كثر الجدل فى الأونة الأخيرة حول النظام القادم للحكم فى مصر، كما تعددت الإجتهادات إزاء ما يناسب التركيبة السيكولوجية والإجتماعية الحاكمة داخل المجتمع المصرى. فقد رأى بعض الإسلاميين ضرورة تضمين الدستور الجديد على بعض المواد التى تؤسس لنظام برلمانى يعطى غالبية الصلاحيات السياسية – ومنها الحق فى تشكيل الحكومة – للبرلمان المنتخب، فى حين تحدث الليبراليون عن نظام رئاسى برلمانى مختلط – نظام شبه رئاسى – يسمح بوجود نوع من التوازن السياسى بين سلطات الدولة، بحيث يبقى تشكيل الحكومة حق أساسى للبرلمان، مع إحتفاظ الرئيس بالحق فى حل مجلس الشعب على سبيل المثال. يبدو إذن أن النظام الأمثل الذى قد يتناسب مع التركيبة السياسية والفكرية للمجتمع المصرى هو النظام المختلط، لأنه لا يمكن – فى الوقت الحالى على أقل تقدير – تجريد منصب رئيس الجمهورية من صلاحياته بشكل كامل فى وطن إعتاد النظر دوما إلى هذا المنصب على أنه الراعى الرئيسى وحائط الصد الرسمى للدولة.. مع ضرورة إعطاء البرلمان المزيد من الصلاحيات السياسية والتشريعية حتى يتمكن من تنفيذ المهام التى أنشىء من أجلها، ولكى يمتلك أيضا المرونة الكافية التى تمكنه فى المستقبل من القيام ببعض المناورات السياسية التى لن يجد بدا من اللجوء إليها فى بعض الأحيان فى سبيل تحقيق المصلحة العليا للوطن. وعلى الرغم من أن ثمة توافق بدا يلوح فى الأفق بعد قيام بعض الإسلاميين بتعديل خطابهم وإعلانهم قبول النظام المختلط نظاما للحكم فى البلاد، إلا أن هذا التوافق بات معرضا للإنهيار، بعد ظهور بعض الدعوات التى تقول بضرورة الإسراع فى إنهاء المرحلة الإنتقالية ونقل السلطة إلى سلطة مدنية منتخبة عن طريق اللجوء إلى إجراء الإنتخابات الرئاسية قبل وضع الدستور الجديد. والحقيقة هى أن اللجوء إلى تنفيذ هذا المقترح يعد خطأ جسيما قد يعود بالبلاد إلى نقطة البداية، و إلى حالة الإستقطاب والإنقسام الحادة التى ظهرت من قبل كنتيجة للجدل الذى أثير حول إجراء الإنتخابات البرلمانية أولا أم ضرورة وضع الدستور أولا.. ذلك أن هذا الإقتراح قد تجاهل وضع رئيس الجمهورية والصلاحيات الموكلة إليه فى الدستور الجديد، مما سؤدى بالطبع إلى حدوث حالة من التخبط السياسى والدستورى التى قد تتطلب من المجلس العسكرى اللجوء لإضافة بعض المواد التى توضح إختصاصات الرئيس الجديد طبقا لما يراه – المجلس – مناسبا. كما أن مثل هذا المقترح – على الناحية الأخرى - قد يعصف بجميع ما تم تحقيقه من مبادىء وأهداف منذ إندلاع الثورة فى حالة تمكن أحد المرشحين الذين يتمتعون برضا المجلس العسكرى من الفوز فى الإنتخابات الرئاسية.. ذلك أنه سوف يتمتع أيضا بشرعية الصندوق الإنتخابى، وبالتالى من الممكن أن يتدخل بشكل أو بأخر فى تشكيل الهيئة التأسيسية لوضع الدستور فى حالة ما إذا أتاحت مواد الإعلان الدستورى الجديدة الخاصة بصلاحيات الرئيس له ذلك. ربما نتفق إذن مع الإقتراح الذى ينادى بضرورة الإسراع فى المضى قدما نحو تسليم السلطة فى 30 يونيو القادم طبقا للسيناريو الذى وضعه المجلس العسكرى، ولكن بعد وضع الدستور الذى سوف يحدد طبيعة هذه السلطة التى ستتسلم مقاليد الحكم فى البلاد أولا، وخصوصا مع بدء المجلس العسكرى وبعض القوى السياسية الأخرى – حزب الحرية والعدالة على سبيل المثال – بالفعل فى وضع مسودات تحتوى على الأطر العامة التى يجب أن يتضمنها الدستور الجديد، بما يحقق التوافق النفعى لجميع طوائف المجتمع.