كثيرون يؤكدون أن المصري كائن مرتبط جداً بوطنه وأرضه، بل إن علماء الجغرافيا يذهبون للقول بأن خصائص هذا الشعب الالتصاق بالنهر وتفضيل الاستقرار، فإذا كان هذا صحيحاً فلماذا إذن يزداد كل يوم عدد المصريين الذين يريدون أن يَهِجُّوا من مصر ويسعوا إلي طلب اللجوء إلي بلاد أوروبية وأمريكية؟ هل يمكن اعتبار ما سبق حالة من الازدواجية؟ أم أنه أمر طبيعي جداً إذا أخذنا في الاعتبار حالة الخلل التي تصيب كل تفاصيل حياة المصريين وتدفعهم لتغيير عاداتهم المتوارثة وللكفر بضرورة البقاء فيهاجرون بهذه الأعداد الواسعة التي تؤكدها عشرات التقارير، كان آخرها تقرير التنمية البشرية بالدول العربية الصادر مؤخراً عن الأممالمتحدة والذي ذكر أن هناك 8 آلاف مصري يطلبون اللجوء إلي دول أجنبية كل عام، هذا بالإضافة إلي ما لا يقل عن 40 ألف حالة هجرة غير شرعية بعضها ينتهي بالفشل أو الموت. وهناك مزيد من الأرقام.. فالتقرير الصادر عن إدارة الأسرة والطفل الأمريكية من مكتب شئون اللاجئين يكشف عن أنه من بين 300 مليون هو عدد سكان الولاياتالمتحدة فإن هناك 166 ألف مصري، أما أعداد الحاصلين علي حق اللجوء منهم فيمثلون 0.5 من كل مليون أي 150 مصرياً وأن العدد يزيد سنوياً بمتوسط 5 لاجئين، وفي أوروبا الأمر أكثر تطوراً وتعقيداً فقد كشفت السلطات التشيكية قبل شهور عن محاولة 300 مصري الحصول علي حق اللجوء السياسي إليها ونجح في المهمة 90، في حين أكد منسق شئون اللاجئين بوزارة الداخلية أن أعداداً كبيرة من المصريين تتوافد سنويا للاستفادة من المزايا الواسعة للحاصلين علي حق اللجوء إلي دولة التشيك ولكنها غالباً ما تكون خطوة للانتقال بعدها كمواطن أوروبي إلي دول الغرب والتي تستلزم من طالبي اللجوء أحياناً البقاء مدة شهرين داخل معسكرات اللجوء التابعة للصليب الأحمر علي الحدود، ملقياً باللائمة علي السفارات المصرية في دول أوروبا الشرقية بشكل عام التي تتجاهل تمامًا متابعة هؤلاء المهاجرين المصريين وترفض تقديم أي مساعدة لهم مقارنة بالوضع إذا تعلق الأمر بدول غرب أوروبا التي ازدادت بها إجراءات الحذر والتشديد. أما توماس هيسمان مسئول ملف اللجوء والهجرة في الاتحاد الأوروبي فقال تعليقاً علي تقرير سنوي حول أوضاع الهجرة بالقارة إن مصر تأتي في مرتبة متقدمة بالدول التي يطلب مواطنوها اللجوء للقارة لتردي الأحوال الاقتصادية، كما أشار إلي نجاح إيطاليا في استقبال 10 آلاف حالة من مصر وحدها في حين وصل إليها عبر البحر 36 ألف شخص قادمين من شمال أفريقيا تقدم منهم حوالي 75% بطلبات لجوء، وما يقرب من 50% من هؤلاء حصلوا علي شكل من أشكال الحماية الدولية من قبل السلطات الإيطالية. أما الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء ففي تقرير صادر عنه في مايو 2008 حول «الهجرة الدائمة للمصريين» خلال العشر سنوات الأخيرة جاء فيه أن إجمالي المصريين المقيمين خارج مصر هم مليونان و726 ألف مواطن، من بينهم ما يطلق عليهم «المهاجرون المؤقتون» يتركزون بدول الخليج العربي ويقدر عددهم بمليون و902 ألف مصري ويشكلون نسبة 69.8 % من إجمالي عدد المهاجرين، أما المهاجرون الدائمون فيصل عددهم إلي 824 ألف مصري، وعن عام 2007 فقط أشار التقرير إلي اكتساب 2186 مصرياً لجنسيات أجنبية، ذهب 991 منهم للدول الأوروبية وما يقل عن نصفهم قليلاً استقروا بألمانيا تحديداً يليها أمريكا التي وصل عددهم فيها إلي 586 بنسبة 37% من إجمالي من حصلوا علي جنسيات أخري واستقروا استقراراً دائماً علاوة علي 370 في أمريكا اللاتينية. لكن الأرقام المفزعة التي تعكسها التقارير لا تقف عند هذا الحد، فالتقارير تكشف عن أن حوالي 54% من المهاجرين في العشرينات من عمرهم، وأغلبهم ذهب إلي أمريكا التي أيضاًً حصلت علي المرتبة الأولي في هجرة المصريين أصحاب التخصصات العلمية بنسبة 53%، والأمر لا يرتبط فقط بإهدار طاقات آلاف الشباب سنوياً دون سبب إلا التزام هذه الحكومة بسياسات الإفقار والتطفيش حيث تمثل العوائد المالية للمصريين بالخارج حوالي 3.7 مليار دولار سنوياً ممثلة الدخل الثالث بعد قناة السويس والبترول بالدولة، ولكنه يعكس أيضاً أبعاداً أمنية تتعلق بإمكانية تجنيد عدد من هؤلاء المهاجرين لمصالح دول وجهات أخري، ففي بريطانيا وحدها تم إدراج اسم 16 لاجئاً مصرياً في قائمة المطلوبين، علي خلفية تفجيرات خان الخليلي التي نفذتها جماعات دينية عام 1997، كما أن هناك أربعة تم استدعاؤهم علي خلفية انتمائهم لتنظيم القاعدة، أما العقيد محمد غنام مدير إدارة البحوث القانونية السابق بوزارة الداخلية فقد حكي من بلد اللجوء سويسرا عن تجربته من خلال بيان نشر علي موقع «المرصد» البريطاني بعنوان «سويسرا أرادتني عميلاً لها داخل القاعدة»: إنه حصل علي حق اللجوء السياسي في سويسرا منذ خمس سنوات، دأب خلالها السويسريون بالتنسيق مع مخابرات الحكومة المصرية بممارسة أعمال عنف مادي ونفسي ضده، مثل إرسال أشخاص متعاونين مع أجهزة الأمن السويسرية للتحرش به والاعتداء عليه. وقال الغنام: «في البداية كان السويسريون يحاولون إيهامي بأن المخابرات المصرية هي التي تدبر ما تعرضت له من مشكلات إدارية واعتداءات، ولكن بعد حين اكتشفت أن المخابرات والبوليس السويسري هم الذين يقومون بالدور الأساسي بالتنسيق في هذه الحملة، مضيفاً: «كشف السويسريون عن وجههم وكثفوا من ضغوطهم وتهديداتهم علانية لإجباري علي العمل لحسابهم». وأضاف: «طلب مني السويسريون أن أتعرف إلي عائلة، يزعمون أن لها صلات بتنظيم «القاعدة»، توطئة لأن أنفذ من خلال تلك العائلة إلي «القاعدة»، لأكون عميلا للمخابرات السويسرية داخلها، ناهيك عن الإيقاع بتلك العائلة وتمكين السلطات السويسرية من التخلص منها». يقول خبير الأمن القومي اللواء وجدي عمر إن هناك أزمة بالفعل سببها اختلاف مناخ الحريات بين الداخل المصري والدول الأوروبية خاصة والتي تكون مناخاً مناسباً للهاربين من اضطهاد سياسي أو ممن يخافون أن يصلوا لطريق مسدود، وأضاف أن كثيراً من أعضاء حركة التكفير والهجرة وتنظيم الجهاد السابق تم تفعيل نشاطهم في جماعات إسلامية مسلحة ، وأشار إلي أن فتح باب الحريات مع تشديد الرقابة علي جماعات العنف دون انتهاك حقوقهم من خلال تضييق مصادر الرزق عليهم ومهاجمة منازلهم واعتقالهم بشكل غير رسمي سيقلل من الخطر المنتظر عند سفر هؤلاء للخارج، كما أشار إلي الخطر الحقيقي غير المدرج في التقارير الرسمية حول سفر ولجوء عدد ليس بالقليل من المصريين إلي إسرائيل فلا توجد إحصاءات رسمية حولهم في حين أن هناك من يسافر وينخرط بالمجتمع الإسرائيلي بشكل كامل ويعلق د. عبدالله الأشعل مساعد وزير الخارجية الأسبق علي تطور حالة لجوء المصريين للخارج قائلاً: إن اتخاذ قرار منح اللجوء السياسي يأتي عن طريق حكم قضائي يتم خلاله التأكد من وجود خطر حقيقي علي حياة هذا الشخص في بلده كما تؤثر العلاقات السياسية بكل تأكيد