلقة من الداخل.
7- منحنى نهائي مفاجئ في القصة.
بالطبع تظل أمتع القصص طرًا قصص أجاثا كريستي، وهذا يعود للجاذبية القوية لمخبريها (هركيول بوارو) المهاجر البلجيكي الأصلع مضحك الشكل، الذي يصر على أنه بارع جدًا في الإنجليزية، وهو منظم بشكل مرضي لدرجة أنه يستعمل الورق المربع ويحلم بأن يجد بيضًا مكعبًا، ويتحدث دومًا عن خلايا المخ الرمادية. يرافقه صديقه المخلص محدود الذكاء الذي يحكي القصص بنفسه (هاستنجز)، والذي يستخدمه بوارو كوسيلة لمعرفة طريقة تفكير الرجل العادي. هناك كذلك مس ماربل العانس اللطيفة التي تعيش في قرية (ماري سانت ميد) ولها شبكة علاقات ممتازة مع عوانس القرية والخدم، وتصغي لكل القيل والقال، وتؤمن أن كل جريمة تقع في القرية حدث مثلها منذ أعوام. هذا جعل أحد النقاد يقول ساخرًا: يبدو أن هذه القرية الهادئة تحوي قدرًا من الشر والجريمة يفوق ما كان في سدوم وعمورية !
يقسم الغربيون المخبرين إلى أربعة أنواع:
1- الهاوي: مثل مس ماربل.
2- المحقق الخاص: مثل شيرلوك هولمز ومارلو.
3- مفتش الشرطة: مثل كوجاك ومورس.
4- خبير الطب الشرعي: مثل سكاربيتا وكوينسي.
5- المحققون التابعون للكنيسة الكاثوليكية: مثل الأب براون الذي تخصص فيه البريطاني تشسترتون، وهناك المحقق الكنسي الشهير ويليام باسكرفيل في رائعة أمبرتو أيكو (اسم الوردة).
لقد خضع هذا النوع من الأدب لدراسة مدققة، واهتمام نقدي بالغ في الخارج. وقد وضع رونالد كوكس الكاتب الأمريكي وصايا عشرًا لكتابة قصة (من فعلها) ناجحة:
1- يجب ظهور الفاعل في موضع مبكر من القصة، لكن يجب ألا يعرف القارئ نواياه.
2- يتم استبعاد كل الوسطاء الروحانيين أو من لهم قوى خارقة للطبيعة.
3- لا تسمح بأكثر من غرفة سرية أو ممر سري واحد في القصة.
4- لا تستعمل سمًا غير معروف، أو أية وسيلة علمية تحتاج إلى شرح مطول في نهاية القصة.
5- لا تضع قتلة صينيين ذوي خناجر غريبة في القصة.
6- لا يجب أن يحدث حادث يساعد المخبر، ولا تجعله يصل للحقيقة بنوع من الحدس.
7- يجب ألا يكون المخبر هو نفسه الفاعل.
8- يجب أن يخبرنا المخبر بكل دليل يجده.
9- صديق المخبر الغبي – مثال واطسن – يجب أن يكون أقل ذكاء بشكل طفيف من القارئ العادي.
10- لا تضع في القصة توائم ما لم تمهد لهذا من قبل.
طبعًا ليست قواعد صارمة جدًا، فمثلاً أجاثا كريستي خرقت القواعد 4 و 7 و 8 مرارًا. كما أنها تخرق قاعدة مهمة لدى سومرست موم تقضي بألا تحتوي الرواية أكثر من جريمتي قتل، وأن يعطينا المؤلف فرصة لنعرف الضحية ونحبها ونحزن لموتها، فلا يبدأ القصة بجثة. سومرست موم من عشاق القصص البوليسية ويعد نفسه خبيرًا فيها كقارئ لا ككاتب.
هناك نوع آخر من قصة المخبر تم ابتكاره لاحقًا، هو قصة (كيف فعلها ؟ howdunnit) أو (قصة المخبر المقلوبة)، وهنا نعرف القاتل ودوافعه منذ البداية، فتكون المشكلة هي كيف يتوصل المخبر إلى معرفة الحقيقة ؟. أوضح مثال لهذه القصص هو المفتش كولومبو. ويعود ابتكار هذه الطريقة لأوستين فريمان عام 1912. طبعًا يمكن بشيء من سعة الأفق أن تضع رائعة دستويفسكي (الجريمة والعقاب) في هذه القائمة.
في مصر كان أول من قدم أدب (من فعلها ؟) هو محمود سالم في سلسلته (المغامرون الخمسة)، وكانت موجهة للصبية أساسًا، لكنها تركت آثارها في جيل كامل وأعيد طبعها مرارًا. يمكن القول إن محمود سالم طبق معظم قواعد قصة (من فعلها ؟) ببراعة، كما قدم شخصية الصبي البدين (تختخ) شديدة الجاذبية التي تذكرنا ببوارو أجاثا كريستي. لا ينسى الكثيرون منظر شوارع المعادي الهادئة، بينما الأطفال الخمسة وكلبهم يركبون دراجاتهم، وبرغم سذاجة أن يلجأ رئيس مباحث إلى الصبي تختخ في كل مرة ليطلب معونته، لكنك تقبل هذا من منطق كولردج الشهير (التعطيل الإرادي لعدم التصديق). يتهم البعض محمود سالم بالاقتباس من سلسلة أمريكية شهيرة بطلها صبي بدين اسمه (جوبتر جونز)، لكن هذا الاتهام وليد نظرة سطحية ترى أن كل القصص التي بطلها صبي بدين ذكي واحدة، ولو كان صحيحًا فلا ننكر جهد سالم المذهل في تحويل كل شيء إلى طابع مصري صميم. كان نجاح السلسلة لحوحًا طاغيًا حتى أن نفس الكاتب فشل في منافستها بسلسلة أخرى مثل (الشياطين ال 13)، وبالطبع كانت أية محاولة من آخرين لتكرار ذات النجاح محاولة فاشلة.
بالتأكيد سوف يفرز هذا الفن مثيلاً له في مصر، ولكن بعد أعوام من الترجمة والأجيال الجديدة التي تقرأ الإبداعات العالمية في هذا الصدد، وبالطبع لن تتخذ القصص ذات طابع (من فعلها ) القديم، بل ستسير مواكبة للأنواع الجديدة من هذا الفن الجميل، ولسوف يلعب التطور العلمي دورًا أكبر بكثير. إن القصة البوليسية في عصر تحليل DNA والكمبيوتر لابد أن تختلف، كما أن ظهور الهاتف المحمول سوف يستدعي طرقًا جديدة من التحايل، لأنه من الصعب اليوم أن نقرأ عن أبطال محاصرين في بيت بينما يُقتل واحد منهم كل ساعة. مكالمة واحدة على الهاتف المحمول للشرطة تنسف القصة من جذورها!
نقلا عن مجلة فصول فصول العدد 76- خريف 2009


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.