سؤال شائك وجه إليَّ قبل الذهاب: كيف كنت في ضريح عبدالناصر صباح الثلاثاء ولقاء مبارك صباح الخميس؟ أذهب لضريح عبدالناصر ثلاث مرات كل عام في 28سبتمبر و 15 يناير و 23 يوليو ولا تناقض في ذلك مع الذهاب للقاء مبارك سأل صلاح منتصر فاروق حسني في عزاء أحمد ماهر: لماذا لم تحضر لقاء الرئيس؟ الرئيس في لقائه مع الأدباء (1) السؤال: حتي قبل أن نذهب إليه حاصرتني الأسئلة: ماذا ستقول له؟ ما الأسئلة التي تحب أن توجهها له؟ ولم يكن ممكناً الإجابة عن هذه الأسئلة لأن اللقاء لم يحدث وقد لا يحدث، فقد تحول دون حدوثه أي أمور طارئة، ثم إنه ليس من الذوق ولا من اللياقة أن يذهب الإنسان معلناً أسئلته لأنه قد لا تكون هناك أسئلة. لكن السؤال الذي لم أجب عنه وأكتبه لأشرك القراء فيه عندما قيل لي: كيف كنت في ضريح عبدالناصر صباح الثلاثاء، ثم كنت في قصر العروبة في لقاء الرئيس مبارك صباح الخميس؟ لا يفصل بين اللقاءين سوي ساعات، وقد ذهلت من السؤال ولم أشأ الإجابة عنه. لأن بعض الأسئلة تصل غرابتها لحد إسكات طيور الدهشة في صدرك واعتقال خيالك وإرغامك علي أن تمشي تحت الأرض وبداخل الحائط. أي تناقض يمكن أن يكون بين ذهابي لضريح عبدالناصر يوم 28 سبتمبر، ذكري استشهاده - وذهابي لضريحه في 15 يناير - ذكري ميلاده - وذهابي في الثالث والعشرين من يوليو - ذكري ثورته.- أنا لا أري في ذلك عبادة لأصنام، فعبدالناصر لا يمكن أن يكون صنماً، إنه معني حي وحاضر في حياتي وحياة أبناء جيلي، إلا من اختاروا الخروج عليه أو إدانته أو النظر لإنجازاته علي طريقة نصف الكوب الفارغ. أنا لا أري أي تناقض بين إحياء ذكري عبدالناصر وتلبية دعوة كريمة لحضور لقاء فكري مع الرئيس مبارك. خصوصاً أن هذا اللقاء توقف منذ سنوات. وقد كان يجري مع افتتاح معرض القاهرة الدولي للكتاب ثم نقل إلي خارج المعرض. وعقد مرة في رئاسة الجمهورية ومرة ثانية في مكتبة القاهرة الكبري في الزمالك. لكنه - اللقاء - لم يعد له طابع الاستمرار ولا التواصل. (2) الوفد والطريق: التقينا في الثامنة إلا الربع صباحاً في كافيتريا المجلس الأعلي للثقافة، وقد بذل الدكتور عماد بدر الدين أبو غازي مجهوداً ضخماً ليكون المجلس مفتوحاً في هذا الوقت المبكر، لأن أبواب المجلس تكون مغلقة بسبب قيام شخصية مهمة بعمل تمرينات رياضية في مكان قريب من المجلس، ثم تحركنا في الثامنة إلي قصر العروبة بمصر الجديدة، في الطريق كان الكلام عن تشكيل الوفد، حيث قالوا إن الوزير فاروق حسني هو الذي اختار المشاركين وأرسلت أسماؤهم إلي الرئاسة وتمت الموافقة عليها دون حذف ودون إضافة. والمشاركون كانوا: الدكتورة سامية الساعاتي، عائشة عبدالمحسن أبو النور، أحمد عبدالمعطي حجازي، جابر عصفور، خيري شلبي، صلاح عيسي، أنيس منصور، سيد يس، محمد سلماوي، فوزي فهمي، ويوسف القعيد. ربما يكون الوزير قد تشاور مع مساعديه، لكنه كان صاحب القرار الأول والأخير، وفي مثل هذه اللقاءات فإن الغياب يشبه الحضور تماماً.. اتصل بي طلعت الشايب ليسألني: لماذا لم يحضر عماد أبو غازي؟ ولماذا لم يحضر أحمد مجاهد؟ لم يكن لديَّ سبب لأقوله له، لكنني أعتقد أن الوزير تجنب المسئولين في الوزارة حتي لو كانوا من المثقفين. آخر الليل اتصل بي من الغردقة إبراهيم أصلان، وكان منزعجاً مما كتب علي الفيس بوك من أنه رفض الذهاب للرئيس مبارك لأنه لا يعرف سبب اللقاء، فقد قال لي إنه في الغردقة ولو أنه أبلغ بموعد اللقاء مبكراً لعاد من الغردقة، وأن الأمر لا رفض فيه ولا يحزنون. أيضاً كتبوا وقالوا إن وحيد حامد استبعد من الذين حضروا اللقاء حتي لا تبدو الدولة وكأنها تكافئه علي مسلسل «الجماعة»، وحقيقة الأمر أن وحيد حامد يجري جراحة في ألمانيا، نتمني له العودة سالماً غانماً. أما فاروق شوشة فقد كان يعاني نزلة معوية حادة منعته من الخروج من البيت، هكذا قيل لي. بالنسبة للحضور والغياب فوجئ فاروق حسني في مسجد عمر مكرم عندما ذهب للعزاء في أحمد ماهر - وزير خارجية مصر السابق - بصلاح منتصر يسأله عن غيابه عن لقاء الرئيس، فقال له إنه كان موجوداً، فرد عليه بأن ما عرض في التليفزيون لم يكن موجوداً فيه. وحقيقة الأمر أن فاروق حسني حضر متأخراً عن بداية اللقاء دقائق معدودة. ولم يسأله الرئيس عن شيء بل رحب به وتنازل له أنس الفقي عن المقعد المجاور لمبارك. وتأخير الوزير سببه أنه يسكن عند أول طريق الصعيد وقد حدث تدخل كبير لتسهيل الطريق أمام سيارته حتي يصل في الموعد المحدد لبدء اللقاء الذي كان قد عرفه سلفاً وهو التاسعة والربع صباحاً، وانتهي اللقاء في الواحدة والنصف. وبعيداً عن أي مبالغات فقد استمر مبارك علي مدي أربع ساعات وربع الساعة يتحدث من ذاكرته، لم يستعن بورق ولا بأرقام إلا في حالة واحدة، عندما قدم له السفير سليمان عواد بياناً بعدد الكنائس التي بنيت في مصر منذ حكم الملك فؤاد وحتي حكم مبارك. والأرقام من الذاكرة تقول: إن أعلي رقم كان في زمن حكم الرئيس مبارك. أنس الفقي كان الوحيد الذي دخل اللقاء وبيده أصغر لاب توب أراه في حياتي، موضوع في قطيفة سوداء، وكان أنس الفقي مسلحاً بأرقام دقيقة يحفظها عن ظهر قلب ويقولها وقت أن يحتاج الكلام لأن يدعم بأرقام محددة. وبجواره جلس السفير سليمان عواد الذي كان يحمل أوراقاً كثيرة. لكن الأهم بالنسبة لي عدد كبير من الأقلام الفلوماستر التي تكتب خطوطاً سميكة فتبدو كما لو كانت عناوين صحفية أكثر منها كتابة عادية. (3) مجرد عناوين فقط: من الصعب كتابة محضر بما قيل، فليس كل ما يسمع يقال، وليس كل ما يقال يبدو صالحاً للنشر. الوحيد الذي دون مثل هذا المحضر كان السفير سليمان عواد، لكن هذه مجرد عناوين فقط لتساؤلات قيلت وإجابات ردت عليها. وقد تحدث جابر عصفور عن الاحتقان الديني في المجتمع المصري والأخطار التي يمكن أن يشكلها في المستقبل القريب أو البعيد واقترح بناء علي طلب من الرئيس أن يتم التنسيق بين أربع وزارات هي خط الدفاع الأول في مواجهة التطرف، والوزارات هي: الثقافة، الإعلام، التربية والتعليم، الأوقاف. ولم يمانع الرئيس في ذلك. عندما جري الكلام عن مؤتمر المثقفين الذي سيعقد في ديسمبر المقبل لم يمانع الرئيس في حضوره وتوجيه كلمة سواء في الجلسة الافتتاحية أم الختامية، المهم هو تنظيم المواعيد لأن جدوله مزدحم خلال شهر ديسمبر المقبل، وإن لم يتمكن من الحضور سيكون حريصاً علي توجيه كلمة للمؤتمر. وقد أكد أنه يعتبر المثقفين طليعة المجتمع المصري وهم ومجتمعهم المصري طليعة الأمة العربية كلها. أما تسليم أوسمة جوائز الدولة في الآداب والعلوم فقد وافق فوراً علي أن يكون هناك احتفال يمكن أن يسمي احتفال يوم الإبداع المصري يسلم فيه من لم يتسلموا مثل هذه الجوائز. وكان هذا التقليد سارياً في زمن الرئيس عبدالناصر من خلال عيد العلم الذي كان الرئيس يسلم فيه جميع الجوائز لمن فازوا بها خلال العام. وعند الكلام عن الاحتقان الطائفي في المجتمع المصري من الطرفين معاً حكي الرئيس من ذكرياته الشخصية عن تعايشه مع أسر مسيحية، وعندما سكنت أسرته في منزل يملكه مسيحيون مصريون لم يشعر لا المسيحيون ولا المسلمون بأن هناك فرقة بينهما. وأكد أنه لا يفرق بين مسلم ومسيحي في أي أمر من الأمور. وفي الوظائف العامة والقيادية إن عرض عليه مصري كفء تتوافر فيه شروط المنصب المطلوب فلا يمكن أن ينظر لديانته أو نوعه، لا يفرق بين مسلم ومسيحي، ولا بين رجل وامرأة، ويكون سعيداً عندما يجد أن المعروض عليه تتوافر فيه كل الشروط ولا تحول دون تعيينه أي ظروف أخري. (4) وعناوين أخري: وكانت بداية الكلام مع سيد يس الذي تحدث عن غياب علوم المستقبل من حياتنا وخلو الحياة المصرية من التفكير الاستراتيجي الذي يرحل إلي الزمن الآتي البعيد. وقال إن مصر بلا خطة مستقبلية تفكر في السنوات المقبلة قبل أن تصل إلينا. وقد وافقه الرئيس علي ضرورة أن يكون هذا الموضوع علي أجندة العمل العام في مصر، وإن كان قد أكد له أن في مصر مجالس مهمتها الأساسية رسم سياسات مستقبلية، وأن هناك برنامجاً لمصر 2020 وبرنامجاً لمصر 2050، وأنها ليست مجرد برامج علي الورق. بقدر ما هي سياسات فعلية مرتبطة بأرض الواقع. الأسعار كانت هماً من الهموم وقد تبارينا في ذكر أسعار الخضر كما نشتريها من الأسواق وإلي أي مدي وصل سعر كيلو الطماطم؟ وإلي أي مدي وصل سعر كيلو الخيار؟ وإلي أي مدي وصل سعر كيلو الفاصوليا؟ ومدي مقدرة المواطن المصري العادي علي شراء هذه الأشياء؟. وكان الرئيس واضحاً ومحدداً عند الرد علي ذلك، فعندما سألته عن عودة التسعيرة الجبرية مرة أخري إلي الأسواق المصرية أو بيع هذه السلع المهمة التي تمس حياة الفقير في مجمعات أو بمعرفة القوات المسلحة، قال إن التسعيرة الجبرية تستلزم آليات لتطبيقها وعقوبات وأجهزة تنفيذية لفرضها في أرض الواقع. أيضاً المجمعات كانت تؤخذ منها السلع الرخيصة لتباع في الأسواق السوداء، وأدي هذا لخلق سوق سوداء، وأنه شخصياً يعرف الكثير من هذه الحكايات التي كانت تجري في الواقع. لكن الأمل من وجهة نظره يرتبط بالزراعة، والزراعة لا تعني مشكلة أرض زراعية، ولكن مشكلة مياه، فحصتنا من مياه النيل معروفة ولا حل أمامنا إلا بتحلية مياه البحر. وقد بدأت التجربة فعلاً في مرسي مطروح ويمكن أن تمتد لسيناء وأماكن أخري كثيرة. أيضاً أنماط الاستهلاك المصرية غريبة لأن المصري شغوف بتخزين المواد التموينية في بيته والاستيلاء علي أكبر قدر من المواد التموينية بمجرد أن يشاع أن هذه المادة أو تلك معرضة للنقصان في الأسواق. قال الرئيس إنه معني بمتابعة أحوال المصريين، وعندما يجد الأمر الذي يستحق السؤال. فإنه يتصل بالمسئول ويطلب منه تقصي الأمر وبحثه والرد عليه، وأنه لا يكتفي بسؤال المسئول لكنه يحاول معرفة الأمور عبر طرق أخري حتي تكون الصورة كاملة ومكتملة عنده وحتي لا يأخذ الصورة من جانب واحد. (5) السودان وجنوب السودان: اتصل بي مصطفي بكري في وقت متأخر من الليل وسألني عن مكان السودان في حوارنا مع الرئيس، وقال إنه كان لا بد من أن نستمع لرأي الرئيس مبارك فيما يجري للسودان الآن، ومصطفي بكري معه حق، فقبل ذهابي إلي قصر الرئاسة كنت قد استمعت بأذني من الإذاعات العالمية لتصريحات أدلت بها هيلاري كلينتون وهي تتكلم عن الاستفتاء الذي يجري في يناير المقبل وسيقرر انفصال جنوب السودان. وكأن الاستفتاء الذي سيجري في أرض الواقع مجرد استكمال شكلي أو أن انفصال الجنوب يوشك أن يكون أمنية حقيقية لدي الولاياتالمتحدةالأمريكية. الكلام الذي لم يتم عن السودان يجعلني أتذكر الكلام الذي تم عن نهر النيل. فقد قال الرئيس إنه استمع من مسئول إثيوبي أن إثيوبيا لا يمكنها احتجاز قطرة مياه واحدة من مياه النيل وإلا ستغرق فوراً، وأن مصر تنشئ الآن مصالح كثيرة في إثيوبيا وأوغندا، وأنه في الوقت الذي كنا نجلس فيه مع الرئيس كان وزير الكهرباء يوقع اتفاقاً لإنشاء محطات كهرباء مصرية في أوغندا وهي لا يمكن أن تشكل استهلاكاً جديداً لمياه النيل. (6) وما أدراك ما الإنترنت: سألتني إذاعة الشباب والرياضة: هل يدخل الرئيس علي الإنترنت؟ قلت: لا أعرف. عادوا يسألون: هل يدخل رجال السكرتارية عنده علي الإنترنت ليطلعوا علي ما يموج به هذا العالم من آراء وتحولات وأفكار؟ قلت لهم: ليست لديّ إجابة. لكن من المؤكد أن رئاسة الجمهورية جزء من مصر الآن بل جزء قيادي وطليعي من مصر الآن ولا بد أنهم يفعلون ذلك ويقومون به، أما الكيفية التي يتم بها فليست لديَّ معلومات دقيقة عنها. (7) جمال الغيطاني: بعد اللقاء قال لي فاروق حسني إنه كان يتمني وجود جمال الغيطاني معنا في هذا اللقاء لكن ظروف مرضه ووجوده في الولاياتالمتحدةالأمريكية لاستكمال العلاج حالت دون ذلك. ثم أكمل: اللقاءات القادمة ستكون أكثر من اللقاءات التي مضت ومن المؤكد سيكون معنا. (8) اعتراف شخصي: يبقي إحساسي الشخصي.. ذهبت إلي قصر العروبة وفي ذهني كل ما يقال عن الفترة القادمة في مصر وعن السلطة السياسية ومستقبلها في مصر، لا أريد الدخول في جدل كلنا نعرفه، ولا ترديد أسماء نحفظها من كثرة ترديدها، لكن إحساسي الشخصي من رؤيتي لصحة مبارك وقدرته علي التركيز وعمل ذهنه وحضور وعيه أن هذا الرجل قد يرشح نفسه للرئاسة، وقد يمكن أن ترتفع لنسبة 90% وربما أكثر من 90%، لن أقول 99% حتي لا تستدعي هذه النسبة ما لا أحب أن تستدعيه من نسب الانتخابات أو الاستفتاءات، نحن لم نسأله، ربما لأننا كلنا استحضرنا عبارة أحمد بهاء الدين القديمة من أن الكلام مع حاكم مصر يجب أن يراعي بعض الظروف، والرجل لم يجب بالعبارة. لكنني أعتقد أن حالته الصحية ستمكنه من الاستمرار، أنا لست طبيباً ولم تكن معي عدة الأطباء ولم أقم بالكشف عليه لكن هذا هو إحساسي الذي خرجت به وأعتقد أن إحساسي لم يكذبني كثيراً.. استغرق اللقاء أربع ساعات وربع الساعة، شربنا خلالها الشاي والقهوة والشاي الأخضر فقط.