في المكان البعيد الذي تقيم فيه، قررت سندريلا السينما العربية سعاد حسني الأسبوع الماضي أن تتصل هاتفيا بالمخرج خالد يوسف ولكنها لم تجده وتركت له رسالة قالت له فيها: كلمني. شكرا! واليوم استيقظت علي دقات التليفون.. ردت بنعومة وأنوثة صوت السندريلا: «آلو.. مين؟» فأجاب المتصل بالقول: - أنا خالد يوسف يا أستاذة.. إزيك؟ - كويسة يا خالد.. عامل إيه؟ أنا متابعاك ومتابعة أعمالك.. ومبسوطة بيك قوي؟ - يارب يخليكي.. ده شرف عظيم إن سندريلا السينما تتابع أعمالي ومعجبة بيها. - بس لي بعض الملاحظات ياخالد خصوصا أعمالك الأخيرة. - اتفضلي ياست الكل.. أنا كلي آذان صاغية. - اسمع ياخالد.. إنت رغم صغر سنك إلا أنك تفتخر بانتمائك فكريا إلي عصر 23 يوليو.. عصر الفن الجميل.. فن صلاح جاهين وإحسان عبدالقدوس وكامل الشناوي وعلي بدرخان ويوسف مرزوق وعبدالحليم حافظ ويوسف إدريس وصلاح عبدالصبور وأحمد بهاء الدين.. وأيضا يوسف شاهين.. صح ولا لأ ؟ - صح قوي.. فعلا ده صحيح.. وأنا بافتخر أنني أنتمي سياسيا إلي عصر عبدالناصر وثورة 23 يوليو الناصرية ولا أنكر ذلك. - كويس.. أنا وأنت بنحب الفن والسيما والدراما.. لم ندرس الفن في معاهد أكاديمية لكننا فنانين كده بالفطرة.. وطبعا بنحب الفن. - (بتلعثم).. طبعا - أكيد هاتقول لي فين المشكلة ياسعاد.. بص ياحبيبي.. أنا عاوزاك تشوف الدنيا بعيون متعددة وتخرج من إطار يوسف شاهين تدريجيا لتؤكد تميزك .. صحيح هوه أستاذك وأخذك من مهنتك كمهندس واتعلمت السيما علي إيديه لكنك مبدع وآن الأوان أن تقدم سينما حقيقية. - معلهش يا أستاذة سعاد.. هو أنا ما باقدمش سينما حقيقية من وجهة نظرك!!. - أصبر ياخالد.. أنا ما قصدتش أقول كده.. السينما ياحبيبي إمتاع .. ورصد الواقع دون تقديم حلول أو رؤية للمستقبل زي السباحة في عرض البحر دون رؤية الشاطئ. - أفلامي كلها تقدم رؤية للمستقبل.. يمكن علشان كده هاجموني وأنا شايف إن المبدع لا يمكن أن يفرض رؤيته كاملة. - أنا معاك.. بس تصويرك للواقع الرديء وإطلاق لقب «مخرج العشوائيات» عليك، هل أنت سعيد بذلك؟!! - مخرج العشوائيات.. لأ طبعا.. بس أنا شايف إن مهمة الفنان رصد الواقع فحسب وطرح الأسئلة، أما الإجابات والحلول فمهمة رجال السياسة والمعاهد والدراسات والأبحاث، وإذا حاول أي مبدع تقديم إجابات فإن ذلك يعني مصادرة حرية الآخرين في إيجاد الحلول. - كويس.. بس حاول إنك تقدم قدرًا من الأمتاع في أعمالك.. الدول العربية بتبص لنا وحش نتيجة مثل تلك الأعمال التي تقدمها، فين سينما الستينيات اللي إنت بتقول إنك واحد من أبنائها.. هذه السينما كانت سفيرة لمصر تقدم لكل أشقائنا العرب أشياء جميلة تمنوا أن تكون في بلادهم.. أما أفلام العشوائيات فهي تجعلهم يرفضون مصر وواقعها وحياة ناسها.. بقي ده يرضيك ياخالد.. يرضيك إن الجزائريين يشتموا جمهور الكرة المصري في السودان ويوصفوا نساءنا وبناتنا ورجالنا بأوصاف أخذوها كلها من الأعمال السينمائية والفنية التي نقدمها نحن عن أنفسنا.. شتمونا بالصورة اللي شافوها في أعمالنا الفنية.. صح ولا لأ؟! - معلش يا أستاذة.. أنا عندي وجهة نظر مختلفة بخصوص موضوع الجزائر.. بس أنا عاوز أقول إن الواقع هو الذي يفرض نفسه علي الفن وليس العكس. - وأين دور الفن والإبداع في تغيير الواقع إلي الأفضل؟! كمان لاحظ إنك بتقدم صورة مشوهة في بعض أعمالك للمرأة.. وإيه المشهد العبيط اللي قدمته غادة عبدالرازق في فيلمك الأخير «كلمني .. شكرا» حينما عرضت فخذيها علي الكاميرا وخبطت عليهم وقالت للبطل عمرو عبدالجليل: أظن إن البضاعة إنت عارفها كويس ومجربها، صحيح إن الشخصية تتحدث بمفردات لغتها وتكوين شخصيتها ولكنك المخرج، مايسترو العمل الذي يمكن أن يضبط الإيقاع ويفكر في الناس والجمهور أثناء تصوير وصناعة الفيلم. - مش فاهم وإيه المشكلة في كلام غادة؟ - المشكلة يا ابني إن الجمهور مش كله بيسمع هذه الألفاظ الفجة والقبيحة التي تأتي علي لسان أبطال وبطلات أفلامك.. مصر لسه فيها ناس محترمة بتحب تتفرج علي فن يرتقي بذوقها وتحب تتفرج علي سينما مع عائلاتها.. هل تريد أن الناس تتقبل كلام الشارع اللي طول عمره موجود ويقتحم عليهم جلساتهم العائلية بل وغرف نومهم بدعوي أن ذلك هو الواقع. - مش عارف أقول لك إيه يا أستاذة.. إنت فنانة كبيرة وأحب دايما أسمع منك، بس واضح إن الواقع تغير عن فترة الستينيات.. ونحن نجد أنفسنا وسط هذا الكم الهائل من التغيير ونصبح مجبرين علي تصويره في أعمالنا. - يا حبيبي ما تصوره.. بس إنت فنان ولازم تعرف إن مهمة الفن ليست مقصورة علي نقل الواقع ورصده كما هو فقط.. الفن له رسالة تتمثل في العمل علي الارتقاء بأذواق الناس.. باختصار ياخالد.. أنا عاوزاك في كل مشهد من المشاهد التي تقوم بتصويرها في أعمالك القادمة تسأل نفسك.. هل هذا المشهد سيساهم في زيادة الابتذال والسطحية والتفاهة في المجتمع؟ ولأنك مبدع وفنان يمكنك أن تقول كل شيء بطريقة لاتساعد علي انتشار الابتذال والتفاهة والسطحية.. ساهم ياخالد في إصلاح المجتمع ولا تعمل علي تسريع انهياره وتفتيته. - إيه ده ياست الكل.. ده اتهام خطير.. أنا لا أساعد علي تفتيت وحدة هذا المجتمع.دي بلدي وبحبها ولا يمكن أبدا أن يكون ده قصدي.. أنا فنان وعندي نوايا حسنة دائما في أعمالي. - عمك صلاح جاهين كان دايما يقول لي: الطريق إلي الجحيم مفروش بالنوايا الحسنة. - اسمعي يا أستاذة.. أنا باجهز لفيلم جديد وعايز حضرتك تشرفيني فيه في دور يتناسب مع قيمتك الفنية الكبيرة. - دور إيه ياخالد.. تقصد دور زي دور أختي وحبيبتي شويكار في فيلمك الأخير «كلمني.. شكرا».. بص ياحبيبي.. أنا متشكرة جدا علي هذا العرض.. بس أنا عرفت إنك مشغول في انتخابات النقابة الأيام دي.. ركز فيها وربنا يوفقك.. بس ما تنساش كلمة عمك صلاح جاهين اللي كان بيرددها كتير: الطريق للجحيم مفروش بالنوايا الحسنة. وخلينا دايما علي اتصال.. شكرا ياخالد. وانقطع الخط.