"إن التوجهات الحاكمة في الوثيقة الدستورية تنطلق من مخاوف مفهومة ومشروعة من قبل قطاعات واسعة من المصريين، من مأساة الدولة الدينية الفاشية في الدستور الجديد إلا أنه في نفس الوقت يعتبر أن إقرار مثل هذه الوثيقة بصياغتها الراهنة، رغمًا عن تحفظات عدد كبير من القوى السياسية ومن منظمات المجتمع المدني عليها، يشكل نوعًا من عقود الإذعان التي تزدري بشكل صارخ حق المصريين في وضع القواعد والمرتكزات التي يرتضونها ويتوافقون عليها، سواء لصياغة دستور جديد للبلاد، أو لاختيار أعضاء الهيئة التأسيسية التي سينوط بها مهمة صياغة الدستور". هكذا كان رأي مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والذي طالب حكومة الدكتور عصام شرف بسحب الصياغة المطروحة لوثيقة "إعلان المبادئ الأساسية للدستور"، كما أعلن المركز عن رفضه لوثيقة المبادئ الفوق دستورية، ودعى جميع القوى السياسية الليبرالية واليسارية والعلمانية، إلى إتخاذ موقف أخلاقي ينحاز إلى قيم حقوق الإنسان والديمقراطية، ورفض مبادلة خطر فاشية دينية محتملة بمباركة هيمنة عسكرية على الدستور، كما دعا إلى أن تنأى القوى السياسية عن الانزلاق إلى الانتهازية التي انزلقت إليها أغلبية التيارات الإسلامية، والتي تبارت في نفاق المجلس العسكري، والصمت على جرائم حقوق الإنسان المرتكبة، طالما لم تطل أعضائها أو أنصارها، ، خاصة مع توقع هذه التيارات أن السلطة توشك أن تصير لها، كما دعا المركز المجلس الأعلى للقوات المسلحة لأن يدرك أن مكانة القوات المسلحة في الدستور وفي الضمير الجمعي للمصريين يجب أن تُبنى من خلال الحوار والتوافق المجتمعي بين كافة أطياف المجتمع، في إطار الالتزام بالمعايير الدولية للنظم الديمقراطية، واحترام إرادة الشعب المصري وصيانة كرامته. وقال المركز في بيان له اليوم لقد كان من المنطقي في ظل الإدارة الفاشلة من قبل المجلس العسكري للفترة الانتقالية، وما اقترن بها من إعطاء الأولوية لانتخاب مؤسسات الحكم قبل صياغة الدستور الذي يحدد صلاحيات هذه المؤسسات وطابع العلاقة فيما بينها، أن بادر عدد من الرموز السياسية، وكذلك منظمات حقوق الإنسان ببلورة قواعد يمكن التوافق عليها عبر الحوار بين مختلف القوى والتيارات السياسية والقائمين على إدارة شئون البلاد، ويمكن أن تشكل بوصلة توجه عمل الهيئة التأسيسية في صياغة الدستور الجديد، وفي تحديد المبادئ الأساسية الحاكمة في نصوص الدستور، والتي لا يجوز لأي من التيارات السياسية أو المدارس الفكرية المتنافسة أن تنقلب على تلك المبادئ أو تقوضها، استنادا إلى أنها تمثل الأغلبية في لحظة ما، كان من المؤسف أن الوثيقة المقترحة من حكومة شرف قد التفت على تلك المبادرات، واستثمرت إلى أقصى مدى الخوف من الإسلاميين، والخشية من تكرار نماذج استبداد الدولة الدينية في دول مجاورة، لكي تمنح المؤسسة العسكرية ومجلسها الأعلى امتيازات استثنائية تجعلها فوق السلطات الدستورية، و فوق أي قانون، وتمنحها تفويضًا بحماية الدولة المدنية والشرعية الدستورية، وضمنيًا الحريات العامة وحقوق الإنسان، رغم أن تجربة 8 شهور مع المجلس العسكري تبرهن بشكل قاطع على أنه غير مؤهل لهذا الدور، ولا يؤتمن على حماية الحريات وحقوق الإنسان. ووجه البيان انتقاده للوثيقة خاصة المادة التاسعة التي تعطي القوات المسلحة دورا رئيسيًا في الحياة السياسية، تحت مسمى "حماية الشرعية الدستورية"، إضافة إلى إنفراده بالنظر في كل ما يتعلق بشئون القوات المسلحة وميزانيتها، وهو أيضًا المختص دون غيره بالموافقة على أي تشريع يتعلق بالقوات المسلحة قبل إصداره. والواقع أن اليد الطولى للمؤسسة العسكرية التي يُراد إطلاقها في الدستور الجديد، تظهر بوضوح أيضًا فيما ابتدعته الوثيقة من قواعد، سواء في تشكيل الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور أو لإقراره بصورة نهائية. كما تمنح الوثيقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة حق الفيتو للاعتراض على ما ستنتهي إليه الهيئة التأسيسية من نصوص للدستور الجديد إذا ما ارتأى المجلس أن مشروع الدستور الجديد به نصوص تتعارض مع ما وصفته الوثيقة بالمقومات الأساسية للدولة والحقوق والحريات العامة. ولا يقلل من خطورة هذه الوثيقة ما تنص عليه من الاحتكام إلى المحكمة الدستورية العليا في حالة الخلاف بين الهيئة التأسيسية والمجلس الأعلى للقوات المسلحة وخاصة، إذا ما أُخذ في الاعتبار أن المحكمة الدستورية هي الأكثر افتقارًا إلى ضمانات استقلال القضاء من بين المحاكم العليا المصرية، وأن رئيس المحكمة الدستورية معين من رئيس الجمهورية. كما تمنح الوثيقة المجلس العسكري سلطة تشكيل جمعية تأسيسية جديدة –دون الرجوع لمجلسي الشعب الشورى أو هيئة الناخبين- إذا لم تنته الجمعية التأسيسية من إعداد مشروع الدستور في غضون المهلة الزمنية المحددة بستة أشهر بعد إعلان تشكيلها. واقترح البيان أن تعرض مسودة الدستور الذي ستتوصل إليه الهيئة التأسيسية على هيئة مكونة من رؤساء المحاكم العليا برئاسة رئيس المجلس الأعلى للقضاء، للنظر في مدى اتساق المسودة مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان وفقا للاتفاقيات التي صدقت عليها مصر، فإذا توصلت إلى وجود تباينات محدودة أعادت المسودة للهيئة التأسيسية لتلافي هذه التباينات، فإذا رفضت الهيئة التأسيسية تعديل المسودة، أو كانت التناقضات كبيرة بين المسودة والمعايير الدولية، يقوم المجلس الأعلى للقوات المسلحة بناء على توصية من رؤساء المحاكم العليا بحل الهيئة التأسيسية ودعوة مجلسي الشعب والشورى لاختيار هيئة تأسيسية جديدة".