لدي اقتراح أظن أنه يخرجنا من المأزق الذي وجدنا فيه أنفسنا في هذه اللحظة الفارقة من تاريخ ثورتنا المجيدة، الاقتراح أقدمه إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة والحكومة المؤقتة، وهو بكل بساطة يفتح المجال واسعاً مرة أخرى لكي نصحح مسار الفترة الانتقالية، ويصوب الاتجاه إلى تحقيق أهداف الثورة كاملة غير منقوصة. قبل أن أذكر اقتراحي أود التأكيد على أن ما حققناه كثير، ولابد أن ندرك جميعاً (شعب وجيش وحكومة) أننا يمكن أن نخسر ما تحقق، إذا لم نحسن التصرف بالطريقة المناسبة وفي الوقت المناسب، فالثورة مهددة، وفلول النظام الساقط لن تترك فرصة لكي تعاود مجدداً الانقضاض على ما حققته، والشواهد كثيرة، ويكفي أن نستمع إلى هؤلاء الذين كانوا إلى وقت قريب في جعبة النظام السابق وهم يسخرون من الحديث عن قوى الثورة المضادة، هم في الحقيقة يخشون على أنفسهم لأنهم متورطين. يتامى النظام السابق وأرامله كثيرون، وما يزالون في مواقعهم يعبثون بما تحت أيديهم، وما جرى في فروع أمن الدولة يشير إلى أن الثورة لا تزال في الشارع، وهو ربما ما يدفع البعض إلى التمسك بالوجود في الشارع حتى تطمئن القلوب إلى أن الانتقال الآمن للثورة إلى الدولة قد اكتملت أركانه. نحن أمام مأزق حقيقي، مأزق تتجمع في دائرته عدة مشاكل تحتاج إلى حلول سريعة بدون إبطاء، أهمها المشكل الأمني، وثانيها المشكل الاقتصادي، وثالثها وهو الأهم فيما أرى، عدم التوافق الوطني العام على مهمات وتوقيتات ومراحل الفترة الانتقالية، خاصة وأننا أمام تصور لها وضعه المجلس العسكري منذ اللحظة التي وجد نفسه فيها يمسك بكرة النار التي ألقيت إليه. تصور المجلس العسكري له هدف نبيل ومتفق عليه، وهو رجوع الجيش إلى ثكناته في أسرع وقت ممكن، وقد قدر المجلس العسكري هذا الوقت بستة أشهر لا تزيد يوماً واحداً حسب وعدهم. لكننا ومع بدء تنفيذ التصور المطروح للفترة الانتقالية وجدنا أنفسنا أمام أكثر من سؤال، أو فلنقل بكل صراحة ووضوح : إننا أمام أكثر من معضلة، أولها معضلة الأمن المستباح، واستشراء ظواهر البلطجة، والانفلات الأمني، وغياب الثقة بين الشعب وبين جهاز الشرطة، وهي ظواهر تحتاج إلى وقت وجهد مكثف ومضني وصادق. ثم نحن الآن نتجه بسرعة إلى إجراء استفتاء على تعديلات مقترحة على الدستور لم تأخذ حقها من المناقشة العامة، ولم تحظ بتوافق وطني جامع عليها، وبعضها مرفوض من قطاعات كبيرة من الشعب، فضلاً عن أنها جاءت بديلاً عن واحد من أهم أهداف ثورة يناير وهو وضع دستور جديد للبلاد يعبر عن توافق مجتمعي جديد. كان الطبيعي أن تتجه الأمور إلى إسقاط الدستور القديم، ووقف العمل به، وأن يجري العمل على أساس من إعلان دستوري يتضمن المبادئ العامة التي قامت من أجلها ثورة يناير، تحت عناوين الحرية والعدالة وكرامة المواطن، ثم تنخرط الأمة في وضع دستور جديد عن طريق لجنة تأسيسية منتخبة أو متوافق عليها. الأسئلة التي يطرحها الواقع الآن كثيرة، ولا إجابات شافية عنها، والخلاف حول الإجابات المطروحة عميقة، على سبيل المثال: أيهما يسبق الآخر: الاتجاه نحو إجراء أكثر من عملية انتخابية كبيرة، واحدة لمجلس الشعب وأخرى لمجلس الشورى وثالثة لانتخاب رئيس الجمهورية، أم الاتجاه مباشرة إلى استعادة الأمن والإمساك بزمام الأمور المنفلت، وكيف تجري كل هذه الانتخابات في ظل تفاقم ظاهرة البلطجة التي تزدهر وتزدهر سوقها أكثر فأكثر في أوقات الانتخابات. سؤال آخر ملح : هل تكفي مهلة الشهور الستة التي انقضى منها شهر في انجاز كل هذه المهام بطريقة مرضية. وسؤال ثالث لا يقل أهمية: أيهما يسبق الآخر، انتخاب رئيس الجمهورية أم الانتخابات البرلمانية؟ وأيهما يحقق هدف تسليم البلاد للسلطة المدنية في غضون ستة شهور؟ وسؤال أخير هو أكثرها خطورة: ماذا لو جاءت نتيجة الاستفتاء ترفض التعديلات، هل يعني ذلك موافقة الشعب على بقاء الدستور القديم؟ هنا مشكلة كبيرة، فماذا نفعل والاستفتاء على الأبواب والتعديلات تلقى رفضاً ملموساً، وكيف نخرج من هنا؟ اقتراحي البسيط هو أن تتضمن ورقة الاستفتاء على التعديلات الدستورية المقترحة، ثلاثة خيارات يختار من بينها المواطن ما يشاء: أوافق على التعديلات، لا أوافق على التعديلات، أطالب بدستور جديد. ساعتها ستكون الخيارات واضحة، الموافق على التعديلات يعني أنه موافق على بقاء الدستور القديم مع إدخال هذه التعديلات عليه، ويكون غير الموافق على التعديلات مع بقاء الدستور القديم كما هو بدون تعديل، ويكون الخيار الثالث هو التوجه فورا إلى وضع دستور جديد للبلاد. على أساس نتيجة الاستفتاء يمكننا التفكير في الخطوة التالية على خريطة الطريق الصحيح إلى المستقبل.