الشعب المصري يريد إسقاط نظام مبارك نهائيا.. هذا هو ما لا يفهمه المجلس العسكري الحاكم ولا تفهمه غالبا حكومة عصام شرف الضعيفة المرتبكة.. ليس هذا فقط بل أن كليهما – المجلس والحكومة – يردان على مطالبة مئات الآلاف من الشباب الثائر بإسقاط النظام على نفس طريقة وثقافة مبارك وعصره ورجاله... الضرب والعنف والتخوين والاعتقال واتهام الآخر وغيرها من طرق ووسائل كان يستخدمها النظام الساقط، وهي نفس الطرق التي أدت لرحيله غير مأسوف عليه. هنا بالضبط يبدو السبب الرئيسي للغليان والاحتقان الشديد اللذين تمر بهما مصر، وكانت ذروتهما أحداث ميدان التحرير أمس السبت، المصريون يرغبون في إنهاء نظام مبارك بشكل كامل، والإنهاء معناه التخلص من النظام ورجاله ورموزه وأافكاره وسياساته وثقافته وكل ما يمت له بصلة، المصريون يرغبون في محاسبة الفاسدين وتطهير مؤسسات الدولة من الفساد ووضع قوانين تضمن وتصون الحريات العامة وغل يد وزارة الداخلية عن التعذيب وإهانة المواطن وإصدار قانون بعزل رموز النظام السابق والاتفاق على جدول زمني واضح لنقل السلطة إلى المدنيين وعدم التلكؤ في محاكمات رموز النظام الساقط والتعامل خلال الفترة الانتقالية الحالية بروح تختلف تماما عما كان سائدا في العهد البائد فيما يتعلق بكرامة الانسان وحقه في الحياة والحرية. المصريون يرغبون في تغيير اجتماعي واقتصادي للحد من الغلاء ومكافحة الفقر والبطالة ومنح الحق في التعليم والتأمين الصحي والحق في البيئة النظيفة و الحق في السكن... إلخ. هذا بالظبط هو الفرق بين فهم المصريين والشباب الثائر للثورة العظيمة التي قامت وأسقطت رأس النظام الفاسد ورجاله وبين فهم المجلس العسكري لما حدث في 25 يناير، إذ يبدو أن المجلس العسكري لا يعترف بأن ما حدث في 25 يناير كان ثورة كاملة الأركان فجرها الشباب وشارك فيها كل فئات الشعب المصري العظيم وكأن المجلس العسكري يتعامل مع ما حدث على أنه مجرد احتجاجات أو "انتفاضة" انتهت بتنحي مبارك. ما نستطيع قوله والتأكيد عليه أن الأمر إذا استمر هكذا وواصل المجلس العسكري – وحكومته– التعامل مع الأوضاع في مصر بنفس الشكل، فإني أبشركم باستمرار الغضب والاحتقان كما هو – هذا إذا لم يزد ويتحول لثورة جديدة– أما إذا أدرك المجلس العسكري قيمة ما حدث في 25 يناير، وأنها ثورة لها استحقاقات ذكرناها في السطور السابقة، فإن الأمور بالتأكيد ستسير في طريق الاستقرار الذي سنضمنه فقط لو اقتنع الشباب الثائر – وجميع المصريين– أن الثورة العظيمة التي دفع المصريون من دمائهم ثمنا لها ستنتصر بشكل حاسم.