الأديب العظيم، رسول الحزن، بهاء طاهر يقول: "لولا المتنبي ما عرفنا كافور الأخشيدي"، وأنا أقول: "لولا إبراهيم عيسى ما عرفنا رضا إدوارد". والصحافي العراقي منتظر الزيدي تميّز عن غيره من الصحفيين بجزمته التي رمى بها جورج بوش الابن، أو "بشبوش المربوش"، كما يسميه الزول السوداني جعفر عباس، ورضا إدوارد تميز عن غيره من ملّاك الصحف بجزمته التي يدير بها الجريدة، بعد أن تركها له المقاتلون وتضامنوا مع كبيرهم الكومندانت إبراهيم عيسى، الذي علمهم سحر الصحافة وجنونها، فعلمّوا - بدورهم - الناس كيف يكون الوفاء المصري. وأكذب لو قلت إنني أحد الذين توقعوا إقالة الكومندانت، لعدم اطلاعي على التفاصيل الدقيقة للشأن الداخلي المصري. بل لولا الخجل لكشفت للناس أنني لم أكن أعرف السيد البدوي "زاتو" قبل شراء الجريدة، لكن الله يحب الستر... وسبق أن أُصبت بنوبة تفاؤل مخلوطة بهبل فكتبت أن السيد البدوي ورضا إدوارد من أبناء عمي – بعدما قرأت تصريحات البدوي الوردية - لكن فحص ال"دي ان ايه" أظهر أنهما من أبناء عم الحكومة. والسيد البدوي يزعم أنه يزاول السياسة منذ ربع قرن، ووالله لو أنه زاولها منذ "قرنين وحتة" كما يقول البورسعيدية ما كانت شهرته لتعمّ الوطن العربي لولا ارتباط اسمه بطرف بنطلون الكومندانت إبراهيم عيسى. ولا أدري كيف يتفاخر السيد البدوي ويتفشخر أنه يمارس العادة السياسية منذ ربع قرن، ومع ذا لم يدرك معنى "إقالة إبراهيم عيسى"! هل كان يتوهم تاجر الدواء أن الكومندانت متوافر في أقرب صيدلية مناوبة، وأن ثلاجات المخازن مملوءة بإبراهيمات تعوّض نقص الكميات المستهلكة؟ ألم يدرك أن زلزال إقالة الكومندانت ستصل توابعه إلى حزب الوفد الذي يرأسه، وقد تمتد توابعه فتهتز بقية المؤسسات المرتبطة باسمه؟ وها هو مبنى حزب الوفد يتصدع، وتتشقق جدرانه، ويغادره الحكماء والبسطاء من عشاق مصر، وعلى رأسهم شيخ صعاليك هذا الزمان الفاجومي أحمد فؤاد نجم. جريدة الدستور، لمن لا يعرفها، هي جمرة حمراء ملتهبة، أشعلها الكومندانت ووضعها بحرفنة فوق "حجر الشيشة"، وجلس "يشيّش" واضعاً رجلاً على رجل، فتعدّل مزاجه ومزاج صحبه وقرائه المصريين، وما هي إلا فترة وإذا رائحة شيشته المنعشة تنتشر خارج مصر إلى أن وصلت إلينا في صحراء العرب، فتمايلت لها رؤوسنا انتعاشاً وسلطنة. فجاء السيد البدوي، بأبهة مصطنعة، وأمسكَ الجمرة بيده فأحرقت كفّه، فصرخ ورماها إلى يده الثانية فأحرقت أصابعه، فرماها فوقعت على بنطلونه فحرقته وخرقته، فنهض يجري وينفض يديه ورجليه وهو يصرخ ويولول. وكما أن بنوك سويسرا هي ملجأ تجار السلطات العربية، في حال ثارت الشعوب وطالبت باسترداد أموالها، كذلك كانت جريدة الدستور هي بنك المتمردين العرب وملجأهم الآمن إن تعرضت أقلامهم إلى قصف أو نسف. الله على الدستور قبل جزمة إدوارد، الله عليها عندما نشرت إحدى الصحف الكويتية الراقصة في بلاط رئيس حكومتنا خبر صدور أوامر بمنع ادخالها وتداولها في الكويت، كما لو أنها أسلحة فتّاكة. كان هذا قبل نحو شهرين. أما الآن فأظن أن حكومتنا ستشتري الدستور الجديدة، التي تصدر بجزمة إدوارد، وستوزعها مجاناً على المواطنين والمقيمين في الكويت. وكانت إسرائيل تتبجح بأنها الأكثر حرية في المنطقة، وهي الأعلى قامة، وراحت تستعرض طولها، فنهضت جريدة الدستور المصرية واقفة، فإذا هي عملاقة، تطاولها وتتحداها شجاعة وعمقاً. وليش نروح إلى إسرائيل، تعالوا إلى صحافتنا الكويتية التي نفتخر أنها الأولى عربياً، فظهرت لنا الدستور المصرية "ما ندري من وين"، فتلفّتنا انبهاراً وتهامسنا: "من الذي قال أن الكويت أكثر حرية من مصر؟ ها هم المصريون يتعملقون"... وجاء السيد البدوي ورضا إدوارد من هنااااك فكسرا رقبة الصحافة المصرية، لتبدو أقصر من صحف الدول الأخرى، وتثير الشفقة. على أن أكثر من يثير الشفقة هو من يظن أن الكومندانت إبراهيم عيسى سيقضي عمره يكتب مذكراته ويمسح دموعه... الكومندانت سيفاجئ الأغبياء قريباً وهو يمتطي حصانه مرة أخرى، ويستعرض جنوده الأبطال الذين لم يخذلوه، قبل أن يشير إلى الهدف، ويتقدمهم رافعاً علمه الأحمر، ليعيد إلى مصر صدارتها. الأبطال لا يقبلون الهزيمة... أبداً...